ناشطون سودانيون يشخّصون لـ "حفريات" أسباب استمرار الاحتجاجات الشعبية

ناشطون سودانيون يشخّصون لـ "حفريات" أسباب استمرار الاحتجاجات الشعبية


29/11/2021

يطرح استمرار الاحتجاجات في الشارع السوداني بعد توقيع الاتفاق السياسي بين رئيس مجلس السيادة، والقائد العامّ للجيش، الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء المُقال، عبد الله حمدوك، والذي أعاد الشراكة بين العسكريين والمدنيين إلى حدّ ما، سؤالاً حول الهدف من استمرار الاحتجاج، وما هي مطالب المحتجين؟ وهل هي مطالب معقولة وممكنة؟ وهل هناك ممثلون حقيقيون عنهم؟

اقرأ أيضاً: السودان يصد هجوماً للقوات الإثيوبية... وإحالات على التقاعد في الأمن والمخابرات

الاحتجاجات تشهد مبادرة بالعنف من المتظاهرين ضدّ قوات الأمن، من خلال الهجوم على مراكز وأقسام الشرطة وتحطيم سيارات الشرطة، والتسبّب في إصابات بين أفراد الأمن، وهو ما يكشف حالة اليأس الكبيرة، وغياب الهدف الذي يعيشه الشارع السوداني، نتيجة رفع شعارات ومطالب غير قابلة للتحقيق، وغير مقبولة حتى من النخب السياسية التي تستفيد من الاحتجاجات في التفاوض مع العسكريين.

ليس دفاعاً عن "قحت"

وفي تعليقه عما يجري، يقول الأكاديمي والناشط السياسي السوداني، عمار ولد عائشة: "المحتجون لم يخرجوا إلى الشوارع تأييداً لحكومة حمدوك، أو تجمع قوى إعلان الحرية والتغيير "قحت"، بقدر ما خرجوا دفاعاً عن الثورة، والوثيقة الدستورية التي تعدّ دستور الفترة الانتقالية، والتي وقّع عليها العسكريون وقحت، ولهذا رفض المحتجون انقلاب العسكريين على الوثيقة".

مراسم التوقيع على الاتفاق السياسي الأخير

وأضاف لـ "حفريات": "بغضّ النظر عن الخلافات بين العسكريين وقحت، وخلافات قحت الداخلية، فالوثيقة الدستورية هي عقد بين الطرفين، ولا يجوز للعسكريين الانفراد بتعطيل مواد منها، ولهذا خلق انقلاب 25 أكتوبر هوّة بين الشارع والعسكريين، وأولى خطوات ردم هذه الهوة هي العودة إلى ما قبل 25 أكتوبر، وتنحّى المسؤولون عن الأزمة السياسية، من قحت والعسكريين، عن المشهد".

الناشط السياسي عبد السلام طه لـ "حفريات": سيفقد الشارع الزخم الثوري، ويصل الجميع لمرحلة العمل السياسي المنظم، والتي تتطلب ظهور أحزاب كبيرة جديدة، لأنّ الموجود منتهي الصلاحية

مقابل ذلك، يرى الناشط هشام بلال طه؛ أنّ "الخروج بعد 25 تشرين الأول (أكتوبر) لا يقوم على ساقين؛ لأنّ كلّ مكونات الحكومة الانتقالية مُعترفة بفشلها في إدارة أزمات البلاد، ولم تُنجز الاستحقاقات المطلوبة للخروج من الفترة الانتقالية إلى الاستقرار، عبر الانتخابات، ومنها إعداد قانون الانتخابات وقانون الأحزاب والتعداد السكاني ومفوضية الانتخابات، بل كانت تخطط لإطالة عمر المرحلة الانتقالية".

احتجاجات بلا قادة

ويتناول الباحث والناشط السياسي السوداني، هشام الشواني، العلاقة التي تجمع الشباب المحتج مع قوى قحت، ويرى أنّها "علاقة معقدة وغير واضحة، بين جناح قحت، الذي لم يتحالف مع العسكريين (قحت - أ)، والمتظاهرين الشباب، وهي غير مفهومة للقحاتة أنفسهم، وهي ليست مجرد القيادة بالمعنى التقليدي، ولا التحالف، ولا التنسيق، ولا حتى علاقة أمنية تتم بزرع جواسيس داخل الشارع".

اقرأ أيضاً: السودان: هذا أول قرار لحمدوك بعد عودته إلى رئاسة الحكومة

وأبلغ"حفريات" بأنّ "طبيعة العلاقة بين قحت والكتل الشبابية هي التفاهم العميق حول رسالة الميديا، وقحت ليست منسجمة بالطبع، لكن هي وجمهورها عبارة عن كتلة ليبرالية تملأ المدن وأحياءها، وهذه الكتلة صنعتها الميديا، بالتالي ثمة تقسيم للعمل والأدوار يحدث بشكل تلقائي داخل هذه الكتلة. وهذا التقسيم يكون فيه البعض قادة للشارع، وآخرون قادة في الميديا، فيما يكون آخرون سياسيين محترفين للدولة، والبعض هم فنيون وخبرات للتبرير، ..إلخ، والمؤسف أنّ هناك فئات للموت والشهادة والمصادمة".

الباحث السياسي هشام الشواني: طبيعة العلاقة بين قحت والكتل الشبابية هي التفاهم العميق حول رسالة الميديا

وفي السياق ذاته، يقول الناشط هشام طه: "الحكومة أخفقت اقتصادياً وأمنياً، وأخفقت في حلّ أزمة الشرق، وكانت تسعى لتمديد عمرها بالمخالفة للوثيقة الدستورية، ولهذا كان التصحيح حتمياً، خصوصاً أنّ الحكومة غير مُنتخبة، ولهذا حتى يتخفف المحتجون من هذا الإرث المخزي، تخلوا في أول منعطف عن حكومتهم وقالوا نحن قيادتنا ليست قحت ولا حكومتها".

اقرأ أيضاً: هل تدفع أجواء "عدم الثقة" الحل السياسي في السودان؟

وتابع: "فمن هم القادة؟ لا أحد، فقط احتجاجات بلا هدف، وبلا قيادة معلنة، وبلا رؤية لأزمات البلد، وخروج الشباب رغم عدم رضاهم عن قحت حدث بسبب قيادة الأحزاب للشباب عبر مختلف الوسائل مع إيهامهم بالاستقلال".

ظاهرة الليبرالية الشعبوية

وهناك من يمنح صكّ غفران لكلّ ما يفعله المحتجون باسم الثورة، وهي حالة شهدتها الاحتجاجات في مصر بعد عام 2011 حتى تولي الإخوان السلطة، وفي خضم هذه الحالة ينسى المحتجون حقيقة وزنهم السياسي والعددي داخل الشعب الذي يتحدثون باسمه، فيقعون في تصور امتلاك الحقّ المطلق، ومن هذا المنطلق يتفاعلون مع كلّ الأحداث، ويستمرون في احتجاجات تبدو للمراقب الخارجي عبثية بامتياز؛ لأنّها لن تحقق أية أهداف، وتؤدي لوقوع ضحايا.

اقرأ أيضاً: السودان: هذه أسباب عودة حمدوك إلى منصبه

ويطرح الباحث السياسي الشواني تحليلاً لظاهرة الاحتجاج لما بعد الربيع العربي: "أغلب الأفكار البشرية المثالية التي تعد الناس بالنعيم، هي في بعض الأوقات أكثر الأفكار قابلية للذهاب بهم لشرور الجحيم، ولو تناولنا الليبرالية نجدها لم تبدأ كنسق كلي فلسفي مجرد، لكنها ولدت مع تقدم تقسيم العمل وولادة الفردانية، ثم تحولت لأيديولوجيا التحرير والاستعمار، وها هي تتحول لأسوأ نسخها على الإطلاق، النسخة الأكثر شراً وعنفاً؛ الشعبوية الليبرالية".

اقرأ أيضاً: "الإخوان" ومستقبل السودان!

وفي حالة الشارع السوداني، يردف الشواني: "هي شعبوية عنيفة، غير واعية، ليبرالية الأفق، عولمية الروح، ترفض كلّ شيء، تتنصّل من كلّ مسؤولية، تسحق العقل والتعقل لصالح الجنون والهياج، تضرب القيم والأخلاق وتحتفي بالسيولة واللامعيار. وهي حالة لا إنسانية تخلق كائناً جديداً، مثل (الزومبي) تماماً، وهذا الكائن الجديد قضيته ليست السياسة ولا الشهداء ولا الوطن ولا المدنية، لكنّه يستخدم هذه المجردات ويدخلها في قالب نتيجته شرّ محض، وكراهية محضة، وحالة من اللابديل، وداخلها يوجد إحباط وبؤس وهروب".

احتجاجات شعبية

وأشار إلى أنّ: "هذه الحالة شريرة جداً، وقاتلة للسياسة، ومدمرة للشباب والمستقبل، وهي حالة شعبوية ليبرالية لازمت أحداث الربيع العربي".

العزوف عن العمل السياسي

ويكشف استمرار الاحتجاجات في السودان عن غياب بديل لاستيعاب مطالب التغيير لدى المحتجين من ناحية، إلى جانب أزمة عدم فهم المحتجين لماهية هذه المطالب، وربما يظنّون أنّ الاحتجاج كفعل وحيد هو الشيء الصواب لبناء المجتمع المنشود.

الأكاديمي عمار ود عائشة لـ "حفريات": الوثيقة الدستورية هي عقد بين الطرفين، ولا يجوز للعسكريين الانفراد بتعطيل مواد منها، ولهذا خلق انقلاب 25 أكتوبر هوة بين الشارع والعسكريين

ووفقاً للواقع، ستُنظم الانتخابات مع انتهاء الفترة الانتقالية، ومن المتوقع أن تسعى القوى الفاعلة على اختلاف أطيافها إلى ضمان نفوذها عبر الصناديق، بينما سيظلّ الاحتجاج هو الفعل الوحيد لمعظم الثوار، وبقراءة مواقف الثوار في تجارب عربية سابقة، مثل الحالة المصرية، فلن يكون هناك وجود للثوار في المشهد السياسي، الذي سيكتسب شرعيته عبر الانتخابات، وسيصبح فعل الاحتجاج عبئاً على الجميع، وستتم مواجهته بقوة القانون؛ فمن المؤكد أنّ هناك قوانين لضبط التظاهر ستظهر لاحقاً.

ويقول عمار ود عائشة: "معظم الثوار أو الشباب منضمّون إلى أحزاب سياسية حديثة أو قديمة، لكن ما بعد انقلاب 25 أكتوبر هو وضع غير حزبي أو سياسي، بل وضع دفاع عن الثورة".

ولفت إلى أنّ هؤلاء الشباب "يحاولون الثورة على القيادات الحزبية التقليدية، التي لا تختلف في تفكيرها عن قادة القوى السياسية والعسكرية".

اقرأ أيضاً: ما أبرز ردود الفعل الدولية والعربية على اتفاق السودان؟

وتعاني التجربة الحزبية السودانية من مشاكل عديدة، سواء داخلية وقيادية وفكرية، وفي علاقتها بالشعب، ويقول الناشط عبد السلام طه: "مشكلتنا في السودان أنّ الأحزاب المعارضة خلال فترة نظام الإنقاذ لم تكن تقدم حلولاً سياسية أو اقتصادية، بل كان هدفها إسقاط النظام بدعاوى أيديولوجية وعرقية ومطالب ليبرالية، بمعنى أنّ صراعهم مع الإنقاذ كان لإسقاط التوجهات الإسلامية للحكومة، بالرغم من أنّ هذه التوجهات لها قبول غالب".

الأكاديمي والناشط السياسي عمار ود عائشة: المحتجون لم يخرجوا إلى الشوارع تأييداً لحكومة حمدوك

وأضاف: "بعض الجماعات المسلحة في الغرب والجنوب كان صراعهم مع الإنقاذ بدوافع عرقية وتنافس جهوي، بحجّة أنّ النظام كان يسيطر عليه أبناء الوسط النيلي، ذوو الغالبية العربية، وهذا الصراع استخدم دعاية سالبة ضدّ الدولة، أكثر مما هو ضدّ النظام الحاكم، لذا انتشرت دعاية تمجد دولاً ناشئة مثل رواندا وأثيوبيا، وتدعو لتطبيق سياسات مشابهة لهم".

وكان لأزمة الحياة السياسية تأثير على تعاطي الثوار مع السياسة، ويقول عبد السلام طه عن ذلك: "الدعايات المعارضة خلقت جيلاً جاهلاً بالسياسة والاقتصاد، وجاهلاً بالحلول الدستورية لأزمات السودان، ولهذا يحدث صدام بين المحتجين والواقع، وسيكون عليهم البحث عن الحلول العلمية والعملية".

اقرأ أيضاً: كيف أعلن البرهان فشل تحركه العسكري في السودان؟

وحول استمرار الاحتجاجات، توقع أنّ "يفقد الشارع الزخم الثوري، ويصل الجميع لمرحلة العمل السياسي المنظم، التي تتطلب ظهور أحزاب كبيرة جديدة، لأنّ الموجود منتهي الصلاحية، وهي من بقايا مرحلة القومية العربية والزخم الثوري الاشتراكي والشيوعي".

وفي 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أعلن الجيش عدّة إجراءات وصفها بالتصحيحية، تضمّنت؛ إقالة الحكومة، وحلّ المجلس السيادي، وتعليق العمل بالبنود التي تتعلق بالشراكة مع قحت في الوثيقة الدستورية، وإيقاف عمل لجنة إزالة التمكين ومراجعة قراراتها، وهي الخطوات التي وصفها الثوار بالانقلاب.

اقرأ أيضاً: السودان: حمدوك يلتقي البرهان لإعلان بنود الاتفاق

وللخروج من الأزمة التي أعقبت القرارات السابقة، وقّع البرهان وحمدوك اتفاقاً سياسياً في 21 من الشهر الجاري، عاد بموجبه حمدوك رئيساً للوزراء، وتمّ الإفراج عن عدد من المعتقلين، ولم يلقَ الاتفاق قبول قطاع كبير من المحتجين، الذين يطالبون بحكم مدني خالص، دون شراكة مع العسكريين.

ولقي العشرات مصرعهم وأصيب المئات نتيجة الاشتباكات مع قوى الأمن خلال الاحتجاجات التي شهدها السودان بعد أحداث 25 أكتوبر.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية