هل أفسد التنظيم الدولي للإخوان العلاقات الفلسطينية-الفلسطينية؟‎

فلسطين

هل أفسد التنظيم الدولي للإخوان العلاقات الفلسطينية-الفلسطينية؟‎


04/02/2020

لولا الانقسام الفلسطيني، وأحداث الربيع العربي وتبعاتها، لما وصلنا إلى اللحظة التي نرى فيها رئيساً أمريكياً يخرج على العالم والعرب بخطة للسلام ينتهك فيها جميع القوانين الدوليّة، ويستخف فيها بحقوق الشعب الفلسطينيّ بهذه الفجاجة.

الإخوان تسبّبوا بانقسام الفلسطينيّين وتحويل الربيع العربي إلى خريف تتساقط فيه دوله تباعاً في هاوية العنف والإرهاب

المشترك بين الحدثين هو الإخوان المسلمون؛ الذين تسبّبوا في انقسام الفلسطينيّين، وتحويل الربيع العربي إلى خريف تتساقط فيه الدول العربيّة واحدةً تلو الأخرى في هاوية العنف والإرهاب، وتسقط فريسةً للأطماع الأجنبية خصوصاً التركية والإيرانية، لتصبح الساحة العربيّة، الرسميّة والشعبيّة، مثقلةً بمشاكلها، وصراعاتها الاجتماعيّة، ومواجهة خطر الإسلام السياسي، وهو الوضع الّذي أفادت منه إسرائيل بتقنين استيطانها في الضفة الغربيّة، وتهويد القدس، بالحصول على الاعتراف الأمريكي السابق بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ثم الإعلان عن "صفقة القرن" التي تشرعن الأمر الواقع.
لم يكد العالم الإسلاميّ-العربيّ يحبو نحو الحداثة منذ قرنين مواجهاً عقبات عدةٍ من الجمود الاجتماعي والدينيّ، والأطماع الاستعمارية، حتى ظهرت جماعة الإخوان المسلمين لتتّخذ من قشور الحداثة أداة لإغراق المجتمعات العربية في ردة فكرية جديدة أبعد ما تكون عن الشعارات البراقة التي ادّعتها.

 

 

خطورة جماعات التقليد السابقة أهون بكثيرٍ من جماعة الإخوان؛ فبينما الأولى كانت تستجيب مع ضرورات الواقع، ولم يكن لها أطماع سلطوية، أو تنظير قويّ للتمسُّك بالجمود؛ إذ لم يتعدّ الأمر مضمون الآية الكريمة "هذا ما وجدنا عليه آباءنا" (المائدة: 104)، يعلن الإخوان مقولةً: إنّنا على الحق، ونحن الحلُّ.

 

تسببت انتهازية حركة حماس في تعقّد المشهد الفلسطيني ثم قيامها بالانقلاب على الديمقراطية

أدخلت الأيديولوجيا التي تبنّاها الإخوان وما يُعرف بالإسلام السياسي المنطقة في دوامات من العنف والصراع الداخليّ، التي تسبّبت بإنهاك دول المنطقة حديثة الاستقلال، ووقفت عائقاً أمام التحديث، ممّا أدّى إلى فشل مشاريع الدولة الوطنيّة في مناطق عربية عدة، وغذّى التّطرّف الدينيّ.
نال أذى الإخوان قضيّة العرب الأولى وهي القضيّة الفلسطينيّة، بالغة التعقيد والحساسة لكل تغير كبير أو صغير في الساحة العربيّة، جناية الإخوان المسلمين على فلسطين أتت بطريقين: مباشر؛ عن طريق ذراعها حركة حماس، وعلاقتها بالتنظيم الدوليّ، وغير مباشرٍ؛ بإضعاف وتفكيك الدول العربيّة المعنية بالقضية الفلسطينية، واستهلاك جهودها في مواجهة صنائع ما خرج من عباءة الإخوان من جماعات الإرهاب والتّطرّف الدينيّ.
جناية الإسلام السّياسيّ
هاجس الإخوان المسلمين هو امتلاك السلطة في العالم الإسلاميّ منذ نشأة الجماعة، فتماهوا مع أنظمة الحكم العديدة قبل وبعد الاستقلال، بغية التسلُّق على أكتافهم إلى كرسيّ السلطة، إلا أنّهم تحوّلوا إلى أداةٍ لتفريغ الساحة السياسية من الأحزاب والقوى المدنيّة، وهو الدور الذي مارسته الجماعة عن رضا لاتفاقه مع أيديولوجيّتها الإقصائيّة، والتكفيريّة لكلّ ممارسة سياسية أو اجتماعية لا تتم عبرها، وأَمِلت الجماعة بذلك أن تصبح البديل الوحيد لتبادل السلطة في المنطقة، لتتفاوض على مكاسب مع الأنظمة العربيّة مرحلياً، ولتقدّم نفسها كبديل لهذه الأنظمة أمام المجتمع الغربيّ.

 

 

 

تَسيُّد الإخوان على ساحة المعارضة السّياسيّة بأيديولوجيّتها الاقصائيّة المتوعّدة لأنظمة الحكم، والمهدّدة للدولة الوطنيّة، أدّى إلى استهلاك طاقة الأنظمة العربيّة في مشاكل داخليّة لمواجهة هذا الخطر المتنامي، مما تسبب في تراجع قضيّة فلسطين رسمياً وشعبياً.

أدخلت أيديولوجيا الإسلام السياسي المنطقة بدوامات من العنف والصراع الداخليّ تسبّبت بإنهاك دولها حديثة الاستقلال

بالتوازي مع ذلك وقفت الجماعة التي تغلغلت في المؤسّسات الدينيّة والتعليميّة والإعلاميّة وغيرها سدّاً منيعاً أمام الجهود الضئيلة للإصلاح الدينيّ والاجتماعيّ، بينما تولّت الجماعات الإرهابيّة التي خرجت من رحمها مهمّة تدمير الدولة الوطنيّة مثلما فعلت جماعتا الجهّاد والجماعة الإسلاميّة في مصر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، مما جعل قضيّة الأمن أولويةً على أمانيّ الإصلاح السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ.
ما سبق أدّى إلى إغراق المنطقة في أزماتٍ داخليّةٍ استنزفت طاقاتها، وشغلتها عن الاهتمام بالقضايا العربيّة الأخرى، مما عاد بآثار كارثية على القضيّة الفلسطينيّة، وخلق حالة من الاحتقان المجتمعيّ العربيّ انفجرت لاحقاً مع أحداث الرّبيع العربيّ، والذي كان بمثابة الفرصة التي انتظرها الإخوان طويلاً لتصدر المشهد السّياسيّ – إلى حين – بدعمٍ من بعض الدول الغربيّة، بعد عقودٍ من تصدير أنفسهم كبديلٍ وحيدٍ لتولي السلطة.
أسلمة القضيّة الفلسطينيّة
ظلّت مشاركة الإخوان في القضيّة الفلسطينيّة ضعيفة نسبياً مقارنةً بالتيارات العلمانيّة حتى تولّى الرئيس المصريّ أنور السادات الحكم، والّذي سمح للإخوان المسلمين بممارسة نشاطهم مقابل مواجهة التيارات اليساريّة والناصريّة. قُبلة الحياة الساداتيّة للإخوان انعكست إيجابيّاً على الإخوان في قطاع غزّة التابعين للجماعة الأم في مصر، بينما تبع إخوان الضفّة الغربيّة قيادة التنظيم في الأردن حتى تأسيس حركة حماس العام 1987، عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى، والتي جمعت شمل الإخوان.

 

 

 

قبل تأسيس حركة حماس انحسر دور الإخوان في اختراق المجتمع بالدعوة، والسيطرة على المساجد والأنشطة الخيرية والاجتماعيّة، وتبنّوا خطاباً معادياً للحركات الفلسطينيّة المُقاومة، وعلى رأسها حركة فتح، وعملوا على نشر أيديولوجيا الإخوان الاقصائيّة بين الفلسطينيّين.

لم يكن قرار حماس بدخول العملية السياسية مع رفضها للاتفاقيات الدوليّة إلا محاولةً لإمساك العصا من المنتصف

انتبهت إسرائيل لإمكانيّة استغلال الإخوان في ضرب المقاومة، فتغاضت عن تأسيس المجمع الإسلاميّ العام 1973 الّذي كان واجهةً لهم، ثم منحت المجمع ترخيصاً العام 1977، وذلك لاستخدام الإخوان في ضرب منظّمة التحرير.
في كتابه "حماس من الداخل" يقول زكي شهاب: "شكل القرار الإسرائيلي القاضي بمنح رخصة للمجمع الإسلاميّ مؤشراً لما ستكون عليه السّياسة الإسرائيلية غير المعلنة ولكن الرسميّة؛كانت الحكومة الإسرائيلية تنظر إلى منظّمة التحرير الفلسطينيّة ذات المنحنى الوطنيّ والعلمانيّ على أنّها عدوّها اللّدود، وكانت تعتقد أنّها ستستفيد من تداعيات التنافس الّذي سيقوم حتماً بين المجموعات الإسلاميّة، التي سمحت لها بالتكاثر والازدهار، والمنظّمات الفلسطينيّة الأخرى، بما فيها منظّمة التحرير الفلسطينيّة التي هي على طرف نقيض مع تلك المجموعات الإسلاميّة، فلا يعود من داعٍ لتدخل إسرائيلي مباشرٌ على الأرض".

اقرأ أيضاً: ماذا تعني حماس بإعادة جدولة "مسيرات العودة"؟
نجحت الخطة الإسرائيلية بضرب المقاومة بالإخوان المسلمين، والّذين مثّلتهم حركة حماس فيما بعد. وأثرت أيديولوجيا الحركة وولاؤها للجماعة الأم قبل الولاء للوطن على علاقات الحركة الدوليّة والداخليّة، فعادت الأمة العربيّة بأن رهنت نفسها للنظام الإيرانيّ، الّذي استغلها ذريعةً للتدخل في المنطقة، ولنشر أيديولوجيّته بين أبنائها.
الآثار الكارثيّة لأيديولوجيا الإخوان ساهمت في الانقسام الفلسطينيّ العام 2007، وذلك بعد استغلال حركة حماس لانتخابات العام 2006 في الوصول إلى السلطة، دون مراعاةٍ لما يعنيه ذلك من قبول بالاتفاقيات الدوليّة، ومنها اتفاقية أوسلو، ممّا خلق أزمة دولية لاحقة دفعت نحو الانقسام.

 

 

 

وصول حماس إلى السلطة كان النموذج الذي سار عليه الإخوان المسلمون فيما بعد 2011 للفوز بصناديق الاقتراع في مصر؛ عن طريق استغلال الدّين في كسب أصوات الناخبين، وتقديم الرِّشى الاقتصاديّة للفقراء؛ بحسب كتاب زكي شهاب، أنفقت حماس من 22 إلى 30 مليون دولار في حملتها الانتخابيّة، بينما ادعت الحركة إنفاق ثلاثة ملايين فقط؛ وهو ما يشير إلى دور التنظيم الدوليّ في إفساد العلاقات الفلسطينيّة-الفلسطينيّة.

اقرأ أيضاً: هل أساء ولاء حماس لإيران وتركيا للقضية الفلسطينية؟

رفضت حماس تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ، ثم عادت لتقبل بها بعد الرفض الدوليّ لهم، وهو الأمر الّذي تكرّر مرّات عدةٍ في تجارب الإخوان السّياسيّة؛ فهم لا يقبلون بالتعاون مع الآخر إلا إذا كانوا في حاجةٍ له.
لم يكن قرار حماس بالدخول في العمليّة السّياسيّة، مع رفضهم للاتفاقيات الدوليّة إلا محاولةً لإمساك العصا من المنتصف؛ لإرضاء أطماعها في السلطة من جانبٍ، وللمزايدة على منظّمة التحرير بموقفها الرافض لاتفاقية أوسلو وغيرها من جانب آخر.

بفضل أيديولوجيا الإخوان نجحت إسرائيل في سياستها التي وضعتها لضرب الفلسطينيين ببعضهم

تسبّبت انتهازيّة الحركة في تعقّد المشهد الفلسطينيّ، ثمّ قيام الحركة بالانقلاب على الديمقراطيّة، والاستيلاء على السلطة بالقوّة العام 2007، ضحّت الحركة في سبيل السلطة بالمقاومة، وسفكت دم رفاق المقاومة من حركة فتح، وارتكبت ممارسات وحشيّةٍ بحقّهم، منها إلقاؤهم من أسطح المنازل، وهو الفعل الوحشيّ الّذي كرّرته جماعة الإخوان الأم بحقّ أطفال هتفوا ضدّها في مصر عقب ثورة 30 يونيو.
انقلاب حماس كشف عن زيف تبنّي الإخوان للقضيّة الفلسطينيّة، وتسبّب في شقّ الصفّ الفلسطينيّ ممّا أضرّ بالقضيّة، وأضعف الموقف التفاوضيّ، وأنهك الدول العربيّة في وساطاتٍ لا تنتهي للمّ الشمل الفلسطينيّ، بجانب أنها فتحت الباب على مصراعيه للوافد التركيّ الجديد لاستغلال القضيّة في كسب ود العرب لمشاريعه الاستعماريّة، مثلما تفعل إيران.
بفضل أيديولوجيا الإخوان المسلمين نجحت إسرائيل في سياستها التي وضعتها لضرب الفلسطينيّين ببعضهم، وجنت المكاسب اليوم بموقف فلسطيني لا يملك من أمره شيءٌ، بينما وقف رئيس وزرائها نتنياهو مع ترامب يَمنّان على الفلسطينيّين بصفقة تمنحهم مجموعة من الجيوب المنعزلة الفقيرة باسم "صفقة القرن".

 

 

 

 

انتهازيّة الإخوان للربيع العربي
استغلّت جماعة الإخوان وأذرعها أحداث الربيع العربي التي اجتاحت عدداً من البلاد العربيّة لتتسلّقها للوصول إلى السلطة، وذلك بدعم القوى الغربيّة التي توهّمت فيهم البديل الوحيد القادر على تسلّم السلطة. لم تفهم الجماعة طبيعة المعادلة التي أتت بها إلى السلطة مثلما لم تفهم حركة حماس طبيعة العمليّة الانتخابيّة، وحاول الإخوان الاستئثار بالسلطة في مصر وليبيا، إلا أنّ المعادلة التي سمحت لهم بالمشاركة في الانتخابات كانت هي من ثارت عليهم لاحقاً في 30 يونيو، بعد أنّ أبوا إلاّ الانفراد المطلق بالدولة.

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": تركيا تدعم حماس لتقوية التواجد الإخواني في غزة
لم تتقبّل الجماعة ثورة الشعب، أو نتيجة الانتخابات التي أزاحتها في ليبيا العام 2014، وكشفت عن حقيقتها بانتهاج العنف والإرهاب ضدّ الدولة المصرية والليبية، مُتتبّعة خطى تجربتها في تحويل سوريا إلى حرب أهلية، وميدان للتنافس الدوليّ، والعمالة لتركيا.

قُبلة الحياة الساداتيّة للإخوان انعكست إيجابيّاً على الإخوان في قطاع غزّة التابعين للجماعة الأم بمصر

لولا وجود الإخوان المسلمين بأيديولوجيّتهم الإقصائيّة المعادية للوطنيّة لما انزلقت المنطقة العربية في الفوضى والحرب الأهليّة التي خدمت إسرائيل في المقام الأوّل؛ فوجود دولٍ عربيّةٍ منهكةٍ، أو دويلات مفتّتة يمنح إسرائيل السيادة في المنطقة، بجانب أنّ الإخوان أنهكوا مصر بنشاطهم الإرهابيّ، وتهديداتهم في ليبيا، وهو ما يعني استنزاف قدرة مصر والدول العربية الأخرى في معالجة الأوضاع العربيّة.
على المستوى الدولي خرجت إسرائيل بمكاسب كبيرة بعد 2011، وتحسّنت صورتها الذهنيّة كدولة مستقرّة في وسط عربيّ مفكّك، مليء بالإرهاب والتّطرّف الدينيّ، وهو ما استثمرته إسرائيل جيداً في "صفقة القرن"؛ إذ تنصُّ الصفقة على مواجهة الدولة الفلسطينيّة الموعودة للتطرف والإرهاب، وهو ما يعني حرباً أهليّة فلسطينيّة بين الإسلام السّياسيّ والتيارات العلمانيّة، واستخدام الفلسطينيّين ضدّ بعضهم البعض.
إضعاف القضيّة الفلسطينيّة
وضعت أحداث 2011 حماس أمام خيارين؛ إمّا الانحياز للقضيّة الفلسطينيّة، والنّأي عن الشأن العربيّ الداخليّ، والمحافظة على علاقة جيدةٍ بحكومات وشعوب المنطقة، وإمّا الانحياز إلى أيديولوجيا الإسلام السّياسيّ، وخدمة مشاريع التنظيم الدوليّ للإخوان، فأبت إلا معاداة الشعوب العربيّة، والانحياز للإخوان.

بالنسبة للإخوان المسلمين لم تكن فلسطين سوى أداة للحشد واستمالة مشاعر الجماهير العربية لصالحها

جنّدت حماس طاقتها لخدمة مشاريع الإخوان في سوريا ومصر وغيرها، وتورطت في أنشطة التنظيم الأم العدائية، مما جلب عليها استياء وسخط الشعوب العربيّة، وأدى إلى خلط الأوراق عند كثيرين بين حماس والقضيّة الفلسطينيّة التي تضرّرت بذلك كثيراً.
بالنسبة للإخوان المسلمين لم تكن فلسطين سوى أداة للحشد، واستمالة مشاعر الجماهير العربيّة للانضواء تحت عباءة الجماعة الأيديولوجيّة. فهل تفيق حماس من غفلتها، وتتخلّى عن أيديولوجيا الإسلام السّياسيّ، وتتبنّى قضيّة فلسطين أم سترهنها لصالح أجندة الإخوان وتركيا حتى النهاية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية