هل بات سيناريو "تتريك" الشمال السوري قريباً؟

سوريا

هل بات سيناريو "تتريك" الشمال السوري قريباً؟


27/01/2019

إذا تمكّن الرئيسان الأمريكيّ دونالد ترامب، والتركيّ رجب طيّب أردوغان، من إنشاء "منطقة آمنة" في شمال شرق سوريا بعمق 20 ميلاً، فقد تدخل المنطقة مرحلة جديدة من تقاسم النفوذ وما يرافقها عادة من تجاذبات كبيرة. فالمنطقة المفترضة قد تبقي جزءاً كبيراً من شمال سوريا خارج النفوذ الروسيّ، كما يمكن أن تسرّع من تواصل الأكراد مع دمشق لو ضمنت تركيا الإشراف المباشر عليها. هكذا علّقت صحيفة "النهار" اللبنانية على واحد من السيناريوهات المحتملة التي قد تُطبّق في شمال شرق سوريا.

زين: أردوغان يستغل واقع حليفي دمشق؛ روسيا وإيران، وانسحاب أمريكا من سوريا لإقامة منطقة آمنة بالأراضي السورية

في سياق متصل، يرى المحلل في صحيفة "الحياة"، مصطفى زين، أنّ أردوغان يستغل واقع حليفي دمشق (روسيا وإيران)، وحاجتهما إليه وعدم رغبتهما في المواجهة، كما يستغل انسحاب أمريكا من سوريا، ليعود إلى طرح مشروعه الأساسي، إقامة "منطقة آمنة" في الأراضي السورية تمتد مسافة 450 كيلومتراً بعمق 32 كيلومتراً. ويضيف زين: (كان أردوغان طرحَ هذه الفكرة فور اندلاع الحروب على سوريا وفيها عام 2011، وقد احتل جرابلس وعفرين، وبدأ عمليات تطهير عرقي فيهما وتتريكهما، ويسعى إلى توسيع رقعة "المنطقة الآمنة" بـ "التفاهم مع روسيا والولايات المتحدة"، على ما أعلن خلال لقائه بوتين هذا الأسبوع؛ أي إن تركيا (تكاد) تحقق حلماً قديماً في ضم أجزاء من سوريا).

كان أردوغان طرحَ هذه الفكرة فور اندلاع الحروب على سوريا وفيها عام 2011

المحددات التي يشترطها أردوغان

إنّ الطرح التركي للمنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا ينطوي على المحددات التالية، وفق تصريحات الرئيس أردوغان، ومن ذلك:
1. تصرّ تركيا على إنشاء المنطقة الآمنة على الحدود مع سوريا وفقاً لاتفاق مع واشنطن. ويشدد أردوغان على أن "تكون السيطرة الفعلية على المنطقة الآمنة بأيدٍ تركية". وتقول صحيفة "الحياة" إنه على الرغم من التباين في تصريحات المسؤولين الروس والأتراك عقب القمة الروسية – التركية الأخيرة، قال أردوغان إنه أجرى زيارة مثمرة إلى روسيا، معرباً عن أمله بأن "نتمكن من تحقيق السلام على حدودنا الجنوبية"، مؤكداً في كلمة في "أرض روم" شرق تركيا، أنّ بلاده تعتزم إنشاء المنطقة الآمنة التي يخطط لإقامتها على الحدود مع سوريا وفقاً لاتفاق بين أنقرة وواشنطن في غضون أشهر.

اقرأ أيضاً: تقرير يكشف خفايا صفقة مصنع الدبابات التركي ومن وراءها
2. يرى أردوغان أنّ باستطاعة أنقرة تنفيذها وحدها من دون حاجة لمساعدة من أي طرف آخر، لافتاً إلى أنّ بلاده "منغلقة أمام كل الحلول المقترحة خارج هذا الإطار".
3. استبعد أردوغان مشاركة الأمم المتحدة في عملية إقامة هذه المنطقة، وقال: "نرى عند النظر إلى أمثلة كثيرة أنّ الأمم المتحدة عاجزة في مسألة إقامة المنطقة الآمنة، وتركيا هي القوة الوحيدة القادرة على ذلك". وفي انتقاد شديد اللهجة لمواقف بعض البلدان الأوروبية، زاد أردوغان: "ترون مساعي الدول الغربية لإنشاء حزام آمن"، وفق ما ذكرت "الحياة".

اقرأ أيضاً: تركيا ترحّل لاجئين سوريين لإثبات روايتها بمحاربة الإرهاب!
في المقابل، ترفض وحدات حماية الشعب الكردية، التي تسيطر على قسم كبير من الأراضي في شمال سوريا، وهي حليفة واشنطن، هذا الاقتراح.
وكان سيبان حمو، قائد وحدات حماية الشعب الكردية، أعلن الأربعاء الماضي في حديث إلى وكالة "رويترز" للأنباء، أنّ المحادثات مع الحكومة السورية بشأن مستقبل المنطقة الشمالية الشرقية ستبدأ في الأيام المقبلة، بعد رد فعل "إيجابي" من دمشق.
يشدد أردوغان على أن "تكون السيطرة الفعلية على المنطقة الآمنة بأيدٍ تركية"

هل يكون "اتفاق" أضنة بديلاً؟
لقد قدمت موسكو إلى أنقرة اقتراحاً بتفعيل "اتفاق أضنة" الذي يعود إلى العام 1998 ويسمح للجيش التركي بالتوغل شمال سوريا بعمق 5 كيلومترات، كي يكون تنفيذ هذا الاتفاق بديلاً من خطة بين أنقرة وواشنطن بإقامة "منطقة عازلة" بعمق 32 كيلومتراً.

قدمت موسكو لأنقرة اقتراحاً بتفعيل "اتفاق أضنة" الذي يعود لـ  1998 ويسمح للجيش التركي بالتوغل شمال سوريا بعمق 5 كيلومترات

وتقول صحيفة "الشرق الأوسط" في تقرير لها إنّ "اتفاق أضنة" أُنجز بين الحكومتين؛ التركية والسورية في تموز (يوليو) العام 1998 وأقرّ رسمياً بعد 3 أشهر، وجنّب أنقرة ودمشق حرباً كانت تركيا لوّحت بشنّها بعدما حشدت قواتها على الحدود السورية.
وتضيف الصحيفة أنّ موسكو ترمي، بحسب دبلوماسيين غربيين، من تنفيذ الاتفاق إلى دفع أنقرة ودمشق إلى تقديم 10 تنازلات متبادلة، بينها "إعطاء تركيا الحق بملاحقة حزب العمال الكردستاني لعمق 5 كيلومترات شمال سوريا" وتخلي دمشق عن أي مطالبة بلواء إسكندرون (إقليم هاتاي) الذي ضمّته تركيا في العام 1939 عبر الاعتراف بالحدود القائمة، إضافة إلى اعتبار "حزب العمال الكردستاني" التركي "تنظيماً إرهابياً".
ويتطلب تنفيذ اتفاق أضنة، تتابع "الشرق الأوسط"، اعتراف أنقرة بشرعية الحكومة السورية وتبادل فتح السفارات؛ لأن الاتفاق يتضمن كثيراً من الإجراءات، بينها تشكيل لجنة مشتركة وتشغيل خط ساخن بين أجهزة الأمن وتعيين ضابط ارتباط أمني في كل سفارة، إضافة إلى احتمال انتشار القوات السورية على الحدود التركية بضمانة الشرطة الروسية.
"اتفاق أضنة" أُنجز بين الحكومتين؛ التركية والسورية في تموز العام 1998

عريب الرنتاوي: ثلاث قناعات.. وترتيبات تركية غير مؤقنة
من جهته، يرى الكاتب الصحفي الأردني في صحيفة "الدستور" الأردنية، عريب الرنتاوي، أنّ ثمة قناعة راسخة تسود في أوساط عدد من المراقبين، عرباً وروساً وغربيين، بأن تركيا تتوعد لفظياً بإنهاء إرهاب "داعش"، فيما هي تقصد فعلياً إنهاء الحركة الكردية المسلحة (وحدات الحماية وقوات سوريا الديمقراطية).

موسكو ترمي، بحسب دبلوماسيين غربيين، من تنفيذ الاتفاق إلى دفع أنقرة ودمشق إلى تقديم 10 تنازلات متبادلة

ويضيف الرنتاوي: يعزز هؤلاء مواقفهم بالقول إنّ تركيا لم تخُضْ معركة كبرى واحدة ضد التنظيم الإرهابي، والأهم من كل هذا وذاك، أنّ أنقرة تعرف تمام المعرفة أنّ لهذا التنظيم من "الأعداء" ما يكفي لاستئصاله في نهاية المطاف، بخلاف الحال مع الحركة الكردية التي تتمتع بقدر وافر من "المشروعية" "والأصدقاء"، في كل من موسكو وواشنطن وبروكسيل وعدد آخر من عواصم الإقليم.
ويستطرد المحلل الأردني قائلاً: ثمة قناعة ثانية آخذة في التبلور في أوساط هؤلاء، بدءاً من جرابلس – إدلب مروراً بعفرين وجوارها، وانتهاء بمناطق شرق الفرات، ومؤدّاها أنّ الحزب الحاكم في تركيا الذي اعتاد أن يسبق كل انتخاب واستفتاء في الأعوام الأخيرة، بمعركة واسعة مع أكراد بلاده والجوار، إنما يتطلع لمعركة أخرى، يبدو بحاجة إليها لشد العصبين القومي والإسلامي للناخبين، عشية الانتخابات البلدية والمحلية في آذار (مارس) المقبل، التي سيخوضها منفرداً، بعد أن فكّت الحركة القومية عرى الشراكة مع الحزب الذي يحكم البلاد منذ العام 2002.

اقرأ أيضاً: الأكراد في سوريا.. ورقة ضغط بيد تركيا وساحة لتصفية الحسابات
أما القناعة الثالثة، برأي الرنتاوي، فمفادها أنّ تركيا تتخذ من "الكيان الكردي الإرهابي" الذي أدرجته على لوائحها السوداء، مدخلاً لـ "تأبيد" وجودٍ مستدام لها في مناطق شمال سوريا على اتساعها، باعتبارها "مجالاً حيوياً" لتركيا ونفوذها ودورها الإقليمي عبر البوابة السورية، حتى لا نقول، والكلام للرنتاوي، امتداداً لأطماع توسعية تاريخية، أو تعبيراً عن "عثمانية جديدة".
وينبّه الكاتب الأردني إلى أن التقارير عمّا يجري في مناطق عمليات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" لا تشي بأننا أمام ترتيبات تركية مؤقتة، هدفها إبعاد "الجماعات الإرهابية" لمسافة أمان عن حدودها... وحديث الرئيس التركي عن "جيش جديد" يمثل مختلف المكونات السورية في شمال – شرق سوريا، إنما يعني أن تركيا لن تسمح – طالما كان الأمر بيدها – للجيش السوري وللدولة السورية أن تمد نفوذها إلى شرق الفرات وأن تبسط سيطرتها عليها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية