هكذا سيتحطّم العناد الإثيوبي على صخرة جغرافيا النيل الأزرق

هكذا سيتحطّم العناد الإثيوبي على صخرة جغرافيا النيل الأزرق


23/08/2020

كشف مصدر سوداني مطلع أنّ اجتماعات اللجان الفنية من مصر والسودان وإثيوبيا تواصلت، أول من أمس الجمعة، لبحث المسودات التي تقدمت بها الدول الثلاث بهدف وضع مسودة اتفاق نهائي بشأن سد النهضة الإثيوبي.

وقال مصدر سوداني مطلع لـ"سكاي نيوز عربية" إنّ اجتماعات اللجان الفنية من الدول الثلاث، أطراف الأزمة مصر والسودان وإثيوبيا، ستتواصل؛ لبحث المسودات التي عرضتها الدول الثلاث، بهدف صوغ مسودة اتفاق نهائي.

دفع سوء النيّة الإثيوبية مصرَ والسودان إلى طرح مسألة مشروعات السدود المستقبلية على طاولة النقاش، كي تتجنب الأطراف الوقوع في أزمة مماثلة، و فرض إثيوبيا لأمر واقع جديد

غير أنّ المصدر أشار إلى وجود خلافات بين الأطراف بشأن صياغة بنود الاتفاق؛ مما يرجح رفع الوثيقة لوزراء الري، الذين سيجتمعون خلال الأسبوع الحالي، على أمل التوصل إلى حل ومن ثم عرض الوثيقة النهائية على الاتحاد الأفريقي.

وكان ثلاثي سدّ النهضة (مصر، السودان، إثيوبيا) استأنف، قبل اجتماع الجمعة، الاجتماعات الثلاثية لوزراء الريّ التي ضمّت وزراء الخارجية والريّ للدول الثلاث، بهدف توحيد نصوص مسودات الاتفاقيات المقدمة من الدول الثلاث، وصياغة وثيقة واحدة مشتركة، بمشاركة الوسطاء الأفارقة.

من غير المرجَّح التوصل إلى وثيقة واحدة، في ظلّ تضارب الرؤى بين إثيوبيا من جانب، ومصر والسودان من جانب آخر

ومن غير المرجَّح التوصل إلى وثيقة واحدة، في ظلّ تضارب الرؤى بين إثيوبيا من جانب، ومصر والسودان من جانب آخر، خاصة بعد أنّ طلبت إثيوبيا إدراج تقاسم حصص المياه على طاولة النقاش، وهو الأمر الذي عده مراقبون مجرد مناورة سياسية؛ لإرباك المفاوضات.

ورغم عدم إحراز تقدم في المفاوضات؛ إلا أنّ عدداً كبيراً من الخبراء يرون أنّ التعنّت الإثيوبي غير مفهوم؛ في ظلّ الطبيعة الجغرافية الجبلية لمنطقة منابع النيل الأرزق، ومسار النهر في الأراضي الإثيوبية، والتي تحرم إثيوبيا من الاستفادة من المياه في مشروعات الزراعة أو غيرها، كما أنّ مصر والسودان لا تعارضان توليد الكهرباء، ممّا يجعل المناورات الإثيوبية غير مجدية لها قبل كلّ شيء.

الجغرافيا ضدّ إثيوبيا

ينبع النيل الأزرق من هطول الأمطار على هضبة إثيوبيا، التي تقع على ارتفاع 1840 عن سطح البحر، وتتّسم بالانحدار ناحية الشمال، ما جعل النيل الأزرق، ورافدَين آخرين يلتقيان به في السودان، وهما نهرا الرهد والدندر.

وتحيط بمجرى النيل الأزرق مناطق جبلية، وأخاديد تجعل الاستفادة من مياه النهر مستحيلة، سواء بتحويلها أو نقلها، عدا منطقة صغيرة نسبياً، تحيط ببحيرة تانا، والتي ينبع منها النيل الأزرق، وتغذيه بنسبة 7% فقط، بينما تأتي بقية المياه من موسم الأمطار في شهور الصيف.

وحول ذلك؛ يقول خبير المياه الدولي، ورئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، عباس شراقي: "رغم التعنّت الإثيوبي في المفاوضات، إلّا أنّ الظروف الطبيعية في صالح مصر والسودان، فلن تقدر إثيوبيا على حجز المياه بعد ملء الخزان، لأنّها في حاجة إلى تصريفها لاستقبال الفيضان الجديد كلّ عام".

اقرأ أيضاً: هل تملك مصر خيارات مائية لمواجهة آثار سد النهضة؟

ويضيف شراقي، لـ "حفريات": "الخلاف الجوهري هو حول مرحلة ملء خزان السدّ، وإدارته وتشغيله على مدار العام، لارتباط ذلك بتشغيل السدود في السودان بشكل أساسي".

وحتى الوقت الراهن لم تتقدّم إثيوبيا بمشروعات للاستفادة من مياه النيل الأزرق؛ إذ تعتمد في زراعتها بشكل أساسي على مياه الأمطار، والأنهار الأخرى التي تجري في مناطق منبسطة، ويلقي المهندس عبد الكافي أحمد، الخبير السابق بوزارة الريّ السودانية، وخبير الهيدرولوجيا، مزيداً من الضوء على ذلك، بقوله: "ليس لدى إثيوبيا أيّة طريقة للاستفادة من مياه النيل الأزرق، سواء بمشروعات زراعية أو صناعية، بحسب دراسة للمكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي؛ فلا توجد سوى منطقة صغيرة قريبة من بحيرة تانا، ولن تمثّل تهديداً لمياه النيل الأزرق".

تحيط بمجرى النيل الأزرق مناطق جبلية، وأخاديد تجعل الاستفادة من مياه النهر مستحيلة

ويردف عبد الكافي لـ "حفريات" قائلاً: "كان المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي اقترح على إثيوبيا بناء 4 سدود، عام 1964، بقدرة تخزينية إجمالية تبلغ 81 مليار متر مكعب، ومن بينهم سدّ يُعرف باسم "سدّ الحدود"، بسعة تخزينية 11 مليار متر مكعب، لكنّ إثيوبيا عدّلت موقع هذا السدّ، فنقلته قريباً من الحدود السودانية، وزادت من بحيرته وجسمه، ليصل إلى تخزين 74 مليار متر مكعب، دون وجود دراسات جدوى موثوقة أو دراسات أمان للسدّ الجديد".

تقاسم المياه: المطلب المستحيل

وكانت إثيوبيا تقدّمت بمقترح إلى السودان؛ يربط بين التوصل لاتفاق شامل حول السدّ وبين تقاسم حصص المياه، مطلع الشهر الجاري، وهو الأمر الذي رفضته السودان في بيان رسمي، صدر عن مجلس الأمن والدفاع. وكذلك ترفض القاهرة التطرق لذلك بشكل قاطع، وأكّدت مراراً على تمسّكها بحصتها كاملةً.

وتسبّب المطلب الإثيوبي في حيرة المراقبين؛ لانعدام أيّة وسيلة أمام إثيوبيا للاستفادة من تخصيص حصة لها، ووصف عباس شراقي الطلب الإثيوبي؛ بأنّه مناورة سياسية.

وأضاف: "تستهدف مثل تلك المطالب تعطيل المفاوضات، وخلق شقاق بين الموقفَين، المصري والسوداني؛ فربما تعرض إثيوبيا على السودان مبادلة المياه بزراعة أراضي سودانية لصالحها، أو تعرض بيعها لمصر، لكنّ مصر قطعت الطريق على ذلك؛ بموقفها الرافض لذلك".

أشار الخبير الهيدرولوجي، عبد الكافي أحمد؛ إلى أنّ إثيوبيا لم توقّع أيّة اتفاقية دولية بشأن الأنهار الدولية، مثل معظم دول المنبع، كي لا تُلزم نفسها بمراعاة حقوق دول المصبّ

وتملك مصر مخزوناً إستراتيجياً من المياه في بحيرة ناصر، يصل إلى 162 مليار متر مكعب، بإمكانه تلبية الاحتياجات المائية حال تعقّد الأزمة مع إثيوبيا، ويوضح ذلك شراقي، بقوله: "وافقت مصر على أن تخزن إثيوبيا 18 مليار متر مكعب هذا العام، لكن بشرط التوصّل لاتفاق شامل، وكانت ستعوض هذا النقص من مخزون بحيرة ناصر، لكنّ إثيوبيا قامت بتخزين 5 مليارات متر مكعب بشكل منفرد، مما خلق أزمة وعقد المفاوضات".

فضلاً عن ذلك؛ فإنّ الهدف من السدّ توليد الكهرباء، وليس استخدامه في الزراعة، يجعل إثيوبيا مضطرة إلى تصريف المياه لتشغيل التوربينات، لكنّ الخلاف يدور حول كيفية تصريف هذه المياه على مدار العام، وهو أمر ترفض إثيوبيا التوصل لاتفاق بشأنه.

وتخالف إثيوبيا الأعراف الدولية في مسألة تقاسم المياه؛ لأنّ التقاسم يكون في الإيراد الجديد الذي تتمّ إضافته للنهر، وليس للإيراد الثابت، على حسب مشاركة الدول في تلك المشاريع، ويكون ذلك بالاتفاق، وفق ما بيّنه خبير المياه، شراقي لـ "حفريات".

السدّ: قنبلة موقوتة

وتمثّل قضية أمان السدّ المشكلة الأخرى، والأخطر وفق الخبراء المصريين والسودانيين، خصوصاً على دولة السودان، ويرى خبير الهيدرولوجيا السوداني، عبد الكافي أحمد؛ أنّ الكارثة الكبرى للسدّ؛ هي عدم وجود دراسات أمان؛ بسبب إقدام إثيوبيا على البناء دون إتمام الدراسات، ثمّ رفض إجرائها وتعطيله، كون الموافقة عليها تعني التوقف عن البناء حتى استكمالها.

تملك مصر مخزوناً إستراتيجياً من المياه في بحيرة ناصر، يصل إلى 162 مليار متر مكعب

وانتقد أحمد السكوت المصري والسوداني عن إثارة هذه القضية الخطيرة في المفاوضات الجارية، ويقول: "في المفاوضات التي رعتها واشنطن والبنك الدولي، التي تمخّضت عن اتفاق شامل، نصّت على مسألة أمان السدّ؛ ليس محاباة لمصر أو السودان؛ بل لأنّ المسألة هي قاعدة علمية، لا يمكن لأيّ خبير التهاون بشأنها، لما تمثّله من خطورة على ملايين البشر".

ويزيد من أهمية أمان السدّ بالنسبة إلى السودان، وقوع السدّ على بعد حوالي 20 - 40 كم عن حدودها، وهو الأمر الذي يجعل شرق السودان بأكمله تحت رحمة السدّ.

اقرأ أيضاً: هل طلب آبي أحمد تدخل إريتريا في ملف سد النهضة؟

ويهتمّ خبراء سودانيون حكوميون وغيرهم، بمسألة أمان السدّ، ووجهوا انتقادات لاذعة إلى الحكومة؛ بسبب تفريطها في مناقشة ذلك في المفاوضات، ويوضح عبد الكافي أحمد موقفهم قائلاً: "كلّ سدّ تجب أن تكون له محاكاة لانهياره، وتُعرف باسم "Dam break"، وتتناول كيفية إدارة أزمة انهيار السدّ، وإخلاء السكان، ومثل تلك الدراسات يجب إجراؤها أثناء تحديد مكان السدّ، وعدم حدوث ذلك يعني أنّنا صدرنا للأجيال المقبلة قنبلة موقوتة، لن يستطيعوا التعامل معها".

وأثارت موافقة السودان على بناء السدّ قرب حدودها غموضاً كبيراً، فقد كان بإمكان الرئيس السابق، عمر البشير، رفض ذلك، لكنّه وافق عليه، ويعلّل عبد الكافي أحمد ذلك، لـ "حفريات"؛ بأنّ إثيوبيا، ودول كبرى من ورائها، ساومت البشير على دعمه ضدّ المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت أمراً بالقبض عليه، بسبب ارتكابه لجرائم حرب في دارفور، مقابل الموافقة على بناء السدّ، قرب حدود السودان.

النهضة: ليس آخر السدود

دفع سوء النيّة الإثيوبية كلاً من مصر والسودان إلى طرح مسألة مشروعات السدود المستقبلية على طاولة النقاش، كي تتجنب الأطراف الوقوع في أزمة مماثلة، ولتفويت الفرصة على فرض إثيوبيا لأمر واقع جديد.

وحول ذلك، يقول خبير المياه الدولي، عباس شراقي: "لا تمانع مصر إقامة إثيوبيا سدوداً أخرى، ومعروف للجميع أنّ هناك خطط قادمة لثلاثة أخرى، لكنّ شريطة الاتفاق قبل البناء، ومراعاة القوانين الدولية".

اقرأ أيضاً: ليبيا وسد النهضة يختبران مكانة مصر خارجيا

ويرى شراقي؛ أنّ سدّ النهضة بمثابة اختبار لإرادات الدول الثلاث، ومستقبل العلاقات بينهم حول النيل الأزرق، ويقول: "نكون أو لا نكون؛ فلو فرضت إثيوبيا أمراً واقعاً اليوم، لن يستطيع أحد مناقشتها حول خططها القادمة، بل وستجرّ الدول الأخرى إلى مشروعات هدفها تعطيش مصر، ولن تقبل مصر بأنّ يتكرر خطأ سدّ النهضة مرة ثانية".

وأشار الخبير الهيدرولوجي، عبد الكافي أحمد؛ إلى أنّ إثيوبيا لم توقّع أيّة اتفاقية دولية بشأن الأنهار الدولية، مثل معظم دول المنبع، كي لا تُلزم نفسها بمراعاة حقوق دول المصبّ، مثل تركيا التي تعطش العراق وسوريا، ولا تحترم القوانين الدولية.

وتعود فكرة إنشاء سدود على النيل الأزرق إلى عام 1964؛ حين أصدر مكتب الاستصلاح الأمريكي دراسته، بناء على طلب أثيوبي، وفي إطار العداء لنظام الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، وحدّدت الدراسة أربعة أماكن لإنشاء السدود لتوليد الكهرباء، من بينها سدّ الحدود، والذي طوّرته إثيوبيا إلى سدّ النهضة، وكان المكتب الأمريكي قد حدّد السعة التخزينية الكلية للسدود الأربعة، بحوالي 81 مليار متر مكعب، ومن المتوقّع أنّ تشرع إثيوبيا في المستقبل في تنفيذ هذه الدراسة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية