هل حاول التنظيم الدولي للإخوان قتل اللواء فؤاد علّام في ألمانيا؟ (2-4)

الإخوان المسلمون

هل حاول التنظيم الدولي للإخوان قتل اللواء فؤاد علّام في ألمانيا؟ (2-4)


27/05/2019

تناولت الحلقة الأولى من التنظيم الدولي للإخوان، البداية الفعلية لتأسيس ما يمكن أن يطلق عليه "عصر المنظمات الإخوانية في أوروبا وأمريكا". كما تطرقت إلى الصراع الذي لم يتوقف بين إخوان الداخل المصري والتنظيم الدولي؛ وكان أشهر تلك المواجهات ما عرف بــ "بيعة المقابر". هنا حلقة جديدة من سيرة التنظيم الدولي للإخوان.

اقرأ أيضاً: هكذا سيطر إخوان مصر على التنظيم العالمي للجماعة (1-4)
بعد أن تولى الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، رئاسة الجمهورية عام 1981، بدأ في التحضير لسلسلة زيارات لدول غرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنّه وجد نفسه أمام عقبة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي كان بدوره قد استعدّ بالتحضير لسلسلة من التظاهرات في استقباله، مع أنّه كان قد بدأ في الإفراج عن سائر المعتقلين السياسيين الذين كان قد اعتقلهم سلفه أنور السادات، فيما عُرف إعلامياً بــ "اعتقالات سبتمبر".
كان أعضاء التنظيم الدولي غاضبين من حادثة مقتل محمد كمال الدين السنانيري، داخل السجون المصرية، متهمين أجهزة الأمن بالوقوف وراء الحادثة، فيما أكدت الحكومة المصرية أنّ الرجل قد أعدم نفسه.
 محمد كمال الدين السنانيري

خزانة التنظيم الدولي
لم يكن السنانيري، زوج أمينة شقيقة سيد قطب، قيادياً عادياً؛ إذ إنّه كان أحد بناة هيكل التنظيم الدولي في أوروبا وآسيا، مستغلاً في ذلك نشاطه الدؤوب في الأزمة الأفغانية، ونجاحه في بناء شبكة من العلاقات الدولية خدمت التنظيم الدولي، حتى إنّه كان ملهماً لواضع حجر أساس "القاعدة"؛ الشيخ عبد الله عزام.

أحد قادة التنظيم الدولي، محمد المأمون: عندما علم الإخوان أنّ فؤاد علام في طريقه لألمانيا قرّروا قتله

كان السنانيري خزانة جماعة الإخوان المسلمين، لكنّه ربما فضل الموت على أن يدلي بما يمكن أن يفيد الأجهزة الأمنية المصرية فيما يتعلق بالتنظيم الدولي الصاعد، إلا أنّه أفاد جماعته، حتى بعد موته؛ إذ منحها فرصة للضغط على نظام مبارك الجديد حينذاك؛ بتفعيل دور التنظيم الدولي الذي كان قد أخذ في التمدد والقوة، خاصة في ألمانيا الغربية.
اضطر نظام مبارك لأن يدخل في أول تفاوض سري مع التنظيم الدولي، حتى يحصل على صفقة يهدّئ بمقتضاها الأجواء لاستقبال مبارك في ألمانيا.
سماء ملبدة بالغيوم
"كانت السماء ملبدة بالغيوم الداكنة، وترمي قطعاً صغيرة من الثلج، وتحت سلم الطائرة، في مطار ميونيخ الأسطوري، وجدت شخصاً ضخم الجثة كثيف اللحية، ينتظرني في سيارة مرسيدس سوداء فخمة، قال باقتضاب شديد: (السلام عليكم، الدكتور ينتظرك في قاعة كبار الزوار)، كان ذلك في كانون الثاني (ديسمبر) 1981، بعد أن وصلتنا معلومات تؤكد أنّ الإخوان المقيمين في أوروبا يستعدون لتسيير مظاهرات ضخمة، لإفساد أول زيارة يقوم بها الرئيس المصري لألمانيا، فقمت بتلك الزيارة السرية للتفاوض معهم، أما الدكتور الذي كان يقودهم وينظمهم؛ فهو المستشار علي أحمد سيد جريشة". هكذا يروي اللواء فؤاد علّام، نائب رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق، في كتابه "الإخوان وأنا"، واقعة تفاوض الأجهزة الأمنية في عصر مبارك مع قادة التنظيم الدولي من أجل مصلحة أرادها النظام في ذلك الوقت.

اقرأ أيضاً: صحيفة ألمانية: "الإخوان" تهديد لأسس المجتمع الموجودة منذ 100 عام
يعرّف علّام علي جريشة بأنّه كان يشغل منصب رئيس المركز الإسلامي في ألمانيا، ومسؤول جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، ويشكّل حركة رئيسية في المثلث الذي يدير حركة الإخوان في أوروبا، إلى جانب سعيد رمضان في سويسرا، وسالم عزام في بريطانيا.
يقول علّام: "لفتت نظري بشدة، السطوة التي وصل إليها جريشة في ألمانيا، والتي وصلت إلى حدّ اختراق الأجهزة الأمنية هناك، وجدته في انتظاري في قاعة كبار الزوار، وأبلغني أنه حجز لي، ولمرافقي أحمد عمر أبو السعود، في أحد الفنادق الكبيرة، وفي دقائق وصلت حقائبنا، وحملتنا السيارة إلى فندق آخر رتبنا الإقامة فيه كنوع من الإجراءات الأمنية".
يكمل علّام: "في اليوم التالي، ذهبت إليهم في عقر دارهم في مقر المركز الإسلامي، رغم المعارضة الشديدة لزميلي، أحمد أبو السعود، وبعد مفاوضات صعبة اقتنع بالعدول عن فكرة المظاهرات، ولكنه أكد أنهم لا يضمنون الإخوان الأتراك الغاضبين جداً من الأوضاع في مصر، خصوصاً فيما يتعلق بانتحار كمال السنانيري" الذي تمّ اعتقاله في 5 أيلول (سبتمبر) 1981.

الرجل الغامض

يقول علّام: "أدار علي جريشة قضية انتحار كمال السنانيري بطريقة الحرب لتصفية حساباته القديمة والجديدة، وكمال السنانيري، أحد قيادات الإخوان، المعروفين بالورع والتقوى، وكانت تصرفاته تتسم بالعصبية الشديدة، قبض عليه في تنظيم 54، واعتقل عام 65، وكان من ضمن الذين شملهم قرار التحفظ عام 81.

اقرأ أيضاً: تفجير المتحف الكبير: مَن يستهدف السياحة في مصر.. "داعش" أم "الإخوان"؟
وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1981، أخطرتنا مصلحة السجون بأنّه انتحر في السجن، باستخدام حبل صنعه من الأقمشة وعلّقه في (السيفون)، غير أنّ الإخوان أشاعوا في العالم كله أنّه مات تحت التعذيب".
يردف علّام: "أوضحت لعلي جريشة، أثناء مفاوضاتي معه في ميونيخ؛ أنّ السنانيري ترك ورقة بخطّ يده، يقول فيها إنّه انتحر ليتخلص من آلامه النفسية، والشيء الغريب؛ أنّه وهب ساعة يده لأحد الإخوان، واسمه علي نويتو، وقد حقّقت النيابة بالأمر، وتمّ تشريح الجثة بمعرفة الطبّ الشرعي".
لم يقتنع علي جريشة، كما يروي علّام، وأصرّ على أنّ السنانيري مات تحت التعذيب، وأنّ الإخوان ثائرون في كلّ أنحاء العالم، واتفقنا على أن أرسل له المستندات الخاصة بالقضية عن طريق المرشد العام، عمر التلمساني، على أن يتوقفوا عن حشد المظاهرات لإفساد زيارة الرئيس، ونجحنا في إحباط مخططه في ألمانيا.

بقية الحكاية

لكن لهذه القصة بقية، يكملها أحد قادة التنظيم الدولي، محمد المأمون، في الحوار المسجَّل الذي أجرته معه "حفريات".
يقول المأمون: "بعد وفاة السنانيري في سجنه، عام 1981، دعينا مباشرة لحضور لقاء التنظيم العالمي، الذي كان يقوده هذه المرة مصطفى مشهور، وكان في ألمانيا، ولم يكن في سويسرا، كما هي العادة، وكُلّف يومها الأستاذ علي جريشة، من قبل الأستاذ عمر التلمساني، باستقبال اللواء فؤاد علام".

كان السنانيري خزانة جماعة الإخوان، لكنّه ربما فضل الموت على أن يدلي بما يمكن أن يفيد الأجهزة الأمنية المصرية

وذكر المأمون في حديثه واقعة مثيرة، حدثت قبيل الاجتماع الثاني للتنظيم الدولي عام 1981، قائلاً: "عندما علم الإخوان أنّ فؤاد علام في طريقه لألمانيا، قرّر الإخوان هناك أن يقتلوه، بعد اتهامهم له بقتل السنانيري في السجن، واستطاعوا السيطرة على شخص اسمه ابراهيم صلاح، وهو ما يزال حيّاً في ألمانيا منذ زمن بعيد، وكانت لديه قدرة غريبة على فعل ذلك".
لكن، ما الذي حال بين الإخوان وعلّام؟ يقول المأمون: "لقد جاءهم أمر من عمر التلمساني بعدم المساس بفؤاد علّام؛ بل كلّف علي جريشة بالالتقاء به، وأن يعمل على تلطيف الأجواء، وأن يعطيه تقريراً يرصد فيه ما جرى في الاجتماع معه".
يقول الرجل: "وبالفعل، استقبل جريشة فؤاد علّام استقبالاً جيداً، وجلس معه، وتمّت إحاطتنا بهذا اللقاء، وما دار فيه، وكتب علي الجريشة محضر الاجتماع وأرسله للتلمساني".
دشّنت هذه الواقعة أساليب الابتزاز الذي كان يجيدها التنظيم الدولي للرؤساء عند زيارتهم لأمريكا وأوروبا، فمن خلال نفوذ التنظيم الدولي في الخارج، كان بإمكان الإخوان أن يضغطوا للحصول على مكاسب سياسية.
في لقائه مع صحيفة "المصري اليوم"؛ اعترف مهدي عاكف، مرشد الجماعة السابق، بأنهم استطاعوا الحصول على صفقة مع نظام مبارك، تستطيع الجماعة بمقتضاها الحصول على 40 مقعداً في مجلس الشعب المصري، مقابل عدم قيام الجماعة بنشاطات وفعاليات ضدّ زيارة الرئيس الأسبق، مبارك، لواشنطن، وهي الصفقة التي أخلّت بها الجماعة؛ عندما قفزت بنسبة مشاركتها في البرلمان لـ 88 نائباً عام 2005، وهو ما حاول النظام المصري حينها إيقافه في المرحلة الثالثة من الانتخابات التشريعية، لتقف عند هذا الحدّ. (يتبع غداً حلقة ثالثة).


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية