هجوم الصين الناعم على إفريقيا: هل هو استعمار جديد؟

الصين

هجوم الصين الناعم على إفريقيا: هل هو استعمار جديد؟


17/10/2018

ظلّت القارة الإفريقية منذ العقود التي تلت الاستقلال تعاني من ضعف البنية التحتية وعدم الاستقرار السياسي وانخفاض الدخل، رغم ما يتوفر في القارة من موارد مثل النفط والغاز والأحجار الكريمة والمعادن الأرضية النادرة.

وفي حين حولت البرازيل والهند والصين وغيرها من "الأسواق الناشئة" اقتصاداتها في الأعوام الماضية، بقيت موارد إفريقيا تشدّها إلى الأسفل.

اقرأ أيضاً: العرب في إفريقيا.. تفاعل حضاري لم ينقطع

وتستأثر إفريقيا بحوالي 30 في المائة من احتياطيات العالم من الهيدروكربونات والمعادن، ويمثل سكانها 14% من سكان العالم، إلا أنّ نصيبها من التصنيع العالمي يسجّل أرقاماً ضيئلة للغاية.

هذا ما جعل إفريقيا على قمة أجندة بكين الاقتصادية التي توصف بالطموحة، فقد أرسل القادة الصينيون وفوداً تجارية إلى كل العواصم الإفريقية سنة تلو الأخرى. وقام هؤلاء المندوبون بالاستحواذ على مشاريع البنية التحتية والصفقات التجارية المختلفة، في محاولة توصف بأنها ترمي إلى تحويل إفريقيا إلى "قارة صينية" أخرى.

وفي عام 2015 بلغت التجارة بين الصين وإفريقيا ما يقرب من 300 مليار دولار، في حين بلغت الشركات الصينية في إفريقيا عام 2017 أكثر من 10000 شركة مملوكة للصين تعمل في أنحاء القارة، حسب تقرير لشركة  McKinsey & Compan.

موظفون يستعدون لاستقبال قطار على خط سكك حديد بنته وتديره شركة صينية

وفي عام 2009، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا، وذلك باستيراد الشركات الصينية المزيد من السلع الإفريقية. وفي الوقت نفسه، تُشَكِّل السلع المصنعة في الصين أكثر من 80 في المئة من صادرات الصين إلى إفريقيا. ولكن مع تباطؤ الطلب على هذه السلع، اتسع عجز إفريقيا التجاري مع الصين. بل كان هذا العجز في عام 2016 يعادل عجز أفريقيا التجاري مع بقية العالم.

منتدى التعاون الصيني - الإفريقي (2018 FOCAC)

في أوائل الشهر الماضي، توافد القادة الأفارقة إلى العاصمة الصينية لمشاركة أعمال المنتدى الصيني الإفريقي (2018 FOCAC) ، ووصل عدد القادة الأفارقة المشاركين إلى أكثر من 50 مسؤولاً وزعيماً، ويفوق هذا العدد من القادة أكثر من الذين حضروا في القمة الإفريقية الأخيرة في نواكشوط قبل شهرين، كما يفوق كذلك عدد الذين حضروا الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في الشهر الماضي، حيث كان هناك أقل من 30 قائداً إفريقياً، مما يشير إلى مدى حرص القادة الأفارقة وميلهم للتعاون التجاري مع الصين.

اقرأ أيضاً: صوماللاند: دولة الأمر الواقع الأنجح إفريقياً في المسار الديمقراطي

وقد عُقِدَتْ حتى الآن قمتان من هذا المنتدى الذي خُطِّطَ بأن يُجرَى كل ثلاثة أعوام آخرها في كانون الأول (ديسمبر) عام 2015 في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا. بينما عقدت القمة الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2006 عندما زار قادة أكثر من 40 دولة إفريقية العاصمة الصينية بكين لحضور اجتماع القمة.

منتدى التعاون الصيني - الإفريقي (2018 FOCAC)

وفي اجتماع المنتدى الأخير العام 2018، تعهَّد الرئيس الصيني "شي جين بينغ" بتقديم 60 مليار دولار من المِنَح والقروض لإفريقيا، كما أعاد الرئيس الصيني شي جي بينغ التأكيد للقادة الأفارقة بالتزام بلاده بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول القارة، وهو ما يقابله الزعماء الأفارقة في العادة بتصفيق حارّ من قارة عانت كثيراً من الاستعمار الغربي ومن قروض البنك الدولي المشروطة.

القارة الإفريقية بحاجة لوضع أسس تنمية ذاتية لا تكون عرضة لمخاطر استغلال الجهات الخارجية ومطامعها المتجددّة

وتروج الصين بشكل روتيني ودائم لاستثماراتها وعلاقتها التجارية مع إفريقيا باعتبارها حالة "مربحة لكلا الجانبين"، على النقيض من السياسات الغربية الاستغلالية. لكن تتزايد رغبة الحكومات والشركات الأفريقية، المتلهفة للصناديق الصينية، في قمع أو مراقبة وجهات النظر التي لا تحبها بكين، ويتزايد النفوذ الصيني في وسائل الإعلام والأكاديميات والدبلوماسية الإفريقية.

أحد الأمثلة الأكثر وضوحاً هو تزايد عزلة تايوان، فقبل ثلاثة أعوام، ظلت أربع دول إفريقية تحظى باعتراف دبلوماسي بتايوان، مما أثار استياء بكين. واليوم، تحولت ثلاثة من هذه البلدان الأربعة إلى جانب بكين، حيث أغرِقَت بمساعدات صينية. فقط مملكة سواتيني الصغيرة (المعروفة سابقاً بسوازيلاند) ما تزال تدعم تايوان، وهي الدولة الإفريقية الوحيدة التي لم تتلقَ دعوة لحضور قمة بكين الأخيرة، وهو ما يشير إلى استخدام الصين لمساعداتها للضغط السياسي.

تنافس صيني-أمريكي-أوروبي

بالرغم من الانعزالية والتراجع التي توصف به أمريكا نحو القارة الإفريقية بقيادة دونالد ترامب، فإن ذلك لا يعني انسحاباً أمريكياً بالكامل، فقد زارت ميلانيا زوجة ترامب في الأسبوع الماضي عدة دول إفريقية، في محاولة لتجميل صورة أمريكا في ظل سياسات زوجها الشعبوية، والذي وصف بعباراة نابية القارة ودولها. سبقتها تريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية التي زارت عدة دول أفريقية الشهر الماضي، وكذلك قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة لمقر أفريكا شراين في نيجيريا. وقبله بقليل زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دولاً في وسط وغرب إفريقيا، إضافة الى رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي الذي يقوم بزيارة تاريخية إلى دول القرن الأفريقي في هذه الأيام.

ميلانيا ترامب في إفريقيا

تمخض عن كل تلك الزيارات الإعلان عن صفقات أوروبية وأمريكية للبلدان الأفريقية. ويرى الدكتور حمدي عبدالرحمن أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أننا "أمام نماذج مختلفة لمعارك التدافع الثالث على إفريقيا. إذ على الرغم من اختلاف النموذج الأمريكي الذي يركز على القطاع الخاص في إفريقيا عن النموذج البريطاني الذي يجمع بين دعم كل من القطاع الخاص والقطاع العام مع إعطاء الأخير قصب السبق، فإن كليهما على خلاف مع النموذج الصيني". وأضاف أنّ "التعاون الصيني مع إفريقيا هو علاقة بين حكومات بالأساس. إن الصفقات الصينية الإفريقية هي شأن حكومي صرف حيث لا يوجد ما يشير إلى كيفية استفادة ‏ القطاع الخاص الإفريقي من هذه الصفقات، أو حتى الارتباط بالقطاع الخاص في الصين‎."‎

مخاوف من الاستثمار الصيني

ماذا تفعل الشركات الصينية في إفريقيا؟ يرى البعض أنّ الشركات الصينية تحاول تحويل إفريقيا إلى قارة صينية أخرى. هذا هو رأي العديد من السياسيين الأفارقة. كان السياسي الزامبي مايكل ساتا واحداً منهم. على الأقل قبل انتخابه رئيساً لزامبيا في عام 2011. وكتب ورقة نشرتها جامعة هارفارد في عام 2007 قال فيها "الاستغلال الأوروبي الاستعماري بالمقارنة بالاستغلال الصيني الحالي يبدو على نفس القدر من السوء، هَدَفَ الاستعمار الأوروبي للاستفادة من بناء خدمات البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية بموارد إفريقية، ويركز الاستثمار الصيني من جانبه على تعصير الموارد الأولية عن إفريقيا والاِغْتِنَاءِ منها، دون أي اعتبار لرفاهية السكان المحليين".

ميناء هامبانتوتا السريلانكي الذي استحوذت عليه الصين

ومن الأمثلة التي يقدمها أصحاب المخاوف، ويحذرون منها الدول الأفريقية: ما حدث لـ"سريلانكا" في كانون الأول (ديسمبر) 2017؛ حيث لقي تعامل الصين مع هذه الدولة الجزرية في جنوب آسيا استياء وانتقادات واسعة لعدم استطاعتها دفع ديونها للصين. وحسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أعادت الصين التفاوض بشأن شروط الديون المستعصية مع سيريلانكا، مقابل الحصول على ملكية ميناء "هامبانتوتا" و 15 ألف فدان من الأراضي المحيطة على شكل عقد إيجار لمدة 99 عاماً على هذه الممتلكات.

اقرأ أيضاً: أميركا والصين.. وصراع الزعامة

وقد جلب هذا (الحدث) بعض المخاوف السيادية؛ كما يقول لوك باتي، وهو باحث كبير في المعهد الدانمركي للدراسات الدولية، مضيفاً "هناك مخاوف من أنّ الديون الصينية ليست مجرد قضية اقتصادية، بل يمكن أن تتحول بسرعة إلى تدخل سياسي، وتدخل تجاري، وحتى وجود عسكري متزايد".

القوة الصينية الناعمة في القارة

تبذل بكين جهوداً حثيثة لاختراق وسائل الإعلام الإفريقية. لقد جلبت في الأعوام الماضية المئات من الصحفيين الأفارقة إلى الصين من أجل "جولات دراسية" مدفوعة التكاليف بالكامل والتي يتم فيها نشر وجهات نظر الحكومة. وأطلقت في عام 2015 برنامجاً لتوفير "التدريب" لـ 1000 من الإعلاميين الأفارقة سنوياً. وبدأت في تزويد آلاف القرى الإفريقية بخدمات تلفزيونية فضائية مملوكة للصينيين، وتضم مجموعة من القنوات الإخبارية والترفيهية الصينية.

التجارة بين الصين وإفريقيا في 2015 قاربت 300 مليار دولار. وبلغ عدد الشركات في 2017 أكثر من 10000

وأنفقت الصين مئات الملايين من الدولارات لإنشاء فروع إفريقية للقنوات التلفزيونية المملوكة للدولة والصحف الصينية. كما استثمرت الصين مباشرة في شركات الإعلام الإفريقية. ففي عام 2013، على سبيل المثال، اشترت وكالات الدولة الصينية 20 في المائة من شركةIndependent Media ، وهي أكبر سلسلة صحف في جنوب إفريقيا.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت الصحف في هذه السلسلة تتبنى موقفاً موالياً لبكين على نحو متزايد في مقالاتها حول الرأي. وغدت أقل تسامحاً مع فكرة انتقاد الصين.

إقرأ أيضاً: الصين تعزز التقارب التجاري في العالم.. ودبي شريكها المحوري

ووافقت الحكومة الزامبية على مشروع مشترك بين هيئة الإذاعة الحكومية في زامبيا،ZNBC ، وشركة صينية خاصة تدعى StarTimes ، والتي أصبحت واحدة من أكبر مشغلي التلفزيون الرقمي في إفريقيا مع ما يقرب من 20 مليون مستخدم.

وفي أحدث مظاهر الاهتمام الصيني في إفريقيا وتوسيع أشكاله، من المقرر أن يغادر مجموعة من 169 طالباً كينياً في هذه الأيام، حصلوا على منح دراسية صينية، إلى مدن وجامعات صينية مختلفة من أجل مواصلة دراستهم. وأصبحت الصين في السنوات الأخيرة واحدة من أكثر الوجهات المفضلة للطلاب الأفارقة. ويدرس الآن عشرات الآلآف من الطلاب الأفارقة في جامعات صينية بمنح حكومية.

يوجد 54 معهد كونفوشيوس في إفريقيا

وفي المجال الثقافي، وسعت الصين نفوذها من خلال تشجيع إنشاء معاهد كونفوشيوس التي تدرس اللغة والثقافة الصينية بمنهج دراسي يتم تمويله من قبل الحكومة الصينية. وهناك اليوم 54 معهد كونفوشيوس في إفريقيا – وهي المراكز الثقافية الأكثر أعداداً لأية دولة أخرى في إفريقيا باستثناء فرنسا.

وفي غضون ذلك،  أعربت معظم البلدان الإفريقية عن اهتمامها بالانضمام إلى المشروع الصيني الكبير "الحزام والطريق" الذي يصادف هذا العام الذكرى السنوية الخامسة لطرحه، والذي يهدف إلى بناء شبكة للتجارة والبنية التحتية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا على طول الطرق التجارية القديمة لطريق الحرير، لكنّ القارة التي سيتضاعف عدد سكانها بحلول عام 2050 ويُعَدُّ سكانها الأصغر سنّاً والأسرع نموّاً في العالم، بحاجة إلى وضع أسس تنمية ذاتية لا تكون عرضة لمخاطر استغلال الجهات الخارجية ومطامعها المتجددّة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية