هل تونس أمام ثورة ثقافية وتشريعية؟

تونس

هل تونس أمام ثورة ثقافية وتشريعية؟


24/06/2018

تونس أمام فرصة ثورة ثقافية، هكذا وصف بعض المراقبين ما استخلصوه من التقرير الذي أعدته لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة الذي قدّمته لرئيس الجمهورية في 235 صفحة تضمنت جملة من المسائل التي طالب بها وناضل المجتمع المدني زمناً طويلاً من أجل تحقيقها، لكن من جهتهم لم ير فيه الإسلاميون سوى دعوة إلى المساس بالشريعة الإسلامية واستهدافاً لما أجمع عليه الفقهاء.

وتضمن التقرير، الذي نشرته اللجنة على موقعها الرسمي في 12 حزيران (يونيو) 2018، الذي كان ثمرة 33 اجتماعاً، مقدمة عامّة وجزأين خصّص الأول منهما لموضوع الحقوق والحريات الفردية، في حين اهتم الثاني بقضية المساواة.

الحق في الحياة وإلغاء عقوبة الإعدام

وتطرق التقرير إلى مسألة الحق في الحياة وهو حق مكفول بدستور يناير 2014 والمواثيق الدولية، غير أنّ اللجنة لاحظت أنّ القانون التونسي يعج بأحكام الإعدام التي تضمنتها المجلة الجزائية في 15 فصلاً، فضلاً عن مجلة المرافعات العسكرية التي تنص على أكثر من خمسين حالة عقوبتها الإعدام.

واقترحت اللجنة في هذا الإطار أحد حلين: الأول هو إلغاء عقوبة الإعدام نهائياً خاصة أنّ تنفيذ هذه الأحكام قد توقف منذ 1993، وأما الحل الثاني فهو الحد من الحالات التي تقتضي عقوبة الإعدام وحصر الحالات القصوى التي يلجأ في هذا المشرع إلى هذه العقوبة. كما دعت اللجنة إلى تجريم الدعوة إلى الانتحار خصوصاً تلك الموجهة إلى الأطفال والقصّر ومن يعانون أزمات نفسية تجعلهم يساقون نحو الموت.

المثلية الجنسية

لم تخلُ ردود الأفعال على التقرير من الجدل خاصة عندما تعرض للمثلية الجنسية، حيث وصف مدونون ما تضمنه بهذا الشأن بـ"الفضيحة"، وكان تقرير اللجنة أشار إلى أنّ القانون التونسي "يجرم اللواط والمساحقة"، وهي جريمة لا ترى لها اللجنة موجباً، وتقترح أن يتم حذف هذه الجريمة أو الإبقاء عليها على أن تستبدل عقوبتها بخطية مالية، ذلك أنه لا دخل للدولة والمجتمع في الحياة الجنسية، وفق رأي اللجنة.

الحرية الأكاديمية وحرية الفنون

كما شددت اللجنة على ضرورة حماية الحرية الأكاديمية وتحديد معناها بدقة، ودعت إلى تجريم التعدي على حرية الفنون والعلوم، واقترحت فصولاً قانونية تحدد ذلك منها "يحجر على أي كان، أفراداً وجماعات، التعرض لحرية العلوم والحريات الأكاديمية وتقييدها وتعطيلها وإبطالها بأي شكل وتحت أي عنوان سياسياً كان أو أيديولوجياً أو أخلاقياً أو دينياً"؛ ومنها "لا سلطان على المدرسين والمدرسين الباحثين في دروسهم وبحوثهم سوى الأمانة والنزاهة والصرامة العلمية وقبول النقد والرأي المخالف، وهم مستقلون عن كل القيود والتأثيرات سياسية كانت أو أيديولوجية أو دينية".

المساواة بين المرأة والرجل

لاحظت اللجنة أنّ أشكال التمييز متعددة الأسباب، فتكون على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو المظهر الخارجي أو السن إلخ.. غير أنّ اثنين منها فقط مازال القانون معترفاً بهما وهما: التمييز على أساس الجنس (بين المرأة والرجل)، والتمييز حسب النسب (بين الأطفال)؛ ولهذا اقترحت اللجنة التمييز في قانون الجنسية بتمكين الطفل المولود بتونس من الحصول على الجنسية التونسية إذا كانت أمه وأحد جدّيه للأم مولودين بها أيضاً، إلى جانب الاعتراف للأجنبي الذي يتزوج من تونسية بحق الحصول على الجنسية التونسية، فضلاً عن إلغاء التمييز في العلاقة بالأبناء من خلال إقرار حق الأم في التصريح بولادة ابنها، وإقرار مصلحة الطفل معياراً وحيداً لتحديد الطرف الأصلح بحضانته، كما اقترحت اللجنة إلغاء المهر من مجلة الأحوال الشخصية باعتبارها شرطاً مخلاً بكرامة المرأة.

رأى الإسلاميون في تقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة دعوة للمساس بالشريعة واستهدافاً لما أجمع عليه الفقهاء

ورأت اللجنة أنّ المواريث "نظام متشعب ومتجمد في الآن ذاته" لذلك دعت إلى ضرورة تطويره ليتواءم مع مدنية الدولة ومبدأ المساواة، لذلك تضمن تقرير اللجنة مقترحين لتسوية قضية التمييز في الإرث بين المرأة والرجل المبني على الآية "للذكر مثل حظ الأنثيين" أساساً: فإما ضمان المساواة قانوناً وإما ضمان المساواة قانوناً مع تمكين المورَّث من حق الاعتراض على المساواة.

وقد تفاعل مثقفون وباحثون تونسيون مع التقرير حال نشره للعموم. ولئن كان مناسبة لبعض الأوساط المحافظة من التهجم عليه ورفضه بدعوى أنه انقلاب على قيم المجتمع وعلى الإسلام، وتكريس لأنموذج علماني متعسف على الواقع التونسي ومسقط عليه، فإنّ أصواتاً أخرى تفاعلت إيجاباً وثمّنت ما ورد فيه على ما لوحظ فيه من هنات.

توصيات ممتازة ولكن..

الأكاديمية والباحثة ألفة يوسف كتبت على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مشيرة إلى ما رأت أنه "تلفيق" اعتمده التقرير: "مع شكري الجزيل لعمل اللجنة ودقتها، فإن هذا التقرير يؤكد للمرة الألف أننا نداور منذ عصر النهضة عبر التلفيق بين الحداثة والتمثلات الفقهية.. وهو ما قادنا ومازال سيقودنا إلى الفشل المطلق.
التوافق ليس فاشلاً سياسياً فقط، وإنما فكرياً أيضاً. الحريات والمساواة والحداثة لا انتماء ولا دين ولا حضارة ولا جنسية لها، وهي لا تتجزأ، التوصيات ممتازة، لكن خلفياتها النظرية هشة مهما نحاول".

اقترحت اللجنة إلغاء عقوبة الإعدام نهائياً أو الحد من الحالات التي تقتضي عقوبة هذه العقوبة

من جهته وصف الأكاديمي والكاتب شكري المبخوت على صفحته على "فيسبوك" تقرير لجنة الحريات بـالـ "خطير جدّا فشكراً لكل من ساهم فيه ولكلّ من سينقذه لتطوير الحريّات الفرديّة والمساواة، إنّه فخر لتونس الفكر التنويريّ وتونس دستور 2014 وتنزيل التصوّرات الحقوقيّة الكونيّة في بيئة عربيّة إسلاميّة. إنّه اتجاه المستقبل لنا ولغيرنا والآتي يبدأ الآن، معركة المساواة والحرّيّات الفرديّة ليست ترفاً ومن يطلب الكل أو لاشيء لن يحصل على شيء، يحتاج هذا التقرير إلى تبنّي الناس له بعيداً عن الشعبويّة والحسابات الضيّقة".

من التقرير إلى المصادقة والتفعيل

أما الباحث والأكاديمي نادر الحمامي فقد أشار إلى بعض الهنات الواردة في التقرير من تضخم التأصيل اللاتاريخي أحياناً والمبالغ فيه، غير أنّ ذلك لا ينبغي أن يحول دون تبني التقرير والدفاع عنه حيث كتب على صفحته على "فيسبوك": "نعم، تقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة منقوص، نعم هو مسبوق بكثير من التأصيل يبلغ حدّ اللاتاريخيّة، ونعم أيضاً فيه الكثير من مواطن التوفيق التي تبلغ التلفيق، ونعم فيه تداخل مفهومي، ولكنه أيضاً تقرير يلبّي رغبة سياسيّة، كلّ هذا وغيره مهمّ ولكنّه ليس الأهمّ، الأهمّ الآن هو ما جاء في فصوله من خطوات إيجابيّة ينبغي الدفاع عنها والسعي إلى إخراجها من حيّز التقرير إلى المصادقة القانونيّة وتفعيلها. هذا التقرير سيبقى حبراً على ورق ما لم يصادق عليه، والمصادقة تفرض موازين القوى السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة فرضاً، معارضته الآن من أجل المعارضة، لن تفيد شيئاً بالنسبة إلى من يدعو إلى القيم الحداثيّة الكونيّة وسط هيمنة سياسيّة لإسلام سياسي وفي مجتمع محافظ".

رأت اللجنة أنّ المواريث نظام متشعب ومتجمد في الآن ذاته ودعت إلى تطويره ليتواءم مع مدنية الدولة

يذكر أن لجنة الحريات الفردية والمساواة قد تم الإعلان عنها في 13 آب (أغسطس) 2017 وتم تكوينها بأمر من رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي بموجب أمر رئاسي، برئاسة الحقوقية بشرى بلحاج حميدة وبعضوية عبد المجيد الشرفي ودرة بوشوشوة وسليم اللغماني وآخرين، ومهمتها أن تتولّى إعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة استناداً إلى مقتضيات دستور يناير 2014 والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتوجهات المعاصرة في مجال الحريات والمساواة، وهي لجنة ذات طبيعة استشارية.

الصفحة الرئيسية