هل تدقّ استقالة عشراوي جدران الخزان الفلسطيني؟

هل تدقّ استقالة عشراوي جدران الخزان الفلسطيني؟


15/12/2020

شهدت السّاحة الفلسطينيّة حالة من الجدل، عقب تسريب خبر عن تقدّم عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، بالاستقالة من منصبها، إلى الرئيس محمود عباس. وحمل التسريب أسباباً عدّة للاستقالة، ما دفع عشراوي إلى نشر فيديو لتوضيح موقفها.

وسرّعت حالة الجدل صدور قرار الرئيس عباس بقبول الاستقالة الخطية، في التاسع من الشهر الجاري.

 وكانت عشراوي استنكرت، في تسجيل مصوّر نشره المكتب الإعلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الآراء التي وصفت الاستقالة بأنّها جاءت رداً على رفض طلبها بتعيينها في منصب أمين سرّ اللّجنة التنفيذيّة، خلفاً للراحل صائب عريقات.

استقالة عشراوي

وقالت عشراوي إنّها أعلمت عباس شفهياً برغبتها في الاستقالة، في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ثم تقدّمت بالاستقالة الخطّية بعدها بيومين.

أعضاء اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، برئاسة الرئيس عباس

وأوضحت أنّها اتفقت مع الرئيس عباس أنّ تدخل الاستقالة حيّز التنفيذ نهاية العام الجاري، لإتاحة الفرصة للقيام بالخطوات الرسمية المطلوبة بالتنسيق الكامل مع الرئيس.

وقالت: "تعهّدت في هذا اللقاء بأن لا أقوم بالإعلان عن الاستقالة، أو مناقشتها، إلى حين انتهاء الإجراءات بالتوافق، لكن، وللأسف الشديد، تمّ تسريب خبر الاستقالة بشكل غير مهنيّ، تضمّن مغالطات وافتراءات، من قبل مصادر قيل إنّها "رفيعة المستوى"، ممّا خلق جوّاً من الشكّ والبلبلة".

حنان عشراوي: آن الأوان لإجراء الإصلاحات المطلوبة، وتفعيل منظمة التحرير، وإعادة الاعتبار لصلاحياتها ومهامها، واحترام تفويض اللجنة التنفيذية التي تعاني من التهميش".

وحول التشكيك في دوافع استقالتها، قالت: "وفي هذا الصدد، أكرّر أنّني لم أطلب يوماً منصباً أو امتيازاً، وأنّ انتمائي وهدفي الوحيد هو خدمة هذا الشعب والوطن والقضية، بكلّ صدق وإخلاص وأخلاق، وأنّني، كما تعهّدت في كتاب استقالتي، سأستمر في القيام بواجبي تجاه شعبنا وقضيتنا الوطنية العادلة، خارج الأطر الرسمية".

وتابعت عشراوي حول أسباب الاستقالة: "لقد آن الأوان لإجراء الإصلاحات المطلوبة، وتفعيل منظمة التحرير، وإعادة الاعتبار لصلاحياتها ومهامها، واحترام تفويض اللجنة التنفيذية التي تعاني من التهميش، وعدم المشاركة في صنع القرار، ولا بدّ من تداول السلطة ديمقراطياً، عن طريق الانتخابات، فالنظام السياسي الفلسطيني في حاجة إلى تجديد مكوّناته ومشاركة الشباب، من النساء والرجال، والكفاءات في مواقع صنع القرار، والأمانة تتطلب أن يتحمّل كلّ شخص مسؤولياته، ويقوم بمهامه بالكامل بكل إخلاص، بما في ذلك إتاحة المجال للتغيير المنشود".

اقرأ أيضاً: لماذا تهدد إسرائيل بقطع رواتب الأسرى الفلسطينيين؟

وتأكيداً على حديث عشراوي، نشر قسم الدبلوماسيّة والسياسة العامة، في منظمة التحرير الفلسطينية، نصّ استقالة عشراوي، المقدم إلى الرئيس أبو مازن، بتاريخ 26 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

دعوة للإصلاح أم طموحات شخصيّة؟

ويشكّك كتّاب فلسطينيّون في المبررات التي أعلنتها عشراوي كسبب للاستقالة، ويرون أنّها كانت تطمح في الحلول مكان الراحل صائب عريقات، في منصب أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التّحرير.

وتساءل الكاتب محمد خروب، في مقال نشرته صحيفة "الرأي" الأردنية، عن صدق حديث عشراوي، خاصّة أنّ استقالتها لم تأتِ رداً على حدث سياسيّ أو شخصيّ، وقال: "كانت اللجنة التنفيذية تُعاني الإهمال والتهميش والإقصاء، منذ نحو ثلاثة عقود، خاصة منذ تشكيل أول حكومة للسلطة بعد اتفاق أوسلو، عام 1994، ولم يتوقّف قطار التهميش والإقصاء مُذّ ذاك".

اقرأ أيضاً: محللون فلسطينيون يكشفون لـ"حفريات" دوافع عودة التنسيق الأمني مع إسرائيل

ويضيف خروب: "هل اكتشفت (عشراوي) ذلك الآن، وبعد 11 عاماً من عضويّتها في التنفيذية، وقبله، عندما كانت وزيرة للتعليم العالي؟! ناهيك عن أنّ تداول السلطة تجمّد طويلاً، وكانت لمّا تزال في مَوقع المسؤولية بهذه الدرجة أو تلك؛ ألا يدعو ذلك للتساؤل عن سرّ صَحوتها الآن؟".

وتعليقاً على استقالة عشراوي، يقول القياديّ بحركة فتح، د. أسامة الفرا: "منذ القمة العربية في الرباط، عام ١٩٧٤، التي أقرّت بأنّ منظمة التحرير هي الممثل الشرعيّ والوحيد للشعب الفلسطيني، في شتى أماكن تواجده، شكلت المنظمة البيت المعنوي للشعب الفلسطيني، وانخرطت في مؤسساتها كافة القوى الفلسطينية، ورغم تمسّك الكلّ الفلسطينيّ بضرورة الحفاظ على منظمة التحرير، وتدعيم عملها، إلا أنّ الجميع متفق على ضرورة تفعيل منظمة التحرير، لا سيما مع التراجع الوظيفي للمنظمة لصالح السلطة الوطنية".

القيادي بحركة فتح، د. أسامة الفرا

ويتابع الفرا، في حديثه لـ "حفريات": "تفعيل المنظمة يتطلّب بالأساس تجديد شرعيات مؤسساتها، لا سيما ما يتعلّق بالمجلس الوطني، والمجلس المركزي، واللجنة التنفيذية، عبر إجراء انتخابات يشارك فيها الكلّ الفلسطينيّ، في شتى أماكن تواجده، أينما تسمح الأمور بذلك، أو التوافق على تمثيل التجمعات الفلسطينية في الشتات، التي يتعذر فيها إجراء الانتخابات، خاصةً أنّ بقاء الحال على ما هو عليه نتج عنه ترهّل في عمل المنظمة، وتحوّلت مؤسساتها إلى مجرّد مسمّيات، لا تقوم بواجباتها وصلاحياتها، فلم يعد العمل المؤسساتي فيها قائم، سواء داخل اللجنة التنفيذية أو المجلس الوطنيّ، وكذلك المجلس المركزي".

اقرأ أيضاً: "أسرلة" التعليم في القدس لتشويه الهوية الفلسطينية وطمسها

وعن الجدل حول أسباب استقالة عشراوي، يتابع القيادي الفلسطيني: "في ظلّ هذا الترهّل جاءت استقالة الدكتورة حنان عشراوي، وسواء كانت الاستقالة بداعي التفرّد في اتّخاذ القرارات، وتغييب مؤسسات منظمة التّحرير والحاجة إلى تجديد شرعيّاتها وضخّ دماء جديدة فيها، أو كانت بسبب عدم القبول بتولّيها منصب أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، خلفاً للدكتور عريقات، فالشيء الذي لا يختلف عليه اثنان أنّ القرار الفلسطينيّ يتمّ اتّخاذه بعيداً عن مؤسسات منظمة التحرير، ويطغى عليه الطابع الفردي".

أزمة النظام السياسيّ الفلسطينيّ

وجدّدت استقالة عشراوي الحديث الفلسطينيّ حول إصلاح منظمة التحرير الفلسطينيّة، وتجديد الشرعيات الفلسطينية، على مستوى المنظمة؛ المجلس الوطني، والمجلس المركزي، واللجنة التنفيذية، إضافة إلى شرعية السلطة الفلسطينية؛ الرئاسة والمجلس التشريعي.

ولم تشهد منظمة التحرير، منذ إنشائها، عام 1964، إجراء انتخابات للمجلس الوطني، وتشكّل أول مجلس من أعضاء المؤتمر الفلسطيني العام، الذي انعقد بناء على تكليف جامعة الدول العربية، لتأسيس كيان شرعي ممثل للشعب الفلسطيني، في القمة العربية، في القاهرة، عام 1964.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ قرار السلطة الفلسطينية إعادة العلاقات مع إسرائيل؟

وانبثق عن المجلس الوطنيّ للمنظمة، عدّة هيئات، وأهمها؛ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والمجلس المركزي، ويتمّ اختيار أعضائهما عبر التعيين.

أمّا السلطة الوطنية الفلسطينية، فلم ينصّ القانون الأساسي المعدل على تحديد مدة رئاسة السلطة، وربطها بانتهاء المرحلة الانتقالية، وفق المادة 36، من الباب الثالث، "مدة رئاسة السلطة الوطنية هي المرحلة الانتقالية، ويتمّ انتخاب الرئيس بعد ذلك وفقاً للقانون".

انعقاد المؤتمر الفلسطينيّ الوطنيّ الأول الذي أسس منظمة التحرير

وكذلك الأمر بالنسبة إلى المجلس التشريعي، الذي يمثّل السلطة التشريعية، وتقول المادة 47، من الباب الرابع، في القانون الأساسي المعدّل: "مدّة هذا المجلس هي المرحلة الانتقاليّة".

وخلق ما سبق أزمة سياسيّة كبيرة في الداخل الفلسطيني، ظهرت عام 2006، في انتخابات المجلس التشريعيّ، التي فازت فيها حركة حماس بالأغلبية، وفق نظام الانتخاب القديم، القائم على الأغلبية المطلقة، وليس نظام التمثّيل النسبيّ، كما طرحته حركتا فتح وحماس خلال الفترة الأخيرة.

القيادي في حركة "فتح" أسامة الفرا  لـ"حفريات": استقالة عشراوي لن تغيّر الكثير، في ظلّ قيادة تعرف أنّ وجودها لا يمثل الشعب الفلسطينيّ

وتطالب القوى الفلسطينيّة داخل حركة فتح، التي تسيطر على منظمة التحرير، والسلطة الفلسطينية، وبقية الحركات، وعلى رأسها حركة حماس، بأن تتزامن انتخابات السلطة الفلسطينية؛ رئاسيّة وتشريعيّة، مع انتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير، بينما يريد الرئيس عباس إجراء انتخابات السلطة أولاً.

وأعطى قانون الانتخابات (النظام الانتخابي الفلسطيني) صلاحيات واسعة لرئيس السلطة الوطنية، "ومن هذه الصلاحيات: تشكيل لجنة الانتخابات، وتسمية رئيسها وأمينها العام، وتحديد مواعيد التسجيل، وفتح باب الترشيح، وتمديد فترة الترشيح، وتعيين موعد الاقتراع العام، وتعيين رئيس وأعضاء محكمة استئناف قضايا الانتخابات".

وما سبق، يجعل السلطات الفلسطينية تتركّز في يد شخص رئيس السلطة الوطنية، (الرئيس الفلسطيني)، الذي لا يمكن تغييره إلا بالاستقالة، أو الوفاة، أو انتهاء المرحلة الانتقالية، وتختلف وجهات النظر بين الفلسطينيين حول كيفية الإصلاح.

حرّكت المياه الراكدة

ورغم تصدّر قضية إصلاح منظمة التحرير، وتوسيع مشاركة الفصائل الفلسطينية فيها، وتجديد شرعيّاتها، وشرعيّات السلطة الفلسطينيّة، واجهة المشهد الفلسطينيّ، إلا أنّ القياديّ الفلسطينيّ، أسامة الفرا، لا يعلق آمالاً على تأثير الاستقالة.

أحمد الشقيري، أول رئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير

ويرى أنّ قيادات منظمة التحرير هرمت، ومعها مؤسسات المنظمة، وأنّ تفعيلها لن يكون إلا بإجراء انتخابات للمجلس الوطني، يشارك فيها الكلّ الفلسطيني، ويأتي بتمثّيل حقيقي للشعب، بتجمّعاته المختلفة.

ويقول القيادي بحركة فتح، لـ "حفريات": "قد تكون استقالة عشراوي حركت قليلاً المياه الراكدة في منظمة التحرير، لكن، باعتقادي، هي لن تغيّر الكثير، خاصة في ظلّ وجود قيادة للمنظمة تعرف جيداً أنّ وجودها لا علاقة له بالتمّثيل الحقيقي للشعب الفلسطينيّ، بقدر ما جاء نتيجة إرث من منذ عقود عدة مضت".

وشاركت حنان عشراوي في الوفد الفلسطينيّ في مفاوضات مدريد، وانتخبت عام 1996 عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني عن مدينة القدس، وأعيد انتخابها لدورة أخرى في 2006، وعُيّنت عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عام 2009، كأول امرأة فلسطينيّة تشغل أعلى منصب سياسيّ.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية