هل تستجيب المصالحة الفلسطينية لـ"صفقة القرن" أم تواجهها؟

فلسطين

هل تستجيب المصالحة الفلسطينية لـ"صفقة القرن" أم تواجهها؟


23/07/2018

ربما يصعب القول: إنّ مشروع المصالحة الذي طرحته القاهرة مؤخراً، على حركتي فتح وحماس، لإنهاء الانقسام الفلسطيني، سيكتب له النجاح، إلّا أنّ السياقات العامة لتطورات المشهد الفلسطيني، تحديداً المرتبطة بالأوضاع التي تعيشها فتح في الضفة الغربية، وحماس في غزة، على الصعيد الداخلي الفلسطيني، والضغوط على الفلسطينيين في إطار ما بات يعرف بـ "صفقة القرن"، إضافة إلى التطورات الإقليمية على الصعيد الخارجي، تؤشر إلى أنّ احتمالات تحقيق نجاحات شاملة أو جزئية في هذه المصالحة تبدو أكثر واقعية.

مشروع المصالحة المطروح من قبل مصر يتضمن 4 مراحل تبنى كلّ مرحلة فيها على ما يسبقها

كما أنّ هذا المشروع يبدو أنّه أفضل من مشروعات ومبادرات المصالحات التي طرحت سابقاً، التي كانت نتائجها حبراً على ورق، في ظلّ تمسّك الطرفين؛ فتح وحماس، بمطالبهما في إطار مشروعين متباينين، يتمسك الأول، وتمثله فتح، بنهج التفاوض وفق أوسلو والاتفاقات التي أنجِزت بعده، فيما يتمسك المشروع المقابل، الذي تمثله حماس، بنهج "المقاومة" لتحقيق المطالب والحقوق للشعب الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: "حماس" توافق على الرؤية المصرية للمصالحة الفلسطينية

مشروع المصالحة المطروح من قبل مصر، يتضمن أربع مراحل محددة بفترة زمنية، هي حوالي 62 يوماً، توفر أرضية لإنجازات تراكمية، تبنى كلّ مرحلة فيها على ما يسبقها من مراحل، وهو ما يعزز أجواء الثقة، ويفترض أن تنهي الإجراءات المتخذة من قبل السلطة الفلسطينية ضدّ حركة حماس في قطاع غزة، بما فيها قضية إعادة رواتب الموظفين، ورفع الحواجز الأمنية، وتوحيد المؤسسات في الضفة والقطاع، وتسليم الضرائب للسلطة الفلسطينية، وتوحيد سلم وسياسات الرواتب، ...إلخ، وربما تنتهي بحكومة وحدة وطنية.

توفر مراحل المشروع أرضية لإنجازات تراكمية بفترة زمنية هي حوالي 62 يوماً

ردود الفعل الفلسطينية على مشروع المصالحة، تطرح تحولات عميقة بالمشهد السياسي الفلسطيني، بدت فيها فتح وحماس تتبادلان الأدوار والمواقف؛ حيث ظهرت فتح بمواقف "ممانعة"، فيما أصبحت حماس تمثل "الاعتدال"؛ ففي الوقت الذي أعلنت فيه حركة حماس قبولها بالمقترحات المصرية، لم تبدِ حركة فتح موافقة صريحة عليها، وأعلنت أنّها ستدرس تلك المقترحات بالتشاور مع الفصائل الفلسطينية، هذا التحوّل بدأ مع موقف السلطة الفلسطينية من المقترحات الأمريكية في إطار صفقة القرن، ووقف الاتصالات مع القيادة الأمريكية، والضغوط اللاحقة على السلطة الفلسطينية، وحصارها دبلوماسياً واقتصادياً، بالتوازي مع تعاطي حركة حماس، عبر البوابتين؛ المصرية والقطرية، مع طروحات مرتبطة بتلك الصفقة، في إطار مشروعات أمريكية تخدم قطاع غزة في إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات، بمشروعات ضخمة لتحلية المياه، وحلّ مشكلات الطاقة، تحت عنوان السلام الاقتصادي، الذي يشكّل جوهر "صفقة القرن".

المصالحة خطوة مهمة في هذه المرحلة

المصالحة خطوة مهمة، خاصة في هذه المرحلة، لإنهاء سنوات عجاف من الانقسام الفلسطيني، وترجمتها تحتاج إلى نوايا صادقة وروح وطنية فلسطينية جديدة، غير أنّ المتابع لا يستطيع التعامل مع هذه المصالحة بعيداً عن كونها تأتي في سياقات الحلول المطروحة، وتحضيراً لها، باعتبارها الشرط الأساس لإنجاز مشروع التسوية، وتعكس إدراكاً "فلسطينياً" بأنّ مشروعي التفاوض والمقاومة لا يستقيمان، ولن يكتب لهما النجاح، دون إنهاء الانقسام، ودون أن يغيب عن البال حقيقة أنّ المصالحة اليوم تأتي بهدف إنجاز التسوية، وليس لإنجاز مشروع فلسطيني مقاوم.

ردود الفعل الفلسطينية على مشروع المصالحة تطرح تحولات عميقة بالمشهد السياسي الفلسطيني

في هذه المصالحة، يحضر بقوة البعدان؛ الدولي والإقليمي، فإذا كان الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس، يشكّل أبرز أوجه انعكاسات الخلافات الإقليمية في المنطقة، بين تحالفي الاعتدال "مصر والسعودية والأردن والإمارات" ومعه السلطة الوطنية الفلسطينية، وتحالف الممانعة "إيران وتركيا وقطر وسوريا وحزب الله" فإنّ الدورين؛ المصري والقطري، في هذه المصالحة وما سبقها من مباحثات سرية بين وفود حماس وإسرائيل في عواصم أوروبية، يطرحان تساؤلات عن الفجوة بين التحالفين تجاه الملف الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: حماس تتوج اتفاق المصالحة الفلسطينية بالانعطاف نحو إيران

المصالحة المطروحة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، رغم تفاصيلها الكثيرة، التي سترتبط نتائجها بتطلعات حركتي فتح وحماس، للاستحواذ على أكبر قدر من السلطة، إلا أنها تعكس تفهماً لدى الجانبين، فرضته تغيرات موازين القوى الإقليمية والدولية، التي أكدت مجدداً أنّ عملية السلام مرتبطة، أولاً وأخيراً، بالتوافقات الدولية، تلك التوافقات التي لم تتحقق لـ "صفقة القرن"؛ إذ يمكن للعرب والفلسطينيين البناء على مواقف أطراف دولية فاعلة، كالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، التي أثبتت قمة "هلسنكي"، بين الرئيسَين الأمريكي والروسي، أنّ هناك أطرافاً دولية يمكن الاعتماد عليها لفرملة الاندفاعة الأمريكية المنحازة لإسرائيل، خاصة إذا ما تحقق موقف فلسطيني موحد؛ إذ لدى الصين والاتحاد الأوروبي مقاربات تمّ الإعلان عنها على شكل مبادرات سلام، تختلف شكلاً ومضموناً عن المقاربات الأمريكية، وإن كانت لا تلبّي كامل الطموح الفلسطيني.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية