هل انتهى إرهاب تنظيم داعش؟

هل انتهى إرهاب تنظيم داعش؟


08/01/2018

انتهى عام 2017، بسجل حافلٍ من التوحش والدماء لتنظيم داعش، الذي نفّذ عمليات إرهابية في (252) مدينة في العالم، وكان مسؤولاً عن مقتل ما مجموعه (6141) شخصاً، خلال عام 2015. أما نطاق نشاطه العولمي؛ فقد توسّع وانتشر لينشط في (28) دولة في العالم عام 2015، بعد أن كان ينشط في (13) دولة فقط عام 2014، بحيث أصبح يعدّ، في حقبة العولمة المعاصرة، التنظيم الأكثر إرهاباً وتوحشاً في العالم، متجاوزاً إرهاب تنظيم بكوحرام في نيجيريا عام 2015

الأمر الإيجابي في مجال مكافحة الإرهاب، والحرب على التنظيم، جاء مع نهايات العام 2017؛ حيث تم تباعاً هزيمته في الموصل، ثم في الرقة، معقل خلافة التنظيم.
لكنّ الأمر المقلق؛ هو الاطمئنان إلى عملية هزيمته عسكرياً في العراق وسوريا، ذلك أنّه هزم، عسكرياً وتكتيكياً، لكن إمكانية تجدّد نشاطه تبقى قائمة، وهو ما يدفع إلى المزيد من الحذر واليقظة العالمية، لاستمرار محاصرة التنظيم، وشلّ حركته.

يوجد شبه إجماع بين خبراء الإرهاب على أنّ داعش تمّت هزيمته عسكرياً لكنّه قادر على العودة


يوجد شبه إجماع بين خبراء الإرهاب اليوم، على أنّ التنظيم ربّما تمت هزيمته عسكرياً، لكنّه ما يزال قادراً على العودة، وإثارة الرعب والخوف، من النوع الذي حذّر منه سقراط تلميذه القائد العظيم، إسكندر المقدوني، عندما أوصاه قائلاً: "إذا اطمأنّ بك الأمن فاستشعر الخوف".
إنّ تاريخ التنظيم وبروزه، يعطي الدليل على إمكانية عودة التنظيم مرة أخرى، لكن بوجه أكثر توحشاً وقسوةً.

لقد شكّلت هجمات تنظيم القاعدة ضدّ أمريكا، في 11 أيلول 2001، نقلةً نوعيةً خطيرةً في نمط الإرهاب، من حيث دلالاتها، فيما يتعلق باتجاهها التصاعدي في حجم ونطاق هذه العمليات الإرهابية، وآثارها المدمرة، حتى وصلنا إلى مرحلة إرهاب داعش.
فخلال العقدين ونصف الماضيين، على سبيل المثال، تعرضت السيادة الأمريكية، داخلياً وخارجياً، إلى أربع عمليات اختراق إرهابية، على حجم كبير، هي:
- تفجير مركز التجارة العالمي (تشرين الثاني 1993).
- تفجير سفارتي أمريكا في تنزانيا وكينيا (آب 1998).
- ضرب المدمرة كول cole (تشرين الأول 2000).
- هجمات نيويورك وواشنطن (أيلول 2001).
ولقد لوحظ، في هذه العمليات الإرهابية، تزايد عدد الضحايا وحجم الدمار؛ حيث وصل ذروته في هجمات أيلول 2001، بعددٍ من الضحايا، بلغ أكثر من ثلاثة آلاف، فزاد بذلك عن ضحايا كثير من الحروب التقليدية التي خاضتها أمريكا، وفي كلّ هذه العمليات، كان تنظيم القاعدة يفاجئ العالم بمزيدٍ من القسوة، وكثيرٍ من التحوّل والتطور.
وفي كل هذه العمليات، كان مصدر المفاجأة يأتي، على الأغلب، من حالة الاسترخاء والطمأنينة التي كانت أمريكا تشعر بها.
لقد دفعت هذه الهجمات ظاهرة الإرهاب العالمي إلى مستوى نوعي جديد، وشكلت نقطة تحول في النظام الدولي؛ حيث "أصبح الإرهاب العالمي أحد أشكاله الرئيسة، ولم يعد شكلاً ثانوياً من أشكال الصراع، أو مجرد أداةٍ من أدوات الصراع المسلح؛ بل أصبح مستقلاً بذاته، وبديلاً عن الحروب التقليدية في الكثير من الحالات على المسرح العالمي، وأصبح أداةً من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدول".

تاريخ تنظيم داعش يعطي الدليل على إمكانية عودة التنظيم مرة أخرى لكن بوجه أكثر توحشاً

ويختلف المفكرون والمحللون في توصيفهم لظاهرة الإرهاب العالمي المعاصر، وأهميتها، في ظل سيرورة العولمة؛ فعلى سبيل المثال: كان صموئيل هنتنغتون يرى أنّ هجوم تنظيم القاعدة على أمريكا، وقتل عدة آلاف من الناس، كان يحمل وجهين آخرين، هما:

الأول: ملء الفراغ الذي أحدثه انهيار الاتحاد السوفيتي بعدوٍّ جديدٍ خطيرٍ، متمثلٍ بإرهاب القاعدة. والثاني: تحديد هوية أمريكا بدقة كأمّةٍ مسيحّيةٍ.
تشبه هذه الحرب الجديدة بين الإرهابيين الإسلاميين وأمريكا الحرب الباردة، في نقاط عديدة؛ فعدائية المسلمين تشجع الأمريكيين على تعريف هويتهم بلغةٍ دينيةٍ وثقافيةٍ، تماماً مثلما عززت الحرب الباردة تعريفات تلك الهوية، بلغةٍ سياسيةٍ وعقائديةٍ. وصور الطائرات وهي تضرب برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، "حضّرت في وجدان الأمريكيين إحساساً عميقاً ودائماً بالخطر"، وبأنّ هجمات 11 أيلول، أعادت الهيبة للهوية القومية لدى الأمريكيين، ذلك أنّ الهوية، قبل تلك الهجمات، كانت قد غابت عن رؤية بعض المثقفين والنُخب الأمريكية؛ لأنّ العولمة، والعدمية القومية، والنزعة المناهضة للقومية، جميعها أضعفت الوعي الأمريكي، وهنا نلاحظ أنّ سلوك الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، يمثل هذه الرؤية حالياً.

ليست هناك حروب وصراعات متجددة بين الإسلام والغرب بل هناك حروب بين متطرفين ومعتدلين


ويجادل هنتنغتون بأنّ الإرهاب لا يمثل شكلاً من أشكال الصراع الدولي، بقدر ما يمكن النظر إليه على اعتباره حروباً بين المسلمين أنفسهم، وحروباً مع غيرهم، لكنّها حروب "قد" تتطوّر إلى صدام كبير بين الحضارات". ويركّز على أنّ هذه الحرب لا تعود إلى طبيعة المعتقد الإسلامي، إنّما تعود إلى حالة الانبعاث الإسلامي، والشعور بالظلم والامتعاض والحقد تجاه الغرب.
ويؤكّد هنتنغتون أنّ الشعب الأمريكيّ لا يرى في الإسلام (شعوبه، وديانته، وحضارته) عدواً لأمريكا، على عكس الإرهابيين الإسلاميين، والمتدينين والعلمانيين، على حد سواء؛ الذين يرون أمريكا (بشعبها، وديانتها، وحضارتها) عدواً للإسلام. وعليه، فلا يستطيع الأمريكيّون النظر إلى هؤلاء الإرهابيين الإسلاميين إلّا بالمثل.
لذلك؛ وبحسب (هنتنغتون)، تعززت المشاعر السلبية، ومواقف المسلمين العدائية تجاه أمريكا، خلال التسعينيات من هذا القرن، ووصلت ذروتها القصوى بعد 11 أيلول.
فبعد "الحرب العالمية على الإرهاب"، ثم احتلال العراق، ثار التصعيد في عداء المسلمين، والعرب منهم بالذات، فما يعدّه الأمريكيّون "حرباً على الإرهاب"، ويعدّه المسلمون "حرباً على الإسلام".
في المقابل؛ هناك اتجاه آخر من الخبراء والمحللين والأكاديميين، يرى أنّ ليست هناك حروب وصراعات متجددة بين الإسلام والغرب؛ بل إنّ هناك حروباً أفقية بين متطرفين ومعتدلين داخل مختلف الحضارات، يشنون حروبهم على المعتدلين، سواء من أبناء حضارتهم، أو من الحضارات الأخرى.
ويرى أنصار هذا الاتجاه، أمثال: جرهام فولر، وتوماس فريدمان، أنّ على أنصار الحداثة والعولمة في جميع الحضارات، أن يتوحّدوا لمواجهة هذه الموجة من التطرف الديني والإرهاب.

أعتقد أنّه مع انتشار الشعّبوية والتنظيمات القومية المتطرفة، في أوروبا وأمريكا، بوجود رئيس معادٍ للعولمة، وعودة كثيرٍ من المقاتلين الأجانب إلى بلادهم، وانتشار الإسلاموفوبيا، فإنّ الخوف من عودة كابوس إرهاب تنظيم داعش، رغم انكساراته الأخيرة في العراق وسوريا، يدعو إلى الرعب والخوف.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية