نسخة جديدة من الشراكة الإستراتيجية بين الرياض وواشنطن

السعودية وأمريكا

نسخة جديدة من الشراكة الإستراتيجية بين الرياض وواشنطن


26/03/2018

تُظهر الزيارة التاريخية الحالية لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأن ثمة نسخة جديدة من الشراكة الإستراتيجية في طور التشكّل والتطور بين واشنطن والرياض، تقوم على المراهنة على دور الأمير الشخصي في نقل بلده من التشدد إلى الاعتدال، ومن الاعتماد على النفط إلى تنويع مصادر الدخل والاقتصاد، ومن العلاقة الاعتمادية على الغرب إلى إنشاء شراكة جديدة معه تقوم على تعزيز الاعتماد المتنامي على الذات، وعبر شراكات إقليمية، إلى جانب الإمارات ومصر والأردن أيضاً، "في النواحي الأمنية والإستراتيجيات والتكاليف". وسيكون المراقبون في الأشهر المقبلة أمام اختبار مدى جدية هذه المراهنة، ومتانة النسخة الجديدة من هذه الشراكة، ورصد تحدياتها وآفاقها.

"النفط مقابل الأمن"...وداعاً

إنّ العلاقة التي أرساها مع الغرب مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز قبل نحو 80 عاماً؛ والتي قامت على معادلة "النفط مقابل الأمن" أصابتها تحولات جذرية، وظهر أن واشنطن في عهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، أصبحت عملياً، وإلى حد كبير، لا تشاطر الرياض قلقها البالغ من التدخلات الإيرانية في المنطقة، ورأت أن التوتر لا يخدم المنطقة، وأن العلاقات الإيجابية هي السبيل إلى حل قضايا المنطقة وأزماتها، متجاهلة (أيْ واشنطن-أوباما) في ذلك أن طهران مسؤولة بدرجة كبيرة عن التوتر والاستقطاب السياسي والمذهبي. وقد دلّ تغيّر العقيدة العسكرية لكل من السعودية والإمارات، في السنوات الأخيرة، إلى أنهما أكثر استعداداً لتحمّل حماية أمنهما بأنفسهما، والتوجّه لنمط جديد من الشراكات الإقليمية والدولية لتحقيق ذلك.

ولم يقتصر التغيُّر في العلاقة بين الطرفين على المجالات الأمنية والسياسية؛ بل طاول أيضاً الجانب الاقتصادي؛ حيث قلَّ اعتماد واشنطن على النفط السعودي بدرجة كبيرة، لا سيما مع تزايد الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري. كذلك تراجع دور «أوبك» في سوق النفط العالمية، والناتج من تراجع حصتها من الإنتاج العالمي لتصبح نصف ما كانت تشكله في مطلع السبعينيات من القرن الماضي (ما يقرب من 60 % آنذاك)، ما جعل مستوردي النفط ومنهم أمريكا، أقلَّ ارتهاناً لدور الدول الأعضاء في «أوبك» على خلاف ما كانت عليه الأمور سابقاً.

دلّ تغيّر العقيدة العسكرية للسعودية والإمارات على أنهما أكثر استعداداً لتحمّل حماية أمنهما والتوجّه لنمط جديد من الشراكات

تفاؤل بانتظار الخطوات العملية

اليوم يمكن القول إن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة متفائلتان باحتمالات توثيق الشراكة الإستراتيجية الأمريكية-الخليجية بشكل أكبر في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا سيما وأنهما تتبنيان الأجندة نفسها بخصوص محاربة التطرف والإرهاب، واحتواء سلوك إيران المزعزع لاستقرار المنطقة. وتنظر دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، في غالبيتها، بإيجابية إلى محاولة إدارة ترامب "خلق توازن" في منطقة الشرق الأوسط، سيكون مقدّمةً للحلول السياسية والتسويات وإعادة الإعمار، وهي حلول وتسويات لم تتم في عهد الرئيس باراك أوباما؛ وذلك، لأسباب عدةّ منها أنّ أوباما تبنى مقاربة للمنطقة وأزماتها انحازت لإيران ومشروعها (وكانت الأزمة السورية ضحية هذه المقاربة)، وذلك على حساب مصالح الشركاء التقليديين لأمريكا في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم دول "مجلس التعاون". لكن في ظل حالة التفكك والفوضى والانقسامات في المنطقة، فإن المراهنة ستبقى بانتظار مؤشرات تُحيل الوعود والكلام إلى أفعال وتحركات على الأرض.

الإدارة الأمريكية الجديدة تولي أهمية لعلاقاتها مع حلفائها الإقليميين للتعامل مع قضايا محاربة تنظيم داعش

ويقول محللون سياسيون، كما تنقل "العرب" اللندنية (25/3/2018)، إن إدارة ترامب تغيرت بشكل كامل بعد أن تخلت عن أفكار الرئيس السابق باراك أوباما والشخصيات الممثلة لإستراتيجيته التي تقوم على مهادنة إيران، ما سمح لها بتحصيل اتفاق نووي ورفع العقوبات عنها، فضلاً عن التغاضي عن أنشطتها العسكرية وتدخلها المباشر في العراق وسوريا واليمن. وأشار المحللون إلى أن صعود شخصيات متشددة، مثل؛ بولتون وبومبيو، إلى مواقع القرار سيعني أن إدارة ترامب قررت المواجهة مع الدول التي تصفها بالمارقة مثل كوريا الشمالية وإيران.

الحاجة إلى "لوبي مؤثر"

وعلى الرغم من الدور المحوري للرئيس في أمريكا، فإن الأمر في وجهه العام هو بمنزلة عودة العلاقات بين واشنطن والرياض إلى طبيعتها، بعدما اعتراها فتور زمن الرئيس السابق باراك أوباما، ولذلك يرى مراقبون ("الحياة"-26/3/2018) أن السعودية كانت استنتجت منذ فترة أوباما، بما تخللها من تجربة التعليق لبعض صفقات الأسلحة التي كان من المقرر إتمامها للسعودية، واستصدار قانون جاستا، والتوقيع على الاتفاق النووي مع الإيرانيين، أن أمريكا ليست فخامة الرئيس، لذلك فإنّ العلاقة السعودية الأمريكية في شكلها الحالي، تترجم حاجة السعودية إلى لوبي "مؤثر" في واشنطن، لا يقف عند وجود رئيس أو ذهاب آخر. 

تعزيز التعاون الأمني والسياسي بين أمريكا والسعودية والإمارات من شأنه أن يَحدّ من تدخلات إيران في المنطقة

قد تسمح التغييرات التي أحدثها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في طاقم إدارته، وخصوصاً في الخارجية والأمن القومي، بأن تتفاءل الرباعية العربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) بأنّ الإدارة الجديدة أكثر تفهمّاً لهواجسهم حيال السلوك والسياسات الإقليمية التي تسير عليهما الجمهورية الإيرانية، وحيال خطر الحركات الإرهابية والمتطرفة، السنيّة والشيعية في المنطقة. وترى الرباعية العربية أنّ ارتفاع مستوى التفاهم بينها وبين واشنطن تجاه تلك التهديدات قد يفتح المجال لتطوير نسخة جديدة من الشراكة الإستراتيجية التي تتقاسم "العبء والتكاليف" من أجل "خلق توازن" في منطقة الشرق الأوسط، يكون مقدمة لإعادة الاستقرار، وتعزيز مكانة الدولة الوطنية في وجه المليشيات والجماعات المسلحة والتيارات المتطرفة.

نسخة متجددة من الشراكة

وقد يجوز القول، في هذا السياق، أنّ كلاً من السعودية والإمارات، على الأقل، تسعيان إلى ترسيخ نسخة متجددة من الشراكة الإستراتيجية بينها وبين الولايات المتحدة تقوم على الأسس والمنطلقات التالية:

1. تذهب مقاربة السعودية والإمارات بخصوص العلاقة الأمريكية-الخليجية في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى أن ثمة توجّهاً لدى الإدارة الأمريكية الجديدة لتحسين القيادة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن "من خلال شراكة إقليمية في النواحي الأمنية والإستراتيجيات والتكاليف". وترى السعودية والإمارات أنها مؤهلة لتكون في صُلب هذه الشراكة الإقليمية مع الولايات المتحدة لإنجاز جملة من الأولويات والأهداف الأساسية على رأسها: محاربة التطرف والإرهاب والضغط على إيران واحتواؤها ومنعها من تهديد الاستقرار في الإقليم.

"إحداث التوازن"

2. عموم القراءة الخليجية لما ظهر من خطوط عريضة (لم تكتمل في شكلها النهائي) لسياسات ترامب بشأن قضايا الشرق الأوسط تشير إلى أنّ ترامب ربما يرغب في إحداث "توازن" بين السنوات الـ15 الماضية للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يعني أخذ الدروس والعبر من تجربة الرئيس جورج بوش الابن في حربي العراق وأفغانستان. لكنّ تفادي إدارة ترامب (المُفتَرض) لمستنقعات الحربين لن يكون على طريقة الرئيس أوباما؛ حيث قاد الانسحاب الأمريكي السريع وإبرام الاتفاق النووي مع إيران من دون ربطه بتحسين سلوكها الإقليمي، إلى فوضى وحروب في المنطقة، الأمر الذي مكّن إيران من مدّ نفوذها في العراق ولبنان واليمن وسوريا، وكانت هذه الفوضى الإقليمية (إلى جانب سياسة إيران في دعم المليشيات الطائفية والتدخل في الشؤون العربية) خيرَ بيئةٍ للإرهاب السنيّ والشيعي، على حدٍّ سواء.

ستشكّل سياسة البيت الأبيض في ثوبها الجديد في عهد الرئيس ترامب امتحاناً لاستعادة واشنطن حضورها المؤثر في الشرق الأوسط

3. ستشكّل سياسة البيت الأبيض في ثوبها الجديد في عهد الرئيس ترامب امتحاناً لاستعادة واشنطن حضورها المؤثر في الشرق الأوسط، من دون الغوص عميقاً في أزماته أو الغرق فيها. ولا شك أن هذه معادلة صعبة، لكنّ إعادة التوازن في المنطقة شرط أساسي للتغلب على هذه الصعوبة. وما يتبدى حتى الآن أن الإدارة الأمريكية الجديدة تولي أهمية لتنشيط علاقاتها مع حلفائها الإقليميين (وعلى رأسهم السعودية والإمارات ومصر والأردن) للتعامل مع قضايا محاربة تنظيم داعش (في العراق وسوريا) والقاعدة (في اليمن وليبيا) ومواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة كمدخل أساسي لاستعادة زخم الدور الإقليمي المؤثر لواشنطن، خاصة في ظل حضور عسكري أمريكي في سوريا.

تغيير السلوك الإقليمي

4. ثمة مراهنة على أن تعزيز التعاون الأمني والسياسي بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، من شأنه أن يَحدّ من التدخلات الإيرانية في المنطقة، كما سيكون له تأثير في الوضع في اليمن؛ حيث إن الطرفين-الأمريكي والخليجي-يتفقان على سَلّة من الأهداف الأساسية والأولويات اللازمة لصيانة الأمن والاستقرار الإقليمي، ولعل في صدارة سلّة الأهداف والأولويات: محاربة الإرهاب وهزيمته، ووقف تهريب الأسلحة الإيرانية المحظورة إلى الحوثيين في اليمن وإلى حزب الله في لبنان، وإبعاد الحرس الثوري الإيراني عن مثلث الحدود الأردنية-السورية-العراقية، فضلاً عن كبح تدخل إيران العدائي في شؤون جيرانها، واحتواء دعم طهران للمليشيات الطائفية في العراق وسوريا واليمن ولبنان، والتعاطي بجدية أكبر مع برنامج إيران الصاروخي. وعلى الأرجح أن عدم استجابة طهران للتحولات في الإدارة الأمريكية (التي تربط استمرار العمل بالاتفاق النووي بتغيير سلوك إيران الإقليمي) سيعني أن احتمالات انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في أيار (مايو) المقبل ستكون واردة جداً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية