هل الحلّ في كتابة دستور سوري جديد؟

سوريا

هل الحلّ في كتابة دستور سوري جديد؟


02/10/2019

يوم الإثنين 16 أيلول (سبتمبر) من الشهر الماضي، والذي كان ختام القمة الثلاثية في أنقرة، أعلن الرؤساء الثلاثة؛ فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني، عن الاتفاق النهائي لتشكيل اللجنة الدستورية المعنية بوضع دستور جديد لسوريا، وبحسب البيان الختامي للمؤتمر؛ تمّ الإيذان للجنة الدستورية ببدء أعمالها بشكل فوري في جنيف.

غزوان قرنفل: المعارضة السورية قد فشلت في كسب أصدقاء حقيقيين وانساقوا وراء قوى وأدوات متطرفة لا تؤمن بالأوطان والحقوق

كان قرار تشكيل اللجنة الدستورية، قد بدأ في شهر كانون الثاني (يناير) 2018، في مؤتمر "الحوار الوطني" بمدينة سوتشي؛ إذ تمّ الاتفاق وقتها على تشكيل لجنة دستورية من ممثلي النظام السوري والمعارضة، لإصلاح الدستور، وفق قرار مجلس الأمن الدولي "2254".
وكانت الأمم المتحدة قد عملت على تشكيل لجنة دستورية، لتُعِدَّ دستوراً جديداً للبلاد، كما تتشكّل اللجنة من 150 شخصاً (50 من طرف النظام، 50 من طرف المعارضة، 50 تختارهم الأمم المتحدة من ممثلين للمجتمع المدني وخبراء)، ويُتوقَّع انطلاق عمل اللجنة الدستورية، في 30 تشرين الأول (أكتوبر).
وكان الموقع الرسمي للأمم المتحدة قد نشر، بتاريخ 27 أيلول (سبتمبر) الماضي، "رسالة مؤرخة 26 أيلول (سبتمبر) 2019، موجَّهة من الأمين العام إلى رئيس مجلس الأمن" والتي توضح آليات عمل اللجنة الدستورية.

القمة الثلاثية في أنقرة
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد أشار في مقدمة الرسالة إلى قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، كما أكّد أنّ "الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية" قد وافقت عليها "حكومة الجمهورية العربية السورية ولجنة المفاوضات السورية بتيسير من مبعوثي الخاص إلى سوريا، غاير أ. بيدرسن".

اقرأ أيضاً: ماذا تخفي قاعدة الإمام علي التي أقامتها إيران شرق سوريا؟
وقد تضمَّنت الرسالة سبع مواد، نذكر هنا ما جاء في المادة الأولى: "تقوم اللجنة الدستورية في سياق مسار جنيف الميسر من طرف الأمم المتحدة، بإعداد وصياغة إصلاح دستوري يطرح للموافقة العمومية، كإسهام في التسوية السياسية في سوريا، وفي تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، ويقوم الإصلاح الدستوري من بين أمور أخرى بتجسيد المبادئ الاثني عشر الحية السورية، السورية الأساسية نصاً وروحاً في الدستور السوري والممارسات الدستورية السورية".

المشكلة السورية ليست قاصرة على الدستور وحده فهناك بنية أمنية ودولة عصابة ما تزال ترى سوريا بشعبها مجرد مزرعة

كما جاء في الفقرة الثامنة من المادة نفسها أيضاً: "للجنة الدستورية أن تراجع دستور 2012، بما في ذلك في سياق التجارب الدستورية السورية الأخرى، وأن تقوم بتعديل الدستور الحالي، أو صياغة دستور جديد".
ورغم التفاؤل والترحيب الدولي ببدء عمل اللجنة الدستورية، إلا أنّ الأخيرة أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط السورية المعارضة؛ ففي يوم الجمعة 27 أيلول (سبتمبر) الماضي، خرجت مظاهرات في محافظة إدلب، ترفض مشروع اللجنة الدستورية، وتعتبره "شرعنة للأسد وخيانة للثورة".
في حديثه لـ "حفريات"، قال غزوان قرنفل، مدير تجمع المحامين السوريين "بكل تأكيد لا تُعبّر اللجنة الدستورية وما تعكسه من مسار، عن سقف تطلعات السوريين، ومسعاهم للانعتاق من الاستبداد، والانتقال لضفة الديمقراطية. ومن وجهة نظري؛ هي واحدة من مسارب صناعة حلّ مقبول للسوريين، لكنّه بالتأكيد ليس، ولا يجب أن يكون، المسرَب الوحيد".

اقرأ أيضاً: هل يسعى أردوغان لتوطين 3 ملايين لاجئ سوري في المنطقة الآمنة؟
ويرى قرنفل؛ أنّ "الزعم بوجود التوافق على دستور جديد لسوريا، دون وجود حوامل موضوعية لإقرار وإعمال نصوص هذا الدستور، كحيادية الأجهزة الأمنية وخضوعها للقانون، وسحب الجيش من المدن والبلدات، واستقلال القضاء، وتوفير الأمن المجتمعي، ...إلخ، وما يُعبَّر عنه بالبيئة الآمنة والمحايدة، لن تكون له أية قيمة أو أثر في إحداث عملية التحول المطلوبة والمأمولة".
وأضاف: "السلطة التي انتهكت دستوراً فصّلته على مقاسها، بالتأكيد لن تحترم دستوراً جديداً لم تصنعه آلة حياكتها، والسلطة التي بطشت بالسوريين وأجبرت نصف شعبها على التماس ملجأ آمن من بطشها وعنفها، وارتكبت ما لم يخطر على بال البشر من الجرائم، لا يروضها ولا يعقلن ويقونن سلوكها دستور جديد؛ لذلك لست متفائلاً بالمسار، وأزعم أنّه سيؤول إلى الفشل الذي سيستولد دورة عنف جديدة".
ويعتقد قرنفل؛ أنّ "المشكلة السورية ليست قاصرة على الدستور وحده، هناك بنية أمنية ودولة عصابة ما تزال ترى سوريا بشعبها مجرد مزرعة وأقنان، وما لم يتم تفكيك تلك البنية المافيوية، لن يكون هناك أيّ تغيير ذي أثر في حياة السوريين".

المبعوث الأممي إلى سوريا غاير بيدرسون
فالمشكلة الأكبر، كما يراها قرنفل؛ أنّ "الفاعل السوري على ضفتَي الصراع وزنهما النوعي يساوي صفراً، ولا يملك أيّاً منهم قراره، وبقدر ما يملك مشغلوهم، الإقليميون والدوليون، من أوراق، بقدر ما يكون فاعلاً في صناعة الحلّ الذي يناسب مصالحه".
كما يرى قرنفل؛ أنّ المعارضة السورية قد فشلت في "كسب أصدقاء حقيقيين، وانساقوا وراء قوى وأدوات متطرفة لا تؤمن بالأوطان والحقوق والمواطنة، وأرسلوا كلّ الرسائل التي من شأنها أن تفضّ عنهم الصديق قبل العدوّ، وجعلوا من ثورتهم مطيّة لدول لا تقل بطشاً وديكتاتورية عن النظام الذي ثاروا عليهم فأجهضوا جنينهم مبكراً".

اقرأ أيضاً: كيف أثّر ارتفاع سعر الدولار على الحياة اليومية في سوريا؟
أما المحامي والباحث السوري، فراس حاج يحيى، فقال لـ "حفريات": "قبل رسالة المبعوث الأممي لسوريا، غاير بيدرسون، كانت مرجعية اللجنة الدستورية نقطة خلاف؛ إذ لم يكن واضحاً قبل ذلك ما هي المرجعية؟ أما بعد الرسالة، فقد بات كلّ شيء واضحاً؛ فالرسالة أوضحت أنّ المرجعية لدى اللجنة الدستورية، وإن كان فيها الكثير من الحشو الذي قد يختلط على الأشخاص غير المختصين قانونياً، إلى القرار (2254)، وبالإشارة أيضاً إلى بيان جنيف.
يوضح حاج يحيى: "لكن إذا أردنا تحليل الموضوع قانونياً، بمعزل عن العواطف؛ فهو واضح وجليّ، ولا يحتاج إلى تفسيرات؛ حيث أشير في الفقرة السابعة وضمن المادة الأولى، من رسالة غاير بيدرسون للأمين العام للأمم المتحدة، إلى أنّ الإصلاح الدستوري يقوم من بين أمور أخرى (بتجسيد المبادئ الاثني عشر الحية السورية - السورية الأساسية، نصاً وروحاً، في الدستور السوري والممارسات الدستورية السورية)، ولا يوجد أوضح من هذه العبارة قانونياً، كما أنّ المرجعية القانونية، هي الدستور السوري، وهذا موضح أيضاً بالفقرة (23) من المادة السابعة".

اقرأ أيضاً: الدور العربي المطلوب في سوريا.. الإمارات نموذجا‬ً
ويضيف: "بالتالي يعود عمل اللجنة، ومناقشاتها ومخرجاتها، وتحديداً مخرجاتها، للدستور السوري، والذي هو دستور عام 2012، وفي هذه الحال نعود إلى الدستور السوري الذي يحدد آليات إقرار دستور جديد، أو تعديل دستوري من المادة (150) إلى المادة (153) من دستور عام 2012".
يقول حاج يحيى: "المادة (150) حدّدت أنّه يمكن عرض أو اقتراح تعديل دستوري من قبل رئيس الجمهورية، كما لثلث أعضاء مجلس الشعب، وبعد عرض مشروع التعديل، يتكون مجلس الشعب، ويقوم بتكليف لجنة مختصة لدراسة هذا المقترح أو المشروع، وبعد انتهاء بحث اللجنة، وبحسب الفقرة الرابعة من المادة (150)؛ يناقش المجلس اقتراح التعديل فإذا أقرّه بأكثرية ثلاثة أرباع أعضائه عدَّ التعديل نهائياً شريطة اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية، وطبعاً بعد موافقة رئيس الجمهورية، لا ينصّ الدستور الحالي على عرض هذا التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي، وإنما يصبح نافذاً من تاريخ موافقة رئيس الجمهورية".

 لا تُعبّر اللجنة الدستورية وما تعكسه من مسار عن سقف تطلعات السوريين

ولا يرى الحاج يحيى أيّة نقاط إيجابية في اللجنة الدستورية؛ إذ إنّها "لجنة لمناقشة الدستور، مرجعيتها هي الدستور والقوانين السورية، وهذا موضح بأكثر من نقطة، بحسب ما جاء في آلية عملها في رسالة المبعوث الأممي إلى سوريا، غاير بيدرسون؛ فلا يوجد مدة زمنية، وهذا يعدّ أمراً كارثياً، وإذا كنا اليوم نبحث عن الحلّ، حتى لا تكون تحليلاتنا مجرد نقد لأجل النقد، لا شكّ في أنّ على الهيئة العليا للمفاوضات، وانطلاقاً من واجبها نحو تضحيات الشعب السوري، أن تعمل على الضغط للعودة إلى مفاوضات جنيف، والتمسّك ببند تشكيل هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحيات التنفيذية، بالتوازي مع اللجنة الدستورية، في حال أنّهم يتعاملون بواقعية سياسية، كما يقولون، لكن إلى جانب العمل على اللجنة الدستورية، أعيدوا إحياء مفاوضات جنيف من جديد، وتمسكوا بهيئة حكم انتقالي".

اقرأ أيضاً: لمصلحة من عاد تنظيم داعش بقوة شرق سوريا؟
ويتابع حاج يحيى كلامه: "ما يحصل الآن من قبول الهيئة العليا للمفاوضات بأن يتلخص عملها باللجنة الدستورية، هو دفن كامل لقرار 2254.
وعملياً؛ انتهت الهيئة العليا للمفاوضات، اليوم، وانتقلت صلاحيات العمل، إلى لجنة صياغة الدستور، كما حصل سابقاً مع الائتلاف السوري المعارض، ومن ثم شكلت الهئية العليا للمفاوضات، وبعدها انتهى دور الائتلاف بشكل كامل، وأصبح العمل فقط من داخل الهيئة العليا للمفاوضات".
ولا يعتقد حاج يحيى أنّ أمام المعارضة السورية فرصة أخرى، أو طريقة أخرى، إلا بالعودة إلى جنيف، والتمسّك بالقرار (2254) بسلاله كافة، بحسب تعبيره؛ إذ يقول: "سابقاً وافقت المعارضة العمل على سلة الإرهاب، واليوم توافق على اللجنة الدستورية. أعتقد أنّه حان الوقت للعمل على تشكيل هيئة حكم انتقالي، لعلّ وعسى أن ينتهي تشكيل هذه الهيئة قبل انتهاء تشكيل الدستور، أو إقرار الانتهاء من مسودة الدستور، ويبدأ العمل بهيئة الحكم الانتقالي، والشرعية والمشروعية، للجنة الدستورية، في حال أنهت عملها، لينتقل بعدها إلى السلة الرابعة، وهي إجراء انتخابات، أو استفتاء يضمن انتخابات رئاسية، ويسبقها استفتاء على الدستور وانتخاب برلمان جديد".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية