"نساء في مخدع داعش"... قنابل موقوتة تنتظر

"نساء في مخدع داعش"... قنابل موقوتة تنتظر


05/08/2021

أحدث تنظيم داعش نقلة نوعية لدور المرأة في التنظيمات المسلحة، وتبعه "بوكو حرام" في نيجيريا، وغيرهما من الجماعات المسلحة، وعلى الرغم من هزيمة التنظيم، ومقتل أبرز قادته، ما تزال الكثير من المقاتلات أو زوجات المقاتلين متمسكات بأيديولوجيته المتطرفة، وهو ما تجسد في كتاب "نساء في مخدع داعش" للصحافية المصرية عبير عبدالستار، الذي أكد أنّ نساء داعش لسن أقل خطراً ودماراً من رجاله، وبالتالي فإنهن يمثلن قنابل موقوتة لكل العالم.

أسباب الانخراط

إنّ أسباب انخراط النساء في مثل هذا التنظيم كانت مختلفة، ولكنّها في النهاية أعطت نتيجة واحدة وهو وجود امرأة إرهابية لا مانع لديها من استخدام السلاح في وجه من تعتقد أنه عدو لدين الله؛ بل إنها ترتدي حزاماً ناسفاً في بعض الأحيان.

أشار الكتاب، الذي يقع في 296 صفحة، إلى تنوع أسباب انضمام النساء إلى "داعش"، وذلك حسب الجنسية التي تحملها الأنثى، إضافة إلى ظروف اجتماعية مختلفة جعلت استقطابهن سهلاً، فخطوة ارتماء المرأة في كنف "داعش" تكون في أحيان كثيرة محاولة للتكفير عن الذنوب والحياة الصاخبة التي عاشتها بعضهن في السابق، فيعتقدن في التطرف مخرجاً أو توبة.

غلاف الكتاب

ومن خلال قصص النساء العربيات المنتميات تبرز أهمية الدور العائلي كسبب أولي للانخراط في التنظيم، سواء انتماء أحد أعضاء الأسرة للتنظيم أو لجماعات متطرفة أخرى، أو التأثر بأحداث إرهابية سابقة تورط بها أحد الأقارب في السابق، فمثلاً تظهر قصص الداعشيات السعوديات التحاقهن بالتنظيم بأحد الأقارب المتطرفين، وتعكس نماذج المتطرفات بالتستر على المتطرفين انتقالاً شرساً للتجنيد الإلكتروني، وعدم التورع عن تصنيع أو استخدام أسلحة ومتفجرات، بل التسلل إلى أماكن القتال الداعشي، حدث ذلك مع "مي الطلق" السعودية التي حاولت التواصل مع زوجها، وهو أحد المنضمين في سوريا والتستر عليه، والاتفاق معه للحاق به في سوريا عبر التسلل إلى اليمن مع أبنائها وأخيها الذي يبلغ من العمر 15 عاماً ليكون أصغر إرهابي يسعى إلى تجنيد أصدقائه من صغار السن.

الذين ينضمون إلى المجموعات الإرهابية وعلى رأسها داعش يتأثرون بمستوى الدعاية الموجه إليهم

رجع الكتاب إلى وثائق مسربة لداعش فوجد أنّ الخطاب الموجه للمرأة العربية مختلف عن الخطاب الموجه لغيرها، مثال ذلك كتيب "المرأة في الدولة الإسلامية"، فقد ركز على النواحي الشرعية، وسعى إلى تصوير الحياة في المناطق التي كان يسيطر عليها داعش وكأنها طبيعية لم تحرم النساء فيها من أي شيء، وبإمكانهن الحصول على حقوقهن التي كفلها الإسلام، دون الخوف من القمع إذا ما واظبن على أداء الواجبات، كما صور مدينة الرقة عندما كانت "عاصمة التنظيم" في شمال وسط سوريا، وكأنها جنة للمهاجرين أو بمنزلة المدينة الفاضلة والملاذ الآمن.

وفي النسخة الغربية توضيح للنساء ودورهن الأساسي في الحياة، وماذا يرتدين من ملبس، وكيف يعشن، ومتى يتزوجن، وكيفية ارتداء النقاب الكامل ومنع استخدام أدوات التجميل، وتوجيه انتقادات لاذعة لمبادئ المساواة بين الجنسين، وهنا يظهر تناقض التنظيم.

اقرأ أيضاً: نساء داعش.. عرائس أم إرهابيات؟

الأهم هو ما شدد عليه الكتاب من أنّ داعش حاول سد الفجوة النفسية والاجتماعية التي تنتشر لدى الشابات في المجتمع الغربي اللاتي بحاجة إلى إنقاذ من عالم الوحدة والقلق النفسي، لا سيما ما بين المسلمات سواء من أصول غير غربية أو غربية، ممن يعانين من شعور مزمن بالاضطهاد والعجز عن التواصل مع المجتمع الغربي؛ وهذا ما سهّل على محترفي التجنيد من أعضاء "داعش" عملية الإقناع بضرورة الهجرة إلى بلد الإسلام الصحيح.

كما أوضح أنّ الصورة النمطية لمشاركة المرأة في الجماعات الإسلامية تغيرت في داعش بعد أن كانت عبارة عن عنصر مساند، أو كزوجة لأحد المقاتلين؛ وبات هناك نوع من التقارب سواء ما بين الأعمال التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة، أو حتى في أسباب الالتحاق بالتنظيم، وعلى الرغم من أنّ تنظيم المسلمات اتبع أسلوب التشكيل العنقودي، فإنّ قيادته النهائية كانت بيد رجل من رجال الجماعة، وهذا ما تغير.

نساء داعش لسن أقل خطراً ودماراً من رجاله

ويستخدم تنظيم داعش القوة الناعمة ووسائل التجنيد الرومانسية والنفسية المختلفة التي جعلت منه مركزاً لجذب كثير من الشابات، وكانت أهم وسائله استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل كسب متعاطفين معه وإظهار التنظيم على أنه إحياء للحق والعدل والخلافة الإسلامية.

كتائب النساء يحمين داعش

تؤكد عبيرعبدالستار، في الكتاب، أنّ "داعش" لم يمت كتنظيم بموت البغدادي؛ ولم تُسجن أفكاره بالقبض على قياداته؛ "لأنّ الأفكار لا يقتلها الرصاص، ولا تسجنها أسوار الزنازين، والدليل أنّ ظاهرة انضمام أبناء الطبقات الغنية تفاقمت، وأنّ معظم التحليلات التي تناولت الحديث عن أسباب التطرف والإرهاب، ربطت تلك الظاهرة بالفقر والتهميش الذي تعيشه بعض الطبقات داخل المجتمعات والدول وأنّ ظاهرة التطرف وطرق التجنيد التي تقوم بها الجماعات تعتمد بالأساس على مجموعة من الأسس والقواعد، تتمثل في توفير وخلق منصات وروابط عاطفية واجتماعية، تعمل من خلالها على التواصل مع الشباب عبر اللعب على توليد مشاعر إيجابية تجاه قضيتهم، مثل القوة والثقة والفخر والانتماء داخل المجموعة، وتوليد مشاعر سلبية مثل الكراهية والغضب والاشمئزاز تجاه الآخر".

كوّن داعش ميليشيات نسائية في 2014 وأعلن عن أول لواء نسائي باسم كتيبة الخنساء

واختتمت عبدالستار بالقول إنّ "الأشخاص الذين ينضمون إلى المجموعات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، إنما يتأثرون بمستوى الدعاية الموجه إليهم، وهذا الأمر ينطبق على من ينضم إلى التنظيم مباشرة، أو من يقود عمليات الذئاب المنفردة تحت اسم التنظيم، ومنهم النساء".

يرى الكتاب أنّ الأشخاص الذين يتجهون نحو التطرف من ذوي الطبقات الاقتصادية المتوسطة والعليا عادة ما ينجذبون إلى أيديولوجية متطرفة لمجموعة كاملة من الأسباب المختلفة، ويسلكون عدداً من المسارات المختلفة للوصول إلى هذه المجموعات.

اقرأ أيضاً: نساء داعش يثرن القلق في أوروبا

في القسم المعنون بـ"مراهقات داعش" عد الكتاب داعش من "أنجح" التنظيمات الإرهابية المسلحة في تجنيد وإشراك النساء في العمل المسلح، وصنّفه على أنّه من أكثر التنظيمات جذباً وتجنيداً للنساء الأجنبيات، مبيناً أنّ المرأة داخل التنظيم شاركت في أدوار اجتماعية وإدارية ولوجستية كأمهات وزوجات ومعلمات، حتى تدرجت في أدوار وظيفية وقتالية مهمة، فبدأت تشارك في التخطيط للعمليات التفجيرية، ومن هنا تم تكوين ميليشيات نسائية خاصة بالتنظيم.

رغم هزيمة داعش ومقتل أبرز قادته ما تزال الكثير من المقاتلات أو زوجات المقاتلين متمسكات بأيديولوجيته المتطرفة

وفي تموز (يوليو) 2014 أُعلن عن إنشاء أول لواء نسائي خاص باسم كتيبة الخنساء، لرفع الوعي بالدين الإسلامي ومعاقبة النساء غير الملتزمات دينياً، وبناء على ذلك تمثلت وظائف الكتيبة في مجالات الدعوة والتعليم والأمن والشرطة، فقامت على تطبيق الشريعة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراقبة النساء ومتابعتهن، ومحاسبة الخارجات منهن والمنشقات.

في الكتاب عاقبت نساء الكتيبة المتبرجات وغير الملتزمات باللباس الشرعي الإسلامي والمقصرات، وواضعات العطور، وكن يقمن بمعاقبة المرأة الخارجة عن القواعد بشكل سريعٍ عن طريق الجلد أو استخدام الكماشة؛ وهي آلة حادة متعددة الأسنان تشبه فك الإنسان تقوم بالعض، كما قمن بالتجسس على النساء من خلال الاندماج والاختلاط داخل الحشود، ولجأ التنظيم لاستخدام سيدات الكتيبة في العمليات الانتحارية، وكان من أشهرهن ندى القحطاني، السعودية التي كلفت من أمير التنظيم أبو بكر البغدادي بإنشاء فرع من النساء في الحسكة، وأيضاً إيمان البغا فقيهة داعش الحاصلة على درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، التي التحقت بالتنظيم وبايعته في تشرين الأول (أكتوبر) 2014، بعد أن تركت التدريس وقدمت استقالتها من جامعة الدمام، واستمرت في إصدار فتاوى القتل وإهدار الدماء، وكانت هي المرأة الوحيدة التي كان لها حق الفتوى، إضافة إلى مئات من الفتيات الأوروبيات والعرب المقاتلات والزوجات والأمهات.

الصورة النمطية لمشاركة المرأة بالجماعات الإسلامية تغيرت في داعش بعد أن كانت عبارة عن عنصر مساند

اندثرت الكتيبة، وفق الكتاب، واختفى دورها مع تراجع تنظيم داعش حيث تم القبض على العناصر المهمة فيه ومقتل البعض الآخر واختفاء العديد من العضوات وتحديد إقامة بعضهن داخل المخيمات على حدود العراق وسوريا، كمعسكر الهول الذي يضم آلافاً من النساء والأطفال من بقايا التنظيم بعد انهياره والقضاء عليه.

ووفق الكتاب قامت كتائب النساء بمحاولة بائسة  للحفاظ على آخر معقل لهن في سوريا فقمن بتنفيذ هجمات انتحارية ضد قوات سوريا الديموقراطية، خاصة أنّه كانت هناك صعوبة في القبض عليهن مع تسللهن مع موجات المدنيين الذين فروا من مناطق القتال، عبر تحويلهن إلى قنابل بشرية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية