هل سيكون حسم الأوضاع في إدلب عسكرياً فقط؟

هل سيكون حسم الأوضاع في إدلب عسكرياً فقط؟


05/02/2020

تتسارع تطورات التصعيد العسكري في محافظة إدلب السورية لدرجة أصبحت تطرح معها احتمالات حدوث اشتباكات بين القوات الروسية والتركية، خاصة بعد حدوث اشتباكات محدودة بين الجيش السوري وقوات تركية، بسبب اجتياز الجيش التركي قبل يومين الحدود في مناطق ريف حلب، والاتهامات التي وجهتها القيادة التركية لكل من روسيا والقيادة السورية، بخرق الاتفاقات المبرمة مع تركيا، وخاصة مخرجاتها المضمنة باتفاقات خفض التوتر في إدلب، بما فيها إنشاء نقاط المراقبة التركية على الأراضي السورية.

رغم دلالات الصورة التي تشير إلى إمكانية التصعيد في إدلب، وتحديداً بين روسيا وتركيا، إلا أنّ احتمالات ذلك محدودة جداً

تطورات إدلب العسكرية، تأتي في إطار سياقات مفادها أنّ مخرجات إدلب لن يكون لها دور في تحديد مستقبل القضية السورية فقط، من حيث استعادة الحكومة السورية سيطرتها على الجيب الأخير الذي تم تجميع "المقاتلين" السوريين والأجانب، تنفيذاً لاتفاقات خفض التوتر؛ بل ستنعكس على ملفات أخرى مرتبطة بالدور التركي وعلاقاته المستقبلية مع جارته الجنوبية، في ظل دعم روسي للحكومة السورية، يتصاعد بعد اتفاقات وتفاهمات "روسية-أمريكية"، أتاحت لروسيا أن تتولى الملف السوري وإنجاز تسوية تضمن تحقيق المتطلبات الأمريكية ومن بينها الأمن الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: أول اشتباك بين قوات النظام السوري وتركيا في إدلب

التصعيد في إدلب، يأتي في سياقات مواجهة لحظة الحقيقة بالنسبة لكافة الأطراف؛ فبالنسبة لروسيا والحكومة السورية فإنّ مقاربتهما تقوم على أساس أنّ الدولة السورية استعادت سيطرتها على كافة الأراضي السورية، بما فيها شرق الفرات "مناطق الأكراد" التي تم حسمها بعد عملية "نبع السلام" التركية بضمان عودتهم للدولة السورية، وأنّه لم يتبقّ إلا هذا الجيب الذي تمارس فيه ومن خلاله فصائل إرهابية مدعومة من القيادة التركية دورها ولا بد من استكمال النصر ودحرها، فيما تقوم المقاربة التركية على أساس ضرورة الفصل بين الفصائل المسلحة في إدلب، باعتبار أنّ هناك فصائل غير جهادية "الجيش السوري الحر" تتطلع تركيا للاحتفاظ بها، بوصفها ورقة في أية مفاوضات قادمة، تتيح لها الجلوس على طاولات المفاوضات الخاصة بالشأن السوري، إلا أنّ القيادة التركية ومن وجهة نظر روسيّة وسوريّة، تماطل في تنفيذ التزاماتها برفع الغطاء عن الفصائل الجهادية، بما في ذلك عدم قيامها بتسليم أسلحتها الثقيلة، ووقف إطلاق النار، كما ترتبط الاستراتيجية التركية بعوامل مرتبطة من مخاوف بنزوح مئات آلاف السوريين من إدلب إليها، في الوقت الذي أصبحت فيه قضية اللاجئين السوريين في تركيا ورقة ضد الرئيس أردوغان من قبل المعارضة التركية الداخلية، بالإضافة لحسابات أخرى مرتبطة بمستقبل أكراد سوريا ضمن الدولة السورية.

تسريع حسم الأوضاع في إدلب يشكل مطلباً روسيّاً وسوريّاً لحسابات مرتبطة بالحوارات الجارية لإنجاز الدستور السوري الجديد

ورغم دلالات الصورة التي تشير إلى إمكانية ازدياد وتائر التصعيد في إدلب، وتحديداً بين روسيا وتركيا، إلا أنّ احتمالات هذا التصعيد تبقى محدودة جداً، في ظل تسريبات تؤكد أنّ ما يجري بين تركيا وروسيا تم الترتيب له، بدلالة التنسيق المستمر بين المستويين؛ العسكري والسياسي، ومنح أردوغان مزيداً من المُهَل لإنجاز ما تم الاتفاق عليه، وهو ما يفسر قيام تركيا بإرسال مقاتلين من الفصائل السورية المسلحة إلى ليبيا، للقتال إلى جانب حليفه، فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق.

تسريع حسم الأوضاع في إدلب يشكل مطلباً روسياً وسورياً، لحسابات مرتبطة بالحوارات الجارية لإنجاز الدستور السوري الجديد، بوصفه إحدى الأوراق المهمة بالنسبة للقيادة السورية، التي تتطلع لخوض تلك الحوارات من موقع القوة والسيطرة على كافة أراضيها، وأملاً بتوفير ضمانات أن تكون مخرجات الدستور الجديد متوافقة مع رغبات النظام السوري بتياراته المختلفة والتي يتم "غربلتها" من قبل روسيا في إطار إبعاد العناصر القيادية الموالية لإيران، في المؤسستين؛ العسكرية والأمنية، فيما تدرك القيادة التركية ذلك وتتطلع لمواصلة الاحتفاظ بورقة المسلحين وقضايا اللاجئين السوريين بما يضمن بقاء تركيا بوصفها أحد أبرز اللاعبين وممارسي الأدوار في الملف السوري.

اقرأ أيضاً: أردوغان ينتهك الهدنة ويواصل إرسال مرتزقة من إدلب إلى ليبيا

المرجّح أنّه ورغم خسائر تركيا في إدلب، باعتبارها محطة من محطات "فشل" القيادة التركية في التعاطي مع الملف السوري، إلا أنّ حسماً قريباً لملف إدلب لن يتحقق، إلا باتفاقات سياسية، خاصة مع كشف إدلب لحجم تضارب الأهداف والمصالح بين كافة الأطراف (سوريا، إيران، تركيا وروسيا) في ظل حسابات روسية استراتيجية على الصعيدين؛ السياسي والاقتصادي، لعلاقتها مع تركيا، بما فيها اتفاقات الغاز وتحويل أنقرة محطة للغاز الروسي المصدر إلى بعض دول أوروبا الشرقية والدول الإسلامية، وصفقة صواريخ اس 400، وتعامل الرئيس بوتين مع تركيا بوصفها إحدى أوراقه للتفاوض مع الأوروبيين أولاً ومع أمريكا ثانياً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية