هل انتهى مشروع حركة النهضة الإخوانية في تونس؟

هل انتهى مشروع حركة النهضة الإخوانية في تونس؟


28/09/2021

حمل مشهد وقوف رئيس حركة النهضة الإخوانية في تونس، راشد الغنوشي، وسط عدد محدود من عناصر الحركة أمام البرلمان الذي أُغلق في وجهه يوم ٢٦ تموز (يوليو) الماضي كثيراً من الدلالات ربما أبرزها؛ فقدان الشعبية بشكل كامل، وتصدع الهيكل الداخلي للتنظيم، أو ما يمكن وصفه بأنّه خط النهاية في مشروع الحركة.

 

اقرأ أيضاً: تونس الجديدة تنتفض ضد "الإخوان"

التطورات المتعاقبة في المشهد التونسي منذ إعلان الرئيس قيس سعيّد تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وإعفاء رئيس الوزراء وعدد من المسؤولين من مناصبهم، وما تبعها من إجراءات قضائية لملاحقة عناصر الفساد في الدولة وغيرها من إصلاحات تشريعية وهيكلية مرتقبة، كشفت الكثير من الحقائق عن الوزن الحقيقي الذي تمثله النهضة في المعادلة السياسية التونسية.

هشاشة هيكلية وانهيار في الشعبية

بعيداً عن تهاوي الشعبية وتآكل التأثير تماماً، كشفت الأيام القليلة الماضية عن هشاشة الهيكل الداخلي للحركة الإخوانية، التي طالما صدرت للشارع العربي سردية توحي بمدى قوتها وتماسكها وقدرة قياداتها، وفي مقدمتهم الغنوشي، على النفاذ من الأزمات دون خسارة تُذكر، وذلك على عكس إخوانهم في جماعة مصر أو دول أخرى.

وفي إجراء وصفه المراقبون بأنه انهيار، تقدم ١١٣ عضواً من قيادات النهضة باستقالتهم من التنظيم السبت الماضي، عشية اجتماع غاضب عقده الغنوشي مع مجلس شورى التنظيم وفشل في إقناعه بالتشكيل الجديد للمجلس التنفيذي للحركة، ولم يتوقف نزيف الاستقالات عند هذا العدد، ولكن تقدم العشرات صباح الإثنين باستقالتهم أيضاً ليصل العدد إلى ١٣١، فيما يرجّح المراقبون أنّ هذا العدد مرشح للزيادة في مقبل الأيام.

 

اقرأ أيضاً: كيف منح الإخوان الشرعية للرئيس التونسي؟

ولم تمض ساعات على هذا الإعلان، حتى تسربت أخبار تفيد بأنّ قيادات النهضة المستقيلين يستعدون لتأسيس حزب جديد، لا يحمل مرجعية إسلامية ويضم طوائف مختلفة من الأوساط السياسة التونسية، ما وصفه مراقبون بأنه محاولة للقفز من مركب النهضة الغارقة، وتجنب لواقع الرفض الشعبي الذي تواجهه الحركة في الوقت الحالي.

رجّح المحلل السياسي التونسي، نزار الجليدي، فرضية أن يؤسس الأعضاء المنشقون عن النهضة حزباً جديداً، مشيراً في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ "الاستقالة كانت أمراً متوقعاً لتجنب حالة الغضب والنفور ضد قيادات الحركة الإخوانية في الشارع التونسي التي تزايدت بشكل ملحوظ على مدار السنوات الماضية نتيجة السياسات الفاشلة للحركة في التعامل مع قضايا البلاد".

 بعيداً عن تهاوي الشعبية وتآكل التأثير كشفت الأيام القليلة الماضية عن هشاشة الهيكل الداخلي للحركة الإخوانية

يقول الجليدي إنّ "حالة من الغضب تسيطر على قيادات النهضة، رفضاً لتمسك راشد الغنوشي برئاسة الحركة، واستمراره على نفس السياسات القديمة بالرغم من فشلها التام، وهو ما عبّر عنه المنشقون في بيانهم".

ويوضح الجليدي أنّ "النهضة قد مارست جرائم لا تغتفر بحق الشعب التونسي، ولم تكن ولاءاتهم للداخل بل لأجندات خارجية، وتبنت سياسات لا تتفق مع معايير الأمن القومي التونسي، وتسببت في تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية بسبب الفساد، لذلك جاءت إجراءات ٢٥ يوليو منقذة للشعب من "سرطان الإرهاب والفساد"".

اقرأ أيضاً: المشهد الإخواني في تونس.. أبرز معطيات سقوط حركة النهضة

ويتوقع الجليدي أن تنقسم النهضة إلى حزبين؛ الأول برئاسة الغنوشي ويبقى على ما هو عليه، والثاني سيتم تدشينه مستقبلاً من جانب القيادات المستقيلة من التنظيم، مستدركاً أنّه لا يرى "جدوى من المناورة السياسية بتأسيس أحزاب جديدة تحمل نفس الأهداف والأيديولوجيا حتى وإن لم تعبر عن ذلك صراحة".

محاولات فاشلة لاحتواء الغضب

وبالرغم من المحاولات المتتابعة من الغنوشي لاحتواء الموقف، والتي بدأت بدعوة أنصاره للتظاهر أمام البرلمان لرفض القرارات، إلا أنّه وجد نفسه يقف منعزلاً مع عشرات من عناصر حزبه بينما احتفل عشرات الآلاف من مؤيدي القرارات الاستثنائية في مختلف أنحاء البلاد،.

وخلال الأربعين يومياً الماضية أصدر الغنوشي عدة قرارات وتصريحات اتصفت جميعها بالتناقض والعشوائية، كان أبرزها التلويح بالعنف ثم العودة للاعتراف بالخطأ، فضلاً عن الصراع الداخلي الكبير بين عناصر التنظيم المطالبين بإقالته، ما دفعه إلى حلّ المكتب التنفيذي للحركة.

ولعل أبرز محاولات حركة النهضة للتعاطي مع أزمتها، كانت عقب أسبوعين من القرارات الاستثنائية في البلاد، منتصف آب (أغسطس) الماضي، حين أعلنت عن تشكيل لجنة لإدارة الأزمة برئاسة القيادي محمد القوماني، وذلك في ختام أعمال مجلس الشورى العام في دورته الـ52، وأعربت عن التفاعل الإيجابي مع قرارات رئيس الجمهورية لاستكمال المسار الدستوري والسياسي في البلاد.

 

في إجراء وصفه المراقبون بأنه انهيار تقدم ١١٣ عضواً من قيادات النهضة باستقالتهم من التنظيم السبت الماضي

ولم تنجح أي من محاولات الغنوشي في تحقيق الهدف المرجو منها، لكنها أشبه بالتخبط في الموج، بالعكس زادت من حدة الصراعات الداخلية والغضب الشعبي ضده، ووصفها مراقبون بأنها وصلت به إلى طريق مسدود وأنه سيجبر على تقديم استقالته لا محالة.

 ووفق مصادر تحدثت لوسائل إعلام تونسية وعربية، يواجه الغنوشي ضغوطاً غير مسبوقة للنجاة بالحركة التي كادت أن تتفتت، خاصة بعد تدخل قيادات بارزة من التنظيم الدولي للإخوان، وفي مقدمتها المرشد العام الحالي إبراهيم منير، لدعم المنشقين عن النهضة ومطالبة الغنوشي بمراجعة موقفه الخاص بالاستمرار في رئاسة الحركة.

وفي اجتماع عُقد عن بعد مع عدد من قيادات التنظيم الدولي للإخوان، طالبوا الغنوشي بضرورة احتواء الغضب داخل الحركة والاعتراف بالفشل في إدارة الموقف الحالي والابتعاد عن المشهد السياسي لإفساح المجال لقيادات جديدة يمكن أن يقبلها الشارع التونسي ويتفاعل معها، مؤكدين أنّ هذا الحل هو المخرج الوحيد للأزمة الراهنة، لكن الأخير رفض، ومن ثم جاء الرد من جانب قيادات النهضة بتقديم استقالة جماعية.

 

ترجح مصادر أن يتقدم الغنوشي بالاستقالة بعد فشله بإقناع مجلس الشورى العام بالتشكيل الجديد للمكتب التنفيذي

ولا تستبعد المصادر أن يتقدم الغنوشي بالاستقالة خاصة أنه فشل في إقناع مجلس الشورى العام بالتشكيل الجديد للمكتب التنفيذي، ما يعني أنّ انعقاد المؤتمر العام للحركة أمراً أقرب للمستحيل في الوقت الراهن وسيدفع الأمور إلى مزيد من التعقيد، وهو ما قد يضطر الغنوشي لمغادرة البلاد إذا ما سمحت له السلطات.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية