هكذا يستفيد إخوان فرنسا من ثغرات "منتدى الإسلام"

هكذا يستفيد إخوان فرنسا من ثغرات "منتدى الإسلام"


08/02/2022

بعد توقف دام لسنتين بسبب ظروف جائحة كورونا، انطلق في باريس يوم السبت 5 شباط (فبراير) الجاري "منتدى الإسلام في فرنسا" تحت رعاية وزير الداخلية جيرالد دارمانان إضافة إلى ممثلي الديانة الإسلامية، وفاق عددهم المائة، منهم عميد مسجد باريس الكبير شمس الدين حفيظ، المقرب من الجزائر، والرئيس السابق للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أنور كبيباش، المقرب من المغرب، وعميد مسجد ليون كامل قبطان، والخبير الاقتصادي حكيم القروي الذي عيّنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ سنوات مسؤولاً على التفكير في إعادة هيكلة المؤسسات الإسلامية.

 

اقرأ أيضاً: البرلمان الفرنسي يناقش خطر الإخوان

وجاء هذا اللقاء في سياق تتمة لقاءات سابقة استمرت طيلة سنوات، بين 2018 و2020، جمعت منظمات وجمعيات وأئمة والعديد من الفاعلين الذين يمثلون الجالية المسلمة، مما اعتبرته وزارة الداخلية أطرافاً مؤهلة لكي تسهر على ولادة مؤسسة إسلامية جديدة، تتجاوز واقع الأزمة البنيوية التي ارتبطت بالمؤسسة الإسلامية السابقة؛ أي "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية".

وصرّح جيرالد دارمانان، باعتباره وزير المؤسسة الساهرة على تدبير العلاقة مع الفاعلين الدينيين في فرنسا؛ أي وزارة الداخلية، أنّ "مؤسسة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لم تعد تقوم بدورها"، ويقصد الخلافات التنظيمية التي أفضت إلى الإعلان عن حلّها، مضيفاً في هذا السياق أنّه "يمكن النجاح انطلاقاً من القاعدة مع الصيغة الجديدة، والتي تقوم الدولة من خلالها بدور الوسيط فقط"، في سياق إطلاق مؤسسة إسلامية "لا تتعارض مع مبادئ الجمهورية الفرنسية".

 

اقرأ أيضاً: فرنسا وحديث الإسلاموفوبيا من جديد

توزعت مجموعات المنتدى على أربع مجموعات، اشتغلت الأولى على تشكيل "سلطة دينية جديدة لمواكبة الإرشاد" في الجيش والسجون والمستشفيات، وهي المهمّة التي كان مكلفاً بها إلى وقت قريب "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، بينما عملت مجموعة أخرى على تحديد وضع الإمام مع تعريف مهنته ودوام عمله وعقد عمله والأجر الذي يتقاضاه.

بعد توقف دام سنتين بسبب جائحة كورونا انطلق في باريس "منتدى الإسلام في فرنسا" تحت رعاية وزير الداخلية

كما ركزت مجموعة ثالثة على تطبيق قانون مكافحة "النزعة الانفصالية"، في إحالة على معضلة "الانفصالية الإسلاموية" التي تحدث عنها خطاب الرئيس الفرنسي في 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2020، وأخيراً، اشتغلت المجموعة الرابعة على إعداد هيكلية تروم حماية المساجد من الممارسات المناهضة للمسلمين، دون اقتراح أي تصور واضح حول التمويل، ويُعتبر هذا الملف من بين الملفات الشائكة والحساسة في تدبير المؤسسات الإسلامية، بل يوجد ضمن أجندة الخبير الفرنسي من أصل تونسي حكيم القروي، خاصة أنه قادم من مجال الاقتصاد.

وما يُلاحظ على لائحة الشخصيات المشاركة في هذا المنتدى، ساد الصمت عن الحضور الإسلاموي، والمجسد بالتحديد في الحضور الإخواني، على اعتبار أنّ التيار السلفي من جهة وتيار جماعة "الدعوة والتبليغ" من جهة ثانية، اتخذا مسافة من العمل المؤسساتي والصراع على الظفر بنسبة من التمثيلية في المؤسسات الإسلامية، بحكم تفرغهما للعمل الإسلامي الدعوي، بينما الأمر مختلف مع التيار الإخواني في فرنسا، والذي اخترق العديد من المؤسسات الإسلامية، بل إنّه كان أحد أبرز مكونات "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، ولا يمكن أن يكون غائباً عن مضامين ومخرجات "منتدى الإسلام في فرنسا"، ما دام يحظى بتمثيلة وازنة في العديد من مؤسسات الساحة، وما دام يملك الضوء الأخضر من عدة مسؤولين للعمل الميداني تحت شعار "التصدي للانفصالية الإسلاموية"، وما دام يحظى بدعم بعض أنظمة المنطقة العربية، وأخيراً وليس آخراً، ما دام يشتغل  بشكل كمي ونوعي في الميدان، مع الجمعيات والمنظمات والمراكز الثقافية والدينية وغيرها، بشكل لا ينافسه على ذلك أغلب المؤسسات المشاركة في أشغال المنتدى سالف الذكر.

بل إنّ بعض المشاركين في المنتدى حاضرون بشكل فردي، ولا يمثلون مؤسسة دينية أو ثقافية أو غيرها، وبالتالي لا يحظون بوزن تنظيمي في الميدان، بخلاف الحضور الإخواني، والذي وصل تغلغله إلى أنّ أول مؤسسة تعليمية رسمية معترف بها من طرف السلطات الإدارية الفرنسية؛ أي مؤسسة ابن رشد، أسّسها المشروع الإخواني بالتحديد، ويترأسها اليوم الإخواني عمار لصفر، رئيس الفرنسي للمشروع؛ أي "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، الذي أصبح ابتداءً من ربيع 2017 يحمل اسم "اتحاد مسلمي فرنسا"، في ما يُشبه تكريس التحايل على الرأي العام والنخب السياسية والبحثية والإعلامية.

  يأتي تنظيم "المنتدى" في سياق مخاض ميداني ونظري بهدف إعادة هيكلة المؤسسات الإسلامية في فرنسا

وكانت هذه الإعدادية التي تأسست في مدينة ليل (شمال فرنسا) منذ عقدين تقريباً (تأسست سنة 2003)، نموذجاً يُحتذى به ويمكن تعميمه على مدن أخرى، سواء تعلق الأمر بالمدن الكبرى من قبيل العاصمة باريس وليون ومارسيليا أو المدن المتوسطة وما أكثرها.

 

اقرأ أيضاً: هل صار ماكرون وفرنسا عقدة أردوغان؟

في هذه الجزئيات الغائبة عن أذهان المشاركين في أشغال "منتدى الإسلام في فرنسا" تتضح بعض نقاط قوة المشروع الإخواني في فرنسا، ضمن نقاط قوة أخرى، لا نجدها عند باقي المؤسسات، بما فيها المؤسسات التي تسمى إسلامية، أو تنهل من مرجعية إسلامية، وتابعة للثلاثي المغرب والجزائر وتركيا، ولكنها تشتغل بشكل متواضع مقارنة مع العمل الميداني الذي يشتغل عليه المشروع الإخواني منذ ثلاثة عقود على الأقل؛ أي منذ ظهور أولى نتائج هجرة مجموعة من الطلاب الإسلاميين، قادمين من دول عربية، تأثروا بالأدبيات الإخوانية، وانخرطوا في تطبيق تلك الأدبيات على أرض الواقع، بمساعدة ظروف محلية، من قبيل ما كان يقوم به الداعية والباحث طارق رمضان.

توزعت مجموعات المنتدى على أربع مجموعات اشتغلت الأولى على تشكيل "سلطة دينية جديدة لمواكبة الإرشاد"

هذا التواضع في العمل الميداني لأغلب المشاركين في أشغال المنتدى، هو عينُ ما ألمح إليه حكيم القروي، والذي اعتبر أنّ الصيغة الجديدة لهذا اللقاء التأسيسي الخاص بالهيئات الإسلامية المعنية بتمثيل الجالية المسلمة أمام السلطات الفرنسية، تبدو "جيدة جداً، مع الثقة بالشخصيات الميدانية والمستقلين، شرط الرهان على الفاعلية"، في ما يُشبه إحالة على الفاعلية الصادرة عن الجمعيات والمنظمات الإخوانية. أما طارق أوبرو، وهو أحد الرموز الإخوانية سابقاً في فرنسا، قبل أخذه مسافة منذ عقد ونيف، فقد شدّد على أنّ "هذا المسعى هو نقطة انطلاق، ويقع على عاتق المسلمين الآن العمل على المضمون على الصعيد الفقهي وتدريب الأئمة".

موضوع تأهيل الأئمة هذا الذي يتحدث عنه قيادي إخواني سابق، هو أحد المجالات الذي تفوق فيه المشروع الإخواني أيضاً، لاعتبارات عدة، أقلها أنّ أول مؤسسة تُعنى بتكوين وتخريج الأئمة في فرنسا تأسّست في كانون الثاني (يناير) 1992، عبر مبادرة من المشروع الإخواني؛ أي "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" وليس عبر مؤسّسة تابعة للدول العربية؛ لأنّ أغلب الدول المعنية كانت منخرطة في صراعات بينها، وهي الصراعات التي استغلتها القواعد الإخوانية، وهذا ما تؤكده شهادات رموز إخوانية في فرنسا، من قبيل شهادة صدرت عن القيادي أحمد جاب الله، الذي يرى أنّ المعهد سالف الذكر كان إخوانياً.

 التيار الإخواني بفرنسا اخترق العديد من المؤسسات الإسلامية بل كان أحد أبرز مكونات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية

يأتي تنظيم "منتدى الإسلام في فرنسا" في سياق مخاض ميداني ونظري بهدف إعادة هيكلة المؤسسات الإسلامية في فرنسا، من أجل تجاوز عدة تجارب سابقة انتهت بالفشل، منذ العام 2003؛؛ أي سنة تأسيس "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، حتى 2021، تاريخ المصادقة التشريعية على قانون مكافحة "النزعة الانفصالية"، وهي القلاقل التي تصب بشكل أو بآخر في مصلحة المشروع الإخواني؛ لأنّه حقق تراكماً في الميدان لا زالت أغلب المؤسسات المعنية المشاركة في المنتدى عاجزة عن منافسته، وبالكاد شرعوا في التفكير الجماعي في سياق تفعيل أولى خطوات مواجهة معضلة "الانفصالية الإسلاموية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية