هل تستعيد النساء الروح النضالية من أجل العدالة الاجتماعية؟

هل تستعيد النساء الروح النضالية من أجل العدالة الاجتماعية؟


08/09/2020

يأتي كتاب "نسوية من أجل الـ 99 %.. مانفيستو لحركة اجتماعية جديدة" للكاتبات الثلاث: نانسي فريزر، وتشينزيا أروتزا، وتثي باتاتشاريا، بوصفه ردّاً طبيعياً على صعود اليمين المتطرف وأحزابه في أكثر من بلد حول العالم، وازدياد اضطهاد النساء، وحالات التحرش والاغتصاب بحقّهن، سواء في الولايات المتحدة الأمريكية، التي شهدت انطلاقة حركة "Me To" 2017، وذلك على خلفية اتهام المنتج والمخرج السينمائي الأمريكي، هارفي واينستين، بالتحرش والاعتداء الجنسي بعشرات النساء في هوليود، أو في دول أمريكا اللاتينية، تحديداً المكسيك، التي تعدّ من أكثر بلدان أمريكا اللاتينية تسجيلاً لنسب جرائم ضدّ النساء؛ إذ سجلت المكسيك، عام 2019، أكثر من ألف جريمة قتل بحقّ النساء.

ينتقد الكتاب بشدة النظام الرأسمالي في العالم ككلّ؛ بوصفه السبب الرئيس لتفاقم الأزمات التي تحدث، من مستويات معيشية متدهورة، وكوارث بيئية وحروب ونزاعات، "وتفشٍ للبربرية"

لكن ما يميّز كتاب "نسوية من أجل الـ 99%"، الذي صدر مطلع هذا العام بنسخة عربية، عن دار صفصافة للنشر – القاهرة، وترجمة الباحث والمترجم المصري محمد رمضان؛ أنّه لا يناقش قضايا المرأة من منظور نسوي بمعزل عن الأزمات السياسية والاجتماعية التي تتفاقم يوماً بعد يوم في العالم، بل عملية توسيعية للنظرية التقاطعية التي أطلقتها الناشطة والحقوقية الأمريكية، كيمبريلي وليامز كرينشو، عام 1989.

نقد النسوية الليبرالية

يركّز الكتاب في البداية على نقد النسوية الليبرالية التي تتماهى مع النظام الرأسمالي في العالم، والتي ليست مشغولة سوى بحقّ قلة من النساء، اللواتي ينتمين إلى طبقة عليا في المجتمع، لمنافسة الرجال للوصول إلى مناصب عليا في السياسة والسلطة، بينما هناك ملايين النساء في عالم يجري استغلالهنّ في أماكن عملهنّ، ويتقاضين أجوراً متدنية، هذا عدا الاضطهاد والقمع الذي يمارس عليهنّ داخل منازلهنّ.

غلاف الكتاب

كما يلقي الكتاب الضوء على أهمية حركة إضراب النساء، التي حدثت بأكثر من بلد، في الأعوام القليلة الماضية: "بدأت حركة الإضرابات النسوية الأخيرة في بولندا، في تشرين الأول (أكتوبر) 2016؛ حينما نظمت أكثر من 100 ألف امرأة إضرابات ومسيرات للاعتراض على حظر الإجهاض في البلاد، وفي نهاية الشهر، كان تيار الرفض الجذري قد عبر المحيط نحو الأرجنتين؛ حيث خرجت النساء المضربات ردّاً على جريمة القتل البشعة، التي قتلت فيها لوسيا بيريز البشعة (مراهقة أرجنتينية تمّ اغتصابها وقتلها عام 2016)، يهتفن بالصيحة النضالية "Na une Menos" "لن يحدث لامرأة أخرى"، وسرعان ما انتشرت في إيطاليا وإسبانيا والبرازيل وتركيا وبيرو والولايات المتحدة وتشيلي وعشرات الدول الأخرى".

اقرأ أيضاً: السينما النسوية بأي معنى؟

ويرى الكتاب أنّ عودة حركة الإضرابات النسائية هو بمثابة عودة الروح النضالية للنسوية "تستعيد الإضرابات النسوية، اليوم، جذورنا في النضالات التاريخية من أجل حقوق العمال والعدالة الاجتماعية، وبتوحيد نساء تفصلهن محيطات وجبال وقارات، إضافة إلى حدود بين الدول وأسوار مصنوعة من الأسلاك الشائكة وجدران، تعطي للشعار القديم "التضامن هو سلاحنا" معنى جديداً، وبكسر عزلة الجدران المحلية والرمزية، تبيّن الإضرابات الإمكانيات السياسية الهائلة لقوة النساء؛ قوة من يحافظ عملهنّ، مدفوع وغير مدفوع الأجر، على العالم".

هجاء النظام الرأسمالي

ينتقد الكتاب بشدة النظام الرأسمالي في العالم ككلّ؛ بوصفه السبب الرئيس لتفاقم الأزمات التي تحدث، من مستويات معيشية متدهورة، وكوارث بيئية وحروب ونزاعات، "وتفشٍ للبربرية"، ولا تبدو أطروحات الكتاب خارجة عن المألوف، في ظلّ الأزمات التي يمرّ بها العالم، والتي تتقاطع جميعها فيما بينها؛ إذ إنّ الكاتبات متبنيات لمنظور نسوي اشتراكي تقاطعي، فلا يمكن عزل قضية، أو أزمة واحدة، عن باقي الأزمات التي تحدث حولها، وإذا طرحنا مثالاً من الواقع العربي، نرى أنّ بعض المنظمات والحركات النسوية في العالم العربي تعرضت لانتقادات واسعة في فترة جائحة "كوفيد 19"، فتزامناً مع الحجر الصحي، كثرت حالات الاعتداء والعنف اتجاه النساء المتزوجات من قبل أزواجهن، هذا عدا جرائم القتل وحالات الاغتصاب، وقلة هي المنظمات الحقوقية النسوية التي دانت هذه الاعتداءات.

يركّز الكتاب في البداية على نقد النسوية الليبرالية التي تتماهى مع النظام الرأسمالي في العالم

أهمية كتاب "نسوية من أجل الـ 99%" تكمن في أنّه يلقي الضوء على قضايا النساء من كافة الطبقات والأعراق والجنسيات "ترفض هذه النسوية أن تضحي برفاهية الأغلبية من أجل حماية حريات الأقلية، وتنتصر لاحتياجات وحقوق الأكثرية من النساء الفقيرات والعاملات والنساء المهاجرات والمنتميات لجماعات عرقية مهمشة، والنساء الكوير (أحرار الجنس)، والعابرات، والمعاقات، والنساء اللاتي يتمّ تشجيعهنّ على رؤية أنفسهن من "الطبقة الوسطى"، رغم أنّ رأس المال يستغلهنّ".

مشكلات النساء على حالها

المفارقة أن الكتاب يطرح المشكلات والأزمات التي تمرّ بها المرأة اليوم، وهي المشكلات نفسها التي عانت منها النساء في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي تشكّلت إثرها أول حركة نسوية في العالم؛ إذ تقول الحكاية؛ إنّه "في عام 1856 خرجت آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك، نتيجة الظروف اللاإنسانية التي كُنَّ يُجبرن على العمل فيها، لكنّ الشرطة في ذلك الوقت تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات، إلا أنّ المسيرة نجحت في دفع المسؤولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية.

تعتبر مُظاهرات "الخبز والورود" بداية تشكل حركة نسوية متحمّسة داخل الولايات المتحدة، خصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى النساء العاملات المطالبات بالمساواة والإنصاف

وفي 8 آذار (مارس) 1908؛ عادت آلاف عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك، لكنهنّ حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس، وباقات من الورود، في خطوة رمزية لها دلالتها، واخترن لحركتهنّ الاحتجاجية تلك شعار "خبز وورود".

وطالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل، ووقف تشغيل الأطفال، ومنح النساء حقّ الاقتراع".

وتعتبر مُظاهرات "الخبز والورود" بداية تشكل حركة نسوية متحمّسة داخل الولايات المتحدة، خصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى النساء العاملات المطالبات بالمساواة والإنصاف، ورفعهنّ شعارات تطالب بالحقوق السياسية، وعلى رأسها الحقّ في الانتخاب.

اقرأ أيضاً: هل تمكّنت الاجتهادات النسوية من تجاوز موروثات صورة المرأة؟

وبدأ بعدها الاحتفال بالثامن من آذار (مارس) بــ "يوم المرأة الأمريكية"؛ تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك عام 1908.

لكن في زمننا الراهن، لم تعد أعباء المرأة والمرأة العاملة استغلالها وإجبارها على العمل تحت ظروف بائسة فقط، بل ارتفاع نسبة العنف وحالات التحرش والاغتصاب الذي يمارس عليها وبحقها.

تقنين الإجهاض

كما يلقي الكتاب الضوء على قضية تقنين الإجهاض في بعض البلدان، فيقول: "تقنين الإجهاض في ذاته لا يفيد النساء الفقيرات ونساء الطبقة العاملة كثيراً؛ لأنّ قدراتهن المالية لا تكفي ثمنه، أو لا يستطعن الوصول للعيادات التي تقدمه؛ فالعدالة الإنجابية تتطلب إنهاء الممارسات العنصرية التسلطية في مهنة الطبّ".

ويشدّد الكتاب – المانفيستو، في أكثر من مناسبة، على فكرة أنّه من الصعب اليوم أن يكون هناك نضال نسوي معزول عمّا يجري حوله "النقطة الجوهرية بالنسبة إلينا، ومفتاح فهم الوضع الحالي، أنّ الصراع الطبقي يتضمن مختلف النضالات المتعلقة بإعادة الإنتاج الاجتماعي، مثل النضال من أجل الرعاية الصحية الشاملة، والتعليم المجاني، ومن أجل العدالة البيئية، وإتاحة الطاقة النظيفة، ومن أجل الإسكان  والنقل العام، والنضالات السياسية من أجل تحرّر النساء، وضدّ العنصرية والعداء للأجانب، وضدّ الحرب والاستعمار، مركزية بالقدر نفسه في الصراع الطبقي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية