هل تضع الانتخابات النيابية حداً للانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان؟

هل تضع الانتخابات النيابية حداً للانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان؟


12/05/2022

في الوقت الذي تستعد فيه لبنان للمرحلة الثالثة والنهائية من الانتخابات المقررة في 15 أيار (مايو) الجاري، وبينما تتواصل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، والتي وصفها البنك الدولي بأنها "من أسوأ الأزمات منذ فجر الثورة الصناعية"، أدان تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة الحكومة اللبنانية ومصرفها المركزي، مؤكداً أنهما ارتكبا انتهاكات لحقوق الإنسان عندما تسببا في إفقار الناس من خلال تدمير "اقتصاد البلاد بقسوة".

"جيلاً بأكمله حُكم عليه بالفقر"

وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لمكافحة الفقر، أوليفييه دي شوتر، إنّ الحكومة ومصرف لبنان فشلا في تأمين حقوق اللبنانيين في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ومستوى معيشي لائق على مدى فترة التراجع المستمر منذ 3 أعوام. 

ويشهد الاقتصاد اللبناني منذ العام 2019، انهياراً متسارعاً مع فقدان العملة المحلية أكثر من 90% من قيمتها، وزادت أسعار المواد الغذائية بمقدار 11 ضعفاً، وأصبح أكثر من ثلاثة أرباع السكان تحت خط الفقر، فيما يجد 9 من كل 10 أشخاص صعوبة في الحصول على دخل، وما يزيد على 6 أشخاص من كل 10 سيغادرون البلد لو استطاعوا، وفقاً للتقرير.

وأضاف في تقريره، الذي أعده في ختام مهمة لتقصي الحقائق استمرت 12 يوماً: "يمكن عكس اتجاه البؤس الذي حلّ بالسكان بقيادة تضع العدالة الاجتماعية والشفافية والمساءلة في صميم أعمالها".

مبعوث الأمم المتحدة الخاص لمكافحة الفقر، أوليفييه دي شوتر

كما وعبّر التقرير عن الأسف لندرة البيانات الرسمية اللبنانية حول الفقر، بعد أن اعتمد بشكل كبير على المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية.

وأضاف شوتر أنّ هذه الأزمة أتت "نتيجة لسياسات حكومية فاشلة"، وأنّ المسؤولين لم يقروا إصلاحات حتى مع تدهور الوضع. ورأى أنّ "التدمير القاسي للاقتصاد اللبناني لا يمكن الحكم عليه من خلال الإحصائيات فحسب، لاسيما أنّ جيلاً بأكمله حُكم عليه بالفقر".

فساد وإفلات من العقاب

ويشير تقرير شوتر إلى أنّ "دمج الإفلات من العقاب والفساد وعدم المساواة الهيكلية في نظام سياسي واقتصادي فاسد مصمم لإخفاق من هم في القاع، ولكن لا يجب أن يكون الأمر كذلك".

ووفق التقرير، "كانت المؤسسة السياسية على علم بالكارثة التي تلوح في الأفق لسنوات لكنها لم تفعل شيئاً يذكر لتلافيها. حتى أنّ بعض الأفراد المدعومين جيداً قاموا بنقل أموالهم إلى خارج البلاد، بفضل الفراغ القانوني الذي سمح بتدفق رأس المال إلى خارج البلاد".

مبعوث الأمم المتحدة الخاص لمكافحة الفقر: الحكومة ومصرف لبنان فشلا في تأمين حقوق اللبنانيين في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ومستوى معيشي لائق على مدى فترة التراجع المستمر منذ 3 أعوام

 

وقال المبعوث الأممي لوكالة "رويترز"، أنّ المسؤولين اللبنانيين "لديهم شعور بالحصانة من العقاب، وهذه مشكلة كبيرة للغاية".

كما أوضح أنّ هؤلاء المسؤولين اطلعوا على مسودة التقرير النهائي قبل نشرها لكنهم لم يطعنوا في أي من المزاعم المتعلقة بانتهاكات الحقوق.

إلى ذلك، أشار إلى أنّ صندوق النقد الدولي هو "الأمل الوحيد" بالنسبة للبنان إذا كان بمقدوره المساعدة في تخفيف حدة الفقر المتفشي.

وكان دي شوتر أكد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أنّ مسؤولي الحكومة اللبنانية بدوا كأنهم يعيشون في عالم آخر، بعيداً عن الصعوبات التي يواجهها معظم السكان، وفق ما أورده موقع "العربية".

فقر مدقع وأرقام صادمة

ووفق دراسة صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في أيلول (سبتمبر) من العام 2021، فإنّ معدلات الفقر تتزايد بشكل مهول في لبنان؛ إذ وصلت إلى 74% مشيرة إلى أنه إذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82% من السكان.

صندوق النقد الدولي هو "الأمل الوحيد" بالنسبة للبنان إذا كان بمقدوره المساعدة في تخفيف حدة الفقر المتفشي

وتقول الدراسة إنّ الفقر طال عام 2020 نحو 55% من السكان تقريباً، بعد أن كان 28% منهم يعانون منه عام 2019، وكشفت التقديرات الأخيرة وفق "الإسكوا" أنّ نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المتعدد الأبعاد قد تضاعفت تقريباً بين عامي 2019 و2021 من 42% إلى 82%.

وفيما يتصل بالفقر المدقع الذي يشمل الظروف المعيشية كافة، سواء في ذلك الصحية منها والخدماتية والتعليمية وغيرها، بعيداً عن حصره بمستوى الدخل فقط، فأشارت "الإسكوا" في تقريرها إلى أنّ 34% من السكان اليوم قد انضموا إلى هذه الطبقة، وفي بعض المناطق اللبنانية أكثر من نصفهم، خاصة في شمال لبنان والبقاع.

وتشير البيانات إلى أنّ نسبة الأسر المحرومة من الرعاية الصحية قد ارتفعت إلى 33%، كما ارتفعت نسبة الأسر غير القادرة على الحصول على الدواء إلى أكثر من النصف، ونسبة الأسر الفقيرة المحرومة من الكهرباء إلى 54%.

 يأتي تقرير الأمم المتحدة الأخير، قبل أيام من الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقررة الأحد المقبل، وهي الأولى منذ بدء الانهيار الاقتصادي في البلاد

من جهتها، أشارت "الإسكوا" إلى أنّ نسبة التضخّم في لبنان بلغت 281% في الفترة ما بين حزيران (يونيو) 2019 وحزيران (يونيو) 2021، ونتيجة لهذا التضخّم قفز خط الفقر ليتجاوز الحدّ الأدنى للأجور (675 ألف ليرة)، وأفضى ذلك إلى ارتفاع نسبة الفقر المادي من 29% عام 2019 إلى 55% عام 2020 حتى بلغ 74% عام 2021، وفق ما أورده موقع "نون بوست".

وكان وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، قد أشار في مؤتمر صحفي نظمته غرفة التجارة الأمريكية، عبر تقنية الاتصال المرئي نهاية العام الماضي، إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبنان، من نحو 55 مليار دولار العام 2018 إلى 20.5 مليار دولار العام 2021، بينما انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد بنسبة 37.1%.

هل ينتعش الاقتصاد اللبناني بعد الانتخابات؟

ويأتي تقرير الأمم المتحدة الأخير، قبل أيام من الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقررة الأحد المقبل، وهي الأولى منذ بدء الانهيار الاقتصادي في البلاد.

وتجرى هذه الانتخابات في الداخل اللبناني عقب إدلاء جالية البلد بأصواتها في العديد من دول العالم، للمساهمة في المرحلة السياسية المقبلة من البلاد، بأمل أن تحمل مؤشرات جديدة للقطع مع العديد من الممارسات في الحياة السياسية والاقتصادية، دفعت اللبنانيين في أكثر من مناسبة للخروج إلى الشارع للاحتجاج.

وتحاول بلاد الأرز مع هذه الانتخابات كسب ثقة المؤسسات الدولية مجدداً والداعمين لها، لفتح صنبور القروض والمساعدات التي لا غنى عنها لإعادة الحياة لاقتصاد محلي في حالة شلل تام، و"الانعتاق" من نظام مصرفي "بنكوقراطي وضع يده على مدخرات المواطنين"، وفق ما أورده موقع "فرانس 24".

 ويتعيّن على البرلمان الجديد إقرار مشاريع قوانين وإصلاحات يشترطها صندوق النقد الدولي من أجل تنفيذ خطة مساعدة بقيمة 3 مليارات دولار على 4 أعوام، وفق ما أعلن الصندوق.

ويعول الكثير من اللبنانيين على هذه الانتخابات لمنح البلاد جرعة جديدة من الأمل في المستقبل السياسي والاقتصادي لها. فيما ينظر لها البعض الآخر بنوع من التفاؤل المشوب بالحذر على غرار وزير المالية الأسبق والخبير والاقتصادي والمالي جورج قرم، معتبراً أنّ "التغييرات ستكون في الشكل وليس في الجوهر".

وفي حديث له مع "فرانس 24"، يفسر قرم احتمال بقاء الحال على ما هو عليه رغم هذه الانتخابات بسبب "سيطرة زعماء الطوائف الكبار على كل آليات الحكم"، مضيفاً أنّ البلاد تعيش حالة من "التوترات الطائفية والاختلافات الحادة من حزب الله ودوره في الحكم". 

أما بالنسبة للجانب الاقتصادي، يركز قرم على النظام المصرفي في لبنان، الذي يصفه بـ"البنكوقراطية بمعنى سلطة المصارف"، التي يعتبر أنها "تتحكم في أرزاق اللبنانيين"، الذين يواجهون صعوبات حتى في سحب القليل من المال من حساباتهم لتدبير حياتهم اليومية.

ويستنكر قرم "وضع البنوك يدها على مدخرات المواطنين". ويقول: "لبنان له نظام حكم لا مثيل له في العالم، هو حكم المصارف. ودائع المواطنين تبخرت والأرجح أن تكون خرجت من البلاد".

وحول المسؤول عن الوضع الذي وصل إليه لبنان يقول: "هناك تمازج وتماهي بين الفئات السياسية الطائفية الطابع ورؤساء المصارف"، معتبراً أنّ هذا الوضع "قضية تمس بحقوق الإنسان، إلا أنها لا تثير اهتمام لا المجتمع الدولي ولا المنظمات".

ورغم الأفق الضبابي الذي يرسمه حول مستقبل لبنان حتى بعد الانتخابات، يحتفظ قرم بنوع من الأمل في أن يحدث نوع من التغيير على مستوى الوجوه السياسية في حال انتخاب أسماء جديدة تمثل "الشباب المدني الذي لا يتأثر بالطائفية"، خاصة وأنّ الكثير منهم يختار الهجرة بعيداً عن صعوبة الوضع في موطنه، ما يفرغ البلاد من العديد من الأدمغة.

ويشدد الخبير الاقتصادي والمالي على أنّ التغيير الحقيقي لا يمر إلا عبر "تجاوز هذا النظام السياسي الطائفي" والدخول في تجربة سياسية حقيقية تتنافس فيها الأفكار، "مع العمل على إيجاد حل لممارسات المصارف التي تتحكم في أرزاق الناس".

يفسر وزير المالية الأسبق والخبير والاقتصادي والمالي جورج قرم، احتمال بقاء الحال على ما هو عليه رغم هذه الانتخابات بسبب سيطرة زعماء الطوائف الكبار على كل آليات الحكم

وتحديث المقاربة السياسية لدى القوى اللبنانية في التعامل مع الشأن العام، لم يعد خياراً بل ضرورة ملحة، ستوفر للبلاد مناخاً جديداً، يساعدها على كسب ثقة المؤسسات الدولية، خاصة وأنّ أي مساعدة ستكون مشروطة بجملة من الإصلاحات بينها المتفق معها مع صندوق النقد الدولي، وتشريع جملة من القوانين كقانون موازنة 2022 وقانون "الكابيتال كونترول" والتعديلات المطلوبة على قانون السرية المصرفية وأيضا قانون إعادة هيكلة المصارف.

وفي نيسان (أبريل) الماضي، توصل لبنان إلى مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي من أجل دعم محتمل بقيمة 3 مليارات دولار، معتمداً على قيام بيروت بتنفيذ إصلاحات طال انتظارها. وأعلنت السعودية وفرنسا عن إنشاء صندوق مشترك بقيمة 30 مليون يورو (32 مليون دولار) لتعزيز الخدمات الصحية والخدمات الأخرى في لبنان.

ويبدو أنّ الحكومة اللبنانية واعية برهان المرحلة المقبلة، وتؤكد على لسان وزير الاقتصاد أمين سلام في مقابلة تلفزيونية أنه "لا حل أمام لبنان سوى الاتفاق مع صندوق النقد، وأمام مجلس النواب الجديد مسؤولية إقرار القوانين الإصلاحية، أما التأجيل فسيدخل لبنان في وضع صعب جداً".

مواضيع ذات صلة:

حماية الأثرياء وإفقار الفقراء: وصفة لبنانية لحلّ الأزمة المالية

غضب شعبي لبناني على فاجعة "مركب الموت" واتهامات تلاحق الجيش

بورصة شراء الأصوات تخيم على انتخابات لبنان... وهذا ما يقوم به حزب الله




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية