هجمات فيينا توقظ الوحش النائم.. هل بدأت أوروبا حربها ضد الإرهاب؟

هجمات فيينا توقظ الوحش النائم.. هل بدأت أوروبا حربها ضد الإرهاب؟


16/11/2020

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تشهد النمسا ذات الطبيعة الهادئة للغاية هجمات إرهابية مماثلة لتلك التي وقعت بقلب عاصمتها فيينا، ليل الإثنين، الثالث من تشرين الأول (نوفمبر) الجاري،  وصُنفت بأنها إرهابية إسلامية، لتفتح البلاد الباب واسعاً أمام إجراءات فورية وصارمة استهدفت بؤر نشر الإرهاب والتطرف داخل حدود الدولة التي تنعم بالحرية والحقوق.

هجمات فيينا، جاءت كرقم جديد ضمن مجموعة من العمليات التي استهدفت مُدناً أوروبية خلال الفترة الماضية، لعل أبرزها الهجمات الدامية المتزايدة على فرنسا وآخرها حادث طعن المدنين في مدنية نيس، ولكنها دفعت الحكومات الأوروبية إلى ضرورة اتخاذ موقف حاسم وفوري ضد التجذر الإخواني الممتدد بالبلاد التي كانت ملاذاً آمنا لعناصر التنظيم الفارين من بلادهم وخاصة مصر، منذ أكثر من خمسة عقود، والذين نجحوا بفضل استغلال مناخ الحريات من تدشين إمبراطورية ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية متوطنة داخل المجتمع الأوروبي، تمثل اليوم بلا شك ذراعاً قوية للجماعة في تحقيق مصالحها، خاصة في ظل الصحوة التي يشهدها الشرق الأوسط والتي ساهمت بشكل كبير في تقليم أذرع التنظيم في المنطقة.

أوروبا تتخلى عن سياسة النفس الطويل

لم تكن ردة الفعل على الهجوم طارئة بقدر ما يمكن اعتبارها خطوة ضمن نهج طويل الأمد اعتمدته النمسا على مدار عدة أشهر مضت يستهدف دحر نفوذ جماعة الإخوان وكافة التنظيمات التي تتبعها بالداخل، بعد ساعات من الهجوم الدموي الذي خلف عشرات الضحايا ما بين قتلى وجرحى، شنت أجهزة الأمن مداهمات متواصلة على أربع ولايات اتحادية، بينها فيينا، وغراتس التي تعد معقلاً لجماعة الإخوان، ضد أشخاص وجمعيات مرتبطة بشكل مباشر بها وبحركة حماس، وخلال المداهمات، فتشت الشرطة 60 شقة ومنزلاً ومقراً تجارياً ونادياً، وألقت الشرطة القبض على 30 شخصاً، مثلوا أمام السلطات للاستجواب الفوري.

يقول الكاتب المصري، مصطفى عبد الله، مدير مكتب جريدة الأهرام في النمسا ودول شرق أوروبا وعضو المجلس المصرى للشؤون الخارجية، إنّ "أوروبا شرعت نهجاً جديداً في التعامل مع التنظيمات المؤدلجة والجماعات الإرهابية وفي القلب منها جماعة الإخوان التي تعد المرجع الحقيقي والأصل المتجذر لها جميعاً سيعتمد على المواجهة المباشرة معها"، موضحاً في حديثه لــ"حفريات"، أنّ "المواجهة بدأت بالمداهات التي تمت ضد 60 جمعية تتعلق بشكل مباشر بالإخوان وحماس، والقبض على عدد كبير من العاملين فيها، في إجراء سيتبعه مجموعة من الإجراءات لملاحقة الإخوان أو أي جماعة ترتبط بتنظيمات الإسلام السياسي وتعمل على نشر العنف والتطرف بالبلاد".

هجمات فيينا فتحت الباب واسعاً أمام إجراءات فورية وصارمة استهدفت بؤر نشر الإرهاب والتطرف

ويتفق معه المفكر المصري والخبير  في العلاقات الدولية الدكتور، طارق حجي؛ حيث يرى أنّ "أوروبا استفاقت أخيراً على خطر قديم يهددها منذ عدة عقود بسبب احتضان المئات من عناصر التنظيم المؤسسين لجماعة الإخوان أبرزهم يوسف ندا المقيم بسويسرا وسعيد رمضان، صهر مؤسس الجماعة حسن البنا ومؤسس الإخوان بالخارج، مشيراً لـ"حفريات" إلى أنّ "القارة العجوز تخلت عن سياسة النفس الطويل في مواجهة الإرهاب والتطرف وستبدأ في التعامل المباشر والرادع مع تلك الجماعات.

ليلة سقوط الإخوان في النمسا

ويوضح عبد الله أنّ "المداهمات التي استمرت لمدة 3 ساعات استهدفت على نطاق واسع جمعيات تتبع الإخوان وحماس وشارك بها 100 ضابط من الشرطة النمساوية، فيما أكد وزير الداخلية كارل نيهامر إن بلاده بصدد اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وحسم ضد التنظيمات المتطرفة، وهو ما سيحدث خلال الأيام القليلة الماضية".

اقرأ أيضاً: النمسا دقت ناقوس خطر الإخوان في أوروبا

وأضاف أنّ "عدة دول أوروبية ستحذو حذو النمسا في اتخاذ إجراءات صارمة ضد جماعة الإخوان بعد أن أدركت مدى الخطر الذي تمثله تلك التنظيمات التي تستغل المناخ الممنوح للحريات للعبث بالأمن القومي للبلاد، والعمل لصالح أجندات خارجية"، لافتاً إلى أنّ تركيا تعمل على تحريك تلك الجماعات لتنفيذ مصالحها.

وقال الكاتب المصري المقيم في فيينا إنّ "فرنسا والنمسا وألمانيا أعدت مشروع بيان مشترك للاتحاد الأوروبي، بخصوص المهاجرين القادمين إلى أوروبا، يستوجب على القادمين الجدد، تعلم لغة البلدان المضيفة لهم، وتسهيل عملية اندماج أطفالهم في المجتمع الأوروبي، وذلك بعد هجمات الأسابيع الماضية"، مشيراً إلى أنّ مشروع القانون اقترح تمويل التعليم الديني للجاليات المسلمة المتواجدة في أوروبا، وحرمان المنظمات غير الحكومية المعارضة للاندماج من دعم الدولة.

وأكد أنّ "الجهود الأوروبية ستتوحد خلال الفترة المقبلة بشكل غير مسبوق في مواجهة خطر التنظيات المتطرفة والداعمين لها".

الإخوان.. أم الإرهاب

يلخص حجي خطر  جماعة الإخوان على أمريكا وأوروبا بمحاور محددة، "منها ما يتمثل في أنّ الإخوان والقاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام كلها تجليات لنفس الفكر والمرجعية، وأنّها كلها تسعى لذات الأغراض ونفس الأهداف، بينما يتعلق الثاني بالهجرة غير المنضبطة للمجتمعات الغربية، والتي تعد بمثابة انتحار غربي، إذ تفتح المجتمعات الغربية أبوابها وتسمح لمن يستهدفونها بالدخول إليها".

شنت أجهزة الأمن النمساوية مداهمات متواصلة على 4 ولايات بينها غراتس التي تعد معقلاً لجماعة الإخوان

ويشير حجي إلى أنّه منذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001 يحاول جاهداً من خلال كتابات ومقالات نُشرت في عدة مطبوعات أوروبية أن يحذر من خطورة تواجد التنظيمات الإسلامية المتطرفة في البلاد خاصة فى أوروبا والولايات المتحدة وكندا. يقول: كل ما يحدث في أوروبا منذ سنوات كان يؤكد  لي أنني كنت على حق، ثم وقعت الجرائم الإرهابية الأخيرة فى فرنسا والنمسا لتجعل البلدين ومعهما أوروبا يشعران لأول مرة بحجم وفداحة الوضع الكارثي الذي أوصلت أوروبا نفسها له، ولا شك عندي أن الوقت جد متأخر، وأن استفاقة أوروبا كانت واجبة منذ 11 سبتمبر 2001، ولكنني لا أقول إن إنقاذ أوروبا لنفسها لم يعد ممكناً بل أعتقد أن الإستفاقة وإن كانت متأخرة ، فهي تحققت، وهذا التحقق نصفه كان في باريس ونصفه الآخر في ڤيينا".

اقرأ أيضاً: النمسا وفرنسا ترنيمة واحدة لوقف خطر الإسلام السياسي

ويتابع المفكر المصري أنّه "رغم فداحة حجم المعضلة، فإن أوروبا التي هزمت النازية ثم الشيوعية، سوف تنتصر على إرهاب الإسلاميين، ولكنه نصرٌ سيحتاج إرادة و مثابرة وعزماً، كما أنه نصرٌ له تكلفة وثمن، ولكنه سيحدث. وكلي ثقة أن رد الفعل النمساوي منذ أيام (بعد رد الفعل الفرنسي وكلمات الرئيس ماكرون شديدة الوضوح) هو محطة فارقة بين مرحلتين، ومحطة تمثل بداية مواجهة لا بد منها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية