هل حققت تركيا أهدافها في قره باغ؟

هل حققت تركيا أهدافها في قره باغ؟


17/11/2020

قبل نحو شهرين، حين تدخلت تركيا في الأزمة المندلعة على نحو مفاجئ وغامض يوحي بإشعالها عمداً، بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم قره باغ المتنازع عليه منذ تسعينات القرن الماضي، كان ثمّة أهداف واضحة لتركيا تتمثل في توطيد تواجدها في منطقة جنوب القوقاز الحيوية، أملاً في نقاط عسكرية هناك. 

ظنت تركيا أنّ بإمكانها تكرار مشهد إدلب باقتسام ثمار النفوذ مع القوات الروسية في منطقة نفوذ تاريخي للأخيرة، والتواجد كشوكة في حلق النظام العالمي في بقعة حيوية كجنوب القوقاز، والتي تمثل أنبوباً رئيسياً يمرّ منه النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. 

وفي سبيل تحقيق ذلك، دعمت تركيا أذربيجان بالمعدات العسكرية الحديثة، وأرسلت الخبراء العسكريين، بحسب تقارير واتهامات من أرمينيا، فضلاً عن المقاتلين المحسوبين على بعض الفصائل السورية الموالية لأنقرة، وقُدّر عددهم بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان بنحو 20 ألف مقاتل. 

وبدعم تركيا استطاعت أذربيجان أن تحقق التقدم الميداني بعد 6 أسابيع من القتال، وأرغمت أرمينيا على توقيع اتفاق وقف لإطلاق النار، وصفته أذربيجان باتفاق الاستسلام من قبل أرمينيا. 

وعلى الرغم من أنّ الاتفاق، الذي وُقّع برعاية روسية، لم يُمكّن أذربيجان من وضع يدها كاملة على الإقليم الذي تقطنه غالبية أرمينية، وأعلن انفصاله عن أذربيجان في العام 1992، غير أنه أعاد إليها مساحات كبيرة منه ومناطق حيوية، في مقدمتها منطقة شوشة، التي تمهّد الطريق إلى قلب أرمينيا نفسها.

وفيما تبدو أذربيجان سعيدة بما حققته من انتصار، وروسيا راضية بالسيطرة على الأوضاع دون أن تضطر إلى التدخل مباشرة كداعم وخصم لطرف على حساب طرف، وهي التي رغم قربها وتوقيع اتفاق دفاع مع أرمينيا تجمعها علاقات جيدة مع أذربيجان، يبقى التساؤل مفتوحاً حول: هل حققت تركيا مرادها؟ 

 جنود تركيا 

طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس موافقة البرلمان على إرسال عسكريين إلى أذربيجان، بهدف المشاركة في مهمة روسية- تركية لمراقبة وقف إطلاق النار في إقليم قره باغ. 

طلب الرئيس التركي موافقة البرلمان لإرسال عسكريين إلى أذربيجان بهدف المشاركة في مهمّة روسية- تركية لمراقبة وقف إطلاق النار في إقليم قره باغ

وبدا المرسوم الذي بعثه أردوغان إلى البرلمان غامضاً، حيث طالب الموافقة على إرسال جنود لإقامة "مركز تنسيق" مع روسيا لمراقبة احترام الهدنة.

والغامض أنّ تضمين القوات التركية في مراقبة وقف إطلاق النار لم يكن منصوصاً عليه ضمن الاتفاق الذي رحّب به المجتمع الدولي، والذي نصّ على إرسال قوات حفظ سلام روسية إلى قره باغ، يبلغ عددها 1960 عسكرياً و90 ناقلة جند مدرعة و380 قطعة معدات عسكرية.

وقد دفع التحرك التركي لإرسال جنود إلى قره باغ حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية التي طالبت روسيا بتوضيح دور تركيا في اتفاق وقف إطلاق النار. وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية: إنّ الولايات المتحدة وفرنسا تنتظران من روسيا توضيحات بشأن دور تركيا في الاتفاق الأخير، بحسب ما أورده موقع روسيا اليوم.

اقرأ أيضاً: برعاية روسية.. اتفاق سلام في قره باغ .. مجريات ما حدث

وأضاف المسؤول في الخارجية الأمريكية، عقب المحادثات بين وزير الخارجية، مايك بومبيو، ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان: إنّ الوزيرين "بحثا بالتفصيل الوضع في قره باغ. وبصفتهما رؤساء (لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا)، فقد تبادلا وجهات النظر، وأكدا التزامهما بدورهما كرؤساء مشاركين في مجموعة مينسك... وثمّنا الإجراءات التي اتخذتها روسيا، والتي أدت إلى وقف إطلاق النار".

الولايات المتحدة وفرنسا تنتظران من روسيا توضيحات بشأن دور تركيا في الاتفاق الأخير، بحسب ما أورده موقع روسيا اليوم

ويعكس مرسوم أردوغان محاولاته الحثيثة لوضع قدم عسكرية في قره باغ، في محاولة لفرض بلاده على الاتفاق الذي تم توقيعه دون أن تكون شريكة فيه.

ومع إعلان روسيا عن الاتفاق في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، امتعضت تركيا من الاتفاق الذي تمّ تهميشها فيه، على نحو يطيح بآمالها ومجهوداتها على مدار شهرين في تأجيج الصراع انتظاراً للحصاد.

وعقب يومين من الاتفاق، خرج وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ليؤكد أنّ بلاده حاضرة في اتفاق قره باغ بالمفاوضات والميدان، في إشارة إلى رفض تركيا محاولات إقصائها عن الاتفاق، وردّاً على نفي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مشاركة تركيا في قوات حفظ السلام.

وعقب التراشقات والبحث عن أدوار ونفيها، توصلت أنقرة وموسكو إلى صيغة تتمثل في "مشاركة تركيا في نقاط مراقبة للإشراف على وقف إطلاق النار"، وهو ما يعني أنّ تواجدها يقتصر على المراقبة وليس التواجد على الأرض. 

وبحسب وزارة الدفاع الروسية، فإنّ المركز المشترك سيقع في المنطقة الخاضعة للسيطرة الأذربيجانية، حيث سيتولى المركز جمع ومعالجة المعلومات الخاصة بمدى الالتزام بوقف إطلاق النار. وسيصبح المركز المشترك الهيئة المعنية بمتابعة الشكاوى والأسئلة والمشاكل المتعلقة بخرق الاتفاقية، وفق ما أوردته جريدة زمان التركية.

اقرأ أيضاً: الانشقاقات تعصف بصفوف مرتزقة أردوغان في قره باغ.. تفاصيل

غير أنّ تركيا التي أثارت الجدل بطلب إذن البرلمان لإرسال قوات عسكرية، توحي بأنها لن تذعن بسهولة للاتفاق، وستسعى للالتفاف عليه، وهو ما لن تقبل به فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن روسيا.

الباب الخلفي 

وقياساً على مواقع أخرى لعبت فيها تركيا أدواراً في تأجيج الصراع، ثمّ قوضت مجهوداتها وقلمتها أطراف دولية أخرى، سواء في ليبيا أو شرق المتوسط أو سوريا، فإنّ تركيا لم تحقق أهدافها، وربما لن تحققها قريباً.

وتواجه أهداف أنقرة عقبات كثيرة، غير أنّ ذلك لا يمنع أنّ تركيا لا تضع البيض دائماً في سلة واحدة، ففيما هي تشارك وتنخرط وتبدي انفتاحاً على الالتزام بالاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف، تعمد إلى لعب أدوار أخرى لتحقيق مصالحها.

وبحسب "الكاتالوج" التركي المتشابه إلى حد بعيد، فإنّ لعبتها في قره باغ لن تختلف عن شمال سوريا الذي تُتهم فيه بإجراء تغييرات ديموغرافية على التركيبة السكانية،  أو ليبيا التي ضخت إليها آلاف العناصر داعمة الميليشيات المسلحة.

وفي غضون ذلك، حذّر مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن من أنّ الحكومة التركية طرحت على قادة مجموعات من السلطان مراد وسليمان شاه من المكوّن التركماني، توطينهم برفقة عوائلهم في إقليم قره باغ، بذريعة أنّ جذورهم من تلك المنطقة، قائلاً لأردوغان: إنّ هؤلاء غالبيتهم الساحقة لا ينحدرون من هناك، وهم يتواجدون من مئات السنين في سورية.

اقرأ أيضاً: تركيا تستعد لإرسال جنود إلى قره باغ... لماذا؟

وأضاف، خلال مداخلة مع قناة العربية: إنّ أردوغان يريد توطين مجموعات هناك كي يكونوا ذراعاً له، وحتى اللحظة لم تحصل موافقة على الأمر من قبل الحكومة الأذرية. 

وتابع: اللعبة التركية تتمثل بأنّ هؤلاء هُجّروا إلى سورية قبل عشرات الأعوام، والآن سوف يعودون إلى موطنهم الأصلي، هذه اللعبة لن تنطوي على روسيا، ولاسيّما أنّ الروس يعلمون أنّ تركيا أرسلت مرتزقة من سورية إلى أذربيجان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية