هل تعمّق مناورات ترامب أزمات القيادة الإيرانية؟

إيران وأمريكا

هل تعمّق مناورات ترامب أزمات القيادة الإيرانية؟


01/08/2018

ربما شكل إعلان الرئيس الأمريكي ترامب استعداده للاجتماع بالقيادة الإيرانية، دون شروط مسبقة مفاجأة من العيار الثقيل، خاصة بالنسبة لشركاء واشنطن وحلفائها في المنطقة، في ظل معطيات وحقائق تؤكد أنّه لم يبق على طاولة صناعة القرار الأمريكي، الأكثر انسجاماً بين مراكزه في البيت الأبيض ومستشاريه؛ الأمن القومي والخارجية والاستخبارات، إلا خيار المواجهة العسكرية مع طهران.

استعداد ترامب للاجتماع مع القيادة الإيرانية ودون شروط مسبقة يتناقض كلياً مع المواقف الأمريكية المتصاعدة ضد إيران

ورغم القناعة بأنّ تصريحات ترامب وما تنطوي عليه من مفاجأة هذه المرة تجاه إيران، لا تخرج عن إطار المناورة، التي تشكل عنواناً لسياسات ترامب وانتقاله في تصريحاته وتغريداته من النقيض إلى النقيض، وعلى غرار خطواته تجاه كوريا الشمالية، وحروبه الاقتصادية مع أوروبا والصين، وحتى علاقاته مع روسيا بين استصدار قرار بعقوبات متواصلة والتأكيد على العلاقات الإيجابية مع الرئيس بوتين وإمكانيات وآفاق بناء تعاون بناء بين أمريكيا وروسيا.

اقرأ أيضاً: ترامب يطلب وإيران تتمنّع... فهل يحدث اللقاء المنتَظر؟!

استعداد ترامب للاجتماع مع القيادة الإيرانية ودون شروط مسبقة، يتناقض كلياً مع اتجاهات سلسلة المواقف الأمريكية المتصاعدة ضد إيران، على مدى الشهور الماضية، بالشروط الـ 12 التي أعلنها وزير الخارجية  الأمريكي للقبول بإمكانية بدء أي حوار مع القيادة الإيرانية، والعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة في تاريخ العقوبات الدولية، والتهديد والتهديد المضاد بين الرئيسين؛ الأمريكي والإيراني، إضافة للتهديدات التي أطلقها قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.

المرجح أنّ مفاجأة ترامب تأتي في إطار تكتيكاته في إدارة الصراع مع إيران

وبالرغم من إصرار جهات عدة بين محللين ومراكز دراسات وتفكير إستراتيجي على أنّ تناقض تصريحات الإدارة الأمريكية، وخاصة من قبل ترامب ومستشاره للأمن القومي، تعكس حجم الخلافات المفترضة بين أقطاب الإدارة الأمريكية، إلا أنّ المرجح أن ليس هناك اختلاف بين تلك الأقطاب على مواجهة إيران، وأنّ مواجهة القيادة الإيرانية إستراتيجياً ربما تشكل القاسم المشترك الأقوى بين تلك الأقطاب، وأن الاختلافات، وليس الخلافات، لا تتعدى البحث في خيارات وسيناريوهات تلك المواجهة، والتي يبدو أنّها اكثر إجماعاً على خيار إضعاف وإسقاط القيادة الإيرانية من الداخل.

اقرأ أيضاً: هل تدفع الأزمة الاقتصادية إيران للتفاوض مع أمريكا؟

من المرجح أنّ مفاجأة ترامب تأتي في إطار تكتيكاته في إدارة الصراع مع إيران، ويمكن تفسير هذه المفاجأة في قراءة السياقات المتسارعة والتي تمثلت برد الفعل الإيراني على عرض ترامب،  بالإعلان عن رفضه والتشكيك به،والمطالبة بإلغاء الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي كشرط مسبق لقبول الحوار، وهو ما لن يقبل به الرئيس الأمريكي، ومن غير الممكن عزل عرض ترامب لمحادثات مع القيادة الإيرانية ودون شروط عن سياقات تطورات متسارعة شهدتها الأسابيع الماضية وهي:

أولاً: التوافق الأمريكي الروسي الذي شهدته قمة هلسنكي قبل أسبوعين، وتحديداً حول الملف السوري، وجوهره ترتيبات لاحتواء إيران، في إطار استجابة روسية أمريكية لمطالب إسرائيل، وهو ما بدأت به روسيا بمؤشرات عديدة في سوريا تحت عناوين مختلفة، قاسمها المشترك، إضعاف الدور والحضور الإيراني عسكرياً وسياسياً في سوريا، وآخر تلك المؤشرات الدور الإيراني، شبه المعدوم، في معارك ومصالحات الجنوب السوري، وعليه فإنّ مفاجأة ترامب تأتي في إطار تطمينات وتشجيع لإيران لقبول ما تطلبه روسيا منها في سوريا.

تدرك القيادة الإيرانية خطورة مفاجأة ترامب وأنّها تكتيكية

ثانياً: توجيه رسالة أمريكية للأوروبيين وروسيا والصين، تظهر عدم جدية إيران في قبول أية عروض يمكنها أن تسهم في إيجاد حلول لملفها وخلافاتها مع أمريكا، وبالتالي تسويغ وتسهيل تمرير وتنفيذ العقوبات التي قررتها أمريكا على إيران، وإنهاء حالة التردد والتحفظ الأوروبي على الاستجابة للضغوط الأمريكية للانضمام لتلك العقوبات باعتبار أنّ إيران ستبدو أنها ترفض حتى التفاوض غير المشروط معها.

يدرك ترامب بأنّ مفاجأته ستعمل على تعزيز الانقسام داخل النظام الإيراني بين الإصلاحيين والمتشددين

ثالثا: يدرك ترامب بأنّ مفاجأته ستعمل على تعزيز الانقسام داخل النظام الإيراني بين الإصلاحيين والمتشددين، وأنّ مواقف الإدارة الأمريكية التصعيدية أسهمت في "حشر" الإصلاحيين وإفقادهم أوراق تفاوض داخلية، بحيث أصبح خطاب الرئيس روحاني منسجماً إلى حد بعيد مع خطاب المتشددين، بالإضافة إلى أنّ مفاجأة ترامب ستسهم في إضعاف مواقف القيادة الإيرانية أمام الاحتجاجات الإيرانية الشعبية بأنها رفضت عرضاً أمريكياً بالتفاوض دون شروط، مما سيضعف شعارات الاستكبار والاستهداف الأمريكي للثورة الإسلامية التي تتذرع بها القيادة الإيرانية.

اقرأ أيضاً: هذه شروط طهران لخوض محادثات مع ترامب

من جانبها، تدرك القيادة الإيرانية خطورة مفاجأة ترامب وأنّها تكتيكية، خاصة في ظل استمرار الضغوطات الشعبية عبر المظاهرات والإضرابات والاعتصامات التي تشهدها غالبية المحافظات الإيرانية على خلفية تداعيات الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، واستشراء الفساد، وعدم القدرة على مواجهة واحتواء الاحتجاجات، والتي تتزامن مع "خسارات" لأذرع إيران في سوريا بكون وجودها العسكري أصبح أهم شروط نجاح التسوية في سوريا، وفي العراق من خلال المظاهرات المتواصلة ضد حلفاء إيران ودورها هناك، وفي اليمن باستمرار مؤشرات فشل الحوثيين؛ عسكرياً وسياسياً بتقديم مشروع دولة، فيما يتابع العالم الدور التخريبي لإيران الذي تمارسه من خلال حزب الله، بإفشال تشكيل حكومة وطنية في لبنان .

ويمكن القول، إنّ مفاجأة ترامب ستعمّق مأزق القيادة الإيرانية، وتضع المشروع الإيراني كله على طاولة البحث، ولن تنفع معه مقاربة حافة الهاوية التي تجيد إيران استخدامها، فإيران اليوم بلا حلفاء؛ على الصعيد الداخلي والخارجي، وكلما عادت إلى الداخل تفاقمت أزماتها وتعمّقت.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية