نساء سودانيات أشعلن الثورة يقاومن التمييز ويطالبن بحقوقهن

نساء سودانيات أشعلن الثورة يقاومن التمييز ويطالبن بحقوقهن


كاتب ومترجم جزائري
24/05/2021

ترجمة: مدني قصري

في 8 نيسان (أبريل) 2021، خرجت مئات النساء في مسيرة في شوارع الخرطوم، لقد دَعَيْنَ إلى إلغاء القوانين التمييزية، ووضع تدابير وقائية ضدّ العنف الذي يعانين منه بشكل يومي، لكنّ جزءاً كبيراً من المجتمع السوداني لا يبدو مستعداً لاتّباعهنّ.

كانت الكنداكة (1)، أيقونة المرأة في احتجاجات السودان، في الخطوط الأمامية خلال الثورة السودانية لعام 2019، فلم يتردّدن في مواجهة قوات النظام وهي تحاول إخماد الاحتجاجات، أولئك اللواتي خاطرن حتى ذلك الحين بالتعرّض للجلد بسبب ارتداء ملابس غير محتشمة، أو لممارسة الرياضة جنباً إلى جنب مع الرجال، لم يكن لديهن ما يخسرنه، كما يعتقد هؤلاء الرجال. ومع ذلك، بعد مرور عامين، ظلت النساء ممثَّلة تمثيلاً ناقصاً في السياسة، وتم التمييز ضدهنّ أمام القانون، وبقين ضحايا التحرش والعنف، وعادت المئات منهنّ بعد ذلك إلى شوارع الخرطوم، في 8 نيسان (أبريل)، قبل ثلاثة أيام من ذكرى إطاحة الرئيس عمر البشير، مع إدراكهنّ أنّ قسماً كبيراً من المجتمع سيستمر في معارضة مطالب تخالف الأيديولوجية التي تم غرسها خلال الثلاثين عاماً من الديكتاتورية الإسلامية.

كانت الكنداكة أيقونة المرأة في احتجاجات السودان، في الخطوط الأمامية خلال الثورة السودانية لعام 2019

"بعد أن كنّا الفاعلات الأساسيات في الثورة، تمّ تهميشنا من قبل الحكومة الانتقالية، هكذا تقول ريان مأمون، 23 عاماً، كنساء، ما نزال نواجه العديد من القيود فيما يتعلق بتحركاتنا، والحق في التحكم في أجسادنا، كما أنه لا يوجد قانون يحمينا، سواء في الأماكن العامة أو الخاصة"، تتابع خريجة الهندسة المعمارية الشابة هذه التي شاركت  في تنظيم المسيرة، بقوامها النحيل ووجها الممتلئ المزيّن بنظارات شمسية مستديرة، وثقب زينةٍ في فتحة الأنف اليمنى، وقفتْ من الساعة 11 صباحاً أمام أبواب وزارة العدل حتى تسلّم، مع نشطاء آخرين، مذكرة تم إرسالها أيضاً إلى وزارة الداخلية والنائب العام.

حظرُ طلاقها أو الاعتراف بطفلها

يدعو هذا "البيان النسوي"، من بين أمور أخرى، إلى إلغاء قانون الأحوال الشخصية، الذي يمنع المرأة من تقديم طلبات الطلاق، أو حتى الاعتراف بأطفالها،" تجب مراجعة هذا النص بالكامل ليكون قائماً على حقوق الإنسان وليس على الدين"، قالت مارين النيل، المتظاهرة التي كانت ترتدي فستاناً أزرق داكناً يتدلى إلى ما تحت ركبتيها مباشرة، مثل البدلة التي كانت ترتديها ريان مأمون التي عوقبت في السابق بموجب النظام العام الذي ألغي عام 2019.

يدعو "البيان النسوي" السوداني، إلى إلغاء قانون الأحوال الشخصية، الذي يمنع المرأة من تقديم طلبات الطلاق، وأن يكون القانون قائماً على حقوق الإنسان وليس على الدين

للأسف، تعتقد هذه الطبيبة النفسية، البالغة من العمر28 عاماً، أنّ الحكومة ليست لديها نيّة للتراجع عن تشريعات الأحوال الشخصية، وذلك بالرغم من "إعلان المبادئ" الذي صادق عليه في 28 آذار(مارس) رئيسُ مجلس السيادة وجماعةٌ متمردة، وهي الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال، والتي تخطط لفصل الدين والدولة.

 "الموقّعون يريدون ترسيخ العَلمنة لتحقيق أهدافهم السياسية، لكنّهم لا ينوون إفادة المرأة"، هكذا تعبّر مارين النيل عن استيائها.

والحال أنّ هذا القانون ما يزال يضع المرأة السودانية في موقف ضعيف، لا سيما النساء اللائي يحملن خارج إطار الزواج. وبطبيعة الحال، فإنّ الأم الآن صارت تفلت من الجَلد الذي كان سارياً في ظلّ النظام القديم الذي طبق الشريعة الإسلامية حرفياً، لكنّها تجد نفسَها عالقة في رذيلة، خاصة إذا قرّر شريكها التنصّل من مسؤولياته. في الخرطوم، تستوعب "منظمة شمعة"، غير الحكومية، الأمهاتِ الشابات العازبات اللواتي يعانين من أوضاع صعبة، لتمكينهن من الاحتفاظ بحضانة أطفالهن الصغار. وتذهب هذه المنظمة إلى حد ترتيب لقاءات بينهن وبين الأزواج المحتمَلين الذين يوافقون على التعرّف إلى الطفل.

سارة، البالغة من العمر 24 عاماً، كانت في كانون الثاني (يناير) على وشك الزواج من رجل يكبرها بعشرين عاماً. هل كانت ستستطيع في النهاية أن تحب هذا الزوج الذي اختارته على عجل؟ "لا أعرف. ربما، يبدو وكأنّه رجل طيب..."، قالت إنّها، على أيّ حال، تتصرف في مصلحة الطفل الصغير الذي كان يتحرك ويومِئ على ركبتيها؛ ففي ما وراء العقبة التشريعية، تعرّضت سارة وعشرات النساء المستضافات في هذا الملجأ، لضغوط من المجتمع السوداني "بدافع الخوف من أعين المجتمع، أراد والداي أن أتخلى عن طفلي، الطريقة الوحيدة بالنسبة إليهنّ لقبول الموقف هي الزواج"، كما تقول خريجة التصميم الهندسي هذه، التي ستضع نقطة شرف بالبحث عن عمل في أقرب وقت ممكن لضمان استقلالها المالي.

محظور العنف الجنسي

لا يمكن لأيّة امرأة سودانية أن تحرّر نفسَها بالكامل من الوصمة الاجتماعية، انضمت نهلة عبد الله محمد، 18 عاماً، مع القبعة على رأسها، وأقراطها الوردية، إلى حشدٍ متعدّد الألوان من النساء، أثناء تظاهرهنّ في شوارع العاصمة. ومع ذلك، فهي واحدة من المحرِّضات على هذه الحركة، بعد أن نشرت سلسلة من مقاطع الفيديو على تويتر قبل خمسة أيام، كشفت فيها عن تعرّضها للاعتداء الجنسي من قِبل عمّها. لقد شعرت مصمّمة المجوهرات هذه بالارتياح لمشاركتها هذه الصدمة، لكنّها أثارت غضب عائلتها والعديد من مستخدمي الإنترنت، وشرحت الشابة قائلة: "طلب مني والدي أن أنتقل إلى موضوع آخر، بينما اتُهمتُ على وسائل التواصل الاجتماعي بالكذب، وكشف الحقائق التي تخص الأسرة، وليست من شؤون المجتمع، كما تعرّضتُ لانتقادات لعدم ارتداء الحجاب أمام عمّي، رغم أنّ الإسلام لا يلزم المرأة بارتداء الحجاب في حضور رجل لا تستطيع أن تتزوج منه"، وقد أوضحت نهلة أنّها تريد تقديم شكوى، رغم أنّها تشكّ في أن يغفر لها والداها مثل هذا العار.

اقرأ أيضاً: قانون النظام العام.. إلى متى تبقى السودانيات رهينات "السوط" الحكومي؟

"إنني من عائلة تقدّميّة نسبياً"، تقول نهلة عبد الله محمد، محاولةً تخفيف وطأة المحنة التي وقعت فيها؛ "لن يتردد آخرون في قتل ابنتهم إذا وجدت نفسَها في هذا الموقف، بالنسبة إلى العديد من السودانيين، يجب على المرأة أن تحتفظ بآرائها لنفسها، من المفترض أن نبقى في المنزل، وأن نكون هادئات، بغضّ النظر عما يحدث لنا".

 نتيجة لشهادتها، أعلنت العديد من النساء بدورهنّ عن الإساءة التي تعرّضن لها، ليخلقن نوعاً من الهاشتاج الموقوت "أنا أيضا" #MeToo، العديد من حالات العنف الأسري، وقتلُ النساء، بما في ذلك حالة سماح الهادي، وهي فتاة مراهقة قتلها والدها، قد غزت أيضاً شبكة الإنترنت السوداني.

ما أكثر الحجج التي دفعت النساء السودانيات إلى المسيرة معاً، في 8 نيسان (أبريل)، لقد كُتِب على اللافتة التي رفعتها آمنة ياسر "مَن تتعرض للإيذاء أو القتل أو التحرش يمكن أن تكون ابنتك أو أختك أو والدتك"، تصرّ خريجة الطب العامر هذه، البالغة من العمر 23 عامًا، على القول "إنه جسدي، ويمكنني أن أفعل به ما أريد، لا يحقّ لأحد أن يلمسني دون موافقتي، بغضّ النظر عن ملابسي، وتأسف كذلك؛ لأنّ التحرش ما يزال من المحرمات في السودان". وتضيف: "علينا أن نحارب هذه العقلية"، بينما كان الموكب يشقّ طريقه إلى وزارة الداخلية، وقال طه عمر، الطالب في الطبّ، الذي انضمّ، مثل عشرات الرجال، إلى هذا التجمع السلمي: "إنّها ليست مشكلة نسائية، لكنّها مشكلة الرجال قبل كلّ شيء، يجب أن تتغير العقلية والثقافة، لأنّه حتى لو تم تغيير القانون، فلن يحترمه أحد طالما استمرت الروح الأبوية".

خلف الجدران

لا يمرّ يوم دون رسم توضيحي لهذا المجتمع، ذي السرعتين، حيث يحتشد الرجال على الكراسي البلاستيكية لبائعات الشاي في كل زاوية شارع في العاصمة، في حين تكون الزبونات هنّ الاستثناءات، خلال شهر رمضان، الذي بدأ هذا العام مساء 12 نيسان (أبريل)، يفطر الكثير من السودانيين على الطريق العام، ويجلسون في دائرة حول أطباق التمر وأطباق العصيدة (بودنغ الطحين المسلوق)، وأوعية الذرة الرفيعة، وقطعٍ أخرى من الدجاج المقلي. وغالباً ما يُطلب من الزوجات، بعد إعداد هذا الإفطار، بأن يتناولن نصيبهنّ منه خلف جدران منزلهن، لكنّ التراجع عن هذا النظام الذي تأسس في ظلّ الحكم الطويل للإسلاميين، ما يزال، بعد مرور عامين من الثورة، يخضع للعقوبات.

وَعْدْ بهجت، امرأة في الثلاثين من عمرها، معروفة بالدفاع عن حقوق المرأة على صفحتها على فيسبوك، حُكم عليها، في 31 آذار (مارس)، بالسجن ستة أشهر. خطؤُها؟ تصوير فيديو مباشر يستنكر رفض مسؤولي محطة وقود تزويدَ السيارات التي تقودها نساء. تكتشف هذه المهندسة الجيولوجية من خلال هذا الحكم "رسالة قوية لثني النساء الأخريات عن التحدث علناً والدفاع عن حقوقهنّ"، أملاها بشكل مباشر، بحسب قولها، مؤيدو النظام السابق، وقد أيّدت المحكمة الاتهامات التي وجهّها لها ضابط الشرطة الذي ألقى القبض عليها، وأكدت أنّ وعْد بهجت قد ضربته، لكنّ وعْد أكدت، في حزن شديد، "من ناحية أخرى، أهملوا الطريقة التي عاملني بها هذا الشرطي وأساء إليّ"، التقرير الطبي الذي صدر بعد اعتقالها ذكر وجود ثلاث كدمات في ركبتها وكتفها.

أحاديث مزدرية للمرأة

استفاد هذا الناشط من دعم أقاربه، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والناشطات النسويات، ومع ذلك؛ فإنّ الكفاح ضدّ هذا النوع من الظلم لا يحقق الإجماع. فإذا كانت العديد من النساء، من الصبايا المرتديات الجينز إلى العجائز مرتديات الثوب التقليدي قد سِرن من أجل حقوقهن، في أوائل نيسان (أبريل)، فهذا لا يدل على أنهنّ يؤيدن جميعاً مطالب "البيان النسوي" الداعي إلى المساواة، هناك سودانيات يرين أنّ هذه القيمة تتعارض مع الإسلام، "في الإسلام، الرجال والنساء ليسوا متساوين. كما أنّه من الطبيعي، مثلاً، أنّ المرأة لا تستطيع أن تطلب الطلاق، لأنّها، بحكم طبعها العصبي، قد تدمّر العلاقة الزوجية لأسباب تافهة "، كما تقول سماح عادل، الطالبة في القانون، (18 عاماً)، لقد شاركت سماح في الثورة "ضدّ سياسيي" عمر البشير، وتؤكد "لا أرى مشكلة في الدفاع عن الحقوق المشروعة، لكنّني لا أتفق مع ما يتناقض مع ديني، وأرفضه بشكل قاطع ".

ما لبثت أولئك اللواتي استجبن لدعوة ريان مأمون، وللمنظمات الأخريات، لمسيرات الربيع، أن فشلن أمام تحدّي حشد من الرجال الذين قذفنهنّ بوابل من الكلمات المبغضة للمرأة

من جانبها، حثّت منظماتُ المسيرة الحكومةَ على التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة حول القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، ما تزال أهداف هذا النصّ تبدو بعيدة عن الواقع السوداني، حيث يستمر الرجال في التشبث بالسلطة. في آخر تعديل وزاري، في أوائل شباط (فبراير)، تمّ منح 4 وزارات من أصل 26 الآن للنساء، ومن المتوقع أن يحصلن على أقلية من المقاعد، والتي تصل إلى 40٪ في المجلس التشريعي المقبل الذي لم يتشكّل بعد .

على الرغم من أنّ صُور كنداكة قد انتشرت في جميع أنحاء العالم، عام 2019، إلا أنّ خطوطها العريضة قد تلاشت منذ ذلك الحين، فما لبثت أولئك اللواتي استجبن لدعوة ريان مأمون، وللمنظمات الأخريات، لمسيرات الربيع، أن فشلن أمام تحدّي حشد من الرجال الذين قذفنهنّ بوابل من الكلمات المبغضة للمرأة، والأسوأ من ذلك؛ أنّ سيّارة بدون لوحة ترخيص داهمت الحشد، مما أدّى إلى إصابة امرأة تمّ نقلها إلى المستشفى؛ لذلك تَوجّه الموكب نحو مركز للشرطة لتقديم شكوى، تمّ تحديد جلستين، ليومَي 24 و26 أيار (مايو)، قد تشير الإدانة إلى أنّه في غياب الحصول على مساواة، فقد تضطر السودانيات، في المستقبل، لمواجهة إفلات مهاجميهنّ من العقاب.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine


هامش:

 (1) كنداكة: لقب الملكات الحاكمات، أو مسمَّى يعني الزوجة الملكية الأولى في حضارة كوش الأفريقية القديمة ببلاد السودان، والتي عُرفت أيضاً باسم الحضارة النوبية، أو إثيوبيا التي تعني أرض السود أو السودان. يشير هذا اللقب الغارق في التاريخ إذاً إلى زوجات الملوك في العصور القديمة، وإلى الملكة نفسها، حيث إنّ المرأة حكمت في فترات عديدة من تاريخ السودان في الممالك النوبية شمال البلاد، التي تعرف بكوش، وقد ارتبط هذا اللقب بالملكات الحاكمات، ويعني "المرأة القوية"، وبالتحديد اثنتين من أوائل النساء اللواتي كنّ من أعظم ملكات مملكة مروي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية