هل تتسلل تركيا من بوابة تونس إلى المحيط المتوسطي والأفريقي؟

تونس

هل تتسلل تركيا من بوابة تونس إلى المحيط المتوسطي والأفريقي؟


12/01/2020

تنظر تركيا إلى الدول العربية كمناطق نفوذ مباشر لها، لا يجب أن تغامر بخسارة وجودها فيها، لذلك تتعامل معها بحذرٍ شديدٍ؛ إذ تعمل على تعزيز نفوذها فيها وإدامته بشتّى الطرق، وذلك عبر تقديم مساعداتٍ، أو إنشاء مشاريع مشتركة تضمن لها الحضور الدائم على أراضيها، وتُعدّ تونس من بين الدول التي تحظى باهتمامٍ تركيّ كبيرٍ، باعتبارها بوابة تركيا نحو أسواق أفريقيا.

اقرأ أيضاً: أحلام الخليفة أردوغان تمر عبر أقبية السجون وتكميم الأفواه
وقد وجدت تركيا في "الربيع العربي" فرصة مناسبة لتتوغّل في الدول العربية التي اجتاحتها موجة الثورات، من خلال دعم جماعات سياسية مقرّبة منها، لا سيما حركة النّهضة التونسية التي صعدت إلى سدّة الحكم، وسيطرت عليه منذ العام 2011.
وسعت حكومة أردوغان إلى توطيد علاقتها مع تونس، التي اتّسمت بفتورٍ طيلة عقودٍ من النظام السابق، وجعلتها تتنامى بنسق سريع، وعملت على استمالة التونسيين، عبر تقديم مساعدات مالية وعسكرية، وتحديد سبل التصرّف بتلك المساعدات، من خلال التأكيد على دعم القطاع الأمني والاستثمار في تونس.

اتفاقيات عسكرية تخدم التحوّل الإستراتيجي لتركيا
وأبرمت تركيا، منذ العام 2013، جملةً من الاتفاقيات العسكرية مع تونس، تهدف جميعها للدفع بها لدخول المحور العسكري الذي تصطف فيه إسطنبول مع حلفائها، بناءً على التقاطعات في التحالفات السياسية لقضايا الشرق الأوسط، لتعزيز حضورها المغاربي والعربي في منطقة شمال أفريقيا، التي أخذت قدراً كبيراً من الاهتمام والتنافس بين العديد من القوى الإقليمية، عبر تونس.

فيصل الشريف: تونس كانت البلد الأكثر مرونة في التعامل مع تركيا، نظراً إلى وجود جماعات الإسلام السياسي

أولى المعاملات بين البلدين بدأت بمنح تركيا تونس عربات ومعدات لإدارة الأمن التونسية، في آذار (مارس) 2013، إلى جانب تدريب وتأهيل مئات من عناصر الشرطة التونسية سواء من أجل مكافحة الإرهاب أو لتطوير مهامهم.
ولم تكن هذه الاتفاقية سوى خطوة أولى نحو تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وذلك عبر منح الدولتين الحقّ في إجراء دوراتٍ تدريبيةٍ مُشتركة، وتعزيز التعاون العسكري عن طريق تحول تركيا إلى مصدر رئيس للدفعات والمعدات العسكرية التي تستخدمها القوات التونسية.
كما وقّع، في نهاية عام 2017، وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي، اتفاقيةً للتعاون العسكري مع نظيره التركي، نور الدين جانيكلي، خلال استقبال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في قصر قرطاج بالعاصمة تونس.
هذا التعاون العسكري انتقل لاحقاً إلى مرحلة نوعية، عندما منحت تركيا الحكومة التونسية، تمويلاً بنحو 200 مليون دولار لدعم قطاع الأمن الذي واجه آنذاك تحديات كبيرة، تمثلت في التفجيرات الإرهابية التي راح ضحيتها مواطنون وعناصر أمن.

اقرأ أيضاً: هؤلاء هم مرتزقة أردوغان في ليبيا
وفي عام 2018؛ تُوّج هذا التعاون العسكري من خلال تحوّل تونس لمنصةٍ ترويجية للمعدات العسكرية، وذلك عبر تركيز وحدتين صناعيتين؛ الأولى لإنتاج الصدريات المضادة للرصاص، والثانية لصناعة المعدات، واللتين تتبعان شركة "نورول" التركية المختصة في الصناعات العسكرية.


هذا التعاون العسكري وصفه الأستاذ في التاريخ العسكري المعاصر، فيصل الشريف، بالمنظور الإستراتيجي العسكري المتكامل الذي انتهجته تركيا، بعد أن تمّ التضييق عليها أوروبياً، ويقوم هذا المنظور الإستراتيجي على التوجّه نحو فتح أبوابٍ جديدةٍ، على المحيط المتوسطي والأفريقي.

اقرأ أيضاً: عودة الحاميات العثمانية: أحلام التوسع تداعب أردوغان بعد قرن على السقوط
وأكّد الشريف أنّ تونس كانت البلد الأكثر مرونةً في التعامل مع تركيا، نظراً إلى مناخ الديمقراطية الذي ساد بعد الثورة، ووجود جماعات الإسلام السياسي التي تدعم التوجّه التركي، وتعوّل على المحور التركي-القطري لدعم سياساتها، لافتاً إلى أنّ المساعدات المقدّمة لم تكن مجانية، بل لإعداد مجالٍ حيوي غير أوروبا تستطيع التحرّك فيه.
ولفت الخبير العسكري إلى أنّ التعاون بين تركيا وتونس يعود إلى حقبة الخمسينيات بعد استقلال تونس، غير أنّه أخذ زخماً كبيراً بعد الثورة، وبعد التحوّل الإستراتيجي الذي اتخذته تركيا، وتوجّهها نحو المحيط العربي؛ حيث قامت بإلغاء التأشيرة على كافة الدول العربيّة، وعملت على تدريس اللغة التركية في أغلب هذه الدول.
غزو اقتصادي
وشيئاً فشيئاً، أصبحت تونس وجهةً للاستثمارات التّركية؛ إذ توجد بها حالياً 50 مؤسّسةً اقتصادّيةً تركيةً في مجالات متعددة، خصوصاً أنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يجد رضاً وقبولاً في أوساط الإسلاميين في تونس، الذين يرون في النموذج التركي مثالاً ناجحاً يجب تطبيقه والاقتداء به.

اقرأ أيضاً: أردوغان يفاقم أزمات المنطقة ويجدد في ليبيا صناعة الفوضى
وتعدّ اتفاقية التجارة الحرة التي تمّ توقيعها بين البلدين، عام 2004، من أكثر الاتفاقيات التي أساءت للاقتصاد التونسي؛ حيث كان هدفها إيجاد منطقة تجارةٍ حرّةٍ بين الطرفين، وامتازت بإعفائها جميع المنتجات الصناعية من الرسوم الجمركية بالكامل.

علي الزرمديني: لم يبقَ أمام تركيا سوى مطارَيْ جربة وجرجيس بالجنوب التونسي، لوضع يدها على ليبيا

هذه الاتفاقية فتحت الباب لاكتساح السلع التركية الأسواق التونسية، خلال فترة حكومة الترويكا (2011-2013)، التي قادتها حركة النهضة، لتجتاح مئات المنتجات التي تحمل علامة "صنع في تركيا"، البيوت التونسية، وهي أساساً مواد غذائية استهلاكية والملابس الجاهزة والأحذية، وكذلك أدوات التجهيز المنزلية والأدوات الكهربائية، ما تسبّب بإغلاق عشرات المصانع، بسبب عجزها عن منافسة السلع التركية والصينية بشكلٍ أساسي، والأوروبية بصفةٍ أقلّ.
وقد بلغ حجم المبادلات التجارية بين تونس وتركيا، عام 2018، ما يزيد عن المليار دولار، وفاق فيها العجز التجاري 750 مليون دولار، وقد أقرّت الحكومة التونسية، في موازنة عام 2018، فرض رسومٍ جمركية على عددٍ من المنتجات التركية، في محاولةٍ لتعديل العجز في الميزان التجاري، إلا أنّ هذه الإجراءات لم تتمكن من خفض نسبة العجز المتزايدة.


يأتي ذلك في وقتٍ يعاني فيه الاقتصاد التونسي ارتفاعاً كبيراً للدين الخارجي وانهياراً في قيمة الدينار، في ظلّ عدم نجاح جهود إعادة دفع الاستثمار وتحقيق انطلاقةٍ اقتصاديةٍ جديدة، وفق ما أشار إليه الخبير الاقتصادي صادق جبنون.

اقرأ أيضاً: أردوغان و"العثمانية الجديدة".. كيف أخفق المشروع التركي في الإقليم؟
ولفت جبنون، في تصريحه لـ "حفريات"، إلى أنّ اتفاقية التبادل الحر، التي تمّ توقيعها في 2004، ولم تُفعّل إلا بعد عام 2011، بتغيّر نظام الحكم التونسي، وفوز الإسلاميين، تسبّبت في جعل المبادلات التجارية لصالح تركيا على حساب تونس، بسبب عدم تكافؤ القيم المضافة؛ لأنّ تركيا بلدٌ صناعي ناشئ يصدّر سنوياً 268 مليار دولار، في حين أنّ تونس لا تتمتع بالنسيج الصناعي نفسه، ولا بجودة المنتجات نفسها.
ورأى أنّ رفع القيود الجمركية عن المنتجات التركية جعلها تكتسح السوق المحليّة التونسية، وضعف الصادرات التونسية إلى تركيا، وقلّة الشركات التركية في تونس، تسبّب في عجز الميزان التجاري التونسي.
أبعادٌ أمنيةٌ
ويذهب مراقبون إلى القول إنّ تركيا تسعى من وراء هذا التعاون في المجال الاقتصادي والعسكري، إلى تحويل تونس إلى بوابةٍ للتسلل من خلالها إلى أفريقيا، وإحكام السيطرة التركية على مراكز النفوذ في المنطقة.

إبراهيم حدّاد: الوضع الجيواستراتيجي تغيّر وتركيا تسعى لوضع يدها على ثروات الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا من ليبيا عبر تونس

من جانبه، يرى الخبير الأمني، علي الزرمديني، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ تركيا باتت مقيّدةً أمام الحصار البحري الذي تفرضه عليها مصر، والحصار الجوي الذي تفرضه ليبيا، كما أنّها خسرت السودان مؤخّراً، ولم يبقَ أمامها سوى مطارَيْ جربة وجرجيس بالجنوب التونسي، لوضع يدها على ليبيا، ومنها السيطرة على المنطقة ككل.
ولفت علي الزرمديني إلى أنّ اتفاقيات التعاون التي أبرمتها تركيا مع تونس، تقتصر على تبادل الخبرات، والتكوين والتدريب، ولا يمكنها استغلالها في غاياتٍ أخرى إلا بوجود إرادةٍ سياسيةٍ وشعبيةٍ، تسمح لها باستغلال موقع تونس الإستراتيجي لتبسط نفوذها على شمال أفريقيا، وباقي دول المنطقة الغنيّة بالثروات الطبيعية.
في المقابل، يعتقد الخبير العسكري، إبراهيم حدّاد، أنّ تركيا بلدٌ مصنّعٌ وأنّ الاتّفاقيات التي عقدتها مع تونس، كانت بغاياتٍ اقتصاديةٍ من أجل بيع منتجاتها، على النطاق الدولي، مشيراً إلى أنّها تسعى اليوم إلى تضييق الخناق على أوروبا، التي تتمتّع بثروات الشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً: أردوغان بين الانتهازية وأحلام التاريخ
ويقول حدّاد لـ "حفريات": إنّ الوضع الجيواستراتيجي تغيّر، وتركيا تسعى لوضع يدها على ثروات الشرق الأوسط، وتمتدّ إلى شمال أفريقيا، من ليبيا عبر تونس، التي تعدّ بوّابة المنطقة، نظراً إلى موقعها العام، وكذلك لاعتبار المساعدات المالية والعسكرية التي قدمتها لتونس، بعد عام 2011، بصعود حركة النّهضة إلى الحكم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية