هل تصدّر إيران التشيّع للمغرب؟

المغرب العربي

هل تصدّر إيران التشيّع للمغرب؟


06/06/2019

توشّحوا بعباءة الحسين، واختاروا طنجة، عروس الشمال، عاصمة لهم، يُمارسون طقوسهم الدينية بسرّية، يحزنون على واقعة كربلاء خلف الأبواب الموصدة، مُتوجسين من نظرة المجتمع.

المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران احتجاجاً على مباركتها لتورط "حزب الله" في تدريب ميليشيات جبهة "البوليساريو"

"حفريات" التقت بشيعة مدينة طنجة، وتحدثوا عن كيفية تحوّل طنجة إلى معقل لهم، وكيف أنهم يُمارسون طقوسهم الدينية سراً.

"التشيّع في المغرب ليس بالأمر الجديد، لقد كان إدريس الأول من آل البيت، ومناصراً للشيعة، لكنّ توالي الأسر الحاكمة جعل المغاربة يتأثرون بالتسنّن القادم من الشرق، أما نحن فليس لدينا أيّ ارتباط بإيران، كما يزعم البعض"، يقول خالد.
ويبلغ خالد 26 عاماً، وهو مغربي تشيّع قبل 5 أعوام، يرفض اتهام البعض لشيعة المغرب بالولاء لإيران، ويقول في حديثه مع "حفريات": "ولاؤنا الوحيد للوطن، وكلّ ما يروَّج كذب".

تربة كربلاء من بلجيكا
يحرص النشطاء الشيعة، بحسب خالد، على عدم إثارة الانتباه خلال ممارستهم طقوسهم الدينية، يُضيف في هذا الصدد: "لا تتضمن طقوسنا اللطم والضرب على الرؤوس، نكتفي بالأذكار".
في منازل الأفراد يُمارس الشيعة المغاربة طقوسهم الدينية، يصلون على تربة كربلاء، التي يتمّ جلبها من بلجيكا، ويصلّون بالسدل عوض القبض، على حدّ تعبير خالد.
وتشهد بلجيكا نموّاً متصاعداً للمدّ الشيعي بين الجالية المغربية التي تنحدر غالبيتها من شمال المغرب.

اقرأ أيضاً: حركة الصابرين.. هل تمثل ذراع التشيع الإيراني في غزة؟
وكانت مجلة"MO"  البلجيكية سبق أن نشرت تحقيقاً عن الشيعة المغاربة، تحت عنوان "الشيعة الجدد في بروكسيل"، تناولت فيه تشيّع إمام مسجد الرضا، عبد الله الدهدوه، وأوردت أنّ "الشيخ عبد الله، من جنسية مغربية، كان سنّياً، وتحوّل إلى التشيّع، وذهب إلى إيران لدراسة المذهب الشيعي، وبقي هناك 10 أعوام، ثم عاد ليصبح إمام مسجد الرضا، الذي يشكّل المصلّون المغاربة فيه الأغلبية".
وكانت جريدة "المساء" المغربية قد نشرت تحقيقاً عن الشيعة المغاربة في بلجيكا، وارتباطهم بإيران، مميطة اللثام عن ملف تصدير الشباب المغربي للدراسة في إيران، وقال الشيخ السنّي، محمد التجكاني، في حواره مع الجريدة: إنّ "السبب الأخطر هو استدعاء بعض الشباب للدراسة في مدارس الشيعة في إيران وسوريا ولبنان، وتأمين النفقات والمِنح لهم في دراستهم، إضافة إلى السكن وزواج المتعة، هذا الاستقطاب يُؤرق المخلصين لهذه الأمة، خصوصاً عندما يرَوْن أنّ هناك ميزانية خاصة للترويج للفكر الشيعي بين أبناء الجالية في أوروبا، أمام شبه غياب لدعم المحور السنّي".
وفي ردّه عن اتهامهم بالارتباط بإيران، يقول خالد: "هذه التقارير الصحفية تسعى للإساءة إلى الشيعة المغاربة، وتزيد من تأجيج المجتمع ضدنا، وتجعل من خروجنا إلى العلن وممارسة طقوسنا الدينية بحرّية أمراً صعباً".
يحرص النشطاء الشيعة على عدم إثارة الانتباه خلال ممارستهم طقوسهم الدينية

هل "نشر إيران للتشيّع مشروع"؟
هاجر إسماعيل في بداية السبعينيات إلى بلجيكا، وهناك غيّر مذهبه من سنّي إلى شيعيّ، ليختار قبل عامين العودة إلى المغرب، والاستقرار في ضواحي طنجة، يقول لـ "حفريات": "حياتي في بلجيكا كانت مختلفة جداً عن هنا، كنت أتمتع أنا وعائلتي بحرية ممارسة معتقداتنا، الوضع هنا مختلف ومن الصعب أن يكشف المرء عن تشيّعه".

اقرأ أيضاً: التشيع في المغرب: وهم يراهن عليه الولي الفقيه كطابور خامس
وعن رأيه في دعم إيران لنشر التشيّع، يُجيب إسماعيل: "بالنسبة إليّ نشر إيران للمذهب الشيعيّ في المغرب، أمر مشروع؛ لأنّه لا يمكن أن نفرض على المجتمع توجهاً واحداً، كما أنّ التشيّع ليس غرضه تغذية الخطاب الطائفي، هذه أفكار مغلوطة".
يضيف: "في طفولتي لم أكن أعرف أي شيء عن التشيّع، وبعد سفري إلى أوروبا، تعرّفت إلى مذاهب مختلفة، واخترتُ أن أتشيّع. العالم أصبح قرية صغيرة، ولا يمكن ممارسة الرقابة على الأفراد".
من الصعب تحديد أرقام دقيقة عن عدد الشيعة في المغرب؛ بسبب تخوفهم من المجتمع. وبحسب تقرير للخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية، لعام 2015، يُقدَّر عدد الشيعة في المغرب بـ 10 آلاف شيعي. ويرى إسماعيل أنّ العدد في تزايد مستمر، مشيراً إلى أنّه يتواجد أزيد من 5000 شيعي بالشمال، ويتمركز الأغلبية منهم بطنجة، وغالبيتهم يعملون بفتاوى سماحة السيد الحسين فضل الله اللبناني.

تشيّع المغربيات
يثير موضوع تشيّع المغربيات جدلاً واسعاً في المغرب، بين من يرى أنّه يساهم في تزايد عدد الشيعة المغاربة، ومن يراه حرية فردية، ومن حقّ المرأة أن تختار أيّ مذهب يناسبها.
تروي هند، البالغة 38 عاماً، قصتها مع التشيّع: "هاجرتُ إلى ألمانيا لأجل مواصلتي تعليمي العالي، وهناك تعرّفت إلى رجل شيعي من جنسية عربية، واشترط عليّ بعد زواجنا أن أتشيّع، فرحّبت بالفكرة، لأني كنت أحبه".

اقرأ أيضاً: هل تصدّر إيران التشيع إلى المغرب العربي؟
لم تتقبل عائلة هند تشيعها، كما أوضحت في اتصال هاتفي مع "حفريات": "كان من الصعب إقناع عائلتي بارتباطي برجل شيعي، لكنني تزوجت به رغماً عنهم".
ليست هند وحدها من اختارت التشيّع بسبب الزواج، فهناك عدد كبير من الشابات اللواتي سلكن الدرب نفسه، وبعضهن اخترن "التكتم على ذلك وإخفاءه عن العائلة"، على حدّ تعبير هند.

"إيران تستهدف الجاليات المغربية في أوروبا "
تتخوف هند من مستقبل أطفالها المتشيعين بالمغرب، حيث "لا يوجد في المغرب ثقافة تقبل المذاهب الدينية المختلفة؛ لذلك أفضّل أن أعيش خارج المغرب، أنا وأسرتي، لأني لا أرغب أن يعاني أطفالي من الإقصاء بسبب مذهبهم".

تتخوف هند من مستقبل أطفالها المتشيعين بالمغرب، حيث "لا يوجد في المغرب ثقافة تقبل المذاهب الدينية المختلفة"

يُشار إلى أنّ المملكة المغربية كانت قد قطعت، العام الماضي، علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، احتجاجاً على مباركتها لتورط "حزب الله" اللبناني الشيعي في تدريب ميليشيات تنظيم جبهة "البوليساريو" الانفصالي.
وكشفت جريدة "الصباح" المغربية؛ أنّ لجوء المغرب إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، لم يمنع طهران من الاستمرار في سياستها لنشر التشيّع، واستهداف وحدة المذهب المغربي.
وبحسب المعلومات التي نشرتها الجريدة؛ فإنّ "المغرب أبدى تشدداً لوقف التشيع ومحاصرته رسمياً؛ بإغلاق بعض المدارس المشتبه في علاقتها بإيران، ومُراقبة بعض المتشيّعين الوافدين من الخارج وأنشطتهم، ما دفع إيران، بحسب المصدر ذاته، إلى تغيير خطتها لاستهداف المغرب، والاعتماد مجدداً على الجاليات المغربية في أوروبا لنشر المذهب، واستقطاب بعض الأشخاص، خاصة أولئك الذين لديهم نفوذ في المغرب.
وأضافت أنّ "السفارات الإيرانية في أوروبا حرصت خلال هذه المدة، على تعيين أعضاء بسفاراتها، ووجهت إليهم تعليمات بربط علاقات مع الجالية المغربية، ومن مهامهم تحديد قائمة المغاربة المستهدفين من نشر التشيّع، وطلبت منهم مدّها بمعلومات حول سبل التمدد الشيعيّ بالمغرب، وأهم الشخصيات والمراكز الشيعية، وتحديد كيفية التغلغل الشيعي في أوساط الجالية، وآثار التشيّع في المغرب عبر مؤسسات (الخطّ الرسالي)".
وتتعامل السلطات المغربية بحذر إزاء الشيعة المغاربة، وكانت وزارة الداخلية قد رفضت الترخيص لتأسيس جمعية أسسها شيعة مغاربة، تحت اسم "رساليون تقدميون"، بيْد أنّ المحكمة التجارية قررت، عام 2015، الترخيص لمركز دراسات ونشر يحمل الاسم نفسه بموجب قانون الشركات، لكنّ مؤسسي المركز يزعمون أنّهم يواجهون حصاراً وتضييقاً من السلطات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية