هل ترسم الانتخابات الإيرانية ملامح نفوذ طهران الإقليمي؟

هل ترسم الانتخابات الإيرانية ملامح نفوذ طهران الإقليمي؟


19/06/2021

تابع الإيرانيون الإدلاء بأصواتهم ليل الجمعة السبت لاختيار رئيس جديد للجمهورية، مع أرجحية للمحافظ المتشدّد ابراهيم رئيسي وتقديرات بمشاركة متدنية في انتخابات تأتي وسط أزمة اقتصادية واجتماعية.

وقبيل الموعد المقرر لإقفال الصناديق منتصف الليل (19:30 ت غ)، مددت السلطات الاقتراع حتى الثانية فجراً من اليوم السبت، كما أفادت "بي بي سي"

وكانت الهيئات المعنية بالانتخابات لمحت سابقاً الى إمكان تمديد هذه الفترة في حال دعت الحاجة.

وأدلى المرشد الأعلى علي خامنئي بأول صوت في العاصمة طهران، قبل أن يحث نحو 60 مليون ناخب على الإدلاء بأصواتهم بكثافة قبل موعد إغلاق اللجان الانتخابية.

وما تزال الانتخابات الرئاسية الإيرانية تثير مفاجآت جديدة ولافتة؛ إذ أعلن ثلاثة مرشحين من أصل سبعة تم اختيارهم من قبل مجلس صيانة الدستور انسحابهم، وهو ما اعتبره مراقبون ضمن عملية "هندسة الانتخابات"، التي لا تتوافر فيها فرص المنافسة السياسية والانتخابية، لا سيما وأنّ انسحاب اثنين من المتشددين وهما سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني، ومرشح واحد إصلاحي هو مهر علي زاده، يعزز من التوقعات السابقة بخصوص الحظوظ الواسعة لرئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، فيما تبدو المواجهة الانتخابية ستكون بين الأخير والمرشح الإصلاحي الوحيد المبقي عبد الناصر همتي.

انسحاب المرشحين عشية الانتخابات

وبحسب التلفزيون الرسمي الإيراني، قال المرشح المحافظ علي رضا زاكاني إنّ "رئيسي هو المؤهل لمنصب الرئيس"، كما أعلن أنّه "سوف يصوت له، آملاً في حصول إصلاحات جوهرية في إيران في أعقاب انتخابه"، موضحاً أنّ "من نصبوا مسؤول حجب الإنترنت وزيراً للاتصالات يتحدثون عن الحرية (يقصد وزير الاتصالات محمود آذري جهرمي المسؤول السابق عن ملف مراقبة الإنترنت في الاستخبارات الإيرانية).

أدلى المرشد الأعلى علي خامنئي بأول صوت في العاصمة طهران، قبل أن يحث نحو 60 مليون ناخب على الإدلاء بأصواتهم بكثافة قبل موعد إغلاق اللجان الانتخابية

وانخرط همتي وزاكاني في سجال عنيف ومحتدم، كما تبادل الطرفان الاتهامات والملاسنات؛ إذ اتهم الأول باقي المرشحين ومن بينهم زاكاتي بأنّهم مجرد "غطاء"، أو مرشحين "ظل"، لصالح مرشح التيار المحافظ إبراهيم رئيسي.

وفي ظل مشاعر الإحباط التي تتسلل إلى غالبية المواطنين الإيرانيين، بحسب أحدث تقرير لمراكز الاستطلاع واتجاهات الرأي العام، في إيران، والتي تشير إلى أنّ الانتخابات سوف تشهد أدنى نسبة حضور ومشاركة، منذ تدشين الجمهورية الإسلامية عام 1979، فإنّ دعوات المرشد الإيراني وكذا الحرس الثوري لحث المواطنين على التصويت تتلاشى، وذلك أمام ممانعة قوى عديدة، سواء من التيار الإصلاحي أو الناشطين، والذين يرفعون شعارات المقاطعة للانتخابات؛ وقد ذكر مركز "إيسبا" الحكومي أنّ "اتجاهات الإيرانيين من المشاركة في الانتخابات لم تتغير كثيراً، حتى في ظل المناظرات التي شهدت تلاسناً كبيراً بين المرشحين، وسط وعود كبيرة بتحسين الوضع الاقتصادي، وغاب نحو 70 في المائة من الإيرانيين عن متابعة تلك المناظرات".

وتشير الاستطلاعات التي أجراها المركز الحكومي إلى أنّ نسبة التصويت بلغت قرابة "42 في المائة، وسط تقدم بنسبة 60.6 لمرشح المحافظين إبراهيم رئيسي؛ إذ حصل همتي على 3.7 في المائة، وتقدر نسبة أصوات رئيسي بـ15 مليون صوت، من أصل 59 مليون يحق لهم المشاركة".

توقعات بالمقاطعة

ودان "ائتلاف الجمهور"، وهو اصطفاف سياسي جديد يضم مجموعة غير محدودة من القوى السياسية والحزبية الإصلاحية، التضييقات التي حدثت بحق التيار الإصلاحي والمعتدل، وكذا نبذ المرشحين المنتمين لهما من السباق الانتخابي، وقال في بيان رسمي: "مع الإبعاد الواسع للمرشحين الصالحين الذين خرجوا من رحم حركة الإصلاح والاعتدال، فقد أصبح هامش الشعب الإيراني في انتخابات 18 حزيران (يونيو) أضيق من أي وقت مضى".

اقرأ أيضاً: إيران.. بين المفاوضات والانتخابات

وأردف: "في الوقت الذي لأحد التيارات السياسية (المتشدد) خمسة مرشحين، حُرم التيار الآخر من ترشيح رموزه البارزة من قبيل محمد جواد ظريف وإسحاق جهانغيري ومسعود بزشكيان".

وشدد البيان الصادر عن الائتلاف على أنّه "في الوقت الذي لم يتحمل مجلس صيانة الدستور والمرشحون المعتدلون من قبيل علي لاريجاني، ولم يأخذ بعين الاعتبار تعليمات المرشد الأعلى لإعادة النظر في الإجحاف الذي مارسه، تعلن أحزابنا الإصلاحية، باسم الدفاع عن جمهورية النظام، دعمها لأحد المرشحين الإصلاحيين، وهو الدكتور عبد الناصر همتي".

النظام الإيراني وإدارة أزماته

وفي حديثه لـ"حفريات"، يقول الدكتور هاني سليمان قربة، الباحث المتخصص في الشان الإيراني ومدير المركز العربي للبحوث والدراسات، إنّه منذ عام ١٩٨٠، تاريخ أول انتخابات رئاسية في إيران، دائماً ما تأتي الانتخابات الرئاسية الإيرانية بجملة من المشاكل المصاحبة لها وحتى بعد الإعلان عن النتائج، لكن الانتخابات الرئاسية، هذه المرة، تبرز مشكلات كبرى تبدو مغايرة عن السابق، وأهمها "غياب التنافس السياسي الحقيقي خاصة مع وجود تعديلات جوهرية سابقة فيما عرف بـ"إصلاح القانون الانتخابي"".

الباحث المتخصص في الشان الإيراني الدكتور هاني سليمان قربة

هذا الأمر الذي عمّق من عملية النبذ والإقصاء للمرشحين، وأفرز هذا "الشكل المشوه في إدارة وهندسة المشهد الانتخابي" والتي جعلت من رئيسي، مرشح المرشد الإيراني، هو "الأوفر حظاً"، بحسب سليمان، ثم استبعاد الإصلاحيين، بشكل ممنهج، على غرار ما تم في الانتخابات البرلمانية السابقة.

ومن بين نتائج هذه الـ"الهندسة المشوهة للانتخابات" "تراجع نسب المشاركة، وتنامي نزعات المقاطعة، بالإضافة لصعود حالة الإحباط لدى الناخبين، وعدم وضوح رؤية للوضع الاقتصادي، وسيطرة المتشددين على مفاصل العملية الانتخابية، وغلق المجال العام". يقول سليمان.

الباحث المصري هاني قربة لـ"حفريات": هناك حزمة من التهديدات، الداخلية والخارجية، المحيطة بالنظام، الأمر الذي يجعل المرشد الإيراني يفرغ العملية السياسية من مضمونها

وبموازاة ذلك، بعث نحو 113 ناشطاً إصلاحياً برسالة إلى عدد من القيادات الإصلاحية، من بينهم الرئيس السابق محمد خاتمي، وحفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية (الإمام الخميني)، حسن الخميني، ونجل الرئيس الإيراني السابق، محمد هاشمي رفسنجاني، جاء فيها: "نحن ننتفض من أجل مكافحة الإحباط والجمود السياسي والاجتماعي واليأس المخيم على جموع الناس. وفي هذا الدرب، نتكل على شعار الثورة، وهو "استقلال، حرية، جمهورية إسلامية"، للحد من مساعي البعض لإضعاف الجمهورية وتفشي الاحباط والانسداد السياسي"، كما اعتبروا أنّ "التيار الإصلاحي جرب مرارة التشتت والفرقة، في انتخابات 2005، ولاحظ الجميع النتائج المضرة لذلك، لذا ندعو قادة الإصلاحات والاعتدال والعقلاء في إيران لأن ينزلوا فوراً إلى الساحة ويعلنوا خيارهم الجماعي ويقنعوا ويشجعوا الشعب الإيراني بغية المشاركة في الانتخابات والتصويت..".

تغييب المعارضة وتصفية السياسة

وفي محاولة لتهدئة ذلك الوضع المتداعي، شدد رئيس البرلمان السابق، علي لاريجاني، في بيان رسمي، على ضرورة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، رغم استبعاده من مجلس صيانة الدستور، ومطالبته من الأخير توضيح أسباب وملابسات ذلك، بيد أنّه وصف يوم الجمعة الذي ستتم في الانتخابات "اليوم الوطني لتقرير المصير، وقال: "على الرغم من تسبب بعض السلوك الخاطئ الداخلي والخارجي في إزعاجات لحركة الشعب، فإنّ إرادتكم أقوى بكثير منهم"، وأضاف: "الشعب الذي صبر على مشقات العقوبات... الظفر مقبل إن شاء الله".

وفي نظر مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، فإنّ حالة الجدل السياسي والاتهامات المتبادلة تظل مسيطرة؛ حيث خاض، مثلاً، أحمدي نجاد هجوماً عنيفاً ضد المرشد الإيراني والنظام، كما طالب لاريجاني بتحقيق شفاف في أسباب استبعاده من الانتخابات، تكشف عن "مشهد محتقن، وغياب كاريزما سياسية بين المرشحين".

ويرى قربة بأنّ "هناك حزمة من التهديدات، الداخلية والخارجية، المحيطة بالنظام، الأمر الذي يجعل المرشد الإيراني يفرغ العملية السياسية من مضمونها عبر تحويلها لعملية شكلية، لجهة السيطرة على مفاصل الدولة؛ وبخاصة بعد خضوع البرلمان إلى عمدة طهران السابق وأحد جنرالات الحرس الثوري الإيراني، محمد باقر قالبيقاف، كما سيطر على القضاء متشدد آخر هو إبراهيم رئيسي، وبالتالي، نحن أمام محاولة مصيرية وصعبة لمنع أية مفاجآت في نتائج الانتخابات، وتجنب أي معارضة، ولو شكلية، فيما يتصل بعدد من الملفات، الحساسة والحيوية، المتصلة بمستقبل النظام، مثل خلافة المرشد، والبرنامج النووي، ونفوذ إيران الإقليمي، والاحتجاجات الفئوية السياسية والاجتماعية والحقوقية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية