هل حسمت تركيا قرار التخلص من الإخوان؟

هل حسمت تركيا قرار التخلص من الإخوان؟


05/07/2021

أثبتت التجربة أنّ الضربة التي تلقتها جماعة الإخوان المسلمين في 30 حزيران (يونيو) عام 2013 في مصر، هي الضربة الأبرز في تاريخها المليء بالصدامات والعنف، ليس فقط لأنّ ذلك التاريخ كان بداية إطاحة الجماعة من الحكم بعد عام واحد من الوصول إليه، وسعيها لذلك منذ تأسيسها على يد حسن البنا في العام 1928، ولكن لأنّ تلك الضربة لم تتوقف من وقتها إلى الآن، وما التخلي الأخير من نظام حليف للجماعة مثل نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عنها لصالح التقارب مع مصر، أو بالأحرى لصالح مصالحه، سوى إحدى تبعاتها.

اقرأ أيضاً: هل دقت ساعة رحيل الإخوان من تركيا؟

انحاز الرئيس التركي إلى المفهوم الأكثر تأصيلاً وضرباً في عضد الجماعة، وهو مفهوم "البراغماتية"، فقد فتح بلاده على مدار أعوام أمام التنظيم، وأتاح لهم المأوى والأمن والإمكانيات، وتبنّى الخطاب ذاته، وبالغ في العداوة مع القاهرة، وحاول مناكفتها في حدودها الغربية حيث ليبيا، وفي البحر المتوسط، وفي المحافل الدولية، وعبر فضائياته، لكنه في النهاية وجد النتيجة صفرية.

ووفق منهج الإخوان أنفسهم تخلى أردوغان عن الإخوان المصريين من أجل تحقيق هدفه الأكبر، حلمه هو الآخر بالزعامة، ورغم أنّ التجربة أثبتت هنا أيضاً بعد ذلك الحلم، غير أنّ التقرب مع القاهرة والتخلص من عبء الرفقاء، هو الأكثر نفعاً لنظامه.

ولا يُعدّ ذلك النهج بالغريب، فداخل تركيا نفسها، وخلال أعوام الاستضافة، دأب كثيرون من عناصر الجماعة على تجاذب الكعكة من بعضهم، والتبليغ والتجسس على بعضهم، حتى أنّ بعض المشاجرات استدعت تدخّل قوى الأمن التركية.

 

اقرأ أيضاً: لماذا لا يذكر مؤرخو الإخوان إيجابيات عهد السيسي؟

وبالتخلي التركي الأخير عن الجماعة، فإنّه يضعها في مأزق جديد، بسلب أمان متخيل ووطن بديل حاولوا تصويره لعناصرهم على مدار أعوام، لتقليص مفهوم الغربة والشتات، على اعتبار أنّ تواجدهم في دولة مثل تركيا يقربهم أكثر من العودة إلى مصر، أو على الأقل بتحقيق زعامة للجماعة عالمياً.

 

التخلي التركي الأخير عن الإخوان يضعها في مأزق جديد، بسلب أمان متخيل ووطن بديل حاولوا تصويره لعناصرهم على مدار أعوام، لتقليص مفهوم الغربة والشتات

 

وجاءت الضربة الأخيرة لتضيف شتاتاً إلى شتات الجماعة، ومنهم من فضلوا الفرار سريعاً بمجرد أن لمحوا تبدلاً في بوصلة العلاقات واحتمالية التفاوض على رقابهم مع القاهرة فيما بعد، بتسليمهم إلى القضاء وهم محكومون بأحكام بين الإعدام والمؤبد، مثل يحيى موسى الذي سافر إلى كندا، وهو أحد مؤسسي الحركات المسلحة المنبثقة عن الجماعة.

ومن بين الإخوان من فضّل البقاء حتى آخر لحظة ممكنة، مسجلاً خروجاً دراماتيكياً، وكأنه بطل ينسحب مضطراً من أرض صديقة بحثاً عن أرض أخرى، في تسجيل لبطولات زائفة، أبرزهم الإعلامي معتز مطر، الذي أعلن على الهواء أنّ السلطات التركية وجهت إليهم أمراً بعدم التعرض للقاهرة في برامجهم بصورة رسمية، وأنه سيغادر.

ويتشتت جزء ثالث وغالبيتهم من شباب الجماعة ممّن يخشون تسليمهم إلى القاهرة ولا يملكون أوراقاً ثبوتية تمكنهم من الذهاب إلى دولة أخرى.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين قد أعلنت قبل أيام عن حل مكتبها في تركيا، وإرجاء الانتخابات الداخلية التي كان قد تقرر عقدها في تموز (يوليو) الجاري.

 

اقرأ أيضاً: تركيا تحاصر الإخوان... ما القرارات التي اتخذتها؟

وقالت مصادر متطابقة بجماعة الإخوان المسلمين المصرية: إنّ الهيئة الإدارية العليا، التي يترأسها القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير، أصدرت مؤخراً مجموعة من القرارات الجديدة تمثلت في حل المكتب الإداري للإخوان المسلمين المصريين في تركيا، وحل مجلس شورى القُطر بتركيا، مع تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها خلال شهر تموز (يوليو) الجاري، لمدة 6 شهور.

 

الخلافات تصاعدت بعد تعهد بعض القياديين باعتزال العمل السياسي تماماً، مقابل السماح لهم بالبقاء على الأراضي التركية

 

وأوضحت المصادر، في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أنّ "منير كان مستاء إلى حد ما من قصور أداء المكتب الإداري للإخوان في تركيا، ومن أداء مجلس شورى القُطر بتركيا خلال الفترة الماضية، خاصة أنّ بعض المسؤولين فيهما كانوا يصرّون على تعطيل أو عرقلة ملفات بعينها، مثل ملف لمّ شمل الجماعة، وتوسيع عضوية مجلس الشورى العام، وإعادة تشكيل اللجان المركزية في الجماعة، وغيرها من الاعتراضات الأخرى، استناداً إلى اللائحة الداخلية".

 

اقرأ أيضاً: جماعة الإخوان تحل مكتبها في تركيا... ما الأسباب؟

ولا يقتصر المشهد على حل المكتب أو إرجاء الانتخابات، فقد نقلت وسائل إعلامية عن مصادر مطلعة داخل الجماعة عن وقوع حالات خلاف كبيرة داخل قيادات جماعة الإخوان المصرية من المقيمين في تركيا، مشيرة إلى أنّ الخلافات تصاعدت بعد تعهد بعض القياديين باعتزال العمل السياسي تماماً، مقابل السماح لهم بالبقاء على الأراضي التركية.

وبينت المصادر أنّ عدداً من قيادات الجماعة قدّموا طلبات إقامة جديدة في تركيا، مرفقة بشهادات تثبت اعتزالهم العمل السياسي، لافتة إلى أنّ البعض منهم قدّموا بالفعل استقالتهم من الجماعة، وتوقفوا عن دفع الأموال والاشتراكات للصناديق المالية التابعة للجماعة، وفقاً لما نقلته قناة العربية.

في السياق ذاته، أكدت المصادر أنّ القيادات المستقيلة من الجماعة من المقرر أن تتجه للعمل المالي والاقتصادي بعيداً عن أي نشاط سياسي في تركيا، مشددةً على أنّ الحكومة التركية عرضت امتيازات اقتصادية واستثمارية على عدد من رجال الأعمال مقابل تجميد أنشطتهم السياسية.

وترجح المؤشرات توجه الجماعة إلى كندا أو بريطانيا، وكلتاهما تضمان مراكز قوى للجماعة، بالإضافة إلى ماليزيا التي قد تكون الوجهة المفضلة والأقرب للشباب، وتداول البعض أنّ عدداً من القيادات الإعلامية قد يتجهون إلى إثيوبيا التي يجمعها خلاف مع مصر حول سد النهضة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية