هكذا يعاني مسلمو الغرب من أزمة الهوية

هكذا يعاني مسلمو الغرب من أزمة الهوية


16/09/2018

بعض الشباب المسلمين في المجتمعات الغربية، ممن يبحثون عن “الانتماء”، ويعانون من أزمة الهوية الثقافية المزدوجة، يقعون فريسة للأيديولوجية الإسلاموية المتطرفة”، هذا ما ذكره الباحث في شؤون التنظيمات المتطرفة، الخبير الإيطالي فرانسيسكو بيرجوغليو إريكو.

وقد نشر إريكو مقالته في مجلة “عين أوروبية على التطرف”، موردًا فيها العديد من الأسباب التي جعلت الشباب المسلم في المجتمعات الغربية عرضة للتطرف الإسلاموي.

يعتبر الغرب موطنًا للكثير من الشباب المسلمين الذين يحاولون الموازنة ما بين الثقافة الإسلامية التقليدية وثقافة المجتمعات العلمانية المتنوعة التي يعيشون فيها. إنهم فعلًا “هجائن” تشكّلوا من قبل قوتين متناقضتين، عملتا على بناء وتشييد هويتهم.

إن تحقيق التوازن ما بين هاتين الثقافتين قد يكون صعبًا على بعض هؤلاء الشباب، وغالبًا لا يفهمهم معلمو المدارس، وكبار السن ذوو الجذور الغربية، والأئمة المحليون، وحتى أسرهم ذات “الطراز القديم”. يشعر هؤلاء الشباب أن ليس بإمكانهم مواجهة هذه المشاكل الشخصية المشتركة إلا من خلال الحديث مع أصدقاء لهم، أو زملاء لهم في صفوف المدارس والجماعات، أو مع أقرانهم الذين يعانون من الأحاسيس ذاتها ونقاط الضعف المتعلقة بمشاكل الهوية والثقافة.

في الحقيقة، إن الجيل الثاني والثالث من المسلمين في المجتمعات الغربية لا يحظون بتعلّم طريقة عمل “الانتماء” إلى المجتمع الذي ولدوا وترعرعوا فيه. وبالتالي، من الصعب عليهم أن يشعروا بأنهم بريطانيون أو إيطاليون أو إسبان أو بلجيكيون، أو بشكل عام غربيون بطريقة لا تتعارض مع تراثهم الثقافي.

علاوة على ذلك، يفتقد هؤلاء الشباب إلى خطوط الإرشاد التي من شأنها أن تساعدهم في مسار “التنشئة الاجتماعية” وبناء الهوية. من شأن عدم اليقين هذا، والعجز، والنقص في المعرفة، وحالة عدم الانتماء، أن يتحول إلى غضب وإحباط وجرائم صغيرة، بالإضافة إلى التهميش، هذا ما يعاني من العديد من الشباب المسلمين في المجتمعات الغربية. وهذا بدوره سيجعلهم فريسة سهلة وعرضة للأيديولوجيات المتطرفة والتشدد.

من المهم جدًا أن نفهم أن أزمة الهوية هي عنصر حاسم في محاولات الشباب المسلمين “الانتماء” للمجتمع بطريقتهم الخاصة. وهذا، بالطبع، ينطوي على الإرادة لتمييز الذات من خلال هوية جازمة، منفصلة عن مواقف الأجيال السابقة السلبية، ومنفصلة عن هوية العائلة التقليدية.

وبالمثل، من المهم أن نؤكد على أن العديد من هؤلاء، ممن ينخرطون في عملية التطرف، غالبًا ما يكونون علمانيين وعالميين. يمكن القول إنهم “مسلمون سيئون” جرى إبعادهم بشكل كبير عن التعاليم الإسلامية التي تحكم ثقافاتهم الأصلية. ومن الأمثلة على ذلك، حالة أنس العابودي ذي الأصول المغربية، الذي عاش مع عائلة متكاملة في بلدة إيطالية صغيرة. لم يكن لهذا الشاب أية معرفة أيديولوجية دينية في السابق، بل كان محبطًا بسبب هويته  الإيطالية – المغربية المزدوجة، فلم يجد الطريقة الصحيحة للتعبير عن ذاته أو “للانتماء” للمجتمع. وحينها، اعتنق الإسلام الراديكالي، وأكمل طريقه حتى أصبح جهاديًا متطرفًا. وبعد اعتناقه التطرف، قال: “لم أكن أضحك في السابق على الإطلاق، لأن المجتمع دمرني، أما الآن، فأستطيع الوضوء والغسل، وأشعر بالحرية، وأطير روحانيًا”. هل هذه هي الطريقة التي تمت بها إعادة بناء الهوية! هنالك العديد من الأمثلة على حالات أخرى كهذه.

خلال رحلة البحث عن الهوية، يلجأ الكثير من الأفراد إلى الدين. وفي ظل ظروف معينة، يمكن للدين نفسه أن يوجّه الشباب المسلم نحو “ثقافة مضادة” تجعلهم يتبنون تفسيرات راديكالية للإسلام، مثل السلفية أو الجهادية. ووفقًا للعالم السياسي الفرنسي، أوليفر روي، فإن الإرهابيين الإسلاميين الغربيين هم عمومًا عناصر من جيلٍ يشعر بإحباط من المجتمع الغربي؛ ذاك المجتمع الذي لم يحقق لهم آمالهم، ولم يوفر لهم نظرة إيجابية للمستقبل. علاوة على ذلك، إن نظرتهم للأمّة العالمية (جماعة المؤمنين) تقود إلى أفكار حول الانتقام من العولمة؛ تلك العولمة التي يحمّلوها المسؤولية عن حالة التهميش والضعف والإحباط التي يعيشونها. وبالفعل، يعتقد هؤلاء الشباب المتطرفين من المسلمين الضعفاء أن القيم الغربية أفسدت الأمّة العالمية بأسرها.

وفي هذه الحالة، كانت الإجابة على الفوضى والفساد هي الراديكالية الإسلامية، باعتبارها أداة ضرورية للخلاص الشخصي، وفي الوقت ذاته، أداة لخلاص وإصلاح الأمة بأكملها. لقد أصبحت الراديكالية الإسلامية نموذجًا مرجعيًا لبناء هوية جديدة مبنية على تفسيرات منحرفة للشريعة الإسلامية، تشكّل نظرة عالمية جديدة كليًا، تبدو مرضية وأخلاقية وغنية بالمحفزات بالنسبة لأولئك الضعفاء.

وفقًا للعديد من الباحثين مثل منيرة، وجعفر زين، وراماكريشنا، يمكننا التأكيد على أن قضية الهوية تحتل مكانة مركزية في عملية التطرف. وفي معظم الحالات، يكون الشباب المسلمون الخاضعون لعملية التطرف غير قادرين عمومًا على التعريف عن أنفسهم بـ”الشخصية النموذجية” أو “الشخص العادي” في المجتمع الغربي الذي يعيشون فيه.

في الواقع، هنالك عوامل كثيرة، مثل عدم وجود نقاط مرجعية قوية، وخطوط إرشادية توجيهية، بالإضافة إلى الضعف الناجم عن الاندماج الاجتماعي الفاشل، كلها عوامل تدفع الشباب المسلمين الغربيين إلى “البحث عن الهوية” و”السعي لإيجاد طريقة جديدة مناسبة للوجود”. وباختصار، إن الراديكالية الإسلامية والجهادية تشكلان عامل جذب قويّ جدًا بالنسبة لهؤلاء، وتمنحاهم إحساسًا بـ”الانتماء”.

عن مجلة "عين أوروبية على التطرف" - ترجمة "كيوبوست"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية