نيران النظام وداعش تسقط القداسة عن بيوت الله في سوريا

سوريا

نيران النظام وداعش تسقط القداسة عن بيوت الله في سوريا


14/12/2017

تتجاوز الحرب في سوريا كل حدٍ ممكن، حتى إن مساحتها الجغرافية، أصبحت تمثل تذكاراً مؤلماً، لحروب عظمى مضت، كالحرب العالمية الثانية، وبالرغم من وجود تغطياتٍ إعلامية ووسائل تكنولوجية قادرة على تصوير الوقائع أو الأحداث هناك، إلا أن أمد الحرب طال دون تدخلٍ دوليٍ حقيقي، والضحايا كانوا ولا زالوا كثيرين؛ البشر، الطبيعة، المبنى، والمعنى الإنساني لحق العيش والأمان أيضاً، أما آثار سوريا التي عتقها الزمان، وجوامعها القديمة صاحبة الجذور الضاربة في التاريخ، فإنّ كثيراً منها تم تدميره، في لحظات.

حلب بلا مآذن
المدينة التي تعدُ من أقدم مدن العالم، حيث إنها بحد ذاتها، تعتبرُ وثيقةً تاريخية سجلت وجودها منذ القرن العشرين قبل الميلاد، وحملت معها منذ ذلك الحين، آثار من سكنوها، ومن مروا بها، من مسالمين أو معتدين، تركوا من الشواهد والعمران، ما يكفي لجعل حلب حاضرةً سورية وتاريخية ليس لها مثيل.
ولكن شبح المعارك، الذي خيم على المدينة المعروفة بقيمتها التجارية والاقتصادية أيضاً، فكك ودمر الكثير من معالمها، خصوصاً مسجدها الأموي، الذي بني في عهد الوليد بن عبد الملك عام 715 ميلادية، وأدرج على قائمة التراث العالمي عام 1986.
لكن التاريخ العريق للجامع، ومكانتيه العلمية والدينية، لم تشفعا له أمام القصف والتدمير، كما إن القوات الحكومية السورية اتخذت منه مقراً لها، حيث "سويت مئذنته العريقة التي بنيت منذ القرن الثامن الميلادي بالأرض"، كذلك، طاله القصف بمدافع الهاون والقذائف، ودمر سور الجامع الشرقي، ويضيف تقرير اليونسكو المنشور عام 2014 حول آثار سوريا والخطر الذي تتعرض إليه وحمل عنوان "تراث عالمي في خطر" أن الجامع لم يعد صالحاً للزيارة أو إقامة شعائر دينية فيه.

غالباً ما يبقى جزء من الجوامع شاهداً على ما تحطم فيها من أجزاء أخرى
ولا يقتصر الدمار على الجامع الأموي بحلب، فقد امتد كذلك، إلى مسجد "حضرة زكريا"، الذي يضم ضريح النبي زكريا، ويضم أيضاً بعض الآثار المقدسة للمسلمين، التي فقد معظمها بسبب تعرض المسجد للقصف من الطيران الحربي.

الجامع الأموي اتخذت منه القوات السورية مقراً لها فسُويت بالأرض مئذنته العريقة التي بنيت منذ القرن الثامن الميلادي

ولم تسلم أسواق حلب، خصوصاً سوقها الذي يعود تاريخه إلى القرون الوسطى، ويعد من أكبر الأسواق المغطاة في العالم، إذ التهمت النيران التي خلفتها الاشتباكات عدداً كبيراً من محاله ببواباتها الخشبية، وتحول معظمه إلى رماد، وهو ليس ببعيد، عن جامع الحدادين، فوسط حلب الأثري يضم الكثير من المساجد، منها هذا المسجد الذي لحق به الدمار لأول مرةٍ منذ بنائه في العهد الأيوبي، وكذلك جامع "الصروي" الذي بني خلال العهد المملوكي.
ومن الجدير بالذكر، أن المكتبة الوقفية في حلب، وتضم ما لا يقل عن 5 آلاف مخطوطة أصيلة، ضاع أو تلف عدد منها، بعد تعرض المكتبة للدمار، ومنها ما تم إنقاذه ووضعه في مكان أمين، ومنها ما وصل إلى دمشق، أو اختفى أو احترق.
أيضاً، تم استهداف وقصف المساجد الموجودة في أحياء مختلفة من حلب استهدفتها قوات النظام السوري، منها مسجد أبي بكر الصديق في حي الصاخور، ومسجد أسامة بن زيد في حي أغيور، وكان الاستهداف غالباً، يطال المآذن.
ولعل الجوامع لا تسقط بسهولة، ولما تبقى منها مئذنة، أو ساحة، أو يصمد لها جدار، تشير ببقاياها إلى الدمار الذي طال ضمنياً، معظم مراحل التاريخ العربي والإسلامي الذي عاشته حلب، لتصبح اليوم مستودعاً كبيراً للركام، يتوه فيه الإنسان والتاريخ.

تاريخ مدينة حلب، ركام يضيع فيه التاريخ

درعا: مآذن ممددة في العراء

لم تسلم مدينة درعا هي الأخرى من الدمار، لا من تنظيم داعش الإرهابي، ولا من طيران النظام أو طيران التحالف أو عبث الميليشيات متعددة الجنسيات، التي حاولت تحرير المدينة، فساهمت في تدميرها، ولم يفلت شيء فيها من الوقوع في دائرة الدمار والتشريد، منها أحد عشر جامعاً تشهد على تاريخ المدينة العريقة التي وجدت فيها آثار للإنسان منذ القرنين الرابع والسادس قبل الميلاد.
ووفق تقرير منشور على موقع "TRT"، تعرضت جوامع للتدمير الكامل في درعا، منها "جامع “أبو بكر الصديق” الذي تعرّض للقصف المدفعي في أغسطس 2013، ومسجد “الشيخ عبد العزيز أبازيد” الذي جرى نسفه بالألغام في أكتوبر 2014. كما تعرّض مسجد “بلال” للحرق والقصف مرتين: الأولى في فبراير والثانية في مارس من عام 2014، ما أدى إلى تدميره بالكامل".

أصبح شبه مستحيلٍ تمييز معالم الجوامع والبيوت في درعا بفعل الحرب


وبحسب التقرير ذاته، فإن جوامع أخرى تعرضت إلى دمارٍ جزئي، منها "الجامع العمري" الشهير، وهو جامع أثري يعود إلى الفترة الأولى من الإسلام، واسمه مرتبط بزيارة الخليفة عمر بن الخطاب لمنطقة "حوران" حيث أمر ببنائه في ذلك الحين، كما اعتبر رمزاً للثورة ضد النظام السوري عام 2011، واستهدفته قوات النظام السوري، فانهارت مئذنته ودمرت أجزاء منه.

تسرب غير مرة، أن قوات النظام السوري، كانت تتحصن حول أو في تلك المساجد خلال أعمال القتال

ولم تسلم مساجد وجوامع أخرى في المدينة، منها "المنصور"، "الأربعين"، "القدس"، "أبو هريرة"، التي تعرضت إلى تدمير جزئي أو كلي، عام 2014.
وكان تسرب غير مرة، بصورة غير موثقة أو رسمية، أن قوات النظام السوري، كانت تتحصن حول، أو في تلك المساجد خلال أعمال القتال، ولم تكن هنالك حرمة تاريخية أو دينية أو ثقافية أو وطنية، تمنعهم عن القيام بذلك.
ولعل هاتين المدينتين، بمساجدهما وجوامعهما وتاريخهما العريق، ليستا سوى مثالٍ، من بلدٍ تم فيه تدمير ما لا يقل عن "1000" مسجدٍ وفق تقرير اليونسكو، وكانت مدن أخرى، منها حمص التي دمر فيها مسجد خالد بن الوليد الأثري، وضريح خالد بن الوليد الموجود في داخله، وطمس هجوم قوات النظام السوري عليها الكثير من معالمها التاريخية والحاضرة، أيضاً، مدنٌ ومحافظات كإدلب، ومعرة النعمان، وغوطة دمشق، التي لم تسلم مساجدها، التي تعد بالعشرات، من التدمير، في وطنٍ لم تعرف الحرب فيه، حرمةً لدم إنسان، أو تاريخ، أو دين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية