هل تورطت ميليشيات مدعومة من تركيا بمقتل الرئيس التشادي؟

هل تورطت ميليشيات مدعومة من تركيا بمقتل الرئيس التشادي؟


22/04/2021

توفي الرئيس التشادي "إدريس ديبي إيتنو" الذي يحكم البلاد منذ 30 عاماً الثلاثاء الماضي متأثراً بإصابته خلال معارك كان يشارك فيها على الجبهة ضد المتمردين شمال البلاد، وقال الناطق باسم الجيش الجنرال "عزم برماندوا أغونا" حسب france24 في بيان تلي عبر تلفزيون تشاد إن "رئيس الجمهورية لفظ أنفاسه الأخيرة مدافعاً عن وحدة وسلامة الأراضي في ساحة المعركة في الثلاثاء في 20 نيسان (أبريل) 2021"، وأضاف "تولى زمام المعركة البطولية ضد جحافل إرهابيين من ليبيا وأصيب خلال الاشتباكات وتوفي لدى عودته إلى نجامينا".

أثناء تفقد ديبي مواقع القتال أُصيب بطلقات أودت بحياته مما فتح باب التكهنات حول طريقة وفاته

وعقب مقتل ديبي، أعلن الجيش التشادي عن سلسلة من الإجراءات، تضمنت إغلاق الحدود البرية للبلاد، وفرض حظر تجول من السادسة مساء حتى الخامسة صباحاً، مع حل الحكومة والبرلمان وتعطيل العمل بالدستور، كما أعلن عن اعتزامه إجراء انتخابات رئاسية "شفافة وديمقراطية" بعد فترة انتقالية مدتها 18 شهراً، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي لإدارة شؤون البلاد يرأسه نجل الرئيس الراحل، محمد إدريس ديبي (37 عاماً).

كانت تشاد قد شهدت الأسابيع الماضية تطورات مُتسارعة، فبعد إعلان الرئيس قبل رحيله عن تقدمه للانتخابات لولاية سادسة، اجتاحت البلاد موجة من الغضب تندد بسياسات "ديبي التي أفقرت تشاد" حسب زعم المعارضة، و"جرفت الحياة السياسية، وقمعت المظاهرات وأي حراك سياسي معارض"، مما دفع المعارضة للدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية نظراً لعدم إتاحة فرصة حقيقية للتغيير السلمي داخل تشاد.

وحسب موقع  apanews  دعت "جبهة التغيير والوفاق في تشاد المسلحة" في بيان لها يوم الثلاثاء 13 نيسان (إبريل) الجاري السكان التشاديين والمجتمع المدني والمعارضة إلى "النزول إلى الشوارع بأعداد كبيرة للمطالبة برحيل إدريس ديبي من تشاد دون تأخير"، ودعت الجبهة فرنسا إلى الحياد، وفق البيان.

وأمام تهديد المعارضة التشادية بالتصعيد العسكري، واحتمال اندلاع أعمال عنف في المدينة، صدرت أوامر لموظفي حكومة الولايات المتحدة غير الأساسيين وأسر العسكريين الأمريكيين المتمركزين هناك يوم السبت الماضي بمغادرة البلاد على متن شركة طيران تجارية حسب "دويتشه فيله".

مع إصرار الرئيس الراحل على البقاء في السلطة، وعقب إعلان فوزه في الانتخابات، وعشية الاحتفال بولايته السادسة، تعالت الأصوات بضرورة إسقاطه، وبدا في الأفق أنّ ثمة أزمة؛ فحسب رئيس تحرير صحيفة "أنجمينا الجديدة"، آدم علي آدم "وُضع التشاديون هذه الأيام بين خيارين أحلاهما مر؛ إما التغيير عبر الحرب والنظام الحالي نموذجه، وإما البقاء في ظل نظام عجز عن توفير أبسط الحقوق ولا يوجد عشم لتغييره سلمياً.. حفظ الله العباد والبلاد".

وأثناء تفقد ديبي مواقع القتال في الشمال أُصيب بطلقات أودت بحياته، مما فتح باب التكهنات حول طريقة وفاته، وهل تم اغتياله أم تمت تصفيته بأيدي قريبة منه؟ ومما زاد من الشكوك حول طريقة مقتل الرئيس الراحل أنّ البيان الرسمي لم يشر إلى قتلى آخرين معه، كما أنّ وفاته كانت بالعاصمة أنجمينا، فضلاً عن شح المعلومات حول وفاته وطبيعة الهجوم الذي تعرض له على الرغم من أنّ الغالبية العظمى من التشاديين تدرك أنّ الرجل اعتاد على المشاركة في المعارك، إلا أنّهم لم يتوقعوا رحيله بهذه السهولة، ولا أحد يعرف ماذا حدث بالضبط.

مصدر أمني ليبي لـ"حفريات": تشير تقارير إلى استعانة القائد العسكري التابع لقوات الوفاق بالعديد من مقاتلي المعارضة التشادية

يتكون المشهد السياسي في تشاد من ثلاث قوى؛ الأولى السلطة المدعومة من المؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها الرئيس الراحل إدريس ديبي، والثانية المعارضة السياسية الحزبية وهي أقل تأثيراً في الحياة السياسية، الثالثة حركات التمرد المسلحة مثل "اتحاد قوى المقاومة" وهو تحالف مقره في ليبيا كان يقوده "تيمان إرديمي" الذي له علاقات بمجموعات إرهابية تشارك بتمويلها تركيا و"جبهة التغيير والوفاق في تشاد"، يقودهم محمد مهدي ومجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية و"اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية"، الذي انتقل إلى جنوب ليبيا بعد طرده من دارفور في غرب السودان من قبل حكومة الخرطوم.

ويرى مراقبون دوليون أنّ سقوط الجيش التشادي وغياب الرئيس ديبي سيكون له أثر كبير على دول المنطقة؛ فتشاد يحدّها من الشرق السودان بإقليم دارفور ومن الشمال ليبيا ومن الجنوب الكاميرون ونيجيريا ومن الغرب النيجر، وفي كثير من هذه الدول توجد جماعات إرهابية تنتظر اللحظة للانقضاض على تشاد طمعاً في ثرواتها.

الجيش التشادي أعلن الحداد بالبلاد

وحول حقيقة تورط مرتزقة مدعومين من تركيا في الهجوم على تشاد، صرحت قيادة أمنية ليبية تحتفظ "حفريات" باسمها أنّ: "الميليشيات التشادية والمرتزقة في ليبيا اجتمعوا على تبادل المصالح فيما بينهم، فالمتمردون التشاد استخدموا الجنوب الليبي ليكون قاعدة لهم في هجومهم مستفيدين من حالة الانفلات التي شهدتها ليبيا منذ 2011، وانتشار السلاح وسهولة تهريبه إلى داخل تشاد، كما استغلت فصائل مسلحة ليبية عناصر المتمردين التشاديين في القتال الدائر في ليبيا في الفترة ما بين عامَي 2017 و2020".

اقرأ أيضاً: هذا رد المجلس العسكري التشادي بعد مقتل الرئيس ديبي

وأكد هذا المصدر أنّ ثمة تقارير استخباراتية تشير إلى استعانة القائد العسكري التابع لقوات الوفاق، أسامة الجويلي، بالعديد من مقاتلي المعارضة التشادية في الحرب ضد الجيش الليبي غرب البلاد وجنوبها، حيث اتهم الجيش الليبي الجويلي بالوقوف وراء الهجمات المتتالية التي كانت تشنها هذه الفصائل على سبها وبعض مناطق الجنوب، كما أوضحت القيادة الأمنية، أنّ رتلاً مسلحاً تابعاً لعصابات المعارضة التشادية بقيادة الإرهابي حسن موسى التباوي المدعوم من الإخوان وتركيا شارك في الهجوم الذي تعرض له الرئيس الراحل من منطقة نكونو المكشوفة في غرب البلاد حيث تم اغتياله.

اقرأ أيضاً: تحذير أمريكي من انتقال الإرهابيين من ليبيا إلى تشاد.. تفاصيل

وأشار إلى أنّ: دولتي ليبيا وتشاد وقعتا ضحية صراع النفوذ المشتعل بين تركيا وفرنسا في إفريقيا، فمصلحة تركيا إزاحة ديبي الذي يقف عقبة أمام نقل المرتزقة الأتراك إلى الجنوب الليبي والشمال التشادي، وفرنسا تستند على جهود تشاد في مواجهة التنظيمات في وسط وغرب أفريقيا.

 وحول مدى تأثير الصراع التشادي على الداخل الليبي، يرى الكاتب الصحافي والباحث في الشأن الليبي عبد الهادي ربيع أنّ "الاشتباكات الحاصلة قرب الحدود الليبية التشادية ذات تأثير سلبي على الوضع داخل ليبيا، ففي حالة هزيمة المتمردين التشاديين فمن المتوقع عودتهم إلى الجنوب الليبي واستقرارهم فيه لفترة أطول مما يسبب أضراراً جسيمة في المجتمع الليبي".

الباحث في الشأن الليبي عبد الهادي ربيع

وأضاف ربيع لـ "حفريات" أنّ "طبيعة الحدود المفتوحة الصحراوية على مساحات شاسعة بآلاف الكيلومترات تجعل من الصعب السيطرة عليها، خاصة أنّ القواعد العسكرية الجوية في الجنوب الليبي لا تستطيع تغطية كامل المنطقة ومسحها مسحاً كاملاً؛ فقاعدتا "براك" و"تمانهنت" تبعدان بشكل كبير عن الحدود، فضلاً عن قِدَم وتهالك معظم طائراتهما.

واستدرك: "لكن التبعات الأكثر تأثيراً ستكون في رسم طبيعة العلاقة بين الأطراف الليبية، فهذه الحوادث كشفت عن التسرع والازدواجية في القرار؛ فمثلاً المجلس الرئاسي بدى متخبطاً ولا يدرك حدود سلطاته، فأصدر بصفته القائد الأعلى أمراً لكافة الوحدات في الجنوب بالتحرك لتأمين الحدود بعشوائية، رغم أنّ عدم التنسيق بين الوحدات المتحركة والثابتة سيؤدي إلى فوضى أمنية وعسكرية، خاصة أنّ هنالك وحدات في بعض المناطق في الجنوب لم تكن تخضع للقيادة العامة، وتحركها بالتوازي مع قوات القيادة العامة قد يؤدي لصدامات عسكرية بينهما، فضلاً عن كونه خرقاً واضحاً لقرار وقف إطلاق النار الذي حدد خطوط التماس وأمر بالالتزام بها، وتحرك قوات إلى غير مناطقها بدعوة رسمية من المجلس الرئاسي قد يهدد دوام هذا الاتفاق".

اقرأ أيضاً: لماذا يفضّل أمراء الحرب في ليبيا مرتزقة تشاد؟

يتابع: في ظل كل هذه العشوائية الأمنية العسكرية والأجواء المشحونة بين الأطراف المعنية سيعاني الجنوب الليبي أمنياً كثيراً، وربما تسقط مدن أخرى كما سقطت مدينة مرزق من قبل، التي تحتلها بشكل كامل ميليشيات من أصول تشادية تدعي انتماءها عرقياً لمكون التبو المنتشر عبر الحدود بين البلدين، وقامت هذه الميليشيات بتهجير أكثر من 6 آلاف عائلة عربية من المدينة منذ العام 2019.

الرئيس الراحل في حملته الانتخابية

وشدد ربيع على أنّ "السيولة الأمنية وضعف الرقابة قد تدفع التنظيمات الإرهابية لدخول الأراضي الليبية تحت غطاء قوات المعارضة التشادية، مما يعيد ليبيا الى أجواء 2013 عندما سيطرت الجماعات الإرهابية على العديد من المدن الليبية".

يذكر أنّ تشاد تعاني من أوضاع سياسية غاية في التعقيد، فبعد حصولها عل الاستقلال عن فرنسا سرعان ما أصبح الوصول للسلطة عبر الانقلابات، فقد شهدت البلاد أكثر من انقلاب، وتتهم المعارضة السياسية الحكومة بالفساد والمحسوبية، وتحمِّلها مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

اقرأ أيضاً: هل تكون تشاد ساحة المواجهة العالمية الجديدة مع الإرهاب؟

أما المعارضة المسلحة فهي لا تخفي توجهها في تغيير نظام الحكم بقوة السلاح، في المقابل يزعم أنصار الرئيس الراحل أنّ بقاءه في السلطة كان أكبر ضمان لأمن وأمان تشاد، بحكم علاقاته مع فرنسا والدول العربية المجاورة وتجنب الدخول في صراعات مع الجماعات الإرهابية، أو أن تتحول تشاد إلى ساحة معركة كبرى بالنيابة عن القوى الإقليمية المتصارعة، فموقعها الجغرافي بين الدول التي تعيش نزاعات مثل؛ ليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى يجعلها مرشحة للفوضى ولاقتحام الجماعات الإرهابية.

وتعد فرنسا من أهم الأطراف الخارجية الفاعلة في المشهد التشادي؛ إذ تتخذ باريس من عاصمة البلاد أنجمينا مركزاً لعملياتها لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وكانت تعتبر إدريس ديبي حليفاً لها، حتى أنها أنقذته من أكثر من محاولة انقلابية كان آخرها في شباط (فبراير) 2019.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية