هل فشل النموذج الصديق للغرب في أفغانستان؟

هل فشل النموذج الصديق للغرب في أفغانستان؟


22/08/2021

ترجمة: علي نوار

سيطرت حركة طالبان على الغالبية العظمى من أراضي أفغانستان، أثناء عامَي 1996 و2001، وهي الفترة التي ندّدت خلالها أطراف دولية عديدة بانتهاكات لحقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه الخصوص، وعلى مدار العقود الماضية كانت الحركة مُحاصرة في مناطق نائية من أفغانستان، إلّا أنّها قاتلت ضدّ الحكومة الأفغانية والقوات الدّولية وتمكّنت من توسيع نطاق نفوذها.

ويبدو أنّ التاريخ يعيد نفسه في أفغانستان؛ ففي السادس والعشرين من أيلول (سبتمبر) عام 1996، دخلت قوات حركة طالبان مدينة كابول بهدف إقامة إمارة إسلامية دامت لما يزيد عن خمسة أعوام، وأحدثت صدمة كبيرة في المجتمع الدولي حتى سقوط نظام الحركة في أعقاب الغزو العسكري الذي نفّذه حلف شمال الأطلسي "ناتو"، في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2001.

وبعد 20 عاماً تقريباً من هذا الغزو، الذي قلّص نفوذ طالبان كثيراً في الأراضي الأفغانية، يطلّ سيناريو 1996 برأسه من جديد؛ فبعد عمليات لم تستغرق سوى أسابيع معدودة، نجح مقاتلو طالبان في تقويض سلطات حكومة الرئيس أشرف غني، ثم دخلوا أخيراً العاصمة من أجل استردادها، بعد تأكيد سطوتهم على 90% من أراضي البلاد على الأقل.

ولاستيعاب ما قد يكون مستقبل أفغانستان خلال الأعوام المُقبلة تحت سيطرة طالبان، ينبغي أولاً فهم جذور هذه الجماعة المسلّحة والعمليات التي قامت بها على مرّ تاريخها.

ما بعد الحرب ضدّ الاتحاد السوفييتي.. الشرارة الأولى

تعود أولى الوثائق التي تؤكّد وجود مقاتلين يُطلقون على أنفسهم اسم "طالبان" إلى عقد التسعينيات من القرن العشرين؛ حين كانت أفغانستان في تلك الحقبة دولة فاشلة تماماً ومُدمّرة بفعل أعوام من الحرب ضدّ الاتحاد السوفييتي البائد والاقتتال الأهلي بين أمراء الحرب الذين تضخّمت ثرواتهم بفضل النزاعات القبليّة والعرقيّة.

وقد حاول الاتحاد السوفييتي منذ عام 1980 إقامة حكومة اشتراكية تعمل على تطبيق الأفكار والمبادئ المُوجّهة من موسكو؛ لذلك قرّر السوفييت غزو أفغانستان عسكرياً، وسط شعور عميق بالقدرة على مدّ نفوذه هناك بصورة خاطفة؛ نظراً إلى أنّ أفغانستان كانت في ذلك الوقت دولة ريفية بامتياز، وتغرق في وحل الفقر، لكنّ السوفييت كانوا على خطأ تامّ.

كانت حرب أفغانستان مستنقعاً لا قرار له، استنزف الاتحاد السوفييتي وكانت إحدى الأسباب التي أدّت إلى انهياره واندثاره تماماً، وبعد تلاشي النفوذ السوفييتي بالمنطقة، دخلت أفغانستان في مرحلة من انعدام الاستقرار السياسي واتّسع المجال لأمراء الحرب كي يمدّوا نفوذهم بأجزاء مُعيّنة من أفغانستان؛ حيث دأبوا على إذكاء نيران الاقتتال العرقي والقبلي، دون أن يتمكّن أيّ منهم من فرض نفوذه على البلاد بالكامل.

تعرّضت المرأة الأفغانية لنصيب الأسد التشدد الطالباني؛ حيث جرى إقصاؤها وقصر وجودها على المنزل، بعد حرمانها من التعليم أو مزاولة أية مهنة

وفي خضمّ هذا المشهد؛ أرسى الجنود الذين قاتلوا ضدّ الغزو السوفييتي أسس ما ستصبح لاحقاً حركة طالبان، وتُعني الكلمة في اللغة البشتونية المحلّية "طالب العلم الشرعي"، وقد انتهجت الحركة أفكاراً إسلامية حداثية تمتزج برفض حاد لحالة الفوضى التي كانت تعمّ البلاد في تلك الأعوام، علاوة على "الفجور" و"التأثير الغربي".

ويتبنّى هذا الفكر بشكل أساسي البشتون، وهم العرق الذي يُمثّل أغلبية سُكّان أفغانستان، المنتشر خصوصاً في مناطق جنوب ووسط البلاد، لكنّ العرقيّات الأخرى التي تُعدّ أقلّية، لا سيما في شمال أفغانستان، كانت تنظر بتحفّظ لتنامي قوّة هذه الحركة.

وبدعم دول إسلامية مُختلفة، أخذ نفوذ حركة طالبان في الازدياد بقوّة وسرعة، في الفترة بين عامَي 1994 و1996، قبل أن تبدأ المواجهة بينها وبين أمراء الحرب المسيطرين على ولايات عدّة من البلاد، وكانت أوّل ضربة كُبرى للحركة سيطرتها على مدينة قندهار، الواقعة جنوب أفغانستان. واكتسبت هذه المدينة أهمّية تاريخية لا مثيل لها منذ ذلك الحين بالنسبة إلى طالبان.

وبعد أعوام من المعارك العنيفة، وفي 26 أيلول (سبتمبر)، دخل مقاتلو طالبان العاصمة كابول، وطردوا قوّات أمير الحرب، أحمد شاه مسعود، منها، وهو الذي كان أحد ألدّ أعداء الحركة، والتي لم تتوانَ عن إعلان قيام إمارة إسلامية في أفغانستان تحت إمرة المُلّا محمد عمر.

نظام ديني مُتشدّد

احتفى قطاع لا بأس به من الأفغان بوصول حركة طالبان إلى سُدّة الحُكم، ونجحت الجماعة بنسبة كبيرة في إنهاء حالة الفوضى المُستمرّة، التي نجمت عن عقود من الاقتتال الداخلي ووجّهت ضربات قاسية للفساد المُستشري في مفاصل الدّولة.

لكن، ومن أجل فرض هذا النظام الصارم، تمّ إعلان تشريعات مفرطة في التشدّد تستند إلى تأويل مُتطرّف للغاية للشريعة الإسلامية.

وتعرّضت المرأة الأفغانية لنصيب الأسد من تبعات هذه الصرامة؛ حيث جرى إقصاؤها وقصر وجودها على المنزل، بعد حرمانها من مزاولة أية مهنة، أو حتّى الحصول على أيّ نوع من التعليم، وفي الفترة بين عامَي 1996 و2001 لم يكن بوسع النساء الأفغانيات الخروج من منازلهنّ دون مُرافق، وكُنّ ضحيّة لكلّ انتقاص من حقوقهنّ الأساسية، كان هذا الأمر هو ما أحدث صدمة كُبرى في أوساط المُجتمع الدّولي في ذلك الوقت.

لم يسفر النموذج الصديق للغرب الذي أقيم في أفغانستان عن تعزيز الديمقراطية؛ بل نتجت عنه ما تشبه الفقاعة الاقتصادية والسياسية في كابول وضواحيها

إضافة إلى كُل ذلك، كانت مسألة تطبيق الحدود الأقسى من الشريعة مُثيرة للقلق؛ فالزنا كانت نتيجته الإعدام على الملأ، والسرقة عقوبتها بتر اليدّ في العلن أيضاً، كما اتّسمت تلك الفترة بالتضييق الخانق على الأدب والتصوير والموسيقى والرقص، وأيّ من مظاهر الفنّ بشكل عام؛ بل إنّ العقوبات المفروضة على مُرتكبي تلك "الجرائم" كانت تُنفّذ في حالات عديدة من قبل عائلة المُتّهمين نفسها تحت وطأة الضغط.

وخلال تلك الأعوام، نجح فقط "تحالف الشمال"، المُكوّن بالأساس من المُرتزقة وأمراء الحرب، الذين تمكّنوا من زيادة نفوذهم في المناطق الجبلية الواقعة أقصى شمال البلاد، في تشكيل نوع من المقاومة لحكومة طالبان بقيادة المُلّا عمر.

بيد أنّ الاهتمام الدّولي لم ينصبّ على هذا الفصيل إلا بعد توجيه اتّهامات لحكومة طالبان بإيواء إرهابيين، وبالفعل سقط نظام طالبان في حالة من العُزلة الدولية التامّة، خاصة بعد تزايد الشُبهات والاتهامات من دول الغرب بتحويله أفغانستان إلى مُعسكر لتدريب عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي.

وساءت الأمور أكثر فأكثر في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001 الإرهابية ضدّ الولايات المتحدة، ومنح واشنطن مُهلة لحركة طالبان كي تُسلّم أسامة بن لادن وأعضاء القاعدة المتواجدين على الأراضي الأفغانية، وهو ما لم يحدث، فنتج عنه غزو القوّات الدولية للأراضي الأفغانية، في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2001، وأطلقت على هذه العملية مُسمّى "الحُرّية الدائمة".

وبعد مرور ثلاثة أشهر تقريباً، سقط نظام طالبان على يدّ القوات الدولية، التي يعاونها "تحالف الشمال"، واضطّرت قيادات الحركة للهرب ومغادرة البلاد.

20 عاماً من العمل في الظلّ

إلا أنّ انهيار حكومة طالبان لم يؤدّ إلى تدمير الحركة، رغم انقسامها خلال الأعوام الأولى من سقوط الإمارة الإسلامية في أفغانستان بين عدّة فصائل، إلّا أنّها أخذت في استعادة سطوتها من جديد، وبشكل تدريجي، من خارج الحدود في بادئ الأمر، ثمّ المناطق النائية من البلاد.

في الوقت ذاته، لم يسفر النموذج الصديق للغرب الذي أقيم في أفغانستان عن تعزيز الديمقراطية في البلاد؛ بل نتجت عنه ما تشبه الفقاعة الاقتصادية والسياسية في كابول وضواحيها، والتي تختلف كُلّياً عن واقع الفقر والإحباط الذي كان يُخيّم على المناطق الريفية من البلاد.

بالتالي، أضحت حالة الاستياء من أداء الحكومة الديمقراطية نتيجة لإغراقها في الفساد والوعود غير المُتحقّقة، فضلاً عن وجود القوات الأجنبية في المنطقة، تُربة خصبة مثالية لمقاتلي حركة طالبان، كي يستأنفوا أنشطتهم.

واقتصرت هذه الأنشطة خلال حقبة حكومة حامد كرزاي على أعمال إرهابية، وكان نفوذ طالبان محدوداً ومُشتّتاً، قبل أن يزداد وجودها اعتباراً من 2011، ويمتدّ إلى مناطق عديدة؛ لذلك قرّر الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، زيادة أعداد الجنود الأمريكيين المنتشرين بالمنطقة، الأمر الذي لم يفد كثيراً.

وبعد أعوام، بدا واضحاً أنّ العمل العسكري لم يُسهم في إيجاد حلّ للنزاع بأفغانستان، وبدأت جهود التوصّل إلى اتّفاق، ومع تراجع أعداد القوّات الدّولية، عاد نفوذ طالبان للتوسّع شيئاً فشيئاً من جديد، قبل أن يتأكّد هذا التوجّه بالاتّفاق مع الولايات المتحدة على خروج قوّاتها من الأراضي الأفغانية.

لقد استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على مدى عقدين في أفغانستان، دون أن يُترجم ذلك في صورة بنية تحتية حكومية قوية قادرة على تحجيم خطر طالبان، التي تمكّنت في غضون أسابيع قليلة من السيطرة على جميع عواصم الولايات، وصولاً إلى كابول في النهاية، دون أيّة مقاومة تُذكر من جانب القوّات المسلّحة، التي انشقّت أو رفضت القتال في مناسبات لا حصر لها.

من المؤكّد أنّ أفغانستان تشهد هذه الأيام نهاية مرحلة محاولات مقرطة البلاد والعودة للإسلام السياسي المتُشدّد بعد 20 عاماً من الحرب ضدّ الحكومة والقوّات المسلّحة الأجنبية.

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/3g8oaXb




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية