هل تعود فرنسا "الأم الحنون" لاحتلال لبنان؟

هل تعود فرنسا "الأم الحنون" لاحتلال لبنان؟


11/08/2020

الدعوات الناقمة، التي تمثلت في عريضة وقعها عشرات آلاف اللبنانيين المطالبين بعودة الاحتلال الفرنسي بلادهم، تعكس انقلاباً في المعايير التي تحكم خيارات المواطنين بعد التفجير المرعب الذي ضرب ميناء بيروت الثلاثاء الماضي.

وما تزال توابع حادث تفجير ميناء بيروت مستمرة، حيث قدّمت الحكومة اللبنانية مساء أمس استقالتها، رسمياً، إلى الرئيس ميشال عون.

قال رئيس وزراء لبنان المستقيل حسان دياب في كلمة للشعب اللبناني إنّ انفجار بيروت كان نتيجة الفساد المتفشي، وإنّ منظومة الفساد أكبر من الدولة

وقال رئيس وزراء لبنان المستقيل حسان دياب في كلمة للشعب اللبناني إنّ انفجار بيروت كان نتيجة الفساد المتفشي.

وصرح دياب، حسبما أفادت وكالات الأنباء، بأنّ "منظومة الفساد أكبر من الدولة، ونحن لا نستطيع التخلص منها، وأحد نماذج الفساد انفجار بيروت".

وأضاف: "لا نزال نعيش هول المأساة التي ضربت لبنان وأصابت اللبنانيين في الصميم والتي حصلت نتيجة فساد مزمن في الإدارة.. حجم المأساة أكبر من أن يوصف، ولكن البعض يعيش في زمن آخر والبعض لا يهمه سوى تسجيل النقاط الشعبوية الانتخابية".

جانب من زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لبنان، عقب انفجاري بيروت

وكان ​البطريرك الماروني، مار بشارة بطرس الراعي​، اعتبر في عظة أول من أمس، الأحد، أنّ تفجير مرفأ بيروت جريمة موصوفة ضد الإنسانية، ومن الواجب الاستعانة بتحقيق​ دولي، لكشف حقائقها كاملة وإعلانها، مع وجوب محاسبة كل مسؤول عن هذه المجزرة مهما علا شأنه. وقال إنها تستوجب قرارات جريئة، ولا يكفي ​استقالة​ نائب من هنا ووزير من هناك. بل يجب الوصول إلى استقالة ​الحكومة​ برمتها إذا باتت عاجزة عن النهوض بالبلاد، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة.

وتزامنت العريضة الغاضبة، المطالبة بعودة الاحتلال، مع زيارة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان بعد الانفجار مباشرة. وأعرب الموقّعون على العريضة عن رغبتهم "في وضع لبنان تحت الانتداب الفرنسي لمدة عشرة أعوام بسبب انتشار الفساد".

اقرأ أيضاً: ماذا قال ماكرون في مؤتمر المانحين لدعم بيروت؟

ماكرون، الذي قام بالنزول إلى شوارع بيروت وتجوّل عبر الركام، علق على تلك المطالبات مؤكداً أنه: "لن يتعدى على سيادة لبنان".

وقال ماكرون خلال مؤتمر صحفي: "ما أود أن أقوله لكم ألا تطلبوا من فرنسا ألا تحترم سيادة لبنان، سأكون هنا في كل مرة يكون فيها اللبنانيون بحاجة للمساعدة".

وتابع: "صدقوني لن يصدر مني أي تدخل، وأيضاً لن يصدر مني محاباة لأحد، سأتصرف بدافع الصداقة؛ لأنّ بيننا تاريخاً مشتركاً يتواصل منذ 100 عام".

ماذا قال الرئيس السنيورة عن العريضة؟

وعلق رئيس الوزراء الأسبق اللبناني، فؤاد السنيورة، على المطالبة بوضع لبنان تحت الانتداب الفرنسي، قائلاً: "يجب أن يؤخذ ضمن مظاهر ثورة الغضب". وأضاف السنيورة خلال مداخلة هاتفية لبرنامج "حضرة المواطن"، الذي يقدمه الإعلامي سيد علي عبر فضائية "الحدث اليوم"، المصرية، مساء الأحد، أنّ عودة الانتداب الفرنسي أمر غير وارد على الإطلاق، متابعاً: "هناك غضب كبير وقع على الناس، وبهذه الثورة يتصرف البعض بطريقة لا مسؤولة ولكن يجب أن نتفهمها".

ولفت السنيورة إلى أنّ فرنسا لا تستطيع فعل هذا الشيء ولا اللبنانيون يستطيعون فعل هذا الشيء، بالرغم من توقيع المذكرة، موضحاً أنّ "اللبنانيين عندما شاهدوا الرئيس الفرنسي طالبوا بالأمر، وليس على الغضبان حرج"، حسب تعبيره.

وشدد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق على أهمية العودة إلى الأصول عبر الالتزام باتفاق الطائف والدستور والقوانين اللبنانية والعودة للمبادئ الأساسية من؛ احترام الحوكمة الصحيحة، واحترام استقلالية القضاء وعدم تسييسه، واحترام المبادئ التي تعود إلى إيلاء المناصب الحكومية إلى من هم يتمتعون بجدارة وكفاءة وعلى أساس تنافسي.

الأسباب العميقة لمطالب اللبنانيين

ويتساءل كثيرون عن الأسباب العميقة لمطالب اللبنانيين، في وقت تنهمك الدول والشعوب في المطالبة باستقلالها، والتحرر من قبضة الاستعمار. وهناك ن تساؤلات أيضاً بشأن سرعة "النجدة الفرنسية" للبنان، حيث توصف فرنسا بأنها "الأم الحنون"، وهو اسم مستعار يقال من باب السخرية حيناً، ومن باب الإشادة حيناً آخر، تبعاً لخلفيات القائل، كما يقول موقع "بي بي سي" الذي يشير إلى أنّ زيارة ماكرون العاجلة إلى بيروت، لم تكن غريبة، بل "خطوة طبيعية" نظراً لتعاطي فرنسا مع لبنان كأنه "حصتها" في الإقليم.

أشار موقع "بي بي سي" إلى أنّ زيارة ماكرون العاجلة إلى بيروت، لم تكن غريبة، بل "خطوة طبيعية" نظراً لتعاطي فرنسا مع لبنان كأنه "حصتها" في الإقليم

وهذه ليست المرّة الأولى التي يهرع فيها رئيس فرنسي لنجدة لبنان؛ فبعد التفجير الذي أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، ركب جاك شيراك طيارته، وحطّ في بيروت لمواساة العائلة. وعند وفاة شيراك العام الماضي، ساد الحداد الإعلام اللبناني المحلّي، في استذكار "صديق لبنان الكبير".

وعن الأبعاد العميقة للعلاقة التي تربط لبنان بفرنسا، ترى "بي بي سي"  أنّ هناك جزءاً من الشعب اللبناني يشعر "بارتباط ثقافي وهوياتي مع فرنسا، ويعدّ ذلك من أوجه الخلاف التي أخذت مناحي دامية بين اللبنانيين".

الخلافُ على هوية لبنان

ومن الانقسامات التي مهّدت للحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، الخلافُ على هوية لبنان، إذ كان اليمين اللبناني ينادي بفينيقيّته، فيما كان اليسار والتيارات القومية العروبية تنادي بعروبته. و"أحد أوجه تلك الهويّة الفينيقية التماهي مع الثقافة الفرنسيّة، والاعتداد بها، مما كان يستفز الطرف الآخر ذا الولاءات العربية".

وفي نظر المحللين، كان لتلك الانقسامات أرضيّة طائفيّة، مع اعتبار السياسيين الموارنة خصوصاً، والمسيحيين عموماً، أنّهم يدينون بالولاء للغرب، وفي مقدّمته فرنسا. وفي أدبيّات التيارات الطائفية المسيحية، فإنّ فرنسا ستهبّ دوماً لحماية المسيحيين في لبنان من أيّ خطر وجودي.

متى بدأ دعم فرنسا للبنان؟

وتشير المصادر التاريخية إلى أنّ دعم فرنسا للبنان بدأ منذ القرن الثالث عشر، وقد أخذت فرنسا على عاتقها حماية الكاثوليك في لبنان في معاهدة وقّعت عام 1535، وتمتدّ المراسلات بين الملوك الفرنسيين والبطاركة منذ ذلك العهد.

وتفاوضت فرنسا مع الحكام العثمانيين لحماية المسيحيين وتأمين نفوذها في المنطقة.

اقرأ أيضاً: ماذا قال ماكرون من بيروت؟

وإبان الانتداب الفرنسي 1920-1946، كان لدى لبنان شبكة من المدارس الفرنسية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، إلى جانب علاقات فرنسا الحميمة مع بعض الوسطاء من الساسة اللبنانيين.

وبسبب هذه العلاقات "الحميمة"، تعدّ باريس، كما تردف "بي بي سي" محجاً لآلاف الطلاب اللبنانيين سنوياً، كما تعيش فيها جالية لبنانية كبيرة، وكذلك يعيش آلاف الفرنسيين في لبنان. وتدعم فرنسا قوات "اليونيفل" التابعة للأمم المتحدة بأكثر من 600 عنصر، كما تعدّ من أبرز الجهات المستوردة من لبنان.

في أعقاب الزيارة الرئاسية الفرنسية العاجلة للبنان، تركزت التساؤلات حول طموح الرئيس ماكرون في أن تلعب بلاده دوراً جديداً في الشرق الأوسط من بوابة لبنان، ومع رئاسته وتنظيمه مؤتمر المانحين، مما يعيد، وفق "العرب" اللندنية، الأسئلة الجديدة القديمة عن الدور الفرنسي في العالم العربي سواء في الجزائر أو لبنان، لكن الإجابات ما زالت غير واضحة، وما إذا كان ثمة تنافس غربي جديد على أرض دول العالم العربي المكشوفة سياسياً وعسكرياً أمام التدخل الأجنبي، سواء من بوابة القواعد العسكرية، أو التدخل المباشر، أو الاتفاقيات الاقتصادية والدعم المباشر.

الدور المنتظر لباريس

وتفتح مواقف الرئيس الفرنسي الأخيرة تجاه تفجير بيروت سلسلة من القراءات عن الدور المنتظر لباريس، بعد التراجع الأمريكي في المنطقة مع عهد الرئيس دونالد ترامب، وبراغماتية الدور الروسي وحصره في بلدان محدودة مثل سوريا وليبيا.

وقد يبدو الزمن العربي فرنسياً هذه المرة، كما ترى "العرب" بعد أن كان أمريكياً بامتياز، ويؤكد ذلك تتبع الجولة التي قام بها ماكرون في بيروت المنكوبة، وتعاطف اللبنانيين معه، ومعاملته بطريقة توحي بأنه يحمل الحل لمأساتهم، رافضين الطبقة السياسية الحاكمة برمتها.

تفتح مواقف الرئيس الفرنسي الأخيرة تجاه تفجير بيروت سلسلة من القراءات عن الدور المنتظر لباريس، بعد التراجع الأمريكي في المنطقة مع عهد الرئيس دونالد ترامب، وبراغماتية الدور الروسي

ولا يبدو الموقف الفرنسي المندفع حيال لبنان، أنه لم يأخذ بنظر الاعتبار الاتفاق مع الولايات المتحدة، لذلك اعتبرت باريس مشاركة الرئيس دونالد ترامب شخصياً في المؤتمر الافتراضي للمانحين نجاحاً لدبلوماسيتها.

وحصل اتصال هاتفي بين ماكرون وترامب تركز حول المؤتمر. وذكرت مصادر إعلامية نقلاً عن الإليزيه أنّ الرئيس الفرنسي أبلغ نظيره الأمريكي بأنّ سياسات الضغط الأمريكية يمكن أن يكون المستفيد منها حزب الله، وبالتالي لا يتعين ترك لبنان لمصيره.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية