هل تمثّل نظرية التكامل بين الجنسين بديلاً حقيقياً للمساواة؟

النسوية الإسلامية

هل تمثّل نظرية التكامل بين الجنسين بديلاً حقيقياً للمساواة؟


09/02/2020

تعدّ نظرية التكامل بين الجنسين أساسَ الفكر النسويّ الإسلاميّ؛ إذ تتضمّن أهمّ أفكاره وطروحاته حول وضع المرأة داخل الأسرة والمجتمع، كما تمثّل البديل عن المساواة بين الجنسين المُستمّد من الثقافة الإسلامية؛ بهدف معالجة الأفكار الذكورية داخل المجتمعات الإسلامية بما يتماشى مع خصوصياتها.

اقرأ أيضاً: النسوية الإسلامية: حضور متزايد يُقيّد أفق المرأة
فما معنى نسوية إسلامية؟ وما فحوى نظرية التكامل بين الجنسين؟
كيفَ تبرّر النسوية الإسلامية موقفها المعادي للمساواة؟
وإلى أيّ مدى تتشابه أطروحات النسويات الإسلاميات مع أفكار حركات الإسلام السياسي ونظرتها لدور المرأة ومركزها داخل المجتمع؟
ما معنى أن تكون النسوية إسلامية؟
تُعرَّف النسوية الإسلامية بأنّها حركة تدافع عن حقوق النساء داخل المجتمعات الإسلامية، وتبرّر المُنتميات إلى هذا التيار تأسيسهُ بضرورة أن تتمّ معاجلة الذكورية داخل المجتمعات الإسلامية، بأفكارٍ وآلياتٍ تُستنبط من داخل الثقافة الإسلامية ذاتها، فأزمة النساء، بحسب النَّسويات الإسلاميات لا تعودُ إلى ظلمِ الدّين لهنّ؛ بل لسوء فهمهِ وتأويلِ نصوصه.
حينَ نقرأ كتابات المنتميات إلى هذه الحركة نلاحظُ تكرّر حجّة أساسية تتمثّلُ في رفضهنّ الالتحاقَ بتيار نسوي نشأ في الغرب، أو في ظلّ ثقافةٍ مسيحية؛ وتفضيلهنّ تأسيسَ تيار إسلاميّ يمكنّهن من معالجة قضايا النساء دون المساسِ بخصوصية المجتمعات الإسلامية.


نفهمُ إذاً من رفضِ النسوية الإسلامية للحركة النسوية المعاصرة، باعتبارها حركة غربية/ مسيحية؛ أنّ تأسيس تيار خاص بالمجتمعات الإسلامية يُعدّ دفاعاً عن المرأة والإسلام في اللحظة ذاتها، وهو ما يقود نحو اعتبار النسوية العلمانية، بمختلفِ مدارسها وأطروحاتها، نسوية لصيقة بالفكر المسيحيّ، ولا يمكنُ أن تكون ناجعة إلّا داخل المجتمعات التي تهيمن فيها الثقافة المسيحية.

أزمة النساء بحسب النَّسويات الإسلاميات لا تعودُ إلى الدّين بل لسوء فهمه وتأويل نصوصه

يروّج موقف النسويّات الإسلاميّات من النسوية العلمانية لصراع وهميّ بين الديانات، صراع يلغي ويخفي الطابع الكونيّ للحركة النسوية المعاصرة؛ فحتى إن كانت قد تأسّست في الغرب، إلا أنّ ما تطرحه من أفكار يتجاوز حدود الجغرافيا ويروّج لقيمٍ ومبادئ تسعى إلى القضاء على التمييز وتكريس مساواة فعلية وحقيقية بين النساء والرجال في كلّ المجالات، وداخل كلّ المجتمعات البشرية.
وهو ما يقودنا نحو اعتبار موقف النسويات الإسلاميات من الحركة النسوية المعاصرة موقفاً من مطلب المساواة ذاته.

موقف النسويات الإسلاميات من المساواة
تعدّ النسويات الإسلاميات التساوي بين المرأة والرجل في الحقوق غير ممكن، وذلك نظراً إلى اختلافِ دورهما داخل المجتمع، فلكلّ منهما دورٌ محدّد ومختلف عن الآخر، وبالتّالي تحصل المرأة على نصيب من الحقوق يتكامل مع نصيب الرجل دون أن يتساوى معه.

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت النسوية المعاصرة ذراعاً خفياً للنظام الرأسمالي الذكوري؟
هذا ما تعبّر عنه النسوية الإسلامية بنظرية التكامل، وهي نظرية جوهرية في فكر هذا التيار، تقابلُ نظرية التساوي في الحقوق "أي المساواة بين الجنسين"، وتدحضها بوصفها فكرة دخيلة على المجتمعات الإسلامية.
في هذا الإطار؛ تتعرّض الكاتبة الإيرانية، فَريبَا علاسوندْ، في مؤلّفها ''المرأة في الإسلام'' الصادر عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ببيروت إلى فكرة المساواة، معلنة أنّه: ''ليس من العدلِ إعطاء حقوق متساوية في وضعِ غير متكافئٍ، فأحياناً يؤدّي سنّ قوانين متساوية إلى إلغاء الحماية عن الشخص أو الفئة التي هي في حاجة إليها، وكمثال؛ لو احتاجت المرأة بسبب وضعها البيولوجي في حالة الحمل إلى قوانين وحقوق أكثر، فإنّ نظرية التساوي في الحقوق تحرمها من ذلك''.

الكاتبة الإيرانية "فَريبَا علاسوندْ"

لا تمتّ الحجة المقدّمة من الكاتبة لمنطق التشريعِ بأيّة صلة؛ فالمساواة في الحقوق تعرّف بوصفها معاملة منْ هُمْ في الوضعية القانونية نفسها بالطريقة نفسها، وهنا، لا يعدّ خرقاً للمساواة أن تتمتّع المرأة بعطلة حملٍ دونَ الرجل، ما دام هذا الأخير لا يحملُ ولا ينجبُ، وإن حصلَ ذلك، فسيكونُ له الحقّ نفسه ما دام في وضعيّتها نفسها.

اقرأ أيضاً: السينما النسوية السعودية تضع المجتمع أمام عيوبه
إضافة إلى سوء فهمِ الكاتبة لمعنى المساواة وكيفية تفعيله في القوانين، نلاحظُ عدمَ تعرّضها للتمييز الإيجابي، الذي يعدّ استثناءً لمبدأ المساواة، وذلك لحماية حقوق بعض الفئات نظراً لخصوصية وضعياتها، الأمرُ الذي قدْ يشمل الحمل، وما يتبعه من حقوقٍ إضافية لفائدة النساء.
ضعفُ حجج النسويات الإسلاميات وارتباكهنّ لا يقتصرُ على نقدهن لنظرية التساوي في الحقوق، بل يشملُ نظرية التكاملِ ذاتها، بوصفها نظرية تختزل نظرتهن للعلاقة بين الرجل والمرأة داخل الأسرة والمجتمع.
محتوى نظرية التكامل بين الجنسين
تُرجِع النسويّات الإسلاميات اختلاف الأدوار بين النساء والرجال إلى اختلافات طبيعية، سواء في الجانب البيولوجي أو النفسي، ويرينَ أنّ ميلَ كلّ جنس إلى الآخر دليل على نقصِ وافتقار كلّ واحد إلى الثاني، يؤدّي هذا الميلُ نحوَ تقاربهما واتّحادهما داخل أسرة، يكون الزواج أساس وُجودها، وسببَ تحقيق استقرار وكمال الجنسين.

اقرأ أيضاً: "النسوية".. المرأة الغربية ماتزال تعاني التمييز
تفسّر النسويات الإسلاميات اختلاف الأدوار بين الجنسين بالتمييز بينَ خلقِ الجسد وخلق النفس، ويرين أنّ الرجل سابق في الخلق الجسدي والمرأة سابقة في الخلق النفسي، وذلك بالاستناد إلى تأويلهنّ للآية (189) من سورة "الأعراف": ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِيْنَ﴾.

بالنسبة إلى النسوية الإسلامية؛ تتوزّع الأدوار داخل المجتمع بالاستناد إلى تفوّق الرجل في الجانب الجسمانيّ وتفوّق المرأة في الجانب النفسي، الأمرُ الذي يقود الرجال نحوَ احتراف المهنِ والهيمنة على كلِّ ما يتعلّقُ بالأموال، ويؤدّي نحوَ حصر النساء داخل الفضاء الخاصّ، ليشرفن على رعاية الأبناء والزوج.
تنفي النسويّات الإسلاميّات أيّ احتقارٍ أو تشكيكٍ في قدرات المرأة عبرَ اختزالها في دورِ الأمّ أو الزوجة، ويرينَ أنّ التكاملَ بين دورِ الرجل ودور المرأة مهماً لضمان استقرار المجتمع وازدهاره، الأمرُ الذي يُعدّ غريباً، خاصّة حينَ يتمّ الدفاع عنه باسم الحركة النسوية.

غلاف كتاب ''المرأة في الإسلام''
رغم التقارب الواضح بين ما تحتويه نظرية التكامل بين الجنسين من أطروحات وأفكار منظّري الحركات السياسية الإسلامية، إلّا أنّ النسويّات الإسلاميّات كثيراً ما يميّزن بين تيّارهن والمجموعات النسائية التابعة لحركات الإسلام السياسي، على غرار جمعية الأخوات المسلمات التابعة لحركة الإخوان المسلمين، ويحاولن من خلال هذا التمييز أن يبرزن عدم انخراط حركتهن في السياسة، وفي مطلب أسلمة أجهزة الدولة، ولكن، وإن لم تطرح النسويات الإسلاميات أفكاراً سياسية بشكلٍ مباشر، إلّا أنهنّ يشتركن مع منظّري حركة الإخوان المسلمين في نظرتهم للمرأة ومركزها داخل المجتمع.
التقاطع بين أفكار النسوية الإسلامية ونظرة الإسلام السياسي للمرأة
لا تختلفُ نظرية التكامل بين الجنسين في جوهرها عن طرح منظري حركة الإخوان المسلمين، ونظرتهم لوضع المرأة، ودورها داخل المجتمع؛ إذ يشتركان في اختزال المرأة في دورها كربّة بيت، وهو الموقف الذي تدافع عنه النسويات الإسلاميات، عبرَ اختزال دورِ النساء في العناية بشؤون البيت، بوصفهنّ متميزات عن الرجال في الجانب النفسي، وإسناد الرجال حزمة من الشؤون العامة والاقتصادية بوصفهم متميّزين في الجانب الجسماني.

يعتبر موقف النسويات الإسلاميات من الحركة النسوية المعاصرة موقفاً من مطلب المساواة ذاته

أمّا منظّرو حركة الإخوان المسلمين؛ فلقد أكّدوا على وجوب التفريق بين المرأة والرجل ورفضِ الاختلاط بينهما، بحجّة أنّ المجتمع الإسلامي مجتمع فرديّ، وليس مجتمعاً زوجياً؛ إذ يعدّ حسن البنّا أوّل مشرعٍ لجماعة الإخوان المسلمين أنّ للنساء مجتمعاتهن وللرجال مجتمعاتهم.
ورد هذا الموقف في كتاباتهِ عن واجبات المرأة المسلمة؛ حيثُ أكّد على واجب أن ترعى المرأة بيتها و''أن تؤسّسه على التقوى وأن تجعلهُ مملكتها الصغيرة''.
هذه ''المملكة الصغيرة'' التي أرادها حسن البنا سجناً للمرأة المسلمة، تتناسق بشدّة مع نظرة النسويّات الإسلاميات ورفضهنّ للمساواة بحجّة أنّ الرجل والمرأة متكاملان، وليسا متماثلين.
ولكن؛ هل تقودُ المساواة نحوَ التماثل؟ أي هلْ تؤدّي المساواة في الحقوق نحوَ إلغاء خصوصية كلّ جنس، بل وكلّ فردٍ داخل المجتمع؟
هل تؤدّي المساواة إلى التماثل؟
إنّ الحجة الأساسية التي تبرّر عدم المساواة، بالنسبة إلى النسويّات الإسلاميّات، تتمثّلُ في تكامل المرأة والرجل عِوَضَ تماثلهما، وهوَ ما يعني أنّ تساوي الجنسين سيقود، لا محالة، نحوَ تماثلهما وتلاشي خصوصية كلّ منهما.

اقرأ أيضاً: بخصوص النسوية العربية العابسة
في مؤلَّفها ''المرأة في الإسلام'' تنتقدُ فَريبا علاسوند أطروحات النسوية العلمانية، سواء كان ذلك خلال الموجة الثانية من الحركة النسوية الليبرالية؛ حيثُ تمّ حصر الفارق الوحيد والبسيط بين المرأة والرجل في الإنجاب وإرجاع باقي الفوارق المزعومة إلى العناصر التربوية والثقافية، أو في أفكار النسويّات الما بعد حداثيات المؤيّدات لوجود فوارق بين النساء والرجال، بل وبين كلّ فرد وفرد آخر داخل المجتمع؛ إذ إنّ لكلّ إنسان طاقته ومميّزاته وسلبيّاته، وبناءً على ذلك تكونُ المساواة هي أساس تكافؤ الفرص بين الجميع.

جانب من مسيرة ضخمة نظمت في يوم المرأة التونسية 13 آب 2012

تؤكّد فَريبا علاسوند وجود اختلافات طبيعية بين الجنسين، وترى أنّ الدور المسند لكلّ منهما متناسق ومتناغم مع طبيعته البيولوجية والنفسية، مُعلية شأن الأمّ، بوصفها الأقدرَ على التحمّل ورعاية الأبناء في مختلف فترات حياتهم.
هذه المرأة، التي لا تقودُ بقدر ما يُختزل وجودها في تربية القادة، لا تختلفُ عن ''الملكة'' التي نظّر لها حسن البنا؛ سيّدة سجينة داخل ''مملكتها الصغيرة''، تطيعُ الملكَ وتربّي أميرهُ على تولّي الخلافة من بعدهِ، إضافة إلى تدريبها ابنتها على أن تصير نسخة مصغّرة منها، لتتنازل بدورها عن حقّها في التساوي مع الآخرين، ولتُحرمَ من الانخراط في حياةٍ عامّة بتعلّة كونها مُكملّة لشريكها الرجل/ الملك.

اقرأ أيضاً: هكذا تقف الحركة النسوية في إيران بوجه نظام الملالي
ترفضُ الحركة النسوية المساواة بين الجنسين بتعلّة الخوف على المجتمعات الإسلامية من فقدان هويّاتها ومميّزاتها، وهو الأمرُ الذي يعدُّ لصيقاً برفضِ هذه الحركة للحداثة.
رفضُ المساواة وعلاقته برفض النسوية الإسلامية للحداثة
على غرار الإعلان الإسلاميّ لحقوق الإنسان، كوثيقة تقابِلُ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإلى جانب النهضة الإسلامية، كشعارٍ يوازي النهضة الأوروبية، نجدُ النسوية الإسلامية كتيّار مستقلّ عن الحركة النسوية المعاصرة، يحاول أن يدافع عن حقوق النساء من خلال إبراز دورها الحقيقيّ داخل النصوص الدينية ويتمسّكُ بالجذورِ.

الحجة الأساسية التي تبرّر عدم المساواة بالنسبة إلى النسويّات الإسلاميّات، تتمثّلُ في تكامل المرأة والرجل عِوَضَ تماثلهما

إنّ الرفضَ القاطع للنسوية العلمانية، المستند إلى حججٍ واهية، كنشأتها في الغرب أو في ظلّ ثقافة مسيحية، يعدّ رفضاً للحداثة ذاتها، وخوفاً مبالغاً فيه من كلّ ما يُصنَّف خارجياً وغريباً، فلم تُعنَ النسوية التي نشأت في الغرب بالغرب وحدهُ، وإنّما خاطبت كلّ المجتمعات المميّزة بين أفرادها على أساس الجنس، تماماً مثلما خاطبت الحركات المناهضة للعبودية كلّ الشعوب المميزة بين الناس على أساس اللون أو العرق، فما العيبُ إذاً في نشأة النسوية العلمانية في ظلّ ثقافة مسيحية، ما دامت تنتقدُ كلّ المجتمعات الذكورية، بما في ذلك المجتمعات الغربية؟ ولماذا هذا السعي نحوَ أسلمةِ النسوية ما دامت حركة كونية تشمل جميع الثقافات وتخاطب كلّ البشر؟
إنّ اعتبار نظرية التكامل بين الجنسين المرأة مكمّلة للرجل، لا يمكنُ أن يعدّ نسوياً بالاستناد إلى مفهوم النسوية ذاتها، فمن الغريبِ أن تُصنّف نسوية الأطروحة المبرّرة للتمييز بين الجنسين بالاستناد إلى حججٍ واهية، كالطبيعة البيولوجية، وبغضّ النظرِ عن المعطى الثقافي والتربوي الذي يلعبُ دوراً أساسياً في تشكيل شخصّياتنا وتحديد أحلامنا ونظرتنا لأنفسنا وللوجود.
يتمظهر التقاطع بين أفكار النسويّات الإسلاميات وأطروحات الإخوان المسلمين في محاولة هؤلاء، عبرَ فرعهم التونسي، حزب حركة النهضة، فرضَ فصلٍ في دستور تونس ما بعد الثورة، يهدّد مكاسب النساء ويصنّف المرأة كمكمّلة للرجل.

الصدامُ بين القوى التقدمية وحركة النهضة الإخوانية
إثرَ الثورة التونسية؛ انتظمت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، يوم 23 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2011، بهدف صياغة دستور جديد يتماشى مع الواقع السياسي الجديد للبلاد، وفازت حركة النهضة بهذه الانتخابات لتتسنّى لها مشاركة حلفائها في تشكيل الحكومة، إضافة إلى حصولها على أغلبية داخل لجان المجلس المكلّفة بإعداد مسودّة الدستور.
من ضمنِ هذه اللجان؛ حصلت حركة النهضة على أغلبية داخل لجنة الحقوق والحريّات، لتنجحَ في تمرير مقترح فصلٍ ينصّ على أنّ ''المرأة مكمّلة للرجل''؛ حيثُ صادق على هذا المقترح 12 نائباً ونائبة، مقابلَ 8 أصوات رافضة لمقترح الفصل ومطالبة بالتنصيص على المساواة التامة والفعلية بين الجنسين.

تُرجِع النسويّات الإسلاميات اختلاف الأدوار بين الجنسين إلى اختلافات طبيعية سواء في الجانب البيولوجي أو النفسي

جوبه المقترح برفض واسع من قبل القوى المدنية والسياسية التقدمية في تونس، وأحدثَ ضجّة؛ نظراً لما يتضمنه من مساس بالنمط المجتمعي التونسي؛ إذ ندّدت هذه القوى بمحاولة الإخوان المسلمين فرضَ أفكارهم على المجتمع التونسي والمساس بمكاسب المرأة التونسية.
انتظمت مسيرة ضخمة، يوم 13 آب (أغسطس) 2012، وهو يوم عيد المرأة التونسية الذي سبقَ أن صدرت فيه مجلة الأحوال الشخصية، عام 1956، ضمّت المسيرة آلاف المعارضين والمعارضات لمسودّة الدستور الجديد لينتهي الأمرُ بتراجع حركة النهضة الإخوانية عن فصل ''المرأة مكملة للرجل''، ويتمّ النص على التكامل بين المرأة والرجل، في محاولةٍ أخرى لإقحام مصطلح التكامل داخل الدستور، إلا أنّ الاحتجاجات والضغط قد استمرّا، لينتهي الأمرُ بإصدار الفصل 21 من الدستور، بصيغة "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون، تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريّات الفردية والعامة، وتهيّئ لهم أسباب العيش الكريم''.

إنّ نظرة الإخوان المسلمين في تونس للمرأة على أنّها مكملة للرجل في مرحلة أولى، وتعويض هذا المقترح بمقترح آخر، يحافظُ على فكرة التكامل في مرحلة ثانية، يؤكّد التقاربَ بين ما تطرحهُ النسويّات الإسلاميّات، وما تدافع عنه حركات الإسلام السياسي: على المرأة أن تكون مُكمّلة، وعلى الرجلِ أن يكونَ كاملاً بوصفهِ ربّ الأسرة.

اقرأ أيضاً: النسوية الإسلامية: ما الجديد؟
يتأكّد هذا التقاربُ من خلال المسيرات التي انتظمت للتنديد بفكرة التكامل وللتصدي، في الوقت ذاته، لمحاولات حركة النهضة الإخوانية أسلمة أجهزة الدولة.
نريد تكاملاً بين الكلّ ومساواة بين الجميع!
إنّ المحاولات الكثيرة الساعية لشيطنة الحركة النسوية المعاصرة، بوصفها لا تتناغم مع خصوصيّات المجتمعات الإسلامية، لم تنجح في الإقناع بوجوب التخلّي عن المساواة والاكتفاء بالتكامل بين الجنسين، فالدفاع عن خصوصيّات الشعوب وتعدّد الثقافات، لا يمكن أن يمثّل حدّاً أمام الأفكار التي تساهم في تقدّم المجتمعات وتصالحها مع ما كانت عليه في الماضي.
فلا معنى لرفض المساواة بين البشر بتعلّة الخوف من أن يصيروا متشابهين حدّ التماثل، ولا مُبرّرَ لاختزال العلاقات بين الجنسين في العلاقات الزوجية؛ فالحياةُ أوسعُ بكثيرٍ من الأُسرة، وإن كانت مهمّة، والتكاملُ بين كلّ الأفراد يمتدّ ليشمل كلّ جوانب المجتمع؛ إذ يحتاجُ الكلُّ إلى الكلّ ليحصل التناغم، ونحتاج جرأةً وعمقاً أكثر ممّا تحتويه نظرية التكامل، لنتمكّن من تفكيكِ موروثنا، لننظر إلى حقيقتنا في مرآة لا تُخفي عيوبنا، ولننظرَ أبعدَ بكثيرٍ من أسلافنا.

الصفحة الرئيسية