هل سيعزز فوز المتشددين في الانتخابات الإيرانية احتمالات الصفقة مع أمريكا؟

هل سيعزز فوز المتشددين في الانتخابات الإيرانية احتمالات الصفقة مع أمريكا؟


17/02/2020

من المقرر أن تفتح صناديق الاقتراع في المحافظات والمدن الإيرانية صباح يوم الجمعة المقبل أبوابها أمام حوالي 58 مليون إيراني ممن يحق لهم التصويت لاختيار ممثيلهم في البرلمان الإيراني الجديد "مجلس الشورى الإسلامي" الذي يضم في عضويته 290 نائباً يمثلون المحافظات الإيرانية، وبالتزامن ستجري انتخابات "مجلس خبراء القيادة" الذي يتولى الإشراف على تعيين القائد وعزله.

تبدو نتائج هذه الانتخابات غير مهمة في ظل قدرة البرلمان المحدودة أصلاً على التغيير

من المعروف أنّ النظام الإيراني قائم على ازدواجية مؤسسات الدولة بين الجمهورية ومؤسساتها والمرشد والمؤسسات الموازية التابعة له، التي تجعل من رئاسة الجمهورية، وحتى البرلمان، مجرد مؤسسات شكلية لا قيمة حقيقية لها ولا دور في صناعة القرار وإدارة الدولة، إلا بحدود اقترابها وابتعادها عن الخط العام للمرشد الأعلى ومؤسساته، وهو ما ثبت في محطات عديدة أبرزها مؤسسة الحرس الثوري الإيراني المعزولة تماماً عن رئاسة الجمهورية بحكم ارتباطها مع المرشد الأعلى، بالإضافة إلى العديد من المؤسسات الموازية التابعة للمرشد والمعزولة تماماً عن رئاسة الجمهورية، إلا في حدود المصادقة على ميزانياتها، وتقديم الدعم لها، دون أدنى اطلاع على مشاريعها ومخططاتها.

اقرأ أيضاً: هل يمكن الصلح مع قطر وإيران؟
من هنا، تبدو نتائج هذه الانتخابات غير مهمة، في ظل قدرة البرلمان المحدودة أصلاً على التغيير، واقتصار مهمامه على المصادقة على القوانين الحكومية وعزل رئيس الجمهورية، فيما لا تطال تشريعات البرلمان صلاحيات المرشد الأعلى.
تشير المعطيات إلى أنّ انتخابات يوم الجمعة المقبل قد تم حسمها قبل إجرائها، من قبل تيار المرشد الأعلى، برفض قبول ترشيح أكثر من سبعة آلاف مرشح يتبعون التيار الإصلاحي، بحجة عدم انطباق شروط الترشح عليهم، وهو ما أثار احتجاجات من قبل رئيس الجمهورية، الذي يبدو أنّ فرص مرشّحيه من الإصلاحيين بالفوز تضيق أكثر لصالح المتشددين وأنّه بطريق فقدانه لأغلبيّته في البرلمان، من خلال سيطرة المتشددين عليه، واحتمالات تولّي محمد باقر قاليباف، أحد أبرز المقربين للحرس الثوري والذي اعتاد توجيه انتقادات حادة للرئيس حسن روحاني، رئاسة البرلمان.

اقرأ أيضاً: إيران و"تصدير الثورة"... أي مفهوم "ثوري"؟
وفيما يبدو أنّه يعكس مخاوف التيارين؛ الإصلاحي والمتشدد، من احتمال انخفاض نسب التصويت من قبل الكتلة الناخبة، وجّه كلٌّ من: المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية دعوات منفصلة للناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع، وكان لافتاً أن يقول المرشد الأعلى "حتى إن لم أعجبكم أنا، فشاركوا في الانتخابات من منطلق الحرص على إيران على الأقل"، فيما قال الرئيس روحاني "انتقدوا، لكن لا ينتابكم الانفعال، ولا يكون خصام بينكم وبين صنادق الاقتراع".
ويبدو أنّ تلك الدعوات تعكس إدراكاً لمزاج ومواقف الناخب الإيراني، الذي رفع شعارات؛ "الموت للشيطان، الموت لروحاني" منذ الانتفاضة التي شهدتها إيران في أواخر عام 2017، على خلفية الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، ويبدو أنّ ما أعقب تلك الانتفاضة من انتفاضات لاحقة تجددت في العامين التاليين، وما تخللها من عنف مفرط من قبل الأجهزة الحكومية والأجهزة التابعة للمرشد، وعلى رأسها الحرس الثوري، ستسهم في خفض نسب المقترعين، وهو ما سيصب في صالح التيار المتشدد.

اقرأ أيضاً: موقع "الخلافة الإسلامية" بين مشاريع إيران وتركيا وداعش
الانتخابات الإيرانية الجديدة تجري في سياقات محددين وهما: العقوبات الأمريكية المتصاعدة ضد القيادة الإيرانية، وانعكاساتها على المواطنين الإيرانيين، في ظل عدم قدرة التيارين؛ المتشدد والاصلاحي، على تقديم حلول مقبولة للشارع، ومواجهة تداعيات تلك العقوبات، باستثناء إجراءات بزيادات على الضرائب والأسعار ونمو وتوسع السوق السوداء، بالتزامن مع ضيق مساحات الأمل باحتمالات حدوث انفراجات قريبة، رغم خسارات القيادة الإيرانية لكثير من أوراقها الإقليمية، بعد الاحتجاجات على دورها في العراق وفي لبنان، وتراجع حضورها العسكري في سوريا، واحتمالات إنهاء هذا الدور.

تشير المعطيات إلى أنّ انتخابات يوم الجمعة المقبل تم حسمها قبل إجرائها من قبل تيار المرشد الأعلى

المتغير الأبرز بعد هذه الانتخابات سيكون في سياقات إيران تغيب في عناوينها الكبرى ثنائية أنّ هناك تيارين؛ إصلاحي ومتشدد، وأنّه يمكن أن تكون هناك تفاهمات مع تيار في إيران "الإصلاحي"، حيث سيقود التيار المتشدد إيران الجديدة، مما سيجعله بمواجهة مباشرة مع مجاميع الشارع الإيراني من جهة ومع العالم الخارجي، وتحديداً مستقبل التصعيد مع الولايات المتحدة من جهة أخرى، هذا التصعيد الذي يتوقع أن يزداد مع احتمالات أن يستمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في فترة رئاسية ثانية، وهو ما يعني فشل الرهانات الإيرانية التي بنيت على أساس اللعب على عامل الوقت وامتصاص اندفاعات ترامب لحين إجراء الانتخابات الأمريكية الجديدة.
ورغم ذلك، فإنّه واستناداً لمقولات إنّ السلام والصفقات لم تكن إلا بين التيارات الأقوى في الدول، فإنّه لا يمكن تغييب احتمالات صفقة ايرانية- أمريكية في المدى المنظور، قد ترى النور مع بداية تسلّم ترامب لولايته الثانية في حال فوزه بالانتخابات التي ستجري نهاية العام الجاري، وستعزز مؤشرات تلك الصفقة التي بدأت، بعد تغييب قاسم سليماني عن المشهد الإيراني، مع ازدياد احتمالات فوز ترامب، وهو ما يدعو خصوم إيران وحلفاءها على السواء في الإقليم إلى الاستعداد لمفاجآت إيرانية بعد انتخاباتها المقبلة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية