هاجس الأزمة وضغط الشعب يشعلان الصراع على الرئاسة في الجزائر

الجزائر

هاجس الأزمة وضغط الشعب يشعلان الصراع على الرئاسة في الجزائر


30/09/2019

يذهب ستة من المحللين والناشطين الجزائريين إلى أنّ الانتخابات الرئاسية، المقرّرة يوم الخميس 12 كانون الأول (ديسمبر) القادم، تفتقد إلى موجبات "التوافق"، ما يجعلها "مكرّسة لسلطة الأمر الواقع".

وفي تصريحات خاصة، يرجّح من تحدثوا لـ "حفريات" وقوع أحد سيناريوهَيْن على وقع تحدٍّ يغذيه الانقسام الحاصل والاستقطاب السلطوي، ما ينذر بإنتاج اقتراع ملتهب بهاجس الأزمة وضغط الشعب.

محلّلة سياسية: الرأي العام ما يزال مسكوناً بسؤالَيْن: كيف ستُجرى الانتخابات وكيف سيتقبّل الشارع من سيسيّرها وينظّمها؟

ينطلق عبد الحق بن سعدي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، من أنّ "المأمول" كان استغلال اللحظة التاريخية التي دخل فيها الشعب الجزائري من خلال الحراك السلمي المتميز والديناميكية، التي أعادت الأمل والارتباط بالبلد.

ويضيف بن سعدي: "الجزائريون تطلّعوا منذ بدء الثورة الشعبية، في 22 شباط (فبراير) الماضي، إلى تحقيق وثبة وطنية تقوم على التوافق والانفتاح على الآخر في إيجاد وتحديد الخيارات والحلول، بدل تكريس الأحادية وفرض الرأي بالإكراه، دون الاستماع للإرادة الشعبية".

ويبدي بن سعدي أسفاً لفرض "سلطة الأمر الواقع" خيار الانتخابات الرئاسية، ثمّ تحديدها موعداً لذلك، بعد أن سارت في مسار "المونولوج" (مسرحية الممثل الواحد)، وكأنّها تريد انتخابات صورية تعطيها الشرعية الانتخابية.

عبد الحق بن سعدي

ويشدّد على أنّ الحرص على رهان الرئاسيات "يتمّ دون أن تتوفر الشروط اللازمة لمنح الجزائريين إمكانية تصديق هذا المسعى وضمان احترام إرادته وحرية اختياره"، على حدّ تعبيره.

ويذهب بن سعدي إلى أنّ الانتخابات مطلوبة من حيث المبدأ، ولكن الالتزام بالمعايير الدولية لنزاهة وشفافية العملية أكثر من ضروري، مبرزاً أنّ هذا التحدي هو الذي يثير القلق والنقاش في مختلف أوساط الرأي العام المحلي.

انقسام 
يركّز بن سعدي على انقسام الموقف الشعبي بين فريق متمسك بالانتخابات كآلية لحلّ الخلافات وتجسيد السيادة الشعبية، ومصرٍّ على إجرائها بشكل ديمقراطي سلس وشفاف، وفريق آخر رافض لتنظيمها في "ظروف بعيدة عن المعايير الدولية المعتمدة".

اقرأ أيضاً: إسلاميو الجزائر يناورون في التعاطي مع الانتخابات الرئاسية

ويشرح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر قائلاً: "الموقف المؤيد للمسعى مدفوع بما هو مطروح حالياً من مخاوف المجهول؛ لذا يتبنى خيار إجراء الانتخابات لسدّ الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية".

ويُلفت بن سعدي إلى أنّه: "بالنسبة إلى النخبة المحلية، فهي جزء من المشهد العام، ولا تختلف مواقفها عما هو سائد على المستوى الشعبي، بل ربما يسعى بعضها "للتموقع من خلال طرح رؤى تبريرية غير مؤسسة".

ويشير بن سعدي إلى 4 اتجاهات: "اتجاه السلطة الفعلية التي تريد إجراء الانتخابات، مهما كان الأمر، مستخدمةً عقلية "أحبّ من أحبّ وكره من كره"، وها هي تشدّد لهجة الخطاب والإجراءات، ما يعني أنّها مصرّة على التمسك بالموعد وتحقيق الهدف".

اقرأ أيضاً: حملة انتخابية مبكرة لإخوان الجزائر بحثاً عن تموقع في مشهد متأزم

والاتجاه الثاني؛ يمثّل "أخطبوط العصابة"، أو "الدولة العميقة" التي تسعى لإفشال المشروع الانتخابي، والإبقاء على حالة الفراغ وانعدام الشرعية، بينما يطالب أنصار الاتجاه الثالث بتوفير شروط إجراء انتخابات حرة ونزيهة، لكنّهم يقبلون بحالة الأمر الواقع، في حين يعتمد الاتجاه الرابع موقفاً رافضاً لإملاءات السلطة، ولا يقبل بنتائج انتخابات تنعدم فيها ظروف وشروط إجراء استحقاق انتخابي حقيقي.

وعلى هذا الأساس؛ يبرز الخطر الذي ينتظر الجزائريين بشأن موعد 12 كانون الثاني (ديسمبر)، ومدى إمكانية إجرائه من عدمه، في ظرف يتّسم بتموقع المؤسسة العسكرية كلاعب أساسي وحاكم فعلي، منذ تصاعد النداءات منذ ما قبل بدء حراك "22 فبراير"، و"مطالبتها" بالتدخل لإنهاء حكم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن "يُطلب" منها مرافقة الحراك، قبل أن ينفتح الباب على مصراعيه لرسم وتنفيذ السياسة العامة واتخاذ القرارات.

ويخلص بن سعدي إلى أنّ "الوضع الحالي يدفع بالجيش إلى واجهة الحكم والعمل السياسي، وهو ما لا يريد الاستمرار فيه أكثر مما هو فيه، ولذلك يستعجل الانتخابات الرئاسية ليعود إلى حالته الطبيعية".

في المقابل، يتوقع المزيد من التضييق على الحراك، في وقت تسعى السلطة لكسب تأييد الشارع ومحاولة إقناعه بجدوى الانتخاب وأهميته، وتبدو ورقة التصعيد من جانب السلطة والشارع مطروحة لتمرير إحدى الإرادتين.

 انقسام الموقف الشعبي

شبح الأزمة وورقة الضغط
في منظور الباحث الإستراتيجي، زكرياء بورزق، فإنّ واقع الأمر يتضمن اتجاه البلاد نحو انتخابات رئاسية، لكن الأزمة السياسية ما تزال دون حلّ بشكل نهائي، ودلالة ذلك استمرار المظاهرات، وإن كانت بدرجة أقل، في العاصمة وبعض المحافظات وانحسارها في أخرى.

استمرار المظاهرات يشكّل ضغطاً على السلطة القائمة التي تريد الوصول إلى تنظيم الانتخابات وإجراءها في ظروف مثالية

ويتصور بورزق أنّه في مثل هذا الوضع، ومع التغطية الإعلامية لبعض وسائل الإعلام، وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، فإنّ استمرار المظاهرات يشكّل ضغطاً على السلطة القائمة التي تريد الوصول إلى تنظيم الانتخابات، وإجراءها في ظروف مثالية تعطي انطباعاً بنجاحها في تجاوز الأزمة، لكنّها تتخوف من أيّة أعمال شغب وتشويش على حركة ونشاطات وتجمعات المترشحين.

ويرى بورزق أنّ الانقسام الموجود في الشارع "أمر طبيعي"، لافتاً إلى أنّ هذا الانقسام نجده على مستوى النخب السياسية أيضاً، في ظلّ قبول "جزء كبير من الشارع بالمسار الذي أصرّ الجيش على المضي فيه"، في المقابل؛ ثمّة تيار آخر له مطالب محدّدة منذ البداية.

ويتشكّل هذا التيار من قسمين: قسم يطالب بضمانات، من بينها؛ ذهاب رئيس الوزراء نور الدين بدوي، والتهدئة بإيقاف التضييق على المتظاهرين والانفتاح الإعلامي على مختلف التيارات، وهي تنازلات ضرورية للتعبير عن حسن نية السلطة، والقسم الثاني له مطالب محددة منذ البداية، ولم يتنازل عنها؛ حيث ينادي بجمهورية ثانية تتأسّس عبر المرور بمرحلة انتقالية ودستور جديد يُعده مجلس تأسيسي.

اقرأ أيضاً: خبيران: لجنة الانتخابات بالجزائر ستكشف "حجم الإخوان"

ويؤيد بورزق، وجود هاجس لدى السلطة من فشل المضي إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية، والذي لن يكون إلا في حالتين: وجود حراك بالزخم نفسه الذي كان عليه في شهرَي آذار (مارس) ونيسان (أبريل)، أو إحجام أشخاص تتوفر فيهم شروط الترشّح.

بيد أنّ كلا الاحتمالين، خاصة في ظلّ الاستعداد الذي أبداه بعض المترشحين لرئاسيات 2014، للتنافس في الاقتراع القادم. ويرى بورزق أنّ السلطة عازمة على تنظيم الانتخابات في وقتها، وغلق الطريق أمام كلّ ما من شأنه التأثير على ذلك، متوقعاً تسجيل تضييقات أمنية أكثر لمحاصرة المسيرات، واللجوء لاستعمال القوة والمتابعات القانونية لمنع أيّة محاولات للتشويش على نشاطات المترشحين للرئاسيات.

اقرأ أيضاً: قانون الانتخابات في الجزائر يستبعد هؤلاء..

وستشهد سادس انتخابات تعددية في تاريخ الجزائر، حضور مترشحين معروفين، مثل: رئيس الوزراء السابق علي بن فليس، والمترشح الرئاسي السابق عبد العزيز بلعيد، وغيرهما، لكنّ بورزق يفتح الباب أمام بروز وجوه جديدة، سواء كانوا سياسيين سابقين، أو حقوقيين، أو رجال أعمال، أو أكاديميين.

ولا يستبعد بورزق أن تكون لمفاجآت الانتخابات الرئاسية في تونس، انعكاساتها على المشهد الجزائري، سواء من حيث طبيعة المترشحين، أو من حيث فرصهم في الفوز.

 زكرياء بورزق

مرحلة فاصلة بسيناريوهَيْن  
يتقاطع المحلل السياسي، سيد علي عزوني، مع الخبير زكرياء بورزق، في حساسية الشوط الجزائري القادم، ويتفق الاثنان في أنّ مرحلة رئاسيات "12 ديسمبر" تلوح فاصلة بسيناريوهَيْن حاسمين، في حلحلة أو تأزيم الأزمة السياسية المستمرّة للشهر الثامن توالياً.

ويرتسم السيناريو الأول عبر تنظيم رئاسيات شفّافة في وقتها، على نحو يرسّخ الاستمساك بالمسار الدستوري، بعيداً عن أيّة منغّصات قد تشكّل خطراً على الاستقرار الداخلي، بينما يتشكّل السيناريو الثاني من خلال "تأزيم جديد" يتفجّر في حالة "التلاعب بنتائج الانتخابات لصالح مرشح بعينه مرفوض شعبياً".

اقرأ أيضاً: الجزائر بين العناد والمنطق

وحذّر عزوني وبورزق من أنّ "أيّ تلاعب بالاقتراع الرئاسي، سيحوّل الحراك الشعبي إلى ثورة حقيقية لن تتوقف قبل الإطاحة بكل المنظومة القائمة"، ويعقّب بورزق: "السلطة تتخوف من ذلك لإدراكها بأنّ هناك مزاجاً متوجساً من تحركات السلطة، ونفساً حراكياً نابضاً سيدفع الناس للعودة إلى احتلال الشوارع، أما في حالة الفشل مجدداً في تنظيم الانتخابات، فإنّ ذلك سيفرز تبعات خطيرة على الاستقرار الداخلي".

من جهتها، ترى المحلّلة السياسية، مريم حمرارس؛ أنّ الرأي العام المحلي ما يزال مسكوناً بسؤالَيْن: "كيف ستُجرى انتخابات رئاسية بعد حراك دام لأشهر من أجل القضاء على النظام القديم بحكومته؟ وكيف سيتقبّل الشارع من سيسيّرها وينظّمها؟

 محمد هناد

وتجزم حمرارس بضرورة رحيل الحكومة الحالية؛ لأنّ ذلك في صميم مطالب الحراك، وفي حال بقاء رئيس الوزراء، نور الدين بدوي، وفريقه، فإنّ مقاطعة الانتخابات ستكون واسعة وبنسبة أكبر، خصوصاً مع محاولة "أطراف خلق عوائق أخرى لإفشال الانتخابات".

وتشير حمرارس إلى مناورات "الأحزاب الموالية للنظام البوتفليقي القديم، وما تبقى من بقايا أتباع المنظومة البائدة، وأخرى تتكئ على الدعم الفرنسي، مشيرة إلى أنّ باريس لها مصالح كبرى في الجزائر، وتودّ الدفاع عن ذلك عبر دعم عدد من قوى اليسار في المستعمرة القديمة.

من جانبه، يرى عبد الرحمن سعيدي، القيادي في حركة مجتمع السلم (إخوان)؛ أنّ رئاسيات "12 ديسمبر"؛ هي محاولة للقفز على الواقع، وتثبيت منظومة جديدة رغم أنف المعارضين والحراكيين، وهو طرح يؤيده البروفيسور محمد هناد، بقوله: "لا لانتخابات رئاسية مفروضة"، معتبراً أنّ ذلك "قرار متسرّع وانفرادي من دون حصول أيّ توافق وطني وبحجة "مطلب شعبي ملحّ" مزعوم، إنما هو مغامرة مجهولة العواقب قد تكلف البلد غالياً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية