هل تفلح سياسة توزيع المناصب في إنقاذ العدالة والتنمية؟

هل تفلح سياسة توزيع المناصب في إنقاذ العدالة والتنمية؟


04/06/2019

ذو الفقار دوغان

نجح حزب الوطن الأم قديماً بزعامة تورغوت أوزال في الاستئثار بالسلطة بعد انتخابات عام 1983، على الرغم من كافة وسائل الدعم التي قدمتها حكومة انقلاب 12 سبتمبر للحزب الجديد، الذي دفعت الجنرال المتقاعد تورغوت صون ألب إلى تأسيسه آنذاك.

واستطاع حزب الوطن الأم اكتساح جميع الأحزاب في الانتخابات المحلية، التي أجريت في العام التالي، وفاز برئاسة البلدية في عدد من المدن الكبرى مثل إسطنبول وإزمير وأنقرة وأنطاليا، بالإضافة إلى جانكايا أحد معاقل حزب الشعب الجمهوري في أنقرة في ذلك الوقت.

قام تورغوت أوزال بعد ذلك، في محاولة لتدعيم وجوده في السلطة، بتمرير عدد من القوانين في مجلس النواب؛ ضمنت له أن يجمع في يده وحده خيوط السلطة المحلية والمركزية معاً. لم يتردد أوزال في استخدام كافة صلاحياته بشكل موسع، خاصة عندما شعر بالضجر من التعامل مع لجان البرلمان والانتقادات المتوالية له من جبهة المعارضة؛ فقام باستصدار مراسيم قوانين وفق ما نصت عليه مواد دستور عام 1982. 

منحت مراسيم القرارات تلك أوزال الحرية الكاملة في سلطة إدارة البلاد، وفق أهوائه دون محاسبة، وهو أمر يُذكِّرنا بالأسلوب، الذي يتبعه حزب العدالة والتنمية في إدارته للبلاد بصفة عامة، وفي الفترة الأخيرة على وجه الخصوص. 

وقد اتبع أوزال في بداية حكمه نفس نهج أردوغان اليوم؛ فقام بإنفاق مليارات الدولارات لتنفيذ مشروعات البنية التحتية مثل طريق أنقرة - إسطنبول السريع، وطريق أضنه - غازي عنتاب السريع، ونفق بولو داغي، ونفق زيجانا، ومشروع المطار الجديد (مطار أتاتورك)، ومشروع تشييد جسرين على مضيق البسفور في إسطنبول. قام أوزال كذلك بإنشاء صناديق مالية، بعيداً عن الميزانية العامة للدولة؛ مما أتاح له حرية إنفاق مليارات الليرات، ومنح العطاءات للشركات والمقاولين المقربين له، دون أن يخضع للمحاسبة من قبل مجلس النواب.

وكما هو حال حزب العدالة والتنمية اليوم، دعم حزب الوطن الأم عدداً محدوداً من الشركات مثل ليماك وجنكيز وكولين وكاليون وغيرها من الشركات، التي تضخم حجم أعمالهم بسرعة كبيرة في ذلك الوقت.

وكان من بين رجال الأعمال، الذين دعمهم أوزال بقوة أيضاً نورالدين أوزكوجاك مالك شركة قوتلوطاش، الذي كان يستضيف أوزال وزوجته باستمرار على متن ياخته "نيرفانا"، وشاريق تارا مالك شركة أنيشتا-قايبيرادَر  للإنشاءات وشفيك غول أكبر مقاول للطرق السريعة في تركيا في ذلك الوقت.

ومن جهة أخرى، تم تكليف عدد من أصدقاء أحمد أوزال (بن تورغوت أوزال)، أثناء دراسته في الجامعة في أميركا، بإدارة غالبية البنوك العامة والبنك المركزي التركي، على الرغم من افتقادهم للخبرة الكافية لإدارة مثل هذه المؤسسات.

قام أصدقاء أحمد أوزال بممارسة الضغوط على عدد كبير من البنوك المملوكة للدولة مثل "زراعت بنك" و"أملاك بنك" و"خلق بنك" و"دنيز بنك" و"أناضولو بنك"، بالإضافة إلى ما يقرب من 50 مؤسسة اقتصادية عامة أخرى في تركيا تحولت جميعها إلى مصدر تمويل لأوزال والمحيطين به.

وعندما بدأ الوضع الاقتصادي في التدهور، تزامناً مع نضوب موارد الدولة، استغل أوزال مجالس الإدارة في البنوك المملوكة للدولة والمؤسسات الاقتصادية العامة لقمع أصوات المعارضين له داخل الحزب؛ فقام بتشكيل مجالس استشارية سُباعية، بعيداً عن مجالس الإدارة في المؤسسات الاقتصادية العامة، وعيَّن فيها نواب حزب الوطن الأم السابقين، وبعضاً من رموز المعارضة، وعدداً من الأقارب والأصدقاء كذلك، وقام بتخصيص سيارات فارهة، ومكاتب وطاقم سكرتارية، وخصص لهم رواتب مرتفعة للغاية، على الرغم من عدم قيامهم بعمل حقيقي يوازي هذه المبالغ، وبذلك ضمن أن يلتزم هؤلاء الصمت.

ولكن مع ادعاء رجل الأعمال سليم أديس، وهو أحد رجال الأعمال المقربين إلى تورغوت أوزال، أن أحد أصدقاء أوزال الابن، الذي جاء بهم من أميركا، وكان يتولى رئاسة بنك "أملاك بنك" ويُدعى أنجين جيفان، قد طلب منه دفع رشوة، وقول جيفان، مدافعاً عن نفسه "ليُظهر ما لديه من وثائق تؤكد صحة زعمه"، وتعقيب وزير الاقتصاد ونائب رئيس الوزراء آنذاك غونش تانير على قول جيفان بعد ذلك بقوله "اللعنة، وهل يقتضي تقديم الرشوة وجود وثائق؟!"، أصبحت مصداقية حزب الوطن الأم في وضع صعبٍ للغاية.

وددتُ أن أُذكِّر بهذه الأحداث؛ كي أؤكد أن الوضع السياسي والاقتصادي السيء في تركيا اليوم، وتعمق الخلاف داخل حزب العدالة والتنمية، ومن ثم الحديث عن تكوين حزب سياسي جديد من عباءة الحزب الحاكم، ثم اتجاه أردوغان إلى تعيين أشخاص بعينهم في مناصب فخرية في رئاسة الجمهورية، وعلى رأس مجالس الإدارة في البنوك المملوكة للدولة، وإغداق الأموال عليهم دون أن يؤدوا عملاً يستحق هذه الأموال، كلها أمور تؤكد اتباع أردوغان وحزب العدالة اليوم نفس النهج الذي سار عليه تورغوت أوزال وحزب الوطن الأم قبل 30-35 عاماً.

كان أردوغان، الذي عيَّن جيشاً من المستشارين، جنباً إلى جنب، مع موظفي القصر الرئاسي، وأبعد الكوادر المُؤسِّسة لحزب العدالة والتنمية، وأصحاب الخبرات الحقيقيين، هو نفسه الذي أصدر مرسوماً رئاسياً، نشرته الجريدة الرسمية، يقضي بتشكيل  المجلس الاستشاري الأعلى، الذي يتبع في عمله رئاسة الجمهورية مباشرة.

جاء في المرسوم الرئاسي "تقرر تشكيل المجلس الاستشاري الأعلى بُغية الاستفادة من خبرات أشخاص خدموا الأمة والوطن على أن يتولى رئيس الجمهورية تحديد المبالغ المالية التي سيتقاضاه أعضاء المجلس".
وبعد ذلك، ذكر عصمت أوزجليك، الذي جرى تعيينه مع بولنت أرينتش ضمن أعضاء هذا المجلس مكافأة لهما على "ولائهما" لأردوغان"، في مقال نشرته صحيفة "أيدينليك" أنه عما قريب ستصدر قرارات مماثلة من أجل تعيين رؤساء مجلس النواب السابقين من أنصار حزب العدالة والتنمية، وهم  كوكصال توبتان ومحمد علي شاهين وجميل جيجك وعصمت يلماز وإسماعيل قهرمان وبن علي يلدريم (وخاصة إذا لم يوفق في الانتخابات المقبلة).

وفي السياق نفسه، قامت حكومة أردوغان بعمل تغييرات إدارية كبيرة في المجالس العامة التابعة للبنوك المملوكة للدولة، وتم تعيين وزير الداخلية السابق عبد القادر أقسو رئيساً لمجلس إدارة بنك "وقف بنك"، ورئيس البرلمان السابق صادق ياقوت في عضوية مجلس الإدارة في ذات البنك.  

ومما لا شك فيه أن أردوغان يسعى من وراء هذه التعيينات إلى قطع الطريق أمام الحزب الجديد من ناحية، وإرسال رسالة إلى كل الأسماء، الذين أبعدهم منذ فترة طويلة من دائرة الأضواء، مفادها "إذا بقيتم مخلصين فستنالون مكافأتكم" بالتعيين برواتب ضخمة للغاية، (لم يُعلن مقدارها) في المؤسسات العامة ورئاسة الجمهورية والبنوك.

ولكن يبدو أن إغداق الأموال الذي لم يكن الحل الأمثل لإبقاء تورغوت أوزال وحزب الوطن الأم متصدرين للمشهد السياسي في تركيا في الماضي لن يفلح في إنقاذ المستقبل السياسي لحزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان، الذي بدأ يتجه بالفعل إلى الهبوط  .

هذا المقال يعكس آراء الكاتب، وليس بالضرورة أن يكون متوافقًا مع السياسة التحريرية في موقع "أحوال تركية".

عن "أحوال" التركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية