نشطاء تونسيون متضامنون مع عبير موسي: أرذل مراحل البرلمان

نشطاء تونسيون متضامنون مع عبير موسي: أرذل مراحل البرلمان


08/07/2021

تزايدت مخاوف التونسيين من تصاعد أشكال العنف بكلّ أنواعه في الفترة الأخيرة، خصوصاً منسوب العنف السياسي الذي عكسته الاعتداءات المتتالية، عقب تبادل اتهامات خطيرة بين العديد من الأحزاب والشخصيات، مثلما حدث تحت قبة البرلمان أخيراً، حين عمد النائب المستقيل من ائتلاف الكرامة اليميني صحبي صمارة، إلى تعنيف رئيسة كتلة الدستوري الحرّ باللّكم والضرب، على مرأى النواب وتحت أضواء الكاميرات.

وتعرّضت موسي، مساء يوم الاعتداء نفسه، إلى الضرب والتهديد والشتم والإهانة من جانب سيف الدين مخلوف، رئيس كتلة ائتلاف الكرامة المقربة من حركة النهضة، بعد أن حاولت موسي منع التلفزيون الرسمي من نقل مداخلته، احتجاجاً على مناقشة اتفاقية اقتصادية بين تونس وقطر.

ويؤكد عديد المراقبين على أنّ تونس وصلت إلى أرذل مرحلة في تاريخ برلماناتها، محذرين من تفشي العنف داخل المجلس الذي قد يتطور إلى سفك الدماء، وتكرار سيناريو مرحلة اغتيال الشهيدَين اليساريَّين؛ شكري بلعيد ومحمد البراهمي، عام 2013.

إدانات واسعة للعنف

دفعت حالة الفوضى التي خلّفها الاعتداء بالعنف على موسي، بفئات واسعة من التونسيين إلى الدعوة إلى حلّ البرلمان، وسط إدانة واسعة من النشطاء في مجال حقوق الإنسان وحقوق النساء والأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية لحوادث الاعتداءات المتكررة، إذ دان الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية)، مشاهد العنف المادي واللفظي التي تكرّرت تحت قبّة البرلمان، والتي "ارتكبها نواب كتلة الإرهاب التي تعوّدت على ممارسة العنف ضدّ كلّ من يخالفها الرأي"، وحمل المسؤولية لرئاسة البرلمان خاصة، مع تكرار هذه الممارسات المسيئة للعمل السياسي ولسمعة تونس.

الإخوان يصرّون على إهانة النساء في شخص عبير موسي أمام ضعف موقف الحكومة المتواطئ.. والغنوشي أصبح عاجزاً عن التحكم في الوضع البرلماني الذي تحوّل إلى حلبة للصراع

واستنكرت كلّ الأحزاب السياسية ورئاسة الحكومة حالات الاعتداء، التي عاشها البرلمان، فيما أبدت النائبة عن الكتلة الديمقراطية، سامية عبو، تضامنها المطلق مع عبير موسي، ورأت أنّ ما حدث ''فضيحة وعار لا يجب أن يمر دون عقاب مرتكبيه''، كما دعت كلّاً من الناشطة الحقوقية بشرى بلحاج حميدة، ورئيسة جمعية النساء الديمقراطيات السابقة يسرى فراوس، وكلّ النساء، إلى الانسحاب من البرلمان الذي وصفته "بمسرح التصفية الجندرية"، حتى تتم محاسبة المعتدين بالعنف والتحرش.

اقرأ أيضاً: عبير موسي لـ"حفريات": النهضة تريد تحويل تونس إلى ملاذ إخواني للتنظيم الدولي

من جانبه، رأى رئيس المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، منير الشرفي، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ "حادثة البرلمان جاءت نتيجة تردّي المستوى الأخلاقي والسياسي في البرلمان، حيث يصرّ الإخوان على إهانة النساء في شخص عبير موسي، أمام ضعف موقف الحكومة المتواطئ"، مؤكداً أنّ "المرصد سيقوم بتحرك ميداني تحت عدة  شعارات أبرزها "لا إفلات من العقاب"، و"حرية المرأة خط أحمر"، و"حلّ المجلس أصبح واجب".

رئيس المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، منير الشرفي

وأشار الشرفي إلى أنّ موقف رئيس البرلمان راشد الغنوشي بإدانة حادثة الاعتداء المعنوي والمادي لموسي لم  يكن كافياً، مشدداً على أنّ التعفّن الذي وصل إليه البرلمان، برئاسة راشد الغنوشي، من تآمر على مصالح الشعب عبر تمرير مشروع اتفاقية استعمارية بالقوّة (صندوق التعاون القطري)، ومن تعنيف مادّي شنيع للمعارضين، قد أفقده نهائياً ًمشروعيّته، في يوم وصفه بـ "الأسود". 

وقبيْل واقعة الاعتداء الثانية، قالت موسي إنّ رئيس البرلمان راشد الغنوشي جنّد أشخاصاً لمنعها من دخول البرلمان التونسي، ووصفته برأس الأفعى.

اعتداء على مكتسبات المرأة

ويذهب محللون إلى أنّ التيار الإسلامي في تونس أراد أن يبعث برسالة مشفرة من قلب البرلمان، يؤكد فيها على نسف كافة مكتسبات المرأة التونسية خلال العقد الماضي، معتبرين ما حدث أنّه "انتكاسة للتجربة الديمقراطية في البلاد، ولقرار البرلمان التونسي الذي كان  قد أقرّ بالإجماع، في 26 تموز (يوليو) 2017، مشروع قانون لمكافحة العنف ضدّ المرأة، ويمثل هذا التشريع واحداً من أبرز مكاسب الثورة التونسية.

اقرأ أيضاً: أول تصريح لعبير موسي بعد تعرضها للاعتداء... ماذا قالت؟

وفي الردّ الأول على حادثة الاعتداء، وصفت راضية الجربي، رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، في تصريح لـ "حفريات"، ما ارتكبه النائبان في حقّ عبير موسي، بعد 65 سنة من صدور مجلة الأحوال الشخصية، التي تقنن حقوق النساء في تونس بـ "التصرّف البدائي المتخلّف"، مؤكدة أنّ مكتسبات المرأة التي تحققت إلى حدود اليوم، شجرة تخفي مجموعة من المعاناة التي تتعرض لها النساء، لا سيما في ظلّ التحديات التي ما تزال تلقي بظلالها على أوضاعهن في تونس.

وأضافت الجربي أنّ هناك مكاسب تراجعت بعد ثورة 2011، بسبب سياسة ممنهجة من قبل  بعض الأطراف السياسية التي لا تؤمن بمبدأ المواطنة والدولة المدنية، مبينة أنّ هذه الأطراف تتلحف بالغطاء الديني لضرب الدولة والتقليل من مكانة المرأة.

اقرأ أيضاً: عبير موسي تتوعد حركة النهضة الإخوانية بمسيرة شعبية مزلزلة... تفاصيل

ورأت الجربي تصريح سيف الدين مخلوف لإحدى الصحف المحلية، والتي قال فيها إنّ عبير موسي "ماتت سياسياً"، خطير خصوصاً إذا كان يقصد إقصاءها، لافتةً إلى أنّ هذا التصريح يهدد الحرية السياسية لموسي، وهو أمر أكثر خطورة إذا كان يتضمن دعوة للعنف والقتل.

وكان النائب عن ائتلاف الكرامة، محمد العفاس، قد أثار جدلاً واسعاً بعد أن هاجم المرأة التونسية، حيث انتقد مبدأ حرية المرأة الذي رآه "حرية الوصول إلى المرأة"، كما عدّ المرأة "سلعة رخيصة" ووصف الأمهات العازبات بـ "العاهرات"، وهو ما أثار موجة استنكار واسعة في تونس.

راضية الجربي

عبير موسي في مرمى الاتهامات

عبير موسي التي أشارت في تصريحات صحفية إلى أنّ "العنف ليس غريباً على هذا المجلس"، بحسب وصفها، مؤكدة أنّ الغنوشي هو من يحرك خيوط اللعبة في تونس، يتهمها نواب هي الأخرى، بالعمل على تشويه صورة البرلمان، والإساءة إلى تونس بعد تعمّدها تعطيل عدد من الجلسات العامة، ومنع انعقادها في حالات أخرى، فضلاً عن الاعتصام داخل قاعات الجلسات العامة، وفي منصة رئيس البرلمان.

كما يتهمها نواب موالون للنهضة بممارسة العنف النفسي على النواب، عبر استخدام مضخمات (مكبرات) الصوت داخله للتشويش على عمله، وتعرضت موسي لانتقادات لاذعة بسبب رفضها لثورة  2011، التي أطاحت الرئيس زين العابدين بن علي (1987-2011).

في هذا الإطار، دانت "النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين"، في بيان، تصرفات رئيسة كتلة "الدستوري الحر" تجاه الصحفيين، ودعت منظوريها إلى مقاطعة الحزب "الدستوري الحر" وأنشطته.

رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، راضية الجربي لـ "حفريات": بعض الأطراف السياسية التي لا تؤمن بالمواطنة والدولة المدنية، تتلحف بالغطاء الديني لضرب الدولة والتقليل من مكانة المرأة

وندّد عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب، خلال الجلسة العامة، الجمعة 19 آذار (مارس)، بالتصرفات "غير اللائقة" لموسي إزاء موظفي المجلس ومساعدي الكتل والصحفيين، داعين إلى"ضرورة فرض الاحترام والرقي في العمل البرلماني".

 ويقول المحلل السياسي عبد الجبار المدوري، في تصريحه لـ "حفريات"؛ إنّ موسي بنت سياسة حزبها على معارضة حركة النهضة، معارضة نشيطة بكل الوسائل، بما في ذلك الاستفزاز وتعطيل نشاط مجلس النواب وإظهار راشد الغنوشي في مظهر العاجز عن رئاسة البرلمان، وقد نجحت نسبياً في ذلك، خاصة أنّ حركة النهضة تعيش صراعات داخلية لم تعد خافية على أحد، كما أنّ الغنوشي بات فعلياً عاجزاً عن التحكم في الوضع البرلماني، الذي تحوّل إلى حلبة للصراع وتبادل العنف ما جعل الهوة تتسع بينه وبين عموم الشعب.

دورة نيابية مشحونة

وتصاعد العنف السياسي بشكل غير مسبوق في تونس منذ بداية الدورة البرلمانية الحالية، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، التي عرفت دعوات لإعدام خصوم سياسيين من قبل نواب، وتحولت قبة البرلمان في عدة مناسبات إلى حلبة للعنف، آخرها كان تكرار مسلسل الاعتداءات على رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، والذي سبق أن طال أيضاً أنور الشاهد، النائب عن التيار الديمقراطي، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، من قبل نواب كتلة ائتلاف الكرامة اليمينية نفسهم، والتي يصفها بعض السياسيين بجناح حركة النهضة العنيف.

المحلل السياسي عبد الجبار المدوري

وفي كانون الثاني (يناير) 2020، قالت رئيسة كتلة الحزب الدستوري، عبير موسي، إنّها تعرضت لمحاولة اعتداء بالعنف من قبل غرباء اقتحموا مقرّ البرلمان قبل أيام، وذلك بسبب رفضها تلاوة الفاتحة على أرواح ضحايا الثورة خلال الجلسة العامة بالبرلمان.

وفي تصريح لوسائل إعلام محلية، أكدت موسي أنّها "مهددة بالاغتيال"، موضحة أنّ بعض نواب كتلتها "تعرضوا لاعتداءات مباشرة وغير مباشرة في محاولة لكتم أصواتهم"، بحسب قولها.

اقرأ أيضاً: عبير موسي: تونس انزلقت نحو حكم الفتاوى لا القانون... كيف؟

كما أكدت وزارة الداخلية وقتذاك، إحباط مخطط اغتيال استهدفت القيادية بالتيار الشعبي والنائبة السابقة بالبرلمان مباركة عواينية، أرملة محمد براهمي، الذي اغتيل عام 2013 أمام منزله.

وكانت منظمة "بوصلة"، المهتمة بمراقبة العمل البرلماني، قد أكدت أنّ النصف الأول للدورة البرلمانية، من 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2020 إلى 28 شباط (فبراير) 2021، شهد ارتفاعاً ملحوظاً وخطيراً في منسوب الفوضى والاستقطاب والعنف قولاً وفعلاً تحت قبة البرلمان.

وقالت "بوصلة"؛ إنّ العنف تحوّل إلى ظاهرة تابعة للمشهد البرلماني دون ردع، مشيرة إلى تسجيل 23 حالة عنف، تتوزع بين عنف مادي ومعنوي وسياسي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية