ميليشيا "ربع الله" تستعرض عسكرياً ببغداد.. متى يتوقف عبث إيران بالعراق؟‎

ميليشيا "ربع الله" تستعرض عسكرياً ببغداد.. متى يتوقف عبث إيران بالعراق؟‎


01/04/2021

أثار ظهور ميليشيا "ربع الله"، المدعومة من إيران، مؤخراً، تساؤلات متفاوتة حول تداعيات نشاطها الميداني المباغت، وخلفياته، من ناحية، وطبيعة السياق الذي بعث دورها الوظيفي، مجدداً، ومن ثم، الرسائل المباشرة التي تتوخى الإعلان عنها، من ناحية أخرى، خاصة أنّ التنظيم الطائفي المسلّح الذي تصادف الإعلان عن وجوده في أعقاب عملية اغتيال القياديين في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، مطلع العام الماضي، تركّزت مهامّه التقليدية على تعقّب "المخالفات الشرعية"، بحسب تصنيفاتهم الأيديولوجية، بالتالي، برزت اعتداءاتهم المتكررة بحقّ المدنيين، وحرق الفنادق والمراكز التجارية ومحال المشروبات الكحولية.

وكان تفجير المعهد الأمريكي لتدريس اللغة الإنجليزية، في النجف، في 18 أيلول (سبتمبر) العام الحالي، آخر العمليات العسكرية التي نفذتها.

"ربع الله".. ما القصة؟

قام التنظيم، الذي يتّخذ من "الولاعة" شعاراً له، بتنفيذ هجمات عنيفة ضد المعارضين لسياسات إيران، وكذا خصوم "هيئة الحشد الشعبي" والتنظيمات الولائية في العراق، مثلما جرى خلال الموجة الاحتجاجية التي اندلعت، في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2019، مع عدد من النشطاء والسياسيين، ما جعل مراقبين يعدّون ميليشيا "ربع الله" أحد الأذرع الأمنية لـ"الحشد"، بالرغم من عدم وجود صلات مباشرة ومعلنة، ونفي الحشد المتواصل لأيّ ارتباط بينهما.

مراقبون عدّوا ميليشيا "ربع الله" أحد الأذرع الأمنية لـ"الحشد" بالرغم من عدم وجود صلات مباشرة ومعلنة

وعليه؛ تورّط عناصر التنظيم بحرق مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني، بعد انتقادات عنيفة، صرّح بها القيادي بالحزب ووزير الخارجية العراقي السابق، هوشيار زيباري، ضدّ الحشد الشعبي؛ إذ شدّد الوزير العراقي السابق على ضرورة "تطهير المنطقة الخضراء من فصائل الحشد". ويضاف إلى ذلك حرق قناة "إم بي سي" الفضائية العراقية، لأسباب مماثلة.

أثار ظهور ميليشيا "ربع الله" المدعومة من إيران مؤخراً تساؤلات حول تداعيات نشاطها الميداني المباغت

في النصف الثاني من شهر آذار (مارس) الماضي، نفّذت عناصر ميليشياوية من تنظيم "ربع الله"، والذي يعني بحسب اللهجة العراقي (جماعة الله)، استعراضاً عسكرياً لافتاً، وهم ملثمون، بأسلحتهم الثقيلة والخفيفة، من بينها؛ قاذفات صواريخ وأسلحة رشاشة.

كما حملوا، أثناء استعراضهم العسكري، في العاصمة العراقية، بغداد، صورة رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، بينما طبع عليها حذاء، وقد هاجموا الحكومة ورددوا هتافات مناوئة لها، وطالبوا بـ "خفض سعر الدولار.. وعدم منح موازنة لإقليم كردستان"، لكنّ الكاظمي عقّب على ذلك بأنّ "هناك جهات مسلحة تعتقد أنّ بمقدورها تهديد الدولة".

أذرع أمنية خفية لإيران

وذكر بيان التنظيم؛ أنّه "في هذا الوقت الحرج على أبناء شعبنا، الأبيّ الصابر المجاهد، والذي يعيش به بين ظلمات الاحتلال الأمريكي الغاشم وحكومة متواطئة عميلة، نحيي سواعد المجاهدين وبنادقهم التي جالت أرض العاصمة بغداد هذا اليوم في رسالة تهديد للأمريكي وعملائه واطمئنان وقوة للمضحين والمجاهدين من أبناء هذا البلد العزيز".

وصف رئيس الوزراء العراقي الاستعراض العسكري لميليشيا "ربع الله" بأنّه أكبر من حجمها ومحاولة بائسة لإرباك أوضاع البلاد

وتابع: "نشدّ على أيدي الشرفاء من أعضاء مجلس النواب العراقي المطالبين بخفض سعر الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي ونضع صوتنا إلى جانب صوتهم نصرة للفقراء والمحرومين وهم الأغلبية من أبناء شعبنا.. ونحذّر بعض الجهات والأطراف السياسية، التي تتعمد تأخير وتعطيل إقرار الموازنة من أجل الحصول على مكتسباتها الخاصة، ونخصّ بالذكر منهم؛ مسعور برزاني (زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني) وزبانيته".

الأكاديمي العراقي، الدكتور محمد نعناع

في حديثه لـ"حفريات"، يشير الأكاديمي العراقي، الدكتور محمد نعناع، إلى أنّ ظهور جماعة "ربع الله" في هذا التوقيت، هو ردّ فعل على أمرين؛ أولهما "فشل القيادات السياسية الشيعية في تحقيق طموحات المجتمع الشيعي؛ لأنّ الطبقة السياسية التي تمثل هذا المجتمع أصبحت طبقة فاسدة بالكامل، وتشكيل هذه الحركة من قبل عناصر ومجموعات ميلشياوية تحمل هذه التسمية، تعد مناورة تكتيكية ومراوغة، للتأكيد على أنّهم لا ينتمون إلى الطبقة الفاسدة، والنأي بأنفسهم عن الإخفاق السياسي والفساد المرتبطين بالطبقة السياسية الشيعية، رغم أنّ قيادات هذه الحركة ينتمون إلى الطبقة الفاسدة ويدعمونها، ويأخذون مشروعات مالية وتجارية ومناصب عن طريقها".

ما الذي يخشاه وكلاء إيران في العراق؟

والأمر الثاني، بحسب نعناع؛ هو أنّ "الميليشيات أضحت تخشى ردود الفعل الأمريكية، كما لم تعد تعمل بأسمائها الواضحة والمعروفة؛ حيث إنّ أغلب قادتها وضِعت أسماؤهم على قوائم الإرهاب والعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية؛ لذلك قاموا بإخفاء أنفسهم بتشكيل هذه الجماعة المسلحة، ليخففوا الضغط عن وجودهم العلني والمعروف والمكشوف".

وفي الاستعراض العسكري الذي شاركت فيه نحو 40 إلى 50 سيارة حملت أعلاماً للتنظيم، جرى تهديد رئيس الحكومة، ووكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات، الفريق أحمد أبو رغيف.

محمد نعناع لـ"حفريات": ظهور جماعة "ربع الله" في هذا التوقيت ردّ فعل على فشل القيادات السياسية الشيعية 

وبحسب مصدر أمني يعمل في قيادة عمليات بغداد، قال إنّ "قيادة العمليات تلقت إشعاراً بوجود استعراض عسكري لميليشيا مسلحة"، موضحاً في تصريحات لموقع "الحرة" الأمريكي، أنّه "لم تصدر أوامر بالتدخل أو الاعتقال وما صدر كان أمراً بالانتشار أصدر بعد أن تسلمت قيادة العمليات إشعاراً بانتهاء الاستعراض"، وتابع: "القوات الأمنية تستطيع معرفة مكان انطلاق الاستعراض وأماكن خروج السيارات وأماكن خزنها في حال قررت مراجعة تسجيلات الكاميرات في بغداد".

بيد أنّ الناطق الرسمي بلسان قيادة العمليات العسكرية المشتركة، تحسين الخفاجي، قال إنّ "العمليات" تفاجأت من الاستعراض العسكري والمسلح"، بينما أكّد أنّ القيادة الأمنية  تقوم بـ "جهد أمني لمعرفة أسباب انتشار المسلحين".

لماذا الاستهداف المتكرّر للكاظمي؟

ووصف رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الاستعراض العسكري لميلشيا "ربع الله"، في العاصمة العراقية، بغداد، بأنّه "أكبر من حجمها"، ورأى الأمر بمثابة "محاولة بائسة لإرباك الوضع في العراق"، وأضاف: "يعدّ رواد مواقع التواصل الاجتماعي ضحايا التكنولوجيا، فينقلون صوراً مبالغاً فيها، هذا الأمر ليس في العراق فقط بل في مختلف دول العالم؛ إذ يسعى القائمون على السوشيال ميديا إلى تضخيم الأمور".

كما لفت الكاظمي إلى أنّ "ما حدث من هذه الميليشيا يعدّ محاولة بائسة من مجموعة من الشباب من أجل إرباك الدولة وتصفية الخلافات مع رئيس مجلس الوزراء، وليس مع أطراف أخرى. ومنذ تنصيبي أخذنا قراراً بأنّه لا وجود لمن يريد أن يكون خارج الدولة، الوجود فقط للدولة، أيّ وجود لسلاح خارج نطاق الدولة لن نسمح به".

اقرأ أيضاً: جرائم وابتزاز.. من هم "ربع الله"؟ وماذا يفعلون في العراق؟

في هذا السياق؛ يؤكد نعناع، أنّه "بخروجهم العلني (أي ميلشيا ربع الله)، في هذا التوقيت، عن طريق الاستعراض العسكري والمسلح، وترديد الخطابات التهديدية، فإنّهم يردّون على استعراضات مماثلة لما تُعرف بـ"سرايا السلام"، وهي ميليشيا مسلحة تابعة لمقتدى الصدر، إضافة إلى محاولتهم الضغط على رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الذي يقوم بتوسيع التفاهمات مع المحيط العربي؛ إذ إنّ هذه التفاهمات ليست في مصلحة طهران، التي تفقد نفوذها السياسي والثقافي، شيئاً فشياً، ومن ثم، صعّدت الأخيرة عن طريق وكلائها المحليين نشاطها الميداني، ودشّنت ميلشيا "ربع الله"، لتجعل منها خط دفاع عن مصالحها في العراق".

ويتابع: "تمثل التحركات الحالية لميلشيا "ربع الله" رسالة واضحة بعدم اعترافهم بالدولة وأجهزتها، وكذا رفضهم لمحاولات توحيد وتقوية المؤسسات المختلفة، بحسب الأكاديمي العراقي؛ وهذا الأمر جعل الشعب العراقي والمجتمع الشيعي ينظر لهم على أنّهم "أدوات خارجية تنفذ إرادة إيرانية، هدفها التأثير على توجهات المجتمع الشيعي لصالح الصراع الأمريكي الإيراني".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية