هل أحرجت زيارة أردوغان تونس؟

تونس

هل أحرجت زيارة أردوغان تونس؟


كاتب ومترجم جزائري
31/12/2019

ترجمة: مدني قصري


تسببت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المفاجئة إلى تونس يوم الأربعاء 25 كانون الأول (ديسمبر) 2019، في إثارة استياء العديد من الأحزاب السياسية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني التونسي.
يخشى العديد من التونسيين أن تتجاوز تونس، الدولة المحايدة عادة،، خطًّاً في الأزمة الليبية، من خلال اتخاذ موقف لصالح أحد المتحاربين. لذلك أجبرت التصريحات المضاعفة، الرئاسة التونسية على تقديم توضيحات. لكن في تونس، تتنافر الأصوات وتختلط.

يخشى تونسيون أن تتجاوز بلادهم، المحايدة عادة، خطًّاً في الأزمة الليبية من خلال اتخاذ موقف لصالح أحد المتحاربين

ورداً على هذه الزيارة وعلى الملاحظات العدوانية التي أبداها الرئيس التركي ضد الجيش الليبي وإعلان دعمه للقوات والميليشيات الموالية لحكومة فايز السراج، أصدر الجيش أوامر بالإسراع في السيطرة على المعابر الحدودية بين ليبيا وتونس، في رأس جدير وذيبة؛ إذ اعتقد الجيش الليبي أنّ تونس أصبحت الآن "قاعدة محتملة للميليشيات الإسلامية في طرابلس".
من جانبه، عبر حزب "آفاق تونس" بشكل خاص عن انتقاداته للإدارة التركية، معرباً عن رفضه القاطع لرؤية تونس تمضي في مواءمة دبلوماسيتها مع المحاور الإقليمية، محذّرة من تورّطها في هذا النوع من الصراع، والذي من المحتمل أن يكون له تأثير سلبي على المصالح الاستراتيجية والأمن القومي للبلاد.

نفي الرئاسة التونسية
نفت رشيدة النيفر، المتحدثة باسم الرئاسة التونسية، يوم الخميس 26 كانون الأول (ديسمبر) 2019، ما قاله الرئيس التركي لدى عودته إلى أنقرة. وقالت إنّ الرئيس التونسي لم يتخذ موقفاً لصالح جانب أو آخر في ليبيا. وهي طريقة لرفض كلمات نظيره التركي الذي يرى أنّ قيس سعيّد يؤيد حكومة الاتحاد الوطني الليبي بقيادة فايز السراج.

فوجئت الرئاسة التونسية بتصريحات وزير الداخلية الليبي أكد فيها أنّ تونس هي الآن جزء من تحالف يضم طرابلس والجزائر وأنقرة

فوجئت الرئاسة التونسية بتصريحات فتحي باشاغا، وزير الداخلية الليبي؛ ففي خلال مؤتمر صحفي عُقد في تونس يوم الخميس، أكد هذا المسؤول الليبي أنّ تونس هي الآن جزء من تحالف يضم طرابلس والجزائر وأنقرة، والذي يدعم فايز السراج ضد الجيش الليبي وحلفائه. "لدينا موقف محايد في الأزمة الليبية ونحن لسنا جزءاً من أي تحالف"، هكذا أصرت الرئاسة التونسية التي طلبت من الوزير الليبي مغادرة تونس فوراً.
تأتي هذه التوضيحات بعد موجة من ردود الفعل في تونس التي دعت الرئاسة إلى تبنّي الحياد فيما يتعلق بالأزمة الليبية. "الرئاسة مرتبكة وتتلقى استشارات سيئة. وفي هذا الشأن قال نزار أنامي، نائب سابق وعضو سابق في اتحاد النقابات العالمي: "إنها (الرئاسة) ليست على دراية بالقضية الليبية". يخشى البعض من استخدام تونس لتهريب الأسلحة إلى ليبيا كما كان الحال في عام 2011.
زيارة مفاجئة

قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة مفاجئة إلى تونس يوم الأربعاء 25 كانون الأول (ديسمبر) 2019، حيث ناقش مع نظيره التونسي الصراع في ليبيا والتوترات الإقليمية الناجمة عن تعزيز التعاون بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبي.

قال أردوغان، الذي التقى للمرة الأولى بالرئيس قيس سعيّد، الذي تولى منصبه في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، في مؤتمر صحفي، إنّه ناقش التعاون مع تونس للمساعدة في تسوية النزاع الليبي.

اقرأ أيضاً: تونس وفخ الإخوان
"لقد ناقشنا سبل التعاون لتحقيق وقف لإطلاق النار في ليبيا كجزء من إحياء العملية السياسية"، قال الرئيس التركي، الذي تؤيد بلاده عسكرياً حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وأضاف أردوغان أنّ تأثير التطورات السلبية في ليبيا لا يقتصر على هذا البلد ولكنه يؤثر أيضاً على الدول المجاورة بما في ذلك تونس.

دعا أردوغان، تونس وقطر والجزائر، للمشاركة بالمؤتمر الدولي حول ليبيا الذي ستنظمه الأمم المتحدة أوائل عام 2020 في برلين

تشترك تونس في حدود طويلة مع ليبيا، هذا البلد الغارق في الفوضى، وقد استضافت الآلاف من اللاجئين الليبيين منذ الثورة التي أدت إلى سقوط معمر القذافي في عام 2011.
كما دعا أردوغان، تونس، وكذلك قطر والجزائر، للمشاركة في المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي ستنظمه الأمم المتحدة في أوائل عام 2020 في برلين. من جانبه، أكد قيس سعيّد على التعقيد المتزايد للأزمة الليبية، وتحدث عن "دعم الرئيس أردوغان لمبادرة تونسية بشأن ليبيا".
المبادرة التي أعلنها قيس سعيّد الإثنين في بيان، تدعو جميع الليبيين إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد مخرج من الأزمة.

دعم عسكري تركي
تعرضت تركيا لانتقادات شديدة لتوقيعها اتفاقاً عسكرياً مع حكومة الوفاق الوطني الشهر الماضي، وكذلك صفقة بحرية، أيضاً في تشرين الثاني (نوفمبر). يهدف هذا الاتفاق الأخير إلى توسيع الحدود البحرية لتركيا وقد نددت به اليونان بشكل خاص.

اقرأ أيضاً: أردوغان في تونس محاولة لإنقاذ إخوان ليبيا
إذا كانت تركيا مدعوّة (لإرسال قوات إلى ليبيا)، فسوف نقبل الدعوة؛ لأنّ لدينا، على الأقل، اتفاقاً مع حكومة الوفاق الوطني، هكذا حذّر رجب طيب أردوغان.
وكان الرئيس التركي قد قال يوم الأحد الماضي إنّ بلاده ستزيد دعمها العسكري لطرابلس إذا لزم الأمر، وبكل أشكاله. قال الزعيم التركي "سنقيّم جميع أنواع الدعم العسكري، بما في ذلك على الأرض وفي البحر والجو، إذا لزم الأمر.
ليبيا حدود طموحات أردوغان الجديدة
في اليوم التالي لزيارته إلى تونس، أعلن الرئيس التركي عن التصويت على قانون يسمح بإرسال قوات إلى طرابلس. وهي طريقة للزعيم الإسلامي لتوسيع دائرة نفوذه، ودعم الحكومة الهشة لحكومة الوفاق الوطني.

اقرأ أيضاً: المعارضة التونسية تتحرك لمنع انفراد النهضة بتشكيل الحكومة
ما لبث سبب زيارة رجب طيب أردوغان غير المتوقعة إلى تونس أن أصبح  واضحاً بعد أربع وعشرين ساعة. عند عودته إلى أنقرة، أعلن الرئيس التركي أنّه سيقدّم إلى البرلمان في أوائل الشهر المقبل اقتراحاً بإرسال قوات تركية إلى ليبيا، لدعم حكومة الوفاق الوطني.. لذلك كان الصراع مع جارة تونس الكبرى على رأس المناقشات في تونس بين الرئيس المنتخب حديثاً، قيس سعيّد، ورجب طيب أردوغان، حتى لو كانت، رسمياً، تتعلق بـ "التبادل التجاري" بين البلدين. وقد انضم رئيس الوزراء الليبي في حكومة الوفاق الوطني الليبي، فايز السراج، إلى اجتماع تونس بين الرئيسين؛ التركي والتونسي.

شائعات وتصريحات كاذبة
أكد أردوغان خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التونسي، قائلاً "إن ما يحدث في ليبيا يمكن أن يؤثر أيضاً على الدول المجاورة، ولهذا السبب أتينا إلى تونس". وأصر الرئيس التركي على دور تونس في ضمان وقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية في ليبيا. وسعياً منه للحصول على الدعم اللوجستي من تونس انطلاقاً من أراضيها للتدخل العسكري، يسعى أردوغان إن لم يكن إلى انضمامها إلى معسكره، فلضمان تفهّمها وتعاطفها معه على الأقل. لقد عبّرت عدة أحزاب تونسية عن مخاوفها بعد زيارة الرئيس التركي، محذرة من احتمِال الانغماس في لعبة التحالفات الإقليمية، مما يعني "مساساً بالمصالح الوطنية وبتقاليد تونس في الحياد، في مثل هذا الملف. وأمام تصاعد  "شائعات وتصريحات كاذبة"، نشرت رئاسة الجمهورية مساء الخميس توضيحاً جاء فيه: "تونس لن تقبل أن تكون عضواً في أي تحالف. لن يفلت أي شبر من الأراضي من السيادة التونسية".

دوافع اهتمام أردوغان بليبيا
إذا كان من السهل فهم الآثار السياسية والعسكرية لتورّط تركيا في سوريا، على طول حدودها الجنوبية، في صراع ذي تداعيات متعدّدة على أراضيها، فإنّ تدخلها في ليبيا البعيدة قد يكون مفاجئاً. "سنذهب إلى حيث دعينا، ولن نذهب إلى حيث لم تتم دعوتنا. وما دمنا قد تلقينا الدعوة، سنتفاعل بشكل إيجابي"، هكذا أوضح أردوغان يوم الخميس 26 كانون الأول (ديسمبر) 2019، خلال اجتماع الاتحادات المحلية والإقليمية لحزبه، حزب العدالة والتنمية (AKP).

اقرأ أيضاً: هل تورّط الرئيس التونسي باستقبال أردوغان بضغط من النهضة؟
لا شك أنّ طموح الرئيس التركي لإدخال بلده في دور من القوة الإقليمية في مختلف صراعات العالم العربي والإسلامي، يمثل أحد الأسباب الرئيسية لدعمه لحكومة الوفاق الوطني، لا سيما وأنّ حكومة طرابلس تهيمن عليها شخصيات ذات ميول إسلاموية. لقد وقّعت تركيا مع هذه الحكومة اتفاقين أساسيّين في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. الأولى، مذكرة تفاهم للتعاون العسكري، دخلت حيز التنفيذ يوم الخميس، ونُشرت في الجريدة الرسمية التركية. وتنص المذكرة على تقديم الدعم لإنشاء قوة تدخل سريع لنقل المهارات، وتدريب القوات البرية والبحرية والجوية  الليبية على أيدي خبراء أتراك، فضلاً عن توفير المعدات.

عبّرت عدة أحزاب تونسية عن مخاوفها بعد زيارة أردوغان، محذّرة من احتمِال الانغماس في لعبة التحالفات الإقليمية

الاتفاقية الحاسمة الثانية الموقّعة مع حكومة الوفاق الوطني الليبي اتفاقية بحرية. يتعلق الأمر بتعيين حدود إقليمية تسمح لأنقرة بتأكيد الحقوق على مناطق واسعة في شرق البحر المتوسط الغنية بالمواد الهيدروكربونية، التي تعارضها اليونان ومصر وقبرص وإسرائيل. لقد أعلنت أثينا يوم الأحد في غضب شديد، عن اتفاقية بشأن خط الأنابيب EastMed، مُنافس للمشروعات التركية، ستوقعها مع قبرص وإسرائيل، في 2 كانون الثاني (يناير) 2020.
في محاولة لحشد تونس إلى حملتها الليبية التي يستعد لها، اعتمد رجب طيب أردوغان، بلا شك، على دعم البرلمان التونسي المنتخب حديثاً، والذي كان يهيمن عليه أصدقاؤه في حركة النهضة. يبدو هذا الحزب اليوم كواحد من الناجين القلائل من التيار الإسلام السياسي الذي سعى للاستحواذ على الربيع العربي لعام 2011. لقد تم طرده أو تعقبه من قبل الثورات المضادة، وفي مصر على وجه الخصوص، يتجلى التيار الإسلاموي بغيابه في حركات الاحتجاج التي هزت العالم العربي في عام 2019. من السودان إلى الجزائر ومن العراق إلى لبنان، تم رفضه سواء في نسخته السنّية المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين أو في نسخته الشيعية المؤيدة لإيران. بالنظر إلى الأجيال العربية الجديدة التمردة، يبدو أنّ أردوغان يخوض قتالاً في معقله الخلفي. لكن معركة الغاز التي تطلقها تركيا من خلال مشروع تدخّلها في ليبيا، في المقابل، ستشكل رهان مستقبل في البحر المتوسط.


مصدر الترجمة عن الفرنسية: 

rfi.fr/afrique و ouest-france.fr و liberation.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية