هل تتناول العقاقير الذكية؟

هل تتناول العقاقير الذكية؟


18/09/2018

يقبل الناس أكثر، يوماً بعد يوم، على تناول العقاقير لتحسين أدائهم في العمل، فهل فعلاً لهذه العقاقير فاعلية في تحسين القدرات الإدراكية؟

أيقن الأديب الفرنسي، أونوريه دي بلزاك، أنّ القهوة تحسّن قدرات الدماغ، ويقال إنّه كان يستهلك أحيانا 50 كوباً من مشروبه المفضل في يوم واحد!

ظلّ الكافيين المعتاد على مدى قرون المنبه الوحيد الذي يستعين به العاملون على إنجاز الأعمال الشاقة اليومية

وقد وصل به الأمر إلى تناول مسحوق القهوة المطحونة بالملعقة، ولاحظ أنّ تأثيرها كان مضاعفاً على معدة خاوية، ويقول بلزاك: إنه "بعد ملعقة واحدة من القهوة الخام، تتقاطر الأفكار على ذهني كتقاطر الفرق العسكرية من الجيش الجرار على ميدان المعركة، ثم تدور رحى الحرب".

وكما جاء في تقرير نشره موقع "بي بي سي" للكاتبة زاريا غورفيت؛ فإنّ القهوة ربما تكون قد ساهمت بالفعل في زيادة قدرة بلزاك على الإنتاج؛ فقد ترك بلزاك إرثاً أدبياً ضخماً، يضمّ نحو 100 رواية وقصة قصيرة ومسرحية، لكنّه توفَّي إثر إصابته بأزمة قلبية عن عمر يناهز 51 عاماً.

وظلّ "الكافيين" المعتاد، على مدى قرون، وبلا منازع، المنبه الوحيد الذي يستعين به العاملون على إنجاز الأعمال الشاقة اليومية.

ثمّ زاد الإقبال على بعض العقاقير التي تحسّن الوظائف الإدراكية، المعروفة باسم "العقاقير الذكية"؛ حيث خلص استطلاع حديث للرأي شمل عشرات الآلاف من الأشخاص، إلى أنّ 30% من الأمريكيين المشاركين في الاستطلاع تناولوا هذه الأدوية العام السابق.

ولعلنا قد نركب الموجة في وقت قريب، فمن السهل أن تغرينا النتائج على استخدام هذه العقاقير.

هل تحسّن العقاقير القدرات الإدراكية؟

معظم من يتناولون المنشطات الذهنية، وفق التقرير ذاته، يشيدون بنتائجها المبهرة في تحسين الأداء، رغم أنّ فوائد هذه الأدوية لوظائف الدماغ قليلة أو غير مثبتة علمياً.

وأوّل دواء استخدم لتحسين القدرات الإدراكية؛ هو عقار "بيراسيتام"، الذي اكتشفه العالم الروماني، كونيليو غويرغيا، في مطلع الستينيات، أثناء بحثه عن مادة كيميائية تتغلغل في الدماغ لتجعل الناس يشعرون بالنعاس.

معظم من يتناول هذه الأدوية لا يرغبون في تحسين قدراتهم العقلية بقدر ما يرغبون في زيادة النشاط وشحذ الهمة

لكن بعد نحو شهر واحد من تناول هذا العقار، اكتشف المرضى أن ذاكرتهم تحسّنت، وما لبث غويرغيا أن أدرك أنّ عقاره أعطى نتيجة عكسية، فصاغ مصطلح "منشطات الذهن" لتأثير الدواء على وظائف الدماغ.

واليوم، أصبح "بيراسيتام" العقار المفضّل للطلاب والموظفين الشباب الباحثين عن وسائل لتحسين أدائهم، بحسب الــ "بي بي سي".

وفي المملكة المتحدة؛ لا يُصرف هذا العقار إلا بوصفة طبية، وفي الولايات المتحدة لم تعتمد هيئة الغذاء والدواء الأمريكية هذا العقار للاستخدام الطبّي، ولا يجوز بيعه كمكمل غذائي أيضاً.

يقول دينتون، وهو صاحب العديد من المشروعات في ولاية تكساس، ومؤسس موقع "نوتروبيديا" عن تجربته مع تناول "فينيل بيراسيتام"؛ وهو منشط ذهني فعّال من مجموعة "راسيتام"، طوّره الاتحاد السوفيتي: "عندما أتناول هذا العقار، أشعر أنّني طلق اللسان في بعض الموضوعات، ولهذا أسجل الكثير من المقاطع الصوتية في الأيام التي أتناول فيها هذه الأقراص".

هل هذه العقاقير مفيدة للدماغ؟
بعض الأدلة أثبتت أنّ تناول كميات إضافية من "الكرياتين"، المكمّل الغذائي لبناء العضلات، قد يزيد نسبة الذكاء ويقوي الذاكرة العاملة.
ولم تكتشف فوائد "الكرياتين" في تقوية القدرات العقلية والمعرفية إلا مؤخراً؛ رغم أنّ لاعبي رياضة "كمال الأجسام" يعتمدون عليه منذ عقود لبناء العضلات؛ ففي الولايات المتحدة تدرّ صناعة المكملات الغذائية الرياضية، التي يحتوي أغلبها "الكرياتين"، مليارات عديدة من الدولارات.

ويقول أندرو هيوبرمان، عالم أعصاب بجامعة "ستانفورد": "أعتقد أنّ أحداً لا ينكر أنّ بعض الأدوية لها تأثير ملحوظ على الأداء".

أما "المنشطات"؛ فهي فئة من العقاقير لفتت اهتمام العلماء والراغبين في تغيير صفاتهم البيولوجية وقدراتهم الجسدية.

المنبهات مثل أديرال وريتالين، تزيد القدرة على أداء المهام المجهدة ذهنياً سيما إن كانت هذه المهام مجزية

ويعدّ "الأمفيتامين" و"ميثيل فينيدات" من أوسع منبهات الجهاز العصبي المركزي انتشاراً، ويباع كلاً المنبهين تحت الاسم التجاري "أديرال" و"ريتالين"، ولا يُصرفا إلّا بوصفة طبية.

وقد أجيز استخدام المنبّهيْن في الولايات المتحدة، لعلاج اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة، لكنّ معدلات انتشار تعاطي هذه المنبهات ارتفعت في الوقت الحالي بين الموظفين الباحثين عن طرق لتحسين قدرتهم على التركيز، في ظلّ زيادة التنافس في بيئات العمل.

وقد تعاطى بول إيرديش، عالم الرياضيات المجري، "الأمفيتامين" بكثرة، ليبقى ذهنه متقداً على مدار 19 ساعة متصلة، لصياغة النظريات الرياضية، كما استعان بها الكاتب غراهام غرين لكتابة كتابين في آن واحد.

ونشرت مؤخراً مقالات عديدة في بعض المجلات تكشف مدى انتشار تناول "الأمفيتامينات" في بعض المجالات، مثل الصحافة والأدب والقطاع المالي.

ويشيد كلّ من يتناول هذه المنبهات بنتائجها المدهشة، رغم أن مفعولها ليس كما نتوقع؛ ففي العام 2015، خلص استعراض للأدلة إلى أن تأثير هذه المنبهات على الذكاء كان "متواضعاً"؛ لأن معظم من يتناول هذه الأدوية لا يرغبون في تحسين قدراته العقلية بقدر ما يرغبون في زيادة النشاط وشحذ الهمة، لبذل المزيد من الجهد في العمل، مع العلم أنّ لكلا العقارين مخاطر وآثاراً جانبية.

وخلصت دراسة إلى أنّ "المنبهات، مثل أديرال وريتالين، تزيد القدرة على أداء المهام المجهدة ذهنياً، سيما إن كانت هذه المهام مجزية".

ويقول جيفري وو، رئيس مجلس إدارة شركة "اتش في إم إن" للمنتجات الغذائية، التي تنتج مكملات غذائية لتحسين وظائف الدماغ: "يبدو أن عدد الموظفين الذين يتناولون المنشطات الذهنية قد زاد في وادي السيليكون، وول ستريت، فهؤلاء الموظفون هم أشبه بالرياضيين المحترفين الذين يتناولون المنشطات الذهنية لتحسين فرصهم في مضمار التنافس".

لهذه العقاقير عيوب أيضاً

لكن، لهذه المنبهات آثار خطيرة أيضاً؛ فالتركيب الكيميائي لـ "الأمفيتامين" يشبه تركيب "الميثافيتامين البلوري"، أو "كريستال ميث"، وهو أحد أنواع المخدرات القوية التي يؤدي تعاطيها للإدمان، وقد دمر "الميثافيتامين" حياة عدد لا يحصى من مدمنيه، وقد يؤدي إلى الموت.

وبالنظر إلى عيوب هذه العقاقير؛ يقول هيوبرمان: "من المهم أن نتساءل عن مدى خطورة هذه المنبهات على المدى القصير، لكن هناك سؤالاً آخر يجب أن يؤخذ في الاعتبار، وهو كيف ستشعر في اليوم اللاحق؟ ربما سيكون تركيزك حاداً لمدة 4 ساعات أو 12 ساعة على الأكثر، لكنّه سرعان ما سيهبط إلى أدنى مستوى على مدار 24 أو 48 ساعة".

بدائل أقلّ خطورة

ثمّة بدائل أقلّ خطورة لمنبهات الجهاز العصبي المركزي التي لا تصرف إلا بوصفة طيبة، ويمكن شراؤها من أيّة مقهى أو متجر للبيع بالتجزئة تقريباً، مثل "الكافيين".

أما "النيكوتين"؛ فهو بديل آخر للمنبهات؛ إذ اكتشف علماء أنّه يقوّي الذاكرة، ويساعد الناس على التركيز أثناء أداء بعض المهام، رغم أنّ مخاطره وآثاره الجانبية لا تخفى على أحد.

ويمكن مضغ علكة "نيكوريت"، التي تحتوي على "النيكوتين"، بديلاً للسجائر.

إذاً؛ اتضح أنّ معظمنا يتناول بالفعل منشطات الذهن يومياً؛ إذ تتسلل إلى عقولنا عندما نحتسي كوب القهوة في الصباح.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية