هل صفّت ألمانيا فعلاً حساباتها مع الماضي النازي؟

هل صفّت ألمانيا فعلاً حساباتها مع الماضي النازي؟


19/09/2018

ترجمة: محمد الدخاخني


أصابت الدّهشة جانباً كبيراً من العالم من جرّاء أعمال الشّغب الّتي اندلعت في ألمانيا أواخر الشّهر الماضي، عندما خرج آلاف النّازيّين الجدد والمتعاطفين مع النّازيّة إلى شوارع كيمنتس، وقاموا بمطاردة المهاجرين، فيما كانت الشّرطة تقريباً عاجزة عن إيقافهم. وفي هذه الأثناء، يواصل تأييد حزب اليمين المتطرّف الجديد في ألمانيا، البديل من أجل ألمانيا، صعوده؛ ففي مسح أُجري بعد أعمال الشّغب المذكورة، تفوّق حزب البديل من أجل ألمانيا على الحزب الاشتراكيّ الدّيمقراطيّ الألمانيّ ليصبح ثاني أكثر الأحزاب شعبيّة في البلاد. ويخوض البديل من أجل ألمانيا حربه ضدّ "ثقافة الذّاكرة" في ألمانيا، داعياً إلى وضع حدّ للاعتذار عن الماضي.

صعود حزب البديل من أجل ألمانيا وانفجار الكراهية في كيمنتس هي أمور مرتبطة بوضوح بماضيها النّازيّ

وخلال الحملة الانتخابيّة، في أيلول (سبتمبر) العام 2017، ألقى أحد قادة الحزب، ألكسندر غولاند، خطاباً قال فيه "لم يحصل لأيّ شعب آخر أن طُرِح عليه بشكل واضح ماضيه في صورة كاذبة مثل الألمان". ودعا غولاند إلى "إعادة الماضي إلى الشّعب الألمانيّ"، وهو ما قصد به ماضٍ كان فيه الألمان أحراراً بأن "يفتخروا بإنجازات جنودنا في الحربين العالميّتين".

يوم السّبت، طرحَت مقالة في صحيفة ديد زايت الألمانيّة السّؤال التّالي: "هل ألمانيا مهدّدة بـ 1933 أخرى؟".

كلّ هذا يصعب على الأمريكيّين فهمه. فألمانيا تلعب دوراً خاصّاً في حياتنا السّياسيّة والثّقافيّة؛ غالباً ما يتمّ اعتبارها مثالاً لبلد، على عكس الولايات المتّحدة، واجه بجرأة ماضيه الفظيع، ثمّ واصل رحلته ليصبح بلداً ديمقراطيّاً ليبراليّاً حقيقيّاً. حتّى في النّقاشات المعنيّة الّتي جرت حول الحركات اليمينيّة المتطرّفة الّتي أخذت تصعد في أوروبا خلال العام الماضي - والّتي أشير فيها إلى دول مثل؛ هانغاريا وفرنسا والسّويد في كثير من الأحيان -، يبدو أنّ ألمانيا قد خرجت بلُطف من الحديث. فألمانيا قد كفّرت عن ماضيها و"تخطّته".

بالرّغم من الفائدة الظّاهرة لتلك السّرديّة، إلّا أنّها إشكاليّة بشكل عميق بثلاث طرق على الأقل. إنّها إشكاليّة أخلاقيّاً - فهي مهينة لأطفال اليهود الألمان، من أمثالي، الّذين يدركون بشكل مؤلم زيفها. كما أنّها إشكاليّة معرفيّاً في اقتراحها أنّ عمليّة مواجهة وتخطّي ماض وطني صعب بأمانة أسهل كثيراً ممّا هي عليه. وهي إشكاليّة سياسيّاً؛ لأنّها تغذّي لغة اليمين المتطرّف في ألمانيا، بأنّ ألمانيا قد أثقِلَت على نحو غير عادل بذنب تاريخيّ.

اقرأ أيضاً: آلاف النازيين الجدد في شوارع ألمانيا... هذه مطالبهم

لا يعني هذا أنّ ألمانيا لم تقطع شوطاً طويلاً نحو التّحوّل الوطنيّ. لكن صعود حزب البديل من أجل ألمانيا وانفجار الكراهية والعنف العنصريّين في كيمنتس،  وهي أمور مرتبطة بوضوح بماضيها النّازيّ، كلّها تُظهِر مدى الصّعوبة الّتي كان عليها النّضال من أجل الحفاظ على ثقافة ديمقراطيّة ليبراليّة، وسلطة التّاريخ الّذي خيضت هذه المعركة ضدّه. إنّه إذا كان ينبغي الإشادة بألمانيا، فذلك لأنّ تاريخها حاضر على الدّوام، ونضالها مستمرّ، وليس لأنّ هذا التّاريخ قد جرى التّغلب عليه.

خرج آلاف النّازيّين الجدد والمتعاطفين مع النّازيّة إلى شوارع كيمنتس

ذكريات برلينيّة

لقد زرت برلين بانتظام لأكثر من 30 عاماً. وفي أوّل يوم لي هناك في كلّ مرّة أقوم بالشّيء نفسه - أذهب إلى أوليفاير بلاتز في بلدة شارلوتنبورغ وأحتسي القهوة في مقهى يطلّ على الميدان. كانت أوليفاير بلاتز حديقة والدي، مانفريد، المفضّلة أثناء طفولته في برلين في ثلاثينيّات القرن العشرين. وقد عاش جدّه وجدّته، يعقوب وروزا، في شارع كورفورستيندام. وذلك على بعد عدّة مربّعات سكنيّة من كنيس فازانينشتراس، حيث كان جدّي الأكبر، ماغنوس دافيدسون، يقوم بدوره كزعيم روحيّ رئيس منذ عام 1912 وحتّى تدمير الكنيس في مجزرة كريستالناخت. إنّ أسعد الذّكريات الّتي احتفظ بها والدي من طفولته في برلين تعود إلى أوقات لعبه في أوليفاير بلاتز. وهذا أيضاً هو المكان الّذي تعرّض فيه والدي للضّرب مراراً، حتّى أنّه ذات مرّة ضُرب على نحو مبرّح إلى درجة أنّ مربّيته كان عليها أن تحمله إلى أمّه نازفاً وفاقداً للوعي.

عندما جئت لأوّل مرّة إلى برلين، في عام 1985، كنت باحثاً ضمن برنامج تبادل بين الكونغرس والبوندستاغ، حيث عشت لمدّة عام مع عائلة مضيفة في رورغبيت. وكجزء من البرنامج، نظّمت للحاصلين على المنحة الّذين كنت واحداً منهم رحلةً إلى برلين، حيث استقبلَنا نواب البوندستاغ الألمانيّ وأُخِذنا في جولة داخل المدينة. في ذلك العام، ألقى رئيس البوندستاغ، فيليب ينينغر، خطاباً أمام مجموعتنا. وفي كلمته، رثى المعاناة الألمانيّة - ولكن ليس معاناة عائلتي الألمانيّة. فعوضاً عن ذلك، تحدّث بإسهاب عن مائة أو نحو ذلك من الألمان الّذين قُتلوا في ربع القرن الماضي وهم يحاولون عبور جدار برلين، فضلاً عن تشتّت العائلات بسبب تقسيم ألمانيا.

إنّ عائلتي، أيضاً، شُتّتت بسبب تقسيم ألمانيا. فقد حصل جدّي، ألكسندر إنتراتور، على تأشيرته إلى لندن في عام 1938. فيما بقيت جدّتي، إلسي، مع والدي خلال أهوال كريستالناخت وحتّى تمّوز (يوليو) 1939، عندما حصلوا بأعجوبة وفي آخر لحظة ممكنة على تأشيرات دخول إلى الولايات المتّحدة. ولم يتمّ لَم شمل كلّ من والدي ووالده لعقد آخر، ممّا جعل العلاقات الوثيقة الّتي غالباً ما تتشكّل بين الوالد والطّفل مستحيلة. لقد اقتلعت عائلتي الألمانيّة بعنف من جذورها. وكما كتبَت جدّتي إلسي في مذكّراتها عام 1957:

بالرّغم من التّباهي الّذي انتابني لكوني محظوظة لأبدأ حياة ثانية، بعيداً عن المكان الّذي ولدتّ فيه، إلّا أنّني لم أكن مستثناة من الشّعور بالحسرة. فقد كانت جذوري تضرب عميقاً في ترابهم الألمانيّ الأصليّ. ربّما قُطِع جزءٌ وبَقِي هناك، إذ كيف لي أن أشرح أنّ قلبي في بعض الأحيان يبدو وكأنّه يُستمال بواسطة قوّة على بعد آلاف الأميال؟ ... اليوم ما تزال النّدوب تؤلِم من جرّاء تمزيق الجذّور، مثلما تجعل بقيّة السّاق المبتورة المرءَ يقول: "قدمي تؤلمني"؛ بالرّغم من معرفته أنّه ما من قدم هناك لتؤلِمه.

اقرأ أيضاً: أسلي أردوغان: تركيا الآن ألمانيا النازية في الثلاثينيات

وفي عام 1985، في برلين، تساءلت علانية عن السّبب وراء عدم وجود إشارة إلى الدّمار الّذي لحق بعائلتي في النّصب التّذكاريّة الموجودة في شوارع برلين أو في الخطابات الّتي تُلقى على طلّاب التّبادل الزّائرين. لقد تغيّر الكثير في هذا الصّدد، لكن هذا التّغيّر كان حديثاً للغاية. باعتباري طفلاً ولد لأبوين من يهود برلين كان يأتي إلى المدينة لأعوام عديدة، يُعدّ هذا التّغير موضع ترحيب كبير. فبالنّسبة للغالبية العظمى من حياتي البالغة، كان تاريخ اليهود في برلين ومآسيهم ومصيرهم غير مرئيّ. هذه النّصب التّذكاريّة الحديثة في برلين - لا سيما النّصب التّذكاريّ لليهود الّذين جرى قتلهم في أوروبا، والمعروف باسم النّصب التّذكاريّ للمحرقة، الّذي افتتح عام 2005 -، يتمّ الاحتفاء بها على نطاق واسع، وبشكل عادل. وتعتبر النّصب التّذكاريّة بداية إيجابيّة - لكن عندما تفسح هذه البداية الطّريق لظهور حزب البديل من أجل ألمانيا، فإنّه يجب على المرء أن يتساءل عن مدى حقيقة تمثيلها للمشاعر الضّمنيّة للبلد.

العلامات الخاصّة بسور برلين تُقزّم مادّيّاً تلك الموجودة في متحف طوبوغرافيا التّاريخ الإرهابيّ

السّؤال: هل صفّت ألمانيا فعلاً حساباتها مع الماضي؟

عندما يزور السّيّاح الأمريكيّون برلين اليوم، فإنّهم غالباً ما يغادرون بشيء مشابه للسّرديّة الّتي تعرّضت لها في الثّمانينيّات. فنقطة تفتيش شارلي والعلامات الخاصّة بسور برلين تُقزّم مادّيّاً تلك الموجودة في متحف طوبوغرافيا التّاريخ الإرهابيّ، كما لو كان موضوع إحياء الذّكرى هو فكرة لاحقة لما يوحي به محيطها المباشر بأنّه مأساة ألمانيا الحقيقيّة. بالنّسبة إلى العديد من الأمريكيّين، برلين ليست عاصمة هتلر؛ بل موقع جدار برلين، رمز الضّحيّة الألمانيّة.

اقرأ أيضاً: الملف المنسي للإخوان والنازية

وفي وعي المثقّفين خارج ألمانيا، حيث قضيت معظم حياتي، ترتبط ألمانيا بالفعل بماضيها، ولكن بشكل إيجابيّ. تُقدّم ألمانيا في كل مكان كبلد نموذجيّ، كواحد من البلدان القليلة في التّاريخ الّتي واجهت جرائمها بصدق. إنّه بمثابة كلِشِيه في العالم أنّ ألمانيا قد "صفّت حساباتها" مع ماضيها. في الواقع، يتمّ رفع ألمانيا كمثال فريد لأمّة أخلاقيّة، أمّة واجهت تاريخها بصدق، بوصفها بطلة العالم في الذّاكرة.

لكن متى كانت لحظة تصفية الحساب هذه، تلك المرّة التي واجهت فيها ألمانيا ماضيها؟

كان ما أُطلِق عليه Historikerstreit عبارة نقاش عُقِد في منتصف وأواخر الثّمانينيّات في ألمانيا حول ما إذا كان الوقت قد حان للبلاد لتجاوز مناقشة ماضيها النّازيّ. ومن الافتراضات المسبقة لذلك النّقاش أنّ عمليّة "تصفية ألمانيا لحسابها مع ماضيها" كانت تمضي لبعض من الوقت قبل ذلك. في الواقع، يجب أن تكون عمليّة تصفية الحساب قد حدثت قبل فترة طويلة من Historikerstreit، بما أنّ الأطروحة المركزيّة الّتي تمّ مناقشتها كانت أنّه قد مضى وقت طويل حتّى تنتهي مثل هذه التّصفية. لقد ذهبتُ إلى كلّ من المدرسة الثّانويّة والجامعة في ألمانيا في منتصف الثّمانينيّات، تقريباً في الوقت الّذي كان يدور فيه الـ Historikerstreit. والافتراضات المسبقة لهذا النّقاش لا تفاجئني. ففي ذلك الوقت، كانت إثارة مسألة ماضي عائلتي مخاطرة بالغضب أو أخذ موقف دفاعيّ. وكان ردّ الفعل دائماً كما هو، حتّى عندما كنت أشرح تاريخ والديْ ببساطة. "لم تواجه أمريكا تاريخها مع العبوديّة" أو "ماذا عن الإبادة الجماعيّة للأمريكيّين الأصليّين؟" و"ماذا عن فيتنام؟". كان الألمان في ذلك الوقت يقولون لي إنّه يجري إثقالهم بالّذنب على نحو غير عادل.

في مدرستي الثّانويّة ناقشنا المحرقة (الهولوكوست). على وجه التّحديد، ناقشنا أوشفيتز. عُلّمنا أنّ الألمان العاديّين في ذلك الوقت لم يكونوا يعلمون شيئاً عن معسكرات الاعتقال النّازيّة الموضوعة على الأراضي البولنديّة. وعُلّمنا أنّ الحرّاس الّذين كانوا في معسكرات الاعتقال هذه نادراً ما كانوا من الألمان الغربيّين - إنّما كانوا في الغالب من الأوروبيّين الشّرقيّين، كما لو كان ذلك يشير إلى أن نسب الهولوكوست فقط إلى ألمانيا يُعدّ مبالغة في الأمر. هذا التّركيز الحصريّ على معسكرات الاعتقال جعلني مشوّشاً. فوالدتي شرق بولندية ونجت من الحرب في معسكر عمل في سيبيريا. وقد قتلَ الجنود الألمان جميع أعمامها وعمّاتها، وجميع أبنائهم، في غضون أشهر من غزو هتلر لبولندا الشّرقيّة. لم تكن هذه "المحرقة بالرّصاص" من موضوعات فصولنا الدّراسيّة. ومع ذلك، فإنّ معظم العائلات الألمانيّة الّتي قابلتها في سنوات حياتي في ألمانيا لديها فرد واحد على الأقل من أفراد العائلة خدم في الجبهة الشّرقيّة. لقد ناقش الألمان الماضي، لكنّه كان ماضياً مختاراً بعناية.

اقرأ أيضاً: "غوغل" يواجه حزب النازيين الجدد في ألمانيا

وكما أكّد المؤرخ التّشيكيّ المولد شاول فريدلاندر في أعماله، يبدو أنّ الحوارات الألمانيّة حول ماضي ألمانيا قد تمّت دون اهتمام كبير بمنظور مجموعة هي أيضًا معنيّة: اليهود الألمان، وأحفادهم. كانت المصالحة الألمانيّة في المقام الأوّل نقاشاً بين الألمان غير اليهود فيما بينهم. إنّ حواراً حول مواجهة الماضي يحدث داخليّاً بين أحفاد أولئك المتواطئين في ذلك الشّرّ الرّهيب، دون أيّ اهتمام كبير بمنظور أحفاد أولئك المتأثّرين بشكل رهيب من هذا الشّرّ، لا يرقى إلى مستوى التّصفية الكاملة للحساب، تماماً كما أنّ نقاشاً للبطرياركيّة يجري فقط بين الرّجال سيكون غير كاف. وبالمثل، فإنّ نقاشاً ألمانيّاً حول الماضي دون أصوات اليهود الألمان أو الأوروبيّين الشّرقيّين لا يمثّل أيّ تصفية حساب على الإطلاق.

الألمان العاديّون لم يكونوا يعلمون شيئاً عن معسكرات الاعتقال النّازيّة لى الأراضي البولنديّة

الأسطورة السّياسيّة

إنّ بعض الأساطير مفيدة سياسيّاً. على سبيل المثال، من بين المبادئ الأساسيّة للاشتراكيّة القوميّة كان الإيمان الرّاسخ بالتّفوق الألمانيّ، وهو المكافئ الألمانيّ تحديداً لما يُسمّى أحياناً "التّفوّق الأبيض". لم يكن هذا الإيمان بالتّفوّق الألمانيّ في الواقع موضع تحدٍّ قويّ في هذا البلد. إنّ "المبادئ التّوجيهيّة" الصّادرة عام 1919 عن حزب العّمال الألمانيّ (دي أي بي) - وذلك هو الاسم الأصليّ للحزب النّازيّ -، تطرح سؤال "من الّذين يخوض حزب العمّال كفاحه ضدّهم؟". والجواب: "ضدّ كلّ أولئك الّذين لا يخلقون أيّ قيمة، الّذين يحقّقون أرباحاً عالية دون أيّ عمل عقليّ أو بدنيّ. نخوض كفاحنا ضدّ ذوي الرّتابة في الدّولة؛ وهؤلاء هم في الغالب يهود؛ إنّهم يعيشون حياة جيّدة، ويحصدون ما لم يزرعوا".

اقرأ أيضاً: ضياء خان تفضح النازيين الجدد في فيلمها "اليمين الأبيض: لقاء العدو"

لقد استخدمَت الأيديولوجيا النّازيّة أخلاقيّات العمل المفترضة الفريدة للألمان للتّميّيز بين الآريين واليهود. وهذه الأسطورة الوطنيّة سُمِح لها بأن تستمرّ على نحو غير قابل للتّفسير: من المعجزة الاقتصاديّة Wirtschaftswunder في الخمسينيّات إلى الأزمة الماليّة في العقد الماضي. وألمانيا هي الدّولة الّتي جلبت للعالم شعار "العمل يحرّرك". إنّه لَفشل فريد في تعليم الهولوكوست الألمانيّ أن ما يزال الألمان يستخلصون الفروق الوطنيّة باستخدام هذه الأيديولوجيا، على سبيل المثال بين الألمان واليونانيّين.

اقرأ أيضاً: مؤرخ : "النازيون جلبوا مسلمين لتعويض الخسارة على الجبهات"

وفي الولايات المتّحدة، بدا من المفيد اعتبار ألمانيا مثالاً إيجابيّاً: إذا كانت ألمانيا قد تمكّنت من مواجهة ماضيها بسرعة وفعالية، فمن المؤكد أنّه ينبغي علينا أن نتجرّع تاريخنا ونواجهه، وسوف تتخلّص أمريكا قريباً من التّفوّق الأبيض. لكن سهولة التّغلب على الماضي الصّعب هي في حدّ ذاتها أسطورة خبيثة. فالنّضال من أجل الحفاظ على ثقافة ديمقراطيّة ليبراليّة حيث العيش مع أشباح مخيفة، في الحقيقة، لا ينتهي أبداً. وحتّى لو كانت أسطورة الّلحظة النّاجحة من تصفية الحساب الألمانيّة وسيلة، فإنّه سيظلّ من الإشكاليّ سياسيّاً استغلالها. والقيام بذلك، كما نرى الآن، عَمِل على تغذية النّيران الفاشيّة الألمانيّة. فقادة حزب البديل من أجل ألمانيا يستغلّون بشدّة هذه السّرديّة، كجزء من بكائهم الحزين بأنّ الألمان قد جرى وضعهم ضحية الذّنب بشكل غير عادل. ولكن من الّذي يمكنه حقّاً تحديد موعد اكتمال تصفية الحساب؟

اقرأ أيضاً: معالم في الطريق: بيان ساحر يعيد إنتاج النازية دينيّاً

لقد تلقّى والدي مدفوعات شهريّة صغيرة تعويضيّة Wiedergutmachung من الحكومة الألمانيّة لتعويضه عن الضّرب الّذي تعرّض له في شوارع برلين، الضّرب الّذي ترك به إصابات صاحبته على مدار الحياة. وعندما توفّي في أيلول (سبتمبر) 2004، تلقّت عائلتنا رسالة من الحكومة الألمانيّة تُعلِن فيها نهاية هذه المدفوعات. وذكرت الرّسالة أن قضيّة مانفريد ستانلي قد تمّت تسويتها الآن.


جيسون ستانلي، النيويورك تايمز

الصفحة الرئيسية