هل تعيش الديمقراطية الأمريكية لحظاتها الأخيرة؟

هل تعيش الديمقراطية الأمريكية لحظاتها الأخيرة؟


كاتب ومترجم جزائري
25/10/2021

ترجمة: مدني قصري

في الولايات المتحدة، يناقش السياسيون، وقادة الرأي والرؤساء، بشكل علني، إمكانية حدود انهيار حتمي لهذا النظام السياسي.

"تتّجه الولايات المتحدة نحو أخطر أزمة سياسية ودستورية منذ الحرب الأهلية، ويمكننا أن نتخيل بشكل معقول أنّه يمكن أن تواجه، على مدى السنوات الثلاث أو الأربع القادمة، اضطرابات مثل انتشار العنف، وانهيار السلطة الفيدرالية، وتقسيم البلاد بين الجيوب الحمراء والزرقاء المتناحرة".

مخاوف من مشروع عنيف يركز على عدّ الأصوات وسبل تمكين المسؤولين المنتخبين في تلك الولايات من تحديد الفائز في الاقتراع في نهاية المطاف، في ولايتهم

هكذا جاء هجوم ورقة متفجّرة،  نُشرت في 23 أيلول ( سبتمبر)، في صحيفة "واشنطن بوست"، ووقّع عليها روبرت كاجان؛ فحتى عام 2016، كان كاجان أحد أكثر إستراتيجيي السياسة الخارجية نفوذاً في الحزب الجمهوري. في هذه الورقة يناقش المقال القضايا المرتبطة بشكل عام بالديمقراطيات الهشة في أمريكا اللاتينية، مع ميلها السيئ السمعة إلى تدمير الذات سياسياً،  ويمكننا القول إنّه في هذا التحليل، يضع إصبعه على مرحلة رئيسة في سيرورة أمريكا اللاتينية لسياسة الولايات المتحدة.

ترامب وماكينة الفوز في الانتخابات

يؤسس المؤلف استدلاله على نقطتين: أوّلاً: دونالد ترامب هو المرشح الجمهوري الذي لا يمكن تجاوزه، والذي سيرشح نفسه لرئاسة الولايات المتحدة عام 2024. لقد ثبت أنّ الفكرة الأولية القائلة إنّ سلطته ونفوذه سوف يتلاشيان بعد هزيمته، عام 2020، ليست سوى وَهْم: فهو يمتلك المال، وكذلك الآلة السياسية، الضروريّين، وهو مدعوم من قبل ملايين المؤيدين المتعصبين. علاوة على ذلك؛ فبعد ثلاث سنوات سيواجه خصوماً ضعفاء سياسياً. لا شكّ في أنّ ترامب قد يشهد متاعب قانونية أو صحية تمنعه ​​من الترشح، لكنّ الرهان على هذا الافتراض ضربٌ من التمني، ولا يقوم على إستراتيجية سياسية.

يعتقد روبرت كاجان أنّ هُويّة الحزب الجمهوري لم تعد محدَّدة من خلال أيديولوجيته، ولكن من خلال ميزان القوى بين الترامبيين والمناهضين له. علاوة على ذلك، فإنّ كوادر هذا الحزب، على الرغم من أنّهم لا يُظهرون دعماً غير مشروط للرئيس السابق، فإنهم يتعرّضون للتهميش ولاعتداءات لا هوادة فيها.

اقرأ أيضاً: لماذا تخلفت الديمقراطية في المنطقة العربية؟

الحجة الثانية التي طوّرها عالم السياسة هذا مفادها؛ أنّ ترامب وحلفاءه يبذلون قصارى جهدهم لضمان فوزهم الانتخابي، حتى باللجوء إلى وسائل غير ديمقراطية، لقد ولّت المحاولات الخرقاء (والفاشلة) الرامية إلى اتخاذ إجراءات قانونية لمنح ترامب الأصوات التي كانت تنقصه للتغلب على بايدن. انتهت الحملة الإعلامية لإقناع الدولة بأنّ الانتخابات مزوّرة.

كيف يمكن تقوية الديمقراطية الأمريكية؟ من المفارقات أن أفضل طريقة لمحاربة السياسات غير المتكافئة، والتي تَمنح ميزةً انتخابية للديماغوجيّين والشعبويّين والدجالين، هي تجنّب المعارك على أرضهم

كلّ هذا يفسح المجال أمام مشروع عنيف ومتطور للغاية ومموَّل بسخاء، يجري تنفيذه بالفعل للسيطرة على العملية الانتخابية في الولايات الرئيسة، ويركز هذا المشروع على عدّ الأصوات وسبل تمكين المسؤولين المنتخبين في تلك الولايات من تحديد الفائز في الاقتراع في نهاية المطاف، في ولايتهم.

ديكور الفوضى

باختصار، "نحن الآن بصدد تهيئة المسرح للفوضى"، هكذا يُحذّر روبرت كاجان؛ تخيّلوا أسابيع من المظاهرات الجماهيرية والمظاهرات المضادة في عدة ولايات، فيما يدّعي خلالها نوابٌ، من كلا الحزبين، النصرَ، ويتّهمون الخصم بالانخراط في مناورات غير دستورية من أجل الاستيلاء على السلطة، من المرجح عندئذ أن يكون المؤيدون من كلا الجانبين أفضل استعداداً وأكثر ميلاً للشروع فعلياً في تنفيذ مخططاتهم، ممّا كانوا عليه في عام 2020 ".

اقرأ أيضاً: إيران وجدلية الحكم بين الثيوقراطية والديمقراطية

يدقّ روبرت كاغان جرس الإنذار بشأن ظواهر تُعدّ خطيرة بقدر ما هي جديدة في الولايات المتحدة، لكنّها معروفة في أمريكا اللاتينية. يعود الفضل لهذا الباحث لإدراكه أنّ الرجال الأقوياء مثل ترامب يلعبون السياسة بشكل مختلف عن القادة الديمقراطيين الآخرين، ويفضّلون استخدام إستراتيجيات غير متكافئة لتحقيق أهدافهم.

ومن المفارقات أن أفضل طريقة لمحاربة السياسات غير المتكافئة هي عدم القتال على أرض الشعبويّين.

دعونا ننظر إلى الأمر بهذه الطريقة: أسامة بن لادن علَّم العالمَ سرّ الحرب غير المتكافئة، بينما علّمنا دونالد ترامب ما تعنيه السياسة غير المتكافئة.

اقرأ أيضاً: العرب والديمقراطية وجماعات الإسلام السياسي

الحرب غير المتكافئة هي نزاع مسلح يمتلك فيه أحد المعسكرين موارد وقدرات عسكرية تفوق بكثير قدرات المعسكر الآخر، وهذا ما يُجبِر المجموعة الأضعف على اللجوء إلى إستراتيجيات وتكتيكات ومناورات غير تقليدية. عام 2015، عندما لم يكن لدى دونالد ترامب حزب مستعد لاستثماره كمرشح رئاسي، كان مستعدًا لكسر جميع القواعد والمعايير التقليدية في السياسة. هكذا فاجأ خصومه وأربكهم، هذه الإستراتيجية السياسية غير المتكافئة لم تسمح له فقط بالسيطرة على الحزب الجمهوري، لكن أيضاً بالارتقاء إلى الوظيفة الأعلى، وإن لم ينجح في الفوز بإعادة انتخابه، عام 2020 ، فإنّ نجاحه كقائد لحركة تزدهر بممارسة عدم التكافئية السياسية بات أمراً لا ريب فيه.

بعض عناصر للتأمل

إذًا، كيف يمكن تقوية الديمقراطية الأمريكية، ومنْع القادة ذوي الميول غير الديمقراطية من تقويض الديمقراطية من الداخل؟ من المفارقات أن أفضل طريقة لمحاربة السياسات غير المتكافئة، والتي تَمنح ميزةً انتخابية للديماغوجيّين والشعبويّين والدجالين، هي تجنّب المعارك على أرضهم.

اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي ومستقبل الديمقراطية في العالم الإسلامي

عندما تتعرّض الديمقراطية للهجوم عليها، يجب في هذه الحالة توسيعها وتعميقها، يجب إصلاح ديمقراطيات العالم، وهذا أمر ملحّ بشكل خاص في الولايات المتحدة، حتى تتمكن من التعامل مع الحقائق الطارئة (مثل الأوبئة)، أو العلل المتأصلة (مثل عدم المساواة).

لكن، قبل مناقشة الإجراءات الملموسة للدفاع عن الديمقراطية، ومقاومة الهجمات غير المتكافئة التي ستتعرّض لها، لا بدّ من إيجاد إجماع واسع حول خطورة هذا التهديد. إنّ الهجوم غير المتكافئ على الديمقراطية لا يندرج إطلاقاً في استمرارية "ما عرفناه دائماً"، فهذا الهجوم ظاهرة سياسية مختلفة، قد تؤدي إلى عواقب رهيبة. ولاستئصال هذه الظاهرة، نحتاج أوّلا إلى فهمِها، وإثارة الوعي حول سُمّيّتها، ومنحها الاهتمام الكامل الذي تستحقه.

لا نملك إلا أن نأمل في أن تنتصر الديمقراطية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.slate.fr




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية