هكذا شكلت أحداث تونس ضربة قوية لتركيا وأحلام أردوغان التوسعية

هكذا شكلت أحداث تونس ضربة قوية لتركيا وأحلام أردوغان التوسعية


27/07/2021

أعربت تركيا عن استنكارها لـ"تعطيل" الديمقراطية في تونس، تعليقاً على قرارات الرئيس قيس سعيد بتجميد البرلمان وإقالة الحكومة وتولي السلطة التنفيذية إلى حين. التعبير التركي يُعد هادئاً إلى درجة الرومانسية إذا ما قورن بالموقف التركي من الأزمة المصرية  في العام 2013، والتي ينظر إليها على اعتبارها الأقرب إلى ما يحدث في تونس حالياً من حيث المتضرر الرئيسي فيها "جماعة الإخوان المسلمين".

وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن في تدوينة عبر موقع تويتر: "نرفض تعليق العملية الديمقراطية وتجاهل الإرادة الديمقراطية للشعب في تونس الصديقة والشقيقة".

وأضاف: "ندين المحاولات الفاقدة للشرعية الدستورية والدعم الشعبي، ونثق بأنّ الديمقراطية التونسية ستخرج أقوى من هذا المسار".

ورغم ما تمثله الأزمة التونسية من ورقة فارقة في المشروع التركي الإخواني؛ إذ تُعد الضربة التي تعلن وفاة المشروع الإخواني في المنطقة، وتدق آخر مسمار في نعشه، فإنّ التعامل التركي مع الصدمة الأولى لا يمكن أن يتكرر في صدمتها الأخيرة.

 رئيس منتدى شرق المتوسط: تركيا لن تتمكن من التدخل بتونس لأنّ ذلك شأن داخلي بحت وأمر دستوري

في العام 2013، وعلى مدار 7 أعوام، غالت تركيا في مناصبة العداء لمصر، وفتحت أبوابها لإيواء عناصر جماعة الإخوان وقاداتها، ووفرت الأبواق الإعلامية لمناكفة النظام المصري، لكنّ تلك السياسة خرجت صفرية في النهاية، ما اضطرها إلى التودد إلى مصر والمصالحة معها.

وفي سبيل إتمام تلك المصالحة تخلت تركيا عن الإخوان، وأغلقت قنواتهم الإعلامية، وزار مسؤولون أتراك القاهرة، وبينما تحاول امتصاص الأزمة التي أشعلتها لأعوام، جاءت أزمة إخوان تونس لتطيح بأي آمال لمستقبل أكبر للإسلام السياسي، وفي المقدمة جماعة الإخوان في المنطقة.

اقرأ أيضاً: "بلومبيرغ": إجراءات الرئيس التونسي تشير إلى تحولات إقليمية أوسع

وعلى الرغم من أنه يصعب التكهن بما سيؤول إليه المشهد في تونس، غير أنّ ذلك لا يمكن أن يمنع من القول إنّ الهزيمة الأردوغانية وقعت بالفعل بمجرد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد  تجميد البرلمان وإقالة الحكومة الموالية للإخوان؛ أي الإطاحة بحليف كان الوحيد المتبقي بارزاً في المنطقة، إضافة إلى الحليف القطري.

 وجود حركة النهضة ومناكفاتها من أجل المشاريع التركية ظل دعماً للحلم الأردوغاني في الزعامة والنفوذ

يقول مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات الاستراتيجية محمد حامد: "إنّ ما حدث في تونس يمثل هزيمة لمشروع أنقرة بالتمدد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدعم من الإسلام السياسي"، مضيفاً في تصريحه لـ"حفريات": تركيا لن تقدم أي شيء لما يحدث في تونس، لن تتمكن من التدخل، لأنّ ذلك شأن داخلي بحت وأمر دستوري.

وأوضح: وقد استند الرئيس التونسي في قراراته على الفصل 80 من الدستور، الذي يمنح الرئيس صلاحية إصدار قرارات استثنائية خلال تعرض البلاد للخطر، وترفض حركة النهضة الخضوع لذلك النص، وتصف ما حدث بالانقلاب الدستوري.

ويبدو أنّ المشهد المصري قابل لأن يتكرر بحذافيره في تونس، فيما يتعلق باللجوء إلى الشارع والاعتصامات، فقد دخل رئيس البرلمان التونسي غداة تلك القرارات في اعتصام أمام مقر البرلمان، بعدما طوقه الجيش ورفض دخوله، ما لم تتراجع النهضة وتقبل بمواءمات.

خسارة حليف استراتيجي

والإطاحة بسطوة الإخوان في تونس يعني حرمان تركيا من داعم لمواقفها في القضايا الإقليمية والدولية، فتكفي الإشارة إلى موقف حركة النهضة الذي قدّمه رئيسها راشد الغنوشي لتركيا في ليبيا، حين دعم حكومة الوفاق، وقدّم التهنئة في أيار (مايو) من العام 2020 لرئيسها فائز السراج، بعد سيطرة الأخير على قاعدة الوطية الحيوية.

 

يبدو أنّ المشهد المصري قابل لأن يتكرر بحذافيره في تونس فيما يتعلق باللجوء إلى الشارع والاعتصامات

ذلك الموقف التونسي المنحاز إلى المعسكر التركي في ليبيا أثار أزمة داخلية عميقة، مثل شرارة الخلافات العلنية بين سعيد والغنوشي، بعدما عدّه الرئيس التونسي تعدياً على صلاحياته بصفته رئيس الدولة والمسؤول عن رسم سياستها الخارجية، غير أنّ وجود حركة النهضة ومناكافاتها من أجل المشاريع التركية ظل دعماً للحلم الأردوغاني في الزعامة والنفوذ.

ولم يتوقف الأمر من قبل حركة النهضة على دعم الملفات التركية في الخارج، بل حاولت تمهيد الطريق من أجل نفوذ أكبر لتركيا في تونس، عبر اتفاقيات تسهل التجارة مع كل من تركيا وقطر.

وفي العام 2016 تم توقيع اتفاقية بين تونس وتركيا تسمح للأتراك (المؤسسات والأفراد) بأن يتملكوا العقارات في تونس، وهي محمية من الملكية الأجنبية، وتسمح للأتراك بتملك الأراضي الزراعية.

وقد تصدى البرلمان التونسي لاتفاقية مشبوهة أخرى مع تركيا، كانت تسمح بـ"حماية الاستثمار المتبادل بين الدولتين"، ما يعني الرغبة في توفير غطاء لتدفق الأموال التركية إلى تونس أو إلى حركة النهضة دون رقيب تحت مظلة الاستثمار.

وقد قوبلت تلك الاتفاقية بجدل ورفض شعبي وسياسي واسع، ما دفع الغنوشي إلى إرجاء طرحها، كان ذلك في نيسان (إبريل) من العام الماضي، ووقتها وصف النائب في البرلمان التونسي، عن حزب تحيا تونس، الاتفاقية التجارية الموقعة مع تركيا بأنها "نوع من الاستعمار الجديد"، مطالباً الرئيس التونسي قيس سعيد بـ"اتخاذ موقف واضح منها بحكم مسؤولياته الدستورية".

إنّ الإطاحة بحركة النهضة التونسية، إن تمّت، تعني تقلص مساحات الدعم لتركيا، وخسارة حليف جديد، دون القدرة على إغاثته أو حتى  المحاولة، بعدما أثبت ذلك النهج فشله من قبل، فمن غير المنطقي أن تحاول تركيا فتح صفحة جديدة مع القاهرة من جهة، وتخلق عداوة جديدة غير محسوبة النتائج مع تونس من جهة أخرى.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية