هكذا كشفت الاحتجاجات النفوذ الإيراني في العراق ولبنان

هكذا كشفت الاحتجاجات النفوذ الإيراني في العراق ولبنان


28/10/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


في أقلّ من شهر، اندلعت مظاهراتٌ ضدّ الفساد والافتقار للإصلاح الاقتصاديّ في كلٍّ من العراق ولبنان. في كلا البلدين، كشفت الاحتجاجات غير المسبوقة، التي هزّت البلدات والمدن الشّيعيّة، أنّ طريقة إيران في ممارسة نفوذها في المنطقة قد فشلت. فبالنّسبة إلى المجتمعات الشّيعيّة في العراق ولبنان، فشلت طهران ووكلاؤها في ترجمة الانتصارات العسكريّة والسّياسيّة إلى رؤية اجتماعيّة اقتصاديّة؛ ببساطة، إنّ سرديّة المقاومة التي تبنّتها إيران لم تضع الطّعام على الطّاولة.

فشلت طهران ووكلاؤها في ترجمة الانتصارات إلى رؤية اجتماعيّة اقتصاديّة؛ فسرديّة المقاومة التي تبنّتها إيران لم تضع الطّعام على الطّاولة

منذ بداية "الثّورة الإسلاميّة"، تبنّت الحكومة الإيرانيّة والحرس الثّوريّ الإسلاميّ سياسة واضحة وطويلة الأمد ومفصَّلة حول كيفيّة تصدير الثّورة إلى المنطقة، خاصّة في البلدان ذات الغالبيّة الشّيعيّة. وقد كانت إيران شديدة الصّبر والمرونة في تنفيذ سياستها هذه، وقَبِلت بهزائم صغيرة في الوقت الذي ركّزت فيه على الهدف الرّئيس: الهيمنة على العراق ولبنان وسوريا واليمن.
واليوم، يبدو أنّ إيران تربح الّلعبة الطّويلة. فوكيلها في لبنان كانت له الغلبة في الانتخابات البرلمانيّة الّتي جرت العام الماضي. وفي سوريا، نجحت إيران في إنقاذ حليفها، الرّئيس بشّار الأسد. وفي الأعوام القليلة الماضية، اكتسبت إيران قوّةً أكبر بكثير في بغداد من خلال وكلائها، بما في ذلك قوات الحشد الشّعبيّ، وهي الميليشيات الشّيعيّة الّتي تأسّست لمحاربة داعش.

الاحتجاجات أثبتت أنّ طريقة إيران في ممارسة نفوذها بالمنطقة قد فشلت
ومع ذلك، في خطّتها الّتي امتدّت لأربعة عقود، تجاهلت إيران نقطة مهمّة: رؤية اجتماعيّة اقتصاديّة للحفاظ على القاعدة الّتي تدعمها. فبينما استنفدَ كلّ فرصة لنسج مكان لنفسه في مختلف مؤسّسات الدّولة في المنطقة، فشل النّظام الإيرانيّ في ملاحظة أنّ السّلطة تتطلّب رؤيةً لليوم التّالي على لحظة السّيطرة. ومع تطوّر الأحداث في المنطقة، تفشل إيران في الحكم. والعراق ولبنان مثالان جيّدان على ذلك.

اقرأ أيضاً: هل أطلقت الحكومة العراقية أيادي ميليشيات إيران لقمع التظاهرات؟
لقد صنعت إيران وكلاء لها في كلا البلدين، ومنحتهم السّلطة من خلال التّمويل والأسلحة، وساعدتهم على التّسلّل إلى مؤسّسات الدّولة. واليوم، لدى مؤسّسات الدّولة في العراق ولبنان وظيفة رئيسة واحدة: بدلاً من حماية النّاس وخدمتهم، عليها حماية وخدمة المصالح الإيرانيّة.

الجوع لا دين له
وصف المراقبون الاحتجاجات الحالية في لبنان بأنّها "غير مسبوقة" لعدّة أسباب. لأوّل مرّة منذ فترة طويلة، يدرك الّلبنانيّون أنّ العدوّ في الدّاخل - أنّه يتمثّل في حكومتهم وقادتهم السّياسيّين - وليس محتلّاً خارجيّاً أو قوّة لها نفوذ إقليميّ.

لأوّل مرّة يدرك اللبنانيون أنّ العدوّ في الدّاخل يتمثّل بحكومتهم وقادتهم السّياسيّين وليس محتلّاً خارجيّاً أو قوّة لها نفوذ إقليميّ

بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكّن الزّعماء السّياسيّون من السّيطرة على مسار الاحتجاجات، الّتي تجري في كافّة الطّوائف وفي جميع المناطق، من طرابلس في الشّمال إلى صور والنّبطيّة في الجنوب وعبر بيروت وصيدا. ويُظهِر نطاق التّظاهرا أنّ المحتجين قادرون على الاتّحاد فيما وراء انتماءاتهم الطّائفيّة والسّياسيّة. فما جمعهم هو أزمة اقتصاديّة مستمرّة أضرّت بالنّاس بغضّ النّظر عن طوائفهم ومناطقهم. وكما قال أحد المحتجّين: الجوع لا دين له.
لكن الأهم من ذلك أنّ الاحتجاجات لم يسبق لها مثيل لأنّ حزب الله اتّخذ موقفاً غير معتاد. فبعد اعتزازه على مدى عقود بحماية المُفقَرين والوقوف في وجه الظُّلم، قرّر زعيم حزب الله، حسن نصر الله، أن يقف إلى جانب السّلطات ضدّ النّاس في الشّوارع. وتلك انتكاسة كبيرة لحزب الله في تعامله مع الاحتجاجات الحالية، الّتي تُعدّ أصعب تحدٍّ داخليّ يواجهه حتّى الآن.

اقرأ أيضاً: العراق: عبد المهدي يفقد ثقة الشارع وميليشيا إيران تتوعد
لم يختر زعيم حزب الله دعم حكومة رئيس الوزراء سعد الحريريّ دون تنبّه. فقد روّعت مشاهد المتظاهرين الشّيعة الّذين انضمّوا إلى غيرهم من الّلبنانيّين في الشّوارع قيادة الحزب. ولطالما كان الشّيعة في لبنان العمود الفقريّ لسلطة حزب الله المحلّيّة والإقليميّة. فهم يصوّتون لحزب الله وحليفه الشّيعيّ، حركة أمل، في الانتخابات، ويقاتلون في لبنان وسوريا واليمن. وفي المقابل، يتلقّى الكثير منهم رواتب وخدمات تقدّمها إيران وحزب الله بوفرة.
لكن للمرّة الأولى منذ تشكيل حزب الله في الثّمانينيّات ينقلب الشّيعة الّلبنانيون ضدّه. ففي النّبطيّة، معقل الجماعة في جنوب لبنان، أحرق المحتجّون الشّيعة مكاتب قادة حزب الله.

وصف المراقبون الاحتجاجات الحالية في لبنان بأنّها "غير مسبوقة"
وهنا تتراءى ثلاثة عوامل رئيسة. أوّلاً، إنّ التّورّط المُكلِف لحزب الله في الحرب السّوريّة وضغط العقوبات الأمريكيّة على إيران أجبرا الحزب على خفض الرّواتب والخدمات، ممّا أدّى إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء داخل مجتمعه. وفي الوقت نفسه، قام الحزب أيضاً بتجنيد أغلبيّة الشّيعة من الأحياء الفقيرة للقتال في سوريا، بينما استفاد مسؤولوه من ثروات الحرب، ممّا تسبّب في الكثير من الاستياء.

بعد اعتزازه على مدى عقود بحماية المُفقَرين قرّر نصر الله أن يقف إلى جانب السّلطات ضدّ النّاس في الشّوارع

ثانياً، أُجبِر جمهور ناخبي حزب الله على قبول نبيه برّي، حليف الحزب، رئيساً للبرلمان باعتباره شرّاً ضروريّاً للحفاظ على الائتلاف الشّيعيّ متماسكاً. وبالرّغم من أنّ فساد برّي المعروف يتعارض مع سرديّة حزب الله حول الشّفافية والنّزاهة، فقد غضّ المجتمع الشّيعيّ الطّرف عن الأمر طوال عقود. لكن عندما بدأ الاقتصاد الّلبنانيّ في التّدهور في الوقت نفسه الّذي تضرّرت فيه أموال حزب الله، لم يعد بإمكان الكثير من الشّيعة دفع فواتيرهم. ولم يعد من الممكن تحمّل فساد برّي وثروته الفاحشة.

اقرأ أيضاً: ميليشات إيرانية تستهدف احتجاجات العراقيين.. تفاصيل
ثالثاً، ركّز حزب الله بشدّة على القوّة العسكريّة. وروَّج تلك السّرديّة بُعيد انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000 ثمّ مرّة أخرى بُعيد حرب لبنان مع إسرائيل في تمّوز/يوليو 2006. كما أعلن الحزب نجاحه في سوريا ضدّ عدوّه الجديد - التّطرّف السّنّيّ. ومع ذلك، فشل في ترجمة هذه الانتصارات إلى أشكالٍ من الرّفاه العام. ربّما تكون إيران قد استفادت، لكن الشّيعة في لبنان أصبحوا أكثر عزلة من أيّ وقت مضى. وهذا هو السّبب في أنّه من المُعبِّر أنّ المجتمع الشّيعيّ، من خلال انضمامه إلى الاحتجاجات، يحاول الآن المطالبة بهويّته الّلبنانيّة بدلاً من الهويّة الدّينيّة الّتي فشلت في تحقيق طموحاته حتّى الآن.

شيعة العراق ينتفضون ضدّ قادتهم
القصّة مُشابِهة في العراق. في هذا الشّهر، خرج عشرات الآلاف من العراقيّين في بغداد وأجزاء أخرى ذات غالبيّة شيعيّة في جنوب العراق احتجاجاً على إخفاق الطّبقة السّياسيّة العراقيّة في توفير الخدمات الأساسيّة والحدّ من البطالة والفساد. وكانت حملة القمع سريعة وعنيفة، ممّا أسفر عن مقتل أكثر من 100 محتجّ. وكانت وكالة "رويترز" قد نشرت قصّة تغطّي أكثر من أسبوع من الاحتجاجات تؤكّد فيها أنّ الميليشيات المدعومة من إيران وزّعت قنّاصة على أسطح المنازل في بغداد لقتل المتظاهرين عمداً.


إنّ دور إيران في الرّدّ على التّظاهرات في العراق وفشل الحكومة في حماية مواطنيها هو مؤشّر مهمّ على نفوذ طهران في البلاد. وقد أصبح الآن العديد من قادة الميليشيات السّابقين المدعومين من إيران أعضاء في البرلمان والحكومة، ممّا دفع أجندة طهران إلى الأمام وخلق اقتصاداً بديلاً لإيران الّتي ترزح تحت العقوبات الأمريكيّة.

تعرض حزب الله لانتكاسة كبيرة في تعامله مع الاحتجاجات الحالية، الّتي تُعدّ أصعب تحدٍّ داخليّ يواجهه حتّى الآن

وكما هو الحال في لبنان، فإنّ سرديّة إيران ضدّ داعش ساعدتها في جلب قادة ميليشيّاتها داخل البرلمان العراقيّ والتّسلّل ببطء إلى مؤسّسات الدّولة. ومثل نموذج حزب الله الّلبنانيّ - إذا ترك دونما مراقب -، فإنّ وكلاء إيران في العراق سيصبحون ببطءٍ، ولكن بثبات، أقوى من الجيش العراقيّ، وسيكون قرار الحرب والسّلام قراراً إيرانيّاً.
ليس من قبيل الصّدفة أنّ الشّيعة فقط هم من خرجوا إلى الشّوارع في العراق. فلطالما تعرّض السّنّة للقمع على يد الزّعماء الطّائفيّين الشّيعة، ولم يتجاوز الشّيعة بعد هويّتهم الطّائفيّة إلى الهويّة الوطنيّة. لكن هناك شعور بأنّه إذا استمرّت الاحتجاجات، فسوف تصبح أكثر عموميّة. وقد عبّر بعض السّنّة والأكراد في العراق عن دعمهم للمتظاهرين الشّيعة ولكنّهم تردّدوا في المشاركة من أجل تجنّب وصف المتظاهرين بأنّهم أعضاء في داعش، وهو عذر استخدمته إيران في كلّ من العراق وسوريا لمهاجمة الانتفاضات.
ومهما كان ما ستقود إليه الاحتجاجات، في كلّ من العراق ولبنان، فإنّ إيران لن تسمح لهياكل قوّتها بالانهيار دون قتال.

كيف ستردّ السّلطة؟
في كلتا الحالتين، ستقوم إيران بما تقوم به عادة على أفضل نحو ممكن. في لبنان، بدلاً من التّراجع والسّماح بتنفيذ الإصلاحات على يد حكومات جديدة بوزراء مؤهَّلين، من المرجّح أن يلجأ حزب الله والميليشيّات الّتي تدعمها إيران إلى القوّة. وكما أوضح نصر الله تماماً، فإنّ حكومته لن تسقط.

اقرأ أيضاً: انتفاضة عراقية ضد الهيمنة الإيرانية!
سيحاول حزب الله ألّا يكرر خطأ الحشد الشّعبيّ في العراق بالرّدّ بالعنف. ولهذا السّبب قامت وحداته العسكرّيّة بتدريب عدد من غير المنتسبين لحزب الله للانضمام إلى ما تسمّيه "سرايا المقاومة الّلبنانيّة". ودور هذه الألوية هو بالتّحديد التّعامل مع التّحدّيّات الدّاخليّة والسّماح لحزب الله بإنكار مسؤوليّته. وبالفعل، في محاولة لخلق ثورة مضادّة، هاجم مئات من الشّباب الّذين يحملون أعلام حركة أمل وحزب الله المتظاهرين في عدد من المدن. وحتّى هذه الّلحظة، منعهم الجيش الّلبنانيّ من الاقتراب من الاحتجاجات، لكنّهم تمكّنوا من إيذاء النّاس جسديّاً وإرهابهم خارج بيروت، خاصّة في البلدات والمدن الشّيعيّة.

اقرأ أيضاً: إيران حين أضمرت السوء لحلفائها.. ماذا فعلت لإنهاك العراق؟
في العراق، من المحتمل أن تلجأ الميليشيات المدعومة من إيران إلى العنف مرّة أخرى لقمع جولة جديدة من الاحتجاجات مقرّر لها أن تنطلق في 25 تشرين الأوّل (أكتوبر). وبدون ضغوط دوليّة لحلّ البرلمان وإجبار رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، على الاستقالة، يمكن للكثير من النّاس أن يتعرّضوا للقتل. لكن على كلّ حال، ستتضرّر صورة إيران بشدّة.
تتكشّف القصة نفسها في كافّة أنحاء المنطقة. أينما تربح إيران، تسود الفوضى. من العراق إلى لبنان، أصبح من الواضح أنّه لم يعد من الممكن التّسامح مع السّلطة الإيرانيّة. وعندما لا تستطيع قاعدة الدّعم الخاصّة بالبلاد قبول إيران حاكماً لها، يتعيّن على المجتمع الدّوليّ أن يتنبّه لذلك.
تُظهِر الاحتجاجات الأخيرة أنّ قوّة إيران أكثر هشاشة ممّا يتصوَّر العالم. والأهم من ذلك، يجب أن تذكّرنا بأنّ المذهب الشّيعيّ لا يخصّ إيران وأنّه ربّما حان الوقت لبدء العمل مباشرة مع المجتمعات الشّيعيّة.


حنين غدار، فورين بوليسي

رابط الترجمة عن الإنجليزية:
https://foreignpolicy.com/2019/10/22/iran-losing-middle-east-iraq-lebanon-protests-bad-governance/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية