هل تسببت خسارة أنقرة لشركائها الإقليميين بتحوّل أنظارها نحو ليبيا؟

هل تسببت خسارة أنقرة لشركائها الإقليميين بتحوّل أنظارها نحو ليبيا؟


15/01/2020

يتنقل اللاعب التركي بين دول المنطقة وصراعاتها، في ظل رغبة محمومة لتوسيع دوائر نفوذه وتحقيق أهدافه الاستراتيجية التي تتجاوز مسألة حماية المصالح والأمن القومي، إلى استعادة روابطه القديمة بالإقليم، على النحو الذي وصفه رئيس وزراء تركيا السابق، أحمد داود أوغلو، بـ "العثمانية الجديدة"؛ إذ إنّ إحياء تلك العناصر التي تتبناها ذاكرة استعمارية، ترى بوجود حقوق وصلات تاريخية مع امتداداتها الجغرافية والسياسية الخارجية، يفسر تنامي الدور التركي في شمال سوريا وليبيا، بالإضافة إلى توغّلها في أفريقيا وآسيا الوسطى.

 

 

العثمانيون الجدد
تتحرى أنقرة بوسائل متعددة، ناعمة وخشنة، تحقيق سياستها التوسعية، بناءً على خطابها الأيديولوجي الذي تروج له، وذلك من خلال عباراتها المفخخة مثل؛ "تحرير القدس" و"حماية الدين الإسلامي"، والتي تهدف إلى تعبئة المجال العام فقط، واكتساب شرعية لأدوارها الوظيفية المحدودة، بينما تتنوع حيلها في سبيل "تتريك" المجتمعات التي تنتشر فيها بواسطة المنظمات الدينية والهيئات الإغاثية والدور التنموي؛ 

تنبع سياسة أنقرة تجاه ليبيا من عزلتها في شرق البحر المتوسط والتي تفاقمت تدريجياً منذ انهيار العلاقات التركية الإسرائيلية

حيث تدشين المدارس، والتوسع في المنح التعليمية، كأداة للهيمنة الثقافية، وفرض الوصاية، كما هو الحال في أفريقيا والصومال، ناهيك عن مساهمة تركيا في موازنة الاتحاد الأفريقي، بنحو مليون دولار سنوياً، والاستثمارات التركية التي تُقدّر بنحو 6 مليارات دولار.

وفي الصومال، توفر تركيا منحاً للدراسة في جامعاتها لأكثر من 15 ألف صومالي، فضلاً عن إنشاء المدارس التركية هُناك، والترويج لتعلم اللغة التركية، من خلال الإعلان عن فرص عمل طوال الوقت، لمن يتقنون اللغة التركية، وتغيير أسماء بعض الشوارع من العربية إلى التركية.وعمدت تركيا إلى إنشاء قاعدة عسكرية في قطر، في حزيران (يونيو) عام 2017، وذلك في خضم المقاطعة الخليجية لها، 

اقرأ أيضاً: تعرف إلى الأسباب التي دفعت حفتر لمغادرة موسكو

بيد أنّ رئيس الوزراء التركي حينها، داود أوغلو، لفت بدلالة واضحة إلى أنّ العلاقات مع الدوحة "تاريخية وتعود للعهد العثماني"، بينما عقّب رئيس حزب الحركة القومية، بهجت بهجلي، على الأمر ذاته بما يحمل نفس الدلالة، حيث قال؛ " كانت قطر تحكم إبان السلطة العثمانية بواسطة قائم مقام يتبع الباب العالي". وقبلها بعامين، افتتحت أنقرة قاعدة مماثلة، في الصومال.

ساهمت سياسة أردوغان في نشر الخراب بسوريا وها هي الآن تنتقل إلى ليبيا

مرتزقة أردوغان

إذاً، تبدو جولات أردوغان الخارجية، وصعود جسمه العسكري، تارة، والسياسي، تارة أخرى، بما يشبه المغامرات التي تفاقم من الأزمات المحلية والإقليمية، وتؤدي إلى المزيد من عزلته وخصومته مع الدول العربية، خاصة بعد دوره المتنامي في سوريا وليبيا، وثيقة الصلة بجملة الأهداف الاستراتيجية، في ظل حنينه الماضوي "العثماني"، مهما تكبد من خسائر.

أردوغان يفتقد للمبرر والشرعية بخصوص تدخله العسكري في ليبيا ولا يستطيع حتى تمريره للرأي العام التركي

وحسبما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإنّ العناصر المتطوعة للقتال في ليبيا، ممّن كانوا في سوريا ضمن فصائل ما يعرف بـ "الجيش الوطني"، المدعوم من أنقرة، سقط من بينهم قتلى ولا تزال تتوافد جثثهم عبر صناديق خشبية.
ويوضح المرصد أن 6 عناصر من الفصائل الموالية لتركيا في ليبيا، سقطوا قتلى في اليوم الأول، من بينهم 3 عناصر تنتمي إلى "لواء المعتصم"، و3 عناصر آخرين من لواء "السلطان مراد"، وهي الألوية التي تشكل هيكل "الجيش الوطني" في شمال سوريا، بالإضافة إلى مقتل عضو من فرقة المعتصم الموالية لتركيا، ووصول جثثهم إلى سوريا.

اقرأ أيضاً: العلويون في تركيا.. تاريخ من العزلة

وكشف المرصد أنّ عملية نقل المقاتلين من سوريا إلى ليبيا، والتي تتولى تركيا مسؤوليتها، ترتب عليها ارتفاع عدد المجندين الذين وصلوا إلى العاصمة الليبية طرابلس إلى نحو 1000 مرتزق، حسب وصفه، في حين أنّ عدد المجندين الذي وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 1700 مجند، وسط استمرار عمليات التجنيد بشكل كبير، سواء في منطقة عفرين أو غيرها من المناطق بالشمال السوري، الخاضع لسيطرة القوات الموالية لتركيا.
وبحسب رامي عبد الرحمن، مدير المرصد، فإنّ تركيا وعدت ذوي القتلى الذين قتلوا في ليبيا بتعويضات مالية كبيرة، لمدة عامين، فضلاً عن مغريات أخرى.

كانت خسارة أنقرة للشركاء الإقليميين شبه كاملة عندما اندلعت الحرب الأهلية في ليبيا ممّا حوّل الأنظار التركية نحو الأخيرة

حيل الخليفة
من جهته، يوضح الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، عبد الوهاب بدرخان، بأنّ انتقال تركيا من التدخل في إدلب وشرقي الفرات بسوريا، ثم التحول إلى ليبيا، أسفر عن تبدّل في العلاقة الدافئة المتعمقة بين روسيا وتركيا، وأدّى إلى حدوث تناقضات ملموسة وتشنجات متضخمة، بينما لا تزال القاعدة أنّ كلا الطرفين بحاجة إلى الآخر، وأنّهما محكومان دائماً بالتفاهم، لكن ما تريده روسيا في سوريا تحصل عليه، ولا يعوقها في ذلك سوى الولايات المتحدة، أما تركيا فما كانت لتنال ما حققته في سوريا إلا بموافقة أمريكية وروسية.

 

 

وفي زاويته الأسبوعية بجريدة الاتحاد الإماراتية، يشير المحلل السياسي اللبناني، إلى أنّ ليبيا لها شأن آخر، تختلف عن ذرائع أردوغان السياسية للتدخل في سوريا؛ حيث القضية الكردية وتأمين حدوده المتاخمة مع الشمال السوري، ففيما يبدو أنّ "تركيا تسعى إلى تدشين سياسة مستقلة ومتفلتة من الدولتين الكبيرتين،تريد عبرها تمرير أجندتها الإقليمية المتسقة مع التيار الإسلامي – الإخواني، وهذا إشكالي في حد ذاته".

صناعة الإرهاب وخسارة الحلفاء
ويُقر معهد واشنطن بأنّ سياسة أنقرة تجاه ليبيا، تنبع من عزلتها في شرق البحر المتوسط، والتي تفاقمت تدريجياً منذ انهيار العلاقات التركية الإسرائيلية عام 2010، وسوء تقدير سياسة أردوغان الإقليمية خلال انتفاضات الربيع العربي، خاصة، في ظل دعمه لجماعة الإخوان المسلمين، الذي كلفه الكثير بعد أن تمت الإطاحة بهم.

أقرأ أيضاً:  الإخوان في تركيا.. صناعة التطرف برعاية أردوغان

ويضيف المعهد؛ أنّ "دعم تركيا للجماعات المتمردة في الحرب السورية يضعها في مسار تصادمي مع دمشق وإيران، وكذلك مع حلفاء طهران الإقليميين داخل لبنان والحكومة العراقية، وباختصار، كانت خسارة أنقرة للشركاء الإقليميين شبه كاملة عندما اندلعت الحرب الأهلية في ليبيا عام 2014، مما مهّد الطريق أمام تحول الأنظار التركية نحو الأخيرة".

محلل سياسي: أردوغان يفتقد للمبرر الشرعي للتدخل في ليبيا

وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير الدكتور هاني قربة، مدير المركز العربي للأبحاث والدراسات، إلى أنّ أردوغان يفتقد للمبرر والشرعية الكاملين بخصوص تدخله العسكري في ليبيا، ولا يستطيع حتى تمريره للرأي العام التركي، الذي لن يحظى بتأييده كما الحال في سوريا؛ حيث قوبل تصريحه بالسخرية في الداخل، عندما قال بأنّه سينقذ نحو مليون ليبي من أصول تركية في طرابلس. وعليه، فإنّ الحقيقة تبدو عكس ما تروّج له تركيا بأنّه ثمة مصالح لها في شرق المتوسط؛ حيث التنقيب عن حقول الغاز؛ إذ يتضح أنّنا بصدد تمدد في المنطقة والإقليم، وسعي حثيث نحو التوغل السياسي، والهيمنة العسكرية، وفرض الوصاية، عبر التواجد العسكري والميداني أثناء المعارك، والدخول كطرف سياسي في أية تسويات مقبلة، بالشكل الذي يتوافق مع طموح الرئيس التركي لإحياء حلم الإمبراطورية العثمانية.

اقرأ أيضاً:  كيف توظف تركيا قومية الإيغور في حساباتها السياسية؟

وبحسب مدير المركز العربي للأبحاث والدراسات، تذرّع أردوغان في شرق الفرات، بقتال حزب العمال الكردستاني ومنع تهديداته للدولة التركية عبر تطويقها بدولة كردية ناشئة، وبالتالي، حماية حدوده وأمنه القومي من خطرهم، خاصة وأنّ الحزب مصنف ضمن الجماعات الإرهابية في أنقرة، لكنه يفتقد هذه المرة  لمبررات مماثلة في ليبيا، وسيجد صعوبة جمة في صناعة خطاب للرأي العام التركي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية