هل داعش بسبعة أرواح.. لماذا لا ينتهي؟

الإرهاب

هل داعش بسبعة أرواح.. لماذا لا ينتهي؟


30/07/2018

يمكن تشبيه الإرهابيّ في عالمنا اليوم بشخصية "الزومبي" المولع بها الغربيون في أعمالهم السينمائية الخيالية.. ذلك المخلوق الذي كان قد مات بالفعل، لكنّه يعود مرة أخرى للحياة في أشكال مرعبة ومتعددة، ليهاجم الأبرياء المسالمين، وغالباً ما يسيطر على هذه الكائنات ساحر شرير، يمتلك شفرات التحكم بها وكلما أبيدت أعادها مرة أخرى في متوالية لا تنتهي.

هل يعيد التاريخ نفسه؟

تجيب أحداث التاريخ القريب والبعيد عن سؤال ما بعد "داعش" وأشباهه من التنظيمات المتطرفة؛ فبعد أن استبشر المسلمون بالخلاص من شر الخوارج، وقف الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ليحذّر من الركون إلى هذا التفاؤل الخادع: "إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، فإذا خرجوا من بين الشرايين فقلَّ ما يلقون أحداً إلا ألّبوا أن يظهروا عليه".

تجيب أحداث التاريخ القريب والبعيد عن سؤال ما بعد داعش وأشباهه من التنظيمات المتطرفة

أمّا في العصر الحديث فلم يختلف الحال كثيراً؛ فالتنظيمات المسلحة التي انبثقت عن جماعة الإخوان المسلمين، بعد ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، هي امتداد للنظام الخاص الذي تشكل في بداية أربعينيات القرن الماضي، مع أنّ الجماعة حاولت الظهور بمظهر من يمارس العمل السلمي، وذهبت للابتعاد عن العنف منذ أخرجها رئيس مصر الراحل أنور السادات من السجون منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى سقوط الرئيس الإخواني محمد مرسي.

التنظيمات المسلحة المنبثقة عن الإخوان امتداد للنظام الخاص الذي تشكل في الأربعينيات

تعد تجربة الإخوان في مصر بجناحها السري، ومواجهة الدولة المصرية لها، بداية من ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى ثورة 30 من يونيو، نموذجاً مهماً، في إمكانية تحوّر تلك التنظيمات، من مرحلة لأخرى ومن عصر لآخر، فقد استطاع ذاك التنظيم، الصمود على تطرّفه، ما يقرب من 85 عاماً، في مواجهة الدولة المتصدّية والمجتمع الرافض، وفي كل مرة تنتكس فيها الجماعة بفعل تصرفاتها ونهجها، تنهض مرة أخرى بأساليب شتّى، كي تحاول الوثوب على السلطة.

القاعدة ووليده داعش استمرار طبيعي لتشكيلات التنظيمات الجهادية المصرية التي برزت منذ منتصف السبعينيات

وفي تجربة الجماعات التكفيرية المسلحة، ظهرت الجماعة الاسلامية والجهاد، في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، كخليط بين الأفكار القطبية للإخوان والأفكار السلفية الكلاسيكية، التي ضربت مصر، إلا أنّ التنظيمات التكفيرية الحديثة، بدت في أفكارها واعتقادها، الأكثر تشدّداً، بحيث كفّرت في النهاية الجماعات القديمة كفراً صريحاً انتهى بتكفير "داعش" لـ"القاعدة" وزعيمها أيمن الظواهري.

اقرأ أيضاً: الإخوان وداعش.. وجها التطرف في سيناء

بيد أن تنظيم القاعدة ووليده "داعش" امتداد طبيعي لتشكيلات التنظيمات الجهادية المصرية التي برزت منذ منتصف السبعينيات، ومازالت تمثّلاتها وتمظهراتها حاضرة حتى يومنا هذا.

أمواج متلاحقة

على مستوى الفروع لم يكن هناك ما يشي بتوقف خطوط إنتاج التنظيمات الإرهابية؛ ففي تجربة العنف الدموي في الجزائر، تشكّلت الجماعة الإسلامية المسلحة "جيا"، مطلع التسعينيات بدعوى محاربة السلطات الجزائرية بعد الانقلاب الذي أطاح بنتيجة الانتخابات التي حصدت فيها جبهة الإنقاذ غالبية أصوات الناخبين، وعندما أُنهكت تلك الجماعة بفعل الضربات الأمنية من جهة، وبفعل الاحتراب التنظيمي الداخلي، آل الأمر إلى انبثاق جماعة جديدة ذهبت لمبايعة "القاعدة" ما تزال تمارس العنف إلى الآن، بل وتسعى لعقد التحالفات مع تنظيمات الساحل والصحراء، وهي جماعة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي يتزعمها عبدالمالك درودكال.

داعش في سيناء امتداد لتنظيم "التوحيد والجهاد" الذي بدأ عام 1999

كما أنّ تنظيم داعش في سيناء، هو امتداد لتنظيم التوحيد والجهاد الذي بدأت بذرته في النمو بداية أواخر العام 1999، حتى وإن تلبّس بمسميات عديدة مثل "أنصار بيت المقدس".

اقرأ أيضاً: داعش في مصر يعلن مقتل أحد قادته... من هو؟

لم يكن أبو محمد العدناني، المتحدث باسم "داعش"، والذي لقي حتفه مؤخراً، يهذي في خطابه، الذي تحدث فيه عن أنّهم سيعودون مرة أخرى إذا ما فقدوا السيطرة على الأرض فذلك لم يكن جديداً، فلم يحدث هذا مرة بل حدث مرات، فقد كانت التجربة القريبة حاضرة بقوة أمام أعينهم.. "أتحسبون أنّنا سنرحل، أتخالون أننا سننتهي، أتحسبون أننا سنكلّ أو نملّ، كلا إننا باقون بإذن الله إلى قيام الساعة".

وهم الانتصار على الإرهاب!

تظلّ البيئة غير النقية مساعدة للغاية في تنمية بذور الإرهاب بما تحمله من طائفية مقيتة، وفراغ سياسي، وانعدام العدالة الاجتماعية، وطفح الاستبداد السياسي والديني، فضلاً عن حالة الاستضعاف التي تحياها دول المنطقة في مواجهة طغيان الهيمنة الأمريكية والغربية.

معضلة "داعش" المريرة  هذه المرة لا تتجلّى في كونه تنظيماً محدود الإمكانات والأعداد والطموحات؛ بل في كونه تنظيماً استطاع أن يخدع ويلهم أتباعه التنظيميين والمتعاطفين بأنّ هناك خلافة موعودة قد اقترب أجلها، وأنّ وعد الله هذا، يجتمع عليه "الكفار" على كثرة عددهم للقضاء عليه، من أجل هذا فإنّ حفنة المؤمنين لن تُهزم على قلة عددها، وأنّ هزيمتهم مجرد امتحان من الله لهذه الفئة كي ينقّيها لليوم الفصل.

لم يكن أبو محمد العدناني المتحدث باسم داعش يهذي عندما قال إنّهم سيعودون مرة أخرى

هنا تنتهي المعركة لتبدأ من جديد في ثوب تنظيمي جديد وبقيادات جديدة تحمل الراية ليستمر مصنع المقاتلين في الإنتاج، وتستمر طائرات الغرب في الأزيز والقصف والدمار لتتحول المنطقة لرماد يظل تحت وميض نار ما يكاد ينطفئ حتى يشتعل مرة أخرى.

اجتثاث أذرع الإخطبوط الإرهابي المنسدلة على خريطتنا المليئة بالخروقات والتهتك باتت قريبة، كنتاج مباشر لكثافة النيران التي صبّتها قواتها والمتحالفون معها على مناطق سيطرة التنظيمات التكفيرية وخاصة في معاقلها الرئيسة في سوريا والعراق وأفغانستان وغيرهم.

تعدّ تجربة الإخوان بمصر نموذجاً مهماً لإمكانية تحوّر تلك التنظيمات من مرحلة لأخرى 

ثم جاءت اللحظة التي بدا فيها "داعش" كتنظيم يقف على يمين التنظيمات المتطرفة، أو الأكثر مزايدة عليها، مستفيداً من الحالة الفساد والطائفية التي استشرت في أوصال الدولة العراقية والسورية.. ما يشي بأنّ التنظيمات التكفيرية تعود مرة أخرى للحياة بعد الموت، وكأنّ الأرض البور تأبى ابتلاعها في باطنها لتقذف بها من جديد في شكل أكثر رعباً وتوحشاً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية