هل سينجح الوقود الإيراني في تحريك الماكينة اللبنانية؟

هل سينجح الوقود الإيراني في تحريك الماكينة اللبنانية؟


23/08/2021

يقع السيد حسن نصرالله، زعيم حزب الله اللبناني، في الاتهامات نفسها التي يوجهها لخصومه السياسيين اللبنانيين، بربط لبنان بأجندات السفارات الغربية والعربية في بيروت وعلى رأسها السفارة الأمريكية، وهو يعلن أنّ سفينة الوقود الإيرانية الأولى ستصل إلى لبنان خلال أيام، محملة بشحنة "مازوت" لتشغيل المخابز والمستشفيات، وسوف تتبعها سفن أخرى محملة بمشتقات مختلفة من بينها البنزين، ولم يفت زعيم حزب الله أن يحذر أمريكا وإسرائيل من مغبة التعرض للسفينة منذ لحظة انطلاقها من الشواطئ الإيرانية، فقد أصبحت أرضاً لبنانية، بما يستبطن تهديداً باستعداد حزب الله للدخول إلى جانب الحرس الثوري الإيراني في حرب ناقلات النفط التي يشهدها خليج سلطنة عمان وبحر العرب.

 

ربط لبنان كله ورهنه أسيراً للأجندة الإيرانية، وتوظيف أزماته المتفاقمة لصالح إيران، لم يعد سراً، ولا حتى بالنسبة إلى حزب الله نفسه الذي لا ينكر ذلك

 

ربط لبنان كله ورهنه أسيراً للأجندة الإيرانية، وتوظيف أزماته المتفاقمة لصالح إيران، لم يعد سراً، ولا حتى بالنسبة إلى حزب الله نفسه الذي لا ينكر ذلك، في إطار استراتيجية عنوانها ربط أزمات لبنان بأمريكا والغرب، فاستقدام نفط إيراني في هذه المرحلة لا يعدو كونه خطوة ثانية بعد الصواريخ التي أطلقها حزب الله على مزارع شبعا المحتلة في الجنوب، والتي تزامنت مع الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، وتفاقم الأزمات اللبنانية بما فيها إفشال تشكيل حكومة لبنانية، التي يُتهم حزب الله "من قبل خصومه على الأقل" بتحمل غالبية أسبابها، والخبز وقيمة الليرة... إلخ.

مؤكد أنّ حزب الله أعدّ تقدير موقف لمآلات سفينة الوقود الإيرانية المفترض أن تصل إلى بيروت، ومؤكد أنّ حزب الله على يقين من أنّ احتمالات التعرض للسفينة من قبل أمريكا أو إسرائيل غير واردة في هذه المرحلة، وقد أراد تحقيق هدفين معاً، وهما: البدء برفع الحظر عن تصدير النفط الإيراني المفروض وفقاً للعقوبات الأمريكية، ومحاولة استعادة شعبيته في أوساط اللبنانيين، بعد انخفاض التأييد له لبنانياً وعربياً، وحتى في أوساط محسوبة عليه مذهبياً في لبنان، مقارنة بشعبيته التي تحققت إبّان حرب تموز (يوليو) عام 2006.

 

لا حل في لبنان إلا بالتوصل إلى توافقات بين الفاعلين الدوليين والإقليميين، وربما يكون في مقدمة ذلك الصفقة الأمريكية- الإيرانية القادمة

 

 "شحنة/ شحنات" النفط الإيرانية ربما تسهم في حلحلة أزمة صغيرة ناشئة في لبنان، لكنّ مشاكل لبنان أكبر وأعمق من قضية توفير المحروقات، على أهميتها، فأزمة المحروقات نتيجة، وليست سبباً في مشاكل لبنان، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي ربما يتحمل حزب الله الجزء الأكبر منها، دون إعفاء بقية أعضاء النخب السياسية اللبنانية منها، فالأزمة بين النخب السياسية، وبسبب حزب الله وارتباطه بالأجندات الإيرانية، وجرّ لبنان معه لتلك الأجندات، وليس بين تنوعات الشعب اللبناني، وهو ما عبرت عنه شعارات انتفاضات لبنان "كلن كلن"، ويبدو أنّ إصرار حزب الله على ربط أزمة لبنان، وما يوصف بالحصار المفروض عليه، بأنه ضغوط على الشعب اللبناني، أصبحت غير مقنعة لدى كثير من اللبنانيين والعرب، فأزمة القوى الكبرى مع حزب الله، وليست مع المكونات اللبنانية الأخرى.

النفط الإيراني لن يحلّ مشاكل لبنان، وحتى لو كان هذا النفط أمريكياً أو سعودياً، فلن يحل مشاكل لبنان، حل مشاكل لبنان لن يكون إلا بتوافقات بين النخب السياسية اللبنانية، لم يعد ممكناً تحقيقها بمقاربات إبعاد لبنان عن تجاذبات الإقليم، ويبدو أنّ مقولة في لبنان تمارس القوى الدولية والإقليمية حروبها وتوافقاتها مقولة صحيحة، لأنه لا حل في لبنان إلا بالتوصل إلى توافقات بين الفاعلين الدوليين والإقليميين، وربما يكون في مقدمة ذلك الصفقة الأمريكية- الإيرانية القادمة، والمؤكد أنها ستشمل لبنان كما ستشمل إسرائيل، وهو ما يعني أنّ لبنان وغيره من دول في المنطقة سيبقى يعاني بانتظار إنجاز تلك الصفقة الموعودة، وبدونها ستبقى المنطقة أسيرة لتداعياتها إلى أجل غير مُسمّى. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية