هل ستطلق إعادة انتخابات بلدية إسطنبول شرارة الربيع التركي؟

هل ستطلق إعادة انتخابات بلدية إسطنبول شرارة الربيع التركي؟


20/05/2019

إعادة انتخابات بلدية إسطنبول، بقرار من القضاء التركي "المستقل"، وهو القضاء ذاته الذي سبق أن اتخذ قراراً بالإفراج عن القسّ الأمريكي أندرو برونسون، المتهم بقضايا إرهابية، بعد ضغط أمريكي.

اقرأ أيضاً: تفاعلات إعادة انتخابات إسطنبول
هذا القضاء، الذي أعلن رفضه إعادة انتخابات بلدية إسطنبول، التي جرت الشهر الماضي، وخسر فيها مرشّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الانتخابات، يقرّر لاحقاً إعادة الانتخابات، في خطوة تلقي ظلالاً من الشكوك العميقة حول استقلالية القضاء التركي، في ظلّ حكم "العدالة والتنمية"، ومغامرة غير محسوبة العواقب للرئيس أردوغان، وربما لم تبالغ مجلة "فورين بولسي"، حينما أشارت في تقرير لها إلى أنّ أردوغان "مرعوب" من خسارته بلدية إسطنبول، التي وصل الرئاسة التركية بعد انطلاقه منها، وأنه يدرك أنّ بلدية إسطنبول هي الدرجة الأولى في سلّم الوصول إلى رئاسة الدولة.

الربيع التركي ستكون مرجعيته الرغبة في التغيير والخلاص من الأزمات التي أنتجتها سياسات حزب العدالة والتنمية


إعادة انتخابات بلدية إسطنبول، بعد ثلاثة أسابيع من ممارسة الرئيس المنتخب الجديد مهامه في البلدية والإعلان عن خططه، تعكس ارتباكات الرئيس أردوغان، الذي يفقد أوراقه الداخلية والخارجية تباعاً، وفهمه للديمقراطية، وتوظيف القضاء، وأنّه ينطلق في كثير من قراراته، بوصفه السلطان العثماني الجديد، وليس رئيس الجمهورية التي يحكمها دستور، قام بتعديله، بما يتوافق مع مشروعه.

إنّ الحجة التي استند إليها أردوغان لإعادة الانتخابات، وهي حصول تجاوزات في العملية الانتخابية، تبدو حجة "ساقطة"؛ إذ إنّه، للمرة الأولى، وعلى مساحة الكرة الأرضية، وفي تاريخ كلّ الانتخابات، تتهم السلطة الحاكمة المعارضة بالتلاعب بالانتخابات، وممارسة تجاوزات، وتكشف تلك الحجة الإصرار على عدم الاعتراف بالفشل بتلك الانتخابات، واختلاق أسباب خارجية، ليست فقط مدعاة للشكوك؛ بل ومدعاة للسخرية، وهي ليست جديدة في سياسات الحزب الحاكم في تركيا ورئيسه أردوغان؛ إذ سبق أن دعا لانتخابات مبكرة، عام 2015، حينما لم تحقق له انتخابات جرت قبل خمسة أشهر حينها، الأغلبية المطلوبة.

اقرأ أيضاً: إسطنبول تشتعل.. ما علاقة حزب العدالة والتنمية الإسلامي؟

نتيجة الانتخابات القادمة، التي يشكل الأكراد فيها بيضة القبان، وبمعزل عن فوز أردوغان فيها، أو مرشح المعارضة، الذي تؤكّد نتائج استطلاعات أولية ومواقف قوى سياسية معارضة، أنه ما يزال يحظى بفرصة قوية للفوز، ستزيد عمق مأزق حزب العدالة؛ ففي حال فوزه سيتم اتهام الحزب الحاكم بممارسة التزوير والتجاوزات في هذه الانتخابات، وسيتم النظر لفوز مرشح "العدالة والتنمية"، باعتباره فوزاً محطّ شكوك عميقة، ترقى إلى كونها حقائق، ولا يستبعد أن يتم الذهاب مجدداً من قبل المعارضة إلى القضاء، الذي سيواجه أزمة في حال ردّ شكوى المعارضة، وبما يرسل رسالة بأنّه ألعوبة بيد أردوغان، وفي حال فوز مرشح المعارضة؛ فإنّ هذا الفوز، إن تحقق، فإنّه إن كان سيعطي مصداقية للعدالة والتنمية في الالتزام بالأسس الديمقراطية، إلا أنّ الكلف المترتبة على هذا الفوز ستكون أكبر بكثير من قناعات "العدالة والتنمية" بالظهور بمظهر الملتزم بالديمقراطية وشروطها، خاصة أنّ العدالة، ومعه أردوغان، يعي تماماً ماذا يعني أن تفوز المعارضة ببلدية إسطنبول، التي انطلق منها إلى كرسي الرئاسة في تركيا.

انتخابات إسطنبول الجديدة المعادة كشفت عمق أزمة الحزب الحاكم وأردوغان خاصة أنّها تتزامن مع أزمات اقتصادية متصاعدة


انتخابات إسطنبول الجديدة، المعادة، كشفت عمق أزمة الحزب الحاكم وأردوغان، خاصة أنّها تتزامن مع أزمات اقتصادية متصاعدة في الاقتصاد التركي، تعكسها الأرقام والإحصائيات الرسمية، في: التضخم المتزايد، انسحاب الاستثمارات، ازدياد جيوب الفقر والبطالة، ولعلّ أهمها التراجع المستمر في الليرة التركية، بالتوازي مع أزمات في الحزب الحاكم واحتمالات وقوع انشقاقات في العدالة، وتوجهات رفقاء أردوغان: داوود أوغلو، وعبد الله غول، وغيرهما كثر، للانشقاق وتأسيس حزب جديد، فيما يتلقى أردوغان إقليمياً المزيد من الضربات الموجعة، في ملفات سوريا والسودان وليبيا، لعلّ أهمّها: الخلافات التي لم تعد سرّية مع الجانب الروسي في قضية إدلب، والتي تشير مخرجاتها إلى أنّ تركيا ستكون الطرف الخاسر في المعادلة السورية، في ظلّ انكشافات الرئيس أردوغان، ووصوله إلى لحظة الحقيقة، وخسارة رهاناته على التنظيمات الإرهابية، "داعش" و"النصرة" وتوابعهما، وفشل تحقيق نتائج تذكر على صعيد وقف الطموحات الكردية بالنسبة إلى أكراد سوريا.

اقرأ أيضاً: مأزق المشروع الإخواني يجمع الغنوشي وأردوغان في إسطنبول

وفي الخلاصة؛ فإنّ معركة انتخابات إسطنبول، وبصرف النظر عن نتيجتها، وبدلاً من أن تغطي على فشل سياسات حزب العدالة، لا يستبعد أن تكون شرارة انطلاق ربيع تركي، على غرار الربيع العربي، يتوافق مع الخسارات المتتالية للإسلام السياسي، الذي خطط أردوغان ليكون حليفه وحاضنته، هذا الربيع التركي الذي ستكون مرجعيته الرغبة في التغيير والخلاص من الأزمات التي أنتجتها سياسات العدالة، ومن المرجح أن تكون مرجعية هذا الربيع مطالب اقتصادية واجتماعية، تشير تقديرات كثير من "مراكز بحوث وخلايا تفكير مستقلة"، إلى أنّ خطوطها البيانية في تصاعد مستمر، وأنّ "براغماتية" الرئيس أردوغان، التي مارسها في إطار فجّ من التناقضات والانقلابات على مواقفه في الإقليم، وتحالفاته مع أمريكا وإيران وروسيا، لن تخدمه في الاحتفاظ بالسلطة على الصعيد الداخلي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية