هل تكبح إسرائيل أطماع تركيا في الشرق الأوسط؟

هل تكبح إسرائيل أطماع تركيا في الشرق الأوسط؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
19/10/2020

في الوقت الذي تواصل فيه تركيا البحث عن مكاسب وأطماع اقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، من خلال التدخّل في شؤون البلاد وسرقة الثروات الطبيعية، إلى جانب تجاوز الحدود البحرية للدول المجاورة، والسيطرة على حقول الغاز في مياهها الإقليمية، تبدي الأوساط السياسية والعسكرية في إسرائيل انزعاجاً كبيراً من سياسات أردوغان الاستفزازية، ومحاولات الاحتكاك المتكررة مع إسرائيل في المنطقة، والتي كانت آخرها دعوته إلى تحرير القدس والأقصى، وباتت القيادة العسكرية في الجيش تأخذ بعين الاعتبار كافة التحركات التركية في المنطقة، والتي من شأنها زعزعة استقرار وأمن إسرائيل، خاصة في ظلّ تزايد حدّة الأطماع والتدخّل التركي المتزايد نحو تحقيق مآلات اقتصادية.

وطالب خبراء إسرائيليون الحكومة الإسرائيلية بالبقاء على حذر تامّ في التعامل مع تركيا، خاصة في العمل على مراقبة النشاط التركي الخفي في مدينة القدس، وتحييد نفوذها وفحص الآثار المترتبة على تكثيف جهودها هناك؛ حيث تواصل تركيا، من خلال تحركاتها الإقليمية، إظهار العداء لإسرائيل، سواء بالتحريض، أو بالاحتكاك غير المباشر معها، في مقابل أنّ إسرائيل تراها دولة صديقة لها وتحافظ على علاقات اقتصادية وتجارية معها.

أدرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تركيا ضمن قائمة المنظمات والدول التي تهدّد الأمن القومي الإسرائيلي، لكنّ التقديرات الاستخباراتية استبعدت اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين

 

 وتشير التقديرات السياسية في إسرائيل إلى أنّ سياسات تركيا في المنطقة تهدف إلى السيطرة الاقتصادية الكاملة على منطقة الشرق الأوسط، وذلك تمهيداً للهيمنة الإقليمية وفرض القوة للتضييق على إسرائيل التي تهيمن بقوتها على المنطقة؛ حيث يشكّل الوجود التركيّ المتزايد في العديد من البلدان العربية، وأبرزها ليبيا والعراق وسوريا، تخوّفاً كبيراً بالنسبة إلى إسرائيل؛ كون المناطق المذكورة غنية بالثروات الطبيعية والبترول، ومن شأن ذلك تنامي قوة تركيا الاقتصادية على حساب إسرائيل؛ حيث قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية وجود 3500 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في المنطقة، إلى جانب وجود 1,9 مليار برميل من النفط، وهذا جعل من المنطقة مركزاً للصراع وبوابة للأطماع التركيّة؛ لتعزيز اقتصادها الذي يعدّ مصدر قوّتها.

تهديد الأمن القومي الإسرائيلي

وأدرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في تقريرها الاستخباراتي لعام 2020، تركيا ضمن قائمة المنظمات والدول التي تهدّد الأمن القومي الإسرائيلي، لكنّ التقديرات الاستخباراتية استبعدت اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين، فيما لم تحدّد الاستخبارات العسكرية في تقديراتها طبيعة التهديد الذي تشكّله تركيا على الأمن القومي الإسرائيلي ونوعيته ومضمونه، لكنّها قالت إنّ السياسات التي يتّبعها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي تحالف حزبه الإسلامي مع جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، كانت وراء القلق الإسرائيلي؛ إذ جعلت هذه الممارسات والسياسات تركيا واحدة من أكبر المخاطر الإقليمية التي تجب مراقبتها ورصد تحركاتها.

إقرأ أيضاً: "حدود التماس".. اتفاقيات متوسطية تضع حدا للأطماع التركية

وفي خضمّ كافة التهديدات التركية التي ترى فيها إسرائيل مدخلاً لزعزعة أمنها واستقرارها، تعمل إسرائيل على رسم خريطة لكبح جماح طموح القيادة التركية، من خلال وقف تمدّد أطماعها البحرية والبرية في المنطقة، ومنع أيّة محاولة لتشكيل تهديد لمصالح إسرائيل وشركائها في المنطقة؛ حيث تعتمد الخطة الإسرائيلية القادمة في التأثير الاقتصاديّ بشكل أساسي على تركيا، والذي يعدّ نقطة الضعف بالنسبة إليها، خاصة في الوقت الذي تحاول تركيا من خلاله تقوية اقتصاد البلاد، لتصبح دولة قوية وكبيرة ومؤثرة في الشرق الأوسط.

الخبير العسكري واصف عريقات لـ"حفريات": بإمكان إسرائيل الضغط اقتصادياً على تركيا، وإحداث الضرر باقتصادها، في ظلّ انزعاجها من تزايد وتيرة التدخّل وأطماعها خارج حدودها الإقليمية

 

من جهته، قال الكاتب والمختصّ في الشأن الإسرائيلي، هاني أبو السباع: إنّ "تركيا تحاول تعزيز قوتها الاقتصادية في المنطقة على حساب مصالح الدول الإقليمية؛ لأنّها تعاني من أزمات اقتصادية حادّة، وأصبحت معرَّضة للخطر بشكل كبير، بسبب جائحة كورونا التي ضربت قطاع السياحة، أحد أهم الروافد الاقتصادية للدولة؛ لذلك شهدت الليرة التركية انخفاضاً كبيراً، إضافة إلى تراجع النمو الاقتصاديّ وتراكم الديون عليها، وكلّ هذا الانزلاق يضعف تركيا، التي تعتمد في قوّتها على الاقتصاد.

  وأشار أبو السباع، في تصريح لـ "حفريات"، إلى أنّ خطوات تركيا في المنطقة قائمة على هدفين رئيسَين بالنسبة إلى الرئيس أردوغان، إذ تعدّ المسألة الاقتصادية أحد أهم ركائز تقويض قبضته على السلطة والمحافظة على استمرار بقائه في سدّة الحكم, والهدف الآخر قائم على كسر الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، والتي تفرض سيطرتها الكاملة، عسكرياً واقتصادياً، وتسيطر على أغلب حقول الغاز في شرق المتوسط، لا سيما الحقول الفلسطينية المنتشرة على طول ساحل قطاع غزة، إلى جانب طموحات أردوغان في تنصيب نفسه سلطاناً على المسلمين, واستعادة أمجاد الدولة العثمانية وهيمنتها من جديد في الشرق الأوسط.

تركيا تستغلّ حالة الفوضى في إسرائيل

وأوضح أنّ تركيا تستغلّ حالة الفوضى التي تشهدها إسرائيل والمتعلقة بأزمة كورونا التي عزّزت الفوضى في البلاد، إضافة إلى التوتر الأمني على الحدود الجنوبية والشمالية، من خلال الزحف نحو نهب الثروات والبحث عن حقوق الغاز في شرق المتوسط، لكنّ إسرائيل، على الرغم من الأزمات التي تواجهها والخطر الذي يحدق بها، إلّا أنّها تأخذ التهديد التركي الاقتصادي لها على محمل الجدّ، وتعزز قدراتها لمواجهة التغوّل التركي المتواصل إقليمياً، دون اللجوء إلى مواجهة عسكرية بين الجانبين.

إقرأ أيضاً: تركيا وإسرائيل: علاقات اقتصادية تكشف أوهام العداء

في السياق ذاته؛ يقول الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي، عمر جعارة إنّ "إسرائيل تحاول بشتى الطرق التأثير على تركيا وإجبارها على التراجع، بالضغط عليها، خاصّة من بوابة الاقتصاد، فالمسألة الاقتصادية، بالنسبة إلى تركيا، لها تأثير كبير في إضعافها والضغط عليها، لكنّ تركيا، في المقابل، تشكّل خطراً حقيقياً على مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، من خلال عرقلة الملاحة البحرية التجارية الإسرائيلية؛ حيث خلقت تركيا في شرق البحر المتوسط منطقة بحرية عازلة بين إسرائيل وأوروبا؛ حيث تمرّ جميع السفن المبحرة بين إسرائيل وأوروبا عبر الأراضي التركية، ويمكن بذلك لتركيا صاحبة السيادة في هذه المنطقة أن تؤخر السفن وتستجوبها، وبذلك ستكون إسرائيل رهينة لتركيا. 

ويوضح جعارة، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ العمليات البحرية التركية المتواصلة, بإمكانها أن تضرّ بالاقتصاد الإسرائيلي، وتزيد تكاليف التجارة البحرية الإسرائيلية، كما يمكن أن تخلق حالة نزاع بين السفن التركية والإسرائيلية، في حين أنّ مثل هذا الموقف يمكن أن يؤدي إلى تصعيد سياسي، وربما عسكري، بين البلدين، وإن كان الاحتمال ضعيفاً، لكن تجاوز تركيا لكافة الخطوط الحمراء ومحاولة زعزعة اقتصاد إسرائيل، الذي يعدّ أهمّ ركائز الدولة وقوتها في المنطقة، إلى جانب القوة العسكرية، ربما يأخذ ذلك الأمور إلى منعطفات خطيرة، تجبر إسرائيل على الدخول في كافة السيناريوهات المحتملة لحماية مصالحها من التغول التركي الممتد إقليمياً.

إقرأ أيضاً: "تركيا والنزاع على الشرق الأوسط".. إلى أيّ خراب يقود أردوغان بلاده

ويرجّح جعارة أنّ إتفاقية التعاون التي تقيمها إسرائيل في حوض البحر المتوسط، مع مصر واليونان وقبرص، في مجال الغاز والطاقة، والتي تدعمها الإدارة الأمريكية، ربما ستؤدّي إلى تراجع تركيا عن تمادي أطماعها ولجم تجاوزها للحدود البحرية، خوفاً من تصعيد عسكري مشترك يضرّ بمصالحها، إلى جانب أنّ هذا التعاون يساعد إسرائيل في تعزيز العلاقات مع أوروبا التي تواصل ضغوطاتها على تركيا، وتشغلها بنفسها، في حين أنّ إسرائيل ترى في هذا التحالف خطوة نحو إبقاء تركيا على اتصال وحوار دائم معها، وذلك يؤدّي إلى إخضاع تركيا لشروط تحدّ من تجاوزاتها للقوانين الدولية، وهذا ما تريده إسرائيل.

تركيا وتهديد حرية الملاحة

ويستبعد الخبير العسكري، واصف عريقات، في حديثه لـ "حفريات"، أن تقدم إسرائيل على أيّة خطوة يمكنها أن تلحق ضرراً بها، فأيّة خطة تعدّها إسرائيل لمواجهة تمدّد تركيا في المنطقة ولجم الخطر الذي يحوم حولها، يجب أن تكون مدروسة جيداً، فالنشاط التركي يشكّل تهديداً لحرية الملاحة والتجارة البحرية ومستقبل المصالح الإسرائيلية، ويضع ذلك مشروع خطّ الأنابيب الإسرائيلي لنقل الغاز الطبيعي من البحر المتوسط إلى أوروبا، أمام تحدّيات وعراقيل قد تمنع إنجازه تركيا.

ويرى عريقات؛ أنّ طبيعة العلاقات بين إسرائيل وتركيا جيدة، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وأنّ هناك اتفاقيات تعاون ثنائية بهذا المجال، لا سيما أنّ كثيراً من السلع والمنتجات التركية تمرّ عبر الموانئ الإسرائيلية، وصولاً إلى دول عدة في الشرق الأوسط، في حين أنّ حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 60%، وبإمكان إسرائيل هي الأخرى اتّخاذ خطوات مماثلة من خلال الضغط اقتصادياً على تركيا، وإحداث الضرر باقتصادها، في ظلّ انزعاجها من تزايد وتيرة التدخّل والبحث عن الأطماع خارج حدودها الإقليمية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية