هل تخلّصت التيارات السلفية في مصر من عقدة اختلاط الدعوي بالسياسي؟

السلفية

هل تخلّصت التيارات السلفية في مصر من عقدة اختلاط الدعوي بالسياسي؟


12/03/2019

تنضم إلى الفضاء السلفي في مصر عدة تيارات متنوعة، برزت بصورة قوية، ومؤثرة، إبان ما عرف بـ "ثورات الربيع العربي"، حيث شكلت، للمرة الأولى، متغيراً  جديداً على مستوى عملها ورؤيتها، بعد صعودها إلى المنابر السياسية، وخلط الدعوي بالسياسي، الذي لطالما كانت ترفضه وتنبذه، وتعمد إلى "تحريمه"، وتأثيم المشاركة السياسية للمنتمين لهم، حسبما تقر مرجعياتهم الفقهية، التي ترفض السياسة "غير الشرعية"، والتي تقوم على مبادئ الدستور والقانون، وقيم الديمقراطية.
السلفية العلمية مدرسة كبيرة، تنتمي إليها المدرسة السلفية بالإسكندرية

التيارات السلفية في مصر بين الانحسار والتمدد
تعد السلفية العلمية مدرسة كبيرة، تنتمي إليها المدرسة السلفية بالإسكندرية، ويبرز فيها اسم الشيخ ياسر برهامي، وبعض الدعاة المعروفين؛ كأبي إسحق الحويني، ومحمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، ويعتبر الشيخ الألباني المرجعية الأولى لهم.

اقرأ أيضاً: تنامي أعداد السلفيين في ألمانيا.. وشمال الراين "معقلهم"
وتعد القضية الرئيسة في فكر ودعوة الألباني، هي التوحيد وتحقيقه قبل الحلم بتأسيس الدولة "الإسلامية"، والتشديد على عدم خوض غمار السياسة، ومخالفة كل الجماعات الإسلامية التي تهدف إلى ذلك، كإستراتيجية في نشاطها الدعوي، ومن ثم عدم استعجال النتائج كحال التيارات السلفية الجهادية؛ لأنّ صلاح الأمة لدى الألباني يسبق صلاح الدولة.

إحدى الإشكاليات المثارة لدى التيار السلفي عقب الربيع العربي هي آلية انضباطهم السياسي من دون تقديم تنازلات عقائدية

ويتوافق طرح الألباني مع منهج "التربية والتصفية"، الذي يعنى بـ "إعداد مسلم تخلو نفسه من البدع والضلال وتنقية تراث الإسلام من الفلسفات والإسرائيليات التي انحرفت به عن أصوله النقية". وكذا، الخرافات والأحاديث غير الصحيحة، والتي قد تكون موضوعة، وإعداد جيل مسلم يملك الحل الذي برأيه يتلخص في "العودة الصحيحة للإسلام، بالمفهوم الصحيح الذي كان عليه الرسول عليه السلام وصحابته رضي الله عنهم".
بيْد أنّ السلفية المدخلية، فهي سلفية تنسب إلى الشيخ الحبشي، محمد أمان الله الجامي، الذي كان يدرس في المسجد النبوي، وعاش في المملكة العربية السعودية، حيث كان يعمل مدرساً، ثم أستاذاً بجامعة المدينة المنورة، خلف فيها تياره المعروف نسبة إلى اسمه "الجامية".

اقرأ أيضاً: كيف خرجت السلفية من رحم الإصلاح الديني؟
ومن بين الأسماء التي التحقت بالجامية أو المدخلية في مصر؛ الشيخ سعيد رسلان، ومحمود عامر، وأسامة القوصي، وفي مقدمة مبادئها التي تثير عليها انتقادات عدة، خاصة، مع صعود أحداث الثورة وما تلاها، في كانون الثاني (يناير) 2011، رفضها الخروج على الحاكم، أي حاكم، والطاعة التامة لولي الأمر.
وأثار تيار المدخلية موقفاً مثيراً، العام 2010، بإصداره فتوى تهدر دم الدكتور محمد البرادعي، بدعوى أنّه "يثير الفتن ويدعو الشعب إلى العصيان"، وذلك أثناء تأسيسه لـ"الجمعية الوطنية للتغيير"، التي قادت حراكاً ضد الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك.

اقرأ أيضاً: لماذا يصرّ السلفيون على هدم أبو الهول والأهرامات؟
قبل "الربيع العربي"، لم يسجل التاريخ مشاركة سياسية للسلفيين، أو الحراك الاجتماعي، الذي بدأ ينشط منذ العام 2004، فلم تشارك في وقفات احتجاجية؛ كالتي حصلت ضد الغزو الأنغلو أمريكي، العام 2003، أو في أحداث العدوان الإسرائيلي على غزة، العام 2005، وفي لبنان، العام 2006، كما لم تشارك في تدشين كيانات سياسية، كحال جماعة الإخوان المسلمين.
السلفيون.. قلق في المستقبل
إحدى الإشكاليات المثارة لدى التيار السلفي عقب "الربيع العربي"، بعد مشاركتهم في الحياة السياسية، هي آلية انضباطهم السياسي، من دون تقديم تنازلات منهجية وعقائدية، تتصادم وثوابت الدين كما تقررها أدبياتهم، بحيث تظل الأولوية لديهم هي تربية الناس على عقيدة صحيحة. ومن بين الأمور التي خدشت ضمائرهم؛ كانت انشغال "الشيوخ" بالقضايا السياسية عن الدعوة الدينية، وهو ما أثار انتقاد، الشيخ إسماعيل المقدم، أحد قيادات الدعوة السلفية، والذي أكد أنّ "الدور الحقيقي لأئمة الدعوة السلفية هو الدعوة للدين ونشر المفاهيم الصحيحة في العبادات والمعاملات الدينية".

اقرأ أيضاً: لماذا انتهى الوجود السلفي في مصر؟ عزيزي الإعلامي اخرج من مكتبك
وقال في جملة مقتضبة، في أحد تصريحاته الإعلامية التي نشرها موقع "أنا السلفي"، إحدى المنصات التابعة للتيار السلفي: "إذا كنا محصورين بين خيارين إما حراسة الدين أو خوض السياسة، فلن نقبل إلا خياراً واحداً".
وفي سياق هذه التيارات، دشن مجلس شورى العلماء كأحد الأضلاع الرئيسية، المكونة لخريطة التيارات السلفية في مصر، إبان ثورة يناير، ومن أبرز المؤسسين؛ الشيخ محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، وعبد الله شاكر، وقام المجلس بتأسيس هذا الكيان للدفاع عن الدعوة، والإعلان عن رغبتهم في رفض العمل السياسي المباشر، وقطع المجلس على كافة أعضائه بالانخراط في العمل السياسي، أو الترشح للانتخابات، بالإضافة إلى الانضمام لأي من الأحزاب السياسية، بوجه عام، وحتى ذات التوجه السلفي منها، وأن يقتصر دورهم على توعية الناس بأمور دينهم، ولا تشغلهم السياسة عن الدعوة.

اقرأ أيضاً: كيف وظفت السلفية الجهادية مفهوم الطاغوت في القرآن الكريم؟
لكن الجبهة السلفية التي تأسست هي الأخرى، بعد ثورة يناير، وضمت مجموعة واسعة من الجماعات السلفية، التي تتفق على ضرورة العمل السياسي، انحازت للنشاط الحزبي، عبر الاستفادة من الانفراجة السياسية التي تشكلت في ذلك التوقيت، واعتمدت في رؤيتها على أن تتقاسم مع مختلف التيارات الإسلامية، نشاطها في الفضاء المجتمعي المفتوح، وألا يحتكر الإخوان تلك المساحات وحدهم وينفردوا بها، ومن ثم يلعب السلفيون دوراً مؤثراً.
 حزب النور السلفي

الميلاد السياسي للسلفيين
تعد الجبهة السلفية بوابة المرور، التي دلفت منها التيارات السلفية إلى السياسة، والمشاركة في فعالياتها، من خلال الثورة، بعد أن كان السائد من آراء داخلها في حينها؛ هو تحريم المشاركة في المظاهرات، التي تمت الدعوة إليها، ناهيك، عن فتاوى تحريم الاشتغال بالسياسة، بوجه عام، والتي ظل يتعمد بها السلفيون، طوال الوقت، وفق قاعدة "درء المفاسد".

اقرأ أيضاً: شيوخ السلفية.. سلطة الماضي على الحاضر
بيْد أنّ بيان التأسيس لها، والذي صدر على المنصات السلفية، وخرج بعنوان: "كلمة حق"، حمل مضمونه أدلة شرعية لجواز المشاركة في المظاهرات التي عمت البلاد آنذاك.
دخلت الجبهة السلفية على خط المواجهة مع الأقباط، في ظل الأزمات والتوترات الطائفية، التي حدثت بعد الثورة، مثل حادث ماسبيرو؛ حيث عمدت الجبهة إلى تأليب وتحريض المؤسسة العسكرية التي كانت تدير المرحلة الانتقالية، وقتذاك، ضد الأقباط، ووصفت المتظاهرين بلغة أقلوية، في بيان رسمي لها وصفتهم بـ"قلة متطرفة"، وطالبت بالتصدي لهم بحسم والثأر منهم لدماء جنود الجيش والشرطة، الذين أصيبوا في الأحداث، وطورت صيغة الخطاب لمنحى آخر عبر مواجهة مباشرة، حصرتها في صراع ديني إسلامي مسيحي، واعتبرت الأحداث وقتها "استفزازاً مستمراً لجموع المسلمين الغفيرة".

اقرأ أيضاً: السلفيّة قد تكون علمانيّة أيضاً
تعد الحركة السلفية المصرية من أجل الإصلاح "حفص"، أول الحركات السياسية السلفية، التي أعلنت عن ظهورها في العام 2010؛ أي قبل اندلاع "الربيع العربي"، في القاهرة بعام، وقام بتأسيسها رضا أحمد صمدي، تايلاندي الجنسية، وقد كان من بين المنتمين للمدرسة السلفية بالإسكندرية، حيث جاء إلى مصر، العام 1986، وحصل على بكالوريوس الشريعة والقانون، جامعة الأزهر. لكنّ الأجهزة الأمنية في مصر، رصدت نشاطه الدعوي والتحريضي داخل الأزهر، العام 1995، ومن ثم، قامت بطرده فأكمل تعليمه في المغرب، في جامعة القرويين، واستقر في بانكوك.
معركة لم تحسم بعد
وبعد الثورة، أكدت "حفص" أنّها لن تشارك في العملية السياسية، لكنها ستتناول الشأن السياسي، من دون الانخراط في المعارك الانتخابية. فيما أكدت أنّها سوف "تمثل الخط العلمي والدعوي الإسلامي، الذي يؤيد أي تحرك سياسي أو عسكري يمهد لتحقيق أهداف الحركة مع المحافظة على الثوابت الشرعية". وقدموا وقتذاك خطة لمشاركة السلفيين في العملية السياسية، من خلال العمل الشعبي والخدمي والدخول في الانتخابات المحلية والنقابية والعمالية، بدلاً من الانتخابات البرلمانية والرئاسية؛ لأنّ الأولى هي التي بمقدورها أن توفر لهم قاعدة شعبية وجماهيرية، فضلاً عن المعرفة المباشرة بالقضايا التي تمس المواطنين والمساهمة في حلها، والاحتكاك المباشر بالجماهير والتعريف ببرامجهم.

دخلت الجبهة السلفية على خط المواجهة مع الأقباط في ظل الأزمات والتوترات الطائفية التي حدثت بعد الثورة

لم تنل "حفص" القبول من الدعوة السلفية بالإسكندرية، منذ بيان تأسيسها الأول وإعلانها خوض العمل السياسي، وتبنى الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، موقفاً رافضاً لهم، في ما يتصل بطرحهم السياسي، حيث كان يرفض تسييس الدعوة السلفية، ويلح على رفض الدعوة إلى العمل السياسي.
كما أعلن برهامي عدم معرفته بأفراد الحركة، وحصر علمه فقط بشخص المؤسس الذي يعتبره من "الأخوة القدامى"، بحسب تعبيره، والذي كان ينشط معهم في الدعوة قبل سفره إلى تايلاند، منذ خمسة عشر عاماً، واستطرد في حديث له باقتضاب على موقع "أنا السلفي": "نحن نحب الشيخ رضا (يقصد رضا الصمدي) لكن نختلف معه كثيراً".

اقرأ أيضاً: المرأة في المِخيَال السلفي... قطعة لحم على خشبة الجزّار!
ويشير الباحث الفرنسي في شؤون الحركات الإسلامية، ستيفان لاكروا، في بحثه المنشور عبر مركز "كارنيغي"، إلى أنّ ثورة 25 كانون الثاني (يناير) العام 2011، ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك، جعلت الدعوة السلفية في حالة إرباك وتردد شديدين؛ فالشيوخ لم يعتقدوا البتة بأنّ التغيير يمكن أن يولد من رحم السياسة، ولذا نددوا بالحدث، في البداية، بوصفه فتنة، وحثوا أتباعهم على عدم الانخراط في الاحتجاجات، والحال أنّ الدعوة لم تلتحق بمطالب التغيير إلا قبل أيام قليلة من سقوط مبارك.
 الشيخ ياسر برهامي

احتكار الفضاء الديني
وكما حدث مع جماعة الإخوان، التي تعرضت قيادتها إلى انتقادات داخلية؛ بسبب عدم اقتناعها بالثورة في أول أيامها، شهدت الدعوة انتقادات داخلية مماثلة؛ وكان من بين الذين وجهوا تلك الانتقادات، كما يشير لاكروا، الدكتور عماد عبد الغفور، وهو طبيب لعب دوراً حاسماً في تأسيس الدعوة السلفية، في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وبعد أيام قليلة من تنحية مبارك، قرر عبد الغفور الذي أكد بأنه كان من أوائل الداعمين للثورة، أنّ في الأفق حقبة ثورية جديدة، ما يحتم على السلفيين أن يكون لديهم حزبهم السياسي الخاص، كي يكون لهم دور في عملية الانتقال، وبالتالي، دأب على مقابلة الشيوخ الواحد تلو الآخر، وأقنعهم في نهاية المطاف بالسماح بتشكيل حزب النور السلفي.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن البلامسة أو سلفية المسيحيين؟
ويلفت البحث الفرنسي، إلى أنّ أكبر المفاجآت في حقبة مابعد الثورة، في مصر، لم يكن الفوز الانتخابي لجماعة الإخوان المسلمين، فهذا ماتوقعه الكثيرون، إنما بروز حزب النور السلفي، الذي تأسس في حزيران (يونيو) العام2011، كمنافس قوي للإخوان، كثاني أكبر حزب في البرلمان.
ويضيف: "صحيح أنّ الشيوخ السلفيين الذين يقفون وراء الحزب، ينتمون إلى جماعة دينية تدعى الدعوة السلفية، لها مواقف دينية شديدة ضد الجماعات، غير السلفية، على غرار الصوفيين والشيعة أو المسيحيين، كذلك الأحزاب السياسية المنافسة لهم، بما في ذلك الليبراليون والإخوان، إلا أنّ الحزب طور موقفاً غاية في البراغماتية إزاء العمل السياسي؛ حيث تحالف مع مجموعات وأحزاب لا تشاطره الأيديولوجيا الدينية".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية