هكذا اضطهد نظام الملالي علي شريعتي حياً وميتاً

هكذا اضطهد نظام الملالي علي شريعتي حياً وميتاً

هكذا اضطهد نظام الملالي علي شريعتي حياً وميتاً


23/10/2023

يقول المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي: "أنا سنّي المذهب، صوفي المشرب، بوذي ذو نزعة وجودية، شيوعي ذو نزعة دينيّة، مغترب ذو نزعة رجعيّة، واقعي ذو نزعة خياليّة، شيعي ذو نزعة وهّابية، وغير ذلك اللهمّ زد وبارك".
بذلك التنوع والتعقيد تبدأ الرحلة مع شريعتي، يبدو ظاهر الاقتباس حافلاً بالتناقضات، ويظهر شريعتي كمثقف متناقض يزدحم عقله بخليط غير متجانس من المذاهب التي يستحيل أن تجتمع، ظاهرياً هذا صحيح، ولكن واقعياً فإنّ هذا الاقتباس يفسر الثراء الفكري الذي تمتعت به مواقف علي شريعتي.

اقرأ أيضاً: علي شريعتي: إنسانية الفكر والإصلاح
سار شريعتي على خطى المفكرين أصحاب الرسالات العالمية مثل المهاتما غاندي الذي قال: "يجب أن أفتح نوافذ بيتي لكي تهب عليه رياح كل الثقافات، بشرط ألا تقتلعني من جذوري"، ظلت مواقف شريعتي تلاحقه حتى بعد وفاته إلى الآن، وهناك أسئلة على ألسنة العامة حتى اليوم تسأل علماء الدين الشيعة عن معنى تلك التجربة المعقدة، وهل يمكن جمع كل تلك المذاهب في عقل واحد.

شريعتي ناقداً للتشيع
تعقدت علاقة شريعتي بعلماء الدين الشيعة منذ بداية كتاباته وصعوده على المسرح الثقافي والسياسي الإيراني، والتلقي المبهر من الشباب لمحاضرات شريعتي؛ حيث تناول بالنقد في كتبه ومحاضراته ما أسماه بالتشيع الصفوي خاصة في كتابه "التشيع الصفوي والتشيع العلوي" ودوره في ترسيخ مذهب شيعي تقليدي يحافظ على مصالح الطبقة الحاكمة، ويرسخ لقدر مرسوم سلفاً من الوعي في عقول العامة، وانتقد علماء مهمين مثل العلامة المجلسي، كما سينقد دين السادة وتزاوج السلطة مع رجال الدين ومع رجال المال في كتابه "دين ضد الدين" ويرفض ما يتبرك به الشيعة ويقدسونه مثل التربة الحسينية ويستنكر معجزاتها.

متأثراً بالأفغاني ومحمد عبده ومحمد إقبال حمل شريعتي على رجال الدين وخطابهم التقليدي العاجز عن إثارة عقل الأتباع والمريدين

متأثراً بالأفغاني ومحمد عبده ومحمد إقبال؛ حمل شريعتي على رجال الدين وخطابهم التقليدي العاجز عن إثارة عقل الأتباع والمريدين، والاكتفاء باجترار الموضوعات التراثية القديمة بدون إعمال حقيقي للعقل وإدراك للمستجدات التي طرأت على الساحة الفكرية والثقافية الإيرانية بعد عمليات التحديث والتحديات التي تواجهها الأمة الإيرانية مثل الاستبداد والهيمنة الغربية.
استفزت تلك الكتب، بالإضافة إلى كتاب "معرفة الإسلام"، علماء الدين الشيعة وأتباعهم، فشريعتي يتحدث في هذا الكتاب عن الإسلام من منظور علم الاجتماع الديني، ولا يمارس طقوس التبجيل والتعظيم في دراسة نبي الإسلام؛ مما أجج غضب الملالي أكثر واتهموه باعتناق المذهب الوهابي.
كتابه "دين ضد الدين"

شريعتي وفتاوى التحريم
توالت الأسئلة التي تبحث عن فتوى من كبار علماء الشيعة، أتت أغلب الأسئلة من أرباب الأسر التي انتمى لها الشباب الذي حضر محاضرات شريعتي، وصدمهم ذلك الخطاب الديني الجديد مما استدعى مراسلة العلماء؛ طلباً لموقف ضد المفكر الراحل.

اقرأ أيضاً: إيران.. ومقامرات الملالي
اتفق أغلب علماء الشيعة على انحراف فكر شريعتي، وبلغ ببعضهم الأمر إلى عدم جواز بيع وشراء كتبه، وهناك ما يزيد عن ثلاث عشرة فتوى ضده أجاب خلالها علماء الشيعة عن الموقف من شريعتي وكتبه وتداولها.
فكتب شريعتي لا تتطابق مع أصول المذهب والدين الإسلامي المقدس وفقاً لفتوى السيد كاظم مرعشي، وتعد من كتب الضلال التي ذكر حكمها في الكتب الفقهية، ويجب الامتناع عن حفظها وبيعها وشرائها وفقاً لفتوى الشيخ تقي الطباطبائي القمي، وتتطابق تلك الفتاوى تقريباً وتجمع على ضلال علي شريعتي وانحرافه الفكري، كما تتشكك في انتسابه إلى المذهب الشيعي وتؤكد انتماءه إلى التيار الماركسي.
بين شريعتي والخميني
خطب عالم دين شيعي على المنبر في مدينة مشهد الإيرانية، وأخذ يكيل الاتهامات ويشتم  شريعتي، ومن بين تلك الاتهامات أنّه يقلد روح الله الخميني زعيم الثورة الإيرانية ومرشدها الأول. لاحقاً وعندما علم شريعتي قال: "انظروا إلى حماقة ما يُسمّى بالخطيب، إنه بدل أن يذمني أثنى عليّ بأحسن الثناء، ولو أنّي منحت أحداً مليون توماناً (عملة إيران) جزاء أن يُصرّح على الأشهاد، بأنّ شريعتي يقلد الخميني، لما فعل ذلك...، إنّه فخر لي واعتزاز أن أكون مقلداً له، وكيف يمكنني أن أتخذ غيره مرجعاً لي؟".

كان الخميني يخشى من هجوم شريعتي على علماء الدين الشيعة حيث يرى أنّ ذلك يقوض دور الدين في المجتمع

على النقيض وقاصداً علي شريعتي اعتبر الخميني أنّ هناك تجمعاً في إيران قد بدأ بالعمل في النشاطات المخالفة للإسلام ...؛ لأجل تضعيف الإسلام ومذهب التشيع المقدس والمقام العظيم للعلماء، لم يشر الخميني إلى شريعتي بالاسم ربما اتساقاً مع السؤال المطروح الذي كان عن حملات مسيئة إلى الدين الإسلامي يقوم بها شيوعيون، ولكن يعتبر كثيرون أنّ تلك الفتوى تتعلق بشريعتي تحديداً وإن لم يذكره مباشرة.
كما أكد بعض العلماء الشيعة أنّ الخميني تجاهل وفاة شريعتي حين راسله بعض أتباع شريعتي بعد وفاته مباشرة، طالبهم الخميني بالاهتمام بنشاطهم السياسي ووصف رحيله بالموت وليس الاستشهاد.
كان الخميني يخشى من هجوم شريعتي الدائم على علماء الدين الشيعة؛ حيث يرى أنّه بهذا يقوض دور الدين في المجتمع حاضراً ومستقبلاً، ربما يوضح الموقفان الفارق الشاسع بين المثقف على شريعتي المنفتح على كل التيارات والمذاهب، على عكس الخميني الأكثر تمسكاً بمذهبه والأكثر انغلاقاً ورفضاً للتعددية الفكرية.
الخميني الأكثر تمسكاً بمذهبه والأكثر انغلاقاً ورفضاً للتعددية الفكرية

الملالي يطاردون روح علي شريعتي
في الثامن عشر من حزيران (يونيو) عام 1977 وُجد شريعتي ميتاً في شقته في العاصمة البريطانية لندن، ودُفن في مقام السيدة زينب في الشام، وقد صلى عليه الإمام موسى الصدر أحد كبار رجال الحوزة، وقد سحبت السلطات الإيرانية منه حينها الجنسية جزاء لصلاته على شريعتي.

اقرأ أيضاً: بين مصدّق والخميني.. كيف خان الملالي ثورة الإيرانيين مرتين؟
ويستمر نفور علماء الدين الشيعة من علي شريعتي حتى بعد رحيله؛ فيبرر بعضهم صلاة الإمام موسى الصدر على المفكر الراحل أنّها كانت محاولة من الإمام الصدر لاحتواء خلافات ممكنة بين علماء الحوزة والجامعيين الذي قد يستفيد منه الشاه حين يرفض علماء الحوزة الصلاة على شريعتي، وأنّ الصلاة لم تكن تكريماً واستحقاقاً لمفكر أمضى عمره في النضال ضد استبداد الشاه.
ويطاردون روح زوجته
وفي آخر حلقة من مسلسل اضطهاد علي شريعتي، رفض المسؤولون في طهران في شباط (فبراير) الماضي إقامة مراسم العزاء وصلاة الجنازة على زوجة الراحل علي شريعتي السيدة بوران شريعتي رضوي في حسينية الإرشاد مركز نشاط شريعتي في السبعينيات؛ مما اضطرهم للصلاة عليها في الشارع، ثم دفنها وسط استهجان واستنكار قطاعات من الشعب الإيراني الذي وصف ما يحدث بالعار.
لم ينل شريعتي ما يستحقه من تكريم وثناء باعتباره ملهماً للثورة الإيرانية. رفع الملايين لافتات تحمل صورته بجوار لافتات تحمل صور الخميني، ولكن بمرور الوقت واستتباب الأمر في يد الملالي؛ عاد شريعتي بعد رحيله معارضاً للنظام الحاكم، ورحل شريعتي ولكن بقيت أفكاره ومواقفه وكتبه كابوساً مؤرقاً للاستبداد، سواء كان أوتوقراطياً في عهد الشاه، أو ثيوقراطياً في عهد الملالي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية